تِجَاهَ الرَّيْحَانِي شَكْوَايَ الْعَامَّة

Wave Image
إِنَّ الْــعِــرَاقَ بِــعَــرْضِــهِ وَبِــطُـولِـهِ
وَبِــرَافِــدَيْــهِ وَبَـاسِـقَـاتِ نَـخِـيـلِـهِ
يَـهْـتَـزُّ مُـبْـتَـهِـجًـا بِـمَـقْـدَمِ ضَـيْـفِهِ
وَيَـبَـشُّ مُـبْـتَـسِـمًـا بِـوَجْـهِ نَـزِيـلِـهِ
وَمُـرَحِّـبًـا وَالـشُّـكْـرُ فِـي تَـرْحِـيـبِهِ
وَمُــؤَهِّــلًا وَالْــحَـمْـدُ فِـي تَأْهِـلـيـهِ
بِــرَبِــيــبِ لُــبْــنَــانٍ بِــرَيْــحَـانِـيِّـهِ
بِـكَـبِـيـرِ مَـعْـشَـرِهِ بِـفَـخْـرِ قَـبِـيـلِـهِ
بِــالْــعَـبْـقَـرِيِّ بِـفَـيْـلَـسُـوفِ زَمَـانِـهِ
بِأَدِيــبِ أُمَّــتِــهِ بِــدَاهِــي جِــيــلِـهِ
بِأَصَـــحِّ أَحْـــرَارِ الْأَنَـــامِ تَـــحَـــرُّرًا
فِــي فِــكْــرِهِ وَبِــفِــعْـلِـهِ وَبِـقِـيـلِـهِ
إِنَّــا نُــبَــجِّــلُ مِـنْـهُ خَـيْـرَ مُـبَـجَّـلٍ
تَـبْـجِـيـلُ كُـلِّ الْـفَـضْـلِ فِي تَبْجِيلِهِ
أَأَمِـيـنُ جِـئْتَ إِلَى الْعِرَاقِ لِكَيْ تَرَى
مَـا فِـيـهِ مِـنْ غُـرَرِ الْـعُـلَا وَحُجُولِهِ
عَـفْـوًا فَـذَاكَ الـنَّـجْـمُ أَصْـبَـحَ آفِـلًا
وَالْــقَـوْمُ مُـحْـتَـرِبُـونَ بَـعْـدَ أُفُـولِـهِ
أَوَمَـا تَـرَى قُـطْـرَ الْـعِـرَاقِ بِـحُـسْـنِهِ
قَــدْ فَــاقَ مُـقْـفِـرُهُ عَـلَـى مَأْهُـولِـهِ
أَمَّــا الْــحَـيَـا فِـيـهِ فَـذَيَّـاكَ الْـحَـيَـا
لَـكِـنْ مَـسِـيـلُ الْـمَـاءِ غَـيْـرُ مَـسِيلِهِ
وَرَبِــيــعُــهُ ذَاكَ الـرَّبِـيـعُ وَإِنْ شَـكَـا
مِـنْ جَـهْـلِ سَـاكِـنِهِ اشْتَدَادَ مُحُولِهِ
فَأَقِــمْ بِــهِ وَلَــكَ الْــغِـنَـى بِـفُـرَاتِـهِ
عَـنْ قُـطْـرِ مِـصْـرَ وَعَـنْ مَوَارِدِ نِيلِهِ
وَانْـزِلْ عَـلَـى وَادِي الـسَّـلَامِ مُـمَتَّعًا
بِـرَغِـيـدِ عَـيْـشٍ تَـحْـتَ ظِلِّ نَخِيلِهِ
وَالْـثِـمْ بِـهِ ثَـغْـرَ الـطَّـبِـيـعَـةِ بَـاسِمًا
يَـشْـفِـي مِـنَ الْـمُـشْـتَـاقِ حَرَّ غَلِيلِهِ
وَتَــرَقَّــبَــنْ أَسْــحَــارَهُ حَــتَّــى إِذَا
هَـبَّ الـنَّـسِـيـمُ فُـجُسَّ نَبْضَ عَلِيلِهِ
وَانْـظُـرْ مَـحَـاسِـنَ أَرْضِـهِ وَسَـمَـائِهِ
وَانْــشَــقْ أَرِيــجَ شَـمَـالِـهِ وَقَـبُـولِـهِ
فَــالْــجَــوُّ فِـيـهِ مُـنِـيـرَةٌ أَوْضَـاحُـهُ
وَالْـحُـسْـنُ فِـيـهِ دَقِـيـقُـهُ كَـجَـلِيلِهِ
وَالــلَّــيْــلُ فِــيـهِ مُـكَـلَّـلٌ بِـمُـرَصَّـعٍ
وَكَــوَاكِــبُ الْإِكْـلِـيـلِ مِـنْ إِكْـلِـيـلِـهِ
وَتَـرَى الـنَّـهَـارَ بِـهِ كَـذِهْـنِـكَ وَاقِـدًا
بِـالـشَّمْسِ تُشْرِقُ فِي وُجُوهِ سُهُولِهِ
وَتَـرَى ضِـيَـاءَ الـشَّـمْـسِ فِيهِ مُغَلَّفًا
بِــنَــظِــيـرِهِ وَمُـسَـلْـسَـلًا بِـمَـثِـيـلِـهِ
وَإِذَا وَقَــفْـتَ بِـدَارِسٍ مِـنْ مَـجْـدِهِ
فَـكَـوَقْـفَـةِ الْـبَـاكِـيـنَ بَـيْـنَ طُـلُولِهِ
وَانْـحَبْ كَمَا نَحَبَ الْحَزِينُ مُكَفْكِفًا
غَـرْبَ الـدُّمُـوعِ بِـجَـانِـبَـيْ مِـنْـدِيلِهِ
فَـلَـقَـدْ عَـفَـا الْـمَـجْدُ الْقَدِيمُ بِأَرْضِهِ
وَعَـلَـيْـهِ جَـرَّ الـدَّهْـرُ ذَيْـلَ خُـمُـولِـهِ
وَإِذَا نَــظَــرْتَ إِلَــى قُـلُـوبِ رِجَـالِـهِ
فَـانْـظُـرْ حَـدِيـدَ الـطَّرْفِ غَيْرَ كَلِيلِهِ
تَـجِـدِ الـرِّجَـالَ قُـلُوبُهَا شَتَّى الْهَوَى
مَــدَّ الــشِّـقَـاقُ بَـهَـا حِـبَـالَـةَ غُـولِـهِ
مُـتَـنَـاكِـرِيـنَ لَـدَى الْـخُطُوبِ تَنَاكُرًا
يَـعْـيَـا لِـسَـانُ الـشِّـعْـرِ عَـنْ تَـمْـثِيلِهِ
فَــالْــجَــارُ لَـيْـسَ بِآمِـنٍ مِـنْ جَـارِهِ
وَالْــخِــلُّ لَـيْـسَ بِـوَاثِـقٍ بِـخَـلِـيـلِـهِ
وَالــدِّيــنُ فِــيـهِ يَـقُـولُ ذُو قُـرْآنِـهِ
قَــوْلًا يُــحَــاذِرُ مِــنْـهُ ذُو إِنْـجِـيـلِـهِ
وَإِذَا تَأَوَّلَ قَـــــوْلَــــهُــــمْ مُــــتَأَوِّلٌ
صَـرَفُـوهُ بِـالـتَّـكْـفِـيـرِ عَـنْ تَأْوِيـلِـهِ
وَإِذَا تَــكَــلَّــمَ عَــالِــمٌ فِـي أَمْـرِهِـمْ
خَـفَـرُوا ذِمَـامَ الْـعِـلْـمِ فِـي تَجْهِيلِهِ
حَـالٌ لَـوِ افْـتَـكَـرَ الْـحَـكِـيـمُ بِـكُنْهِهِ
طُـولَ الـزَّمَـانِ لَـعَـيَّ عَـنْ تَـعْـلِـيـلِهِ
مَـــنْ ذَا يُـــبَــدِّلُــهُ فَإِنَّ قَــوَارِعِــي
يَـئِـسَـتْ لَـعَـمْـرُ الـلـهِ مِـنْ تَـبْـدِيـلِهِ
وَالْــجَـهْـلُ لَا يُـبْـقِـي عَـلَـى أَرْبَـابِـهِ
كَـالـسَّـيْـفِ لَـيْـسَ بِـرَاحِـمٍ لِـقَـتِـيلِهِ
أَأَمِــيــنُ لَا تَـغْـضَـبْ عَـلَـيَّ فَإِنَّـنِـي
لَا أَدَّعِــي شَــيْــئًــا بِــغَــيْـرِ دَلِـيـلِـهِ
مِــنْ أَيْــنَ يُـرْجَـى لِـلْـعِـرَاقِ تَـقَـدُّمٌ
وَسَـبِـيـلُ مُـمْـتَـلِـكِـيـهِ غَيْرُ سَبِيلِهِ؟
لَا خَيْرَ فِي وَطَنٍ يَكُونُ السَّيْفُ عِنْـ
ـدَ جَـبَـانِـهِ وَالْـمَـالُ عِـنْـدَ بَـخِـيـلِـهِ
وَالـرَّأْيُ عِـنْـدَ طَـرِيـدِهِ وَالْـعِـلْـمُ عِنْـ
ـدَ غَـرِيـبِـهِ وَالْـحُـكْـمُ عِـنْـدَ دَخِـيلِهِ
وَقَــدِ اسْــتَــبَــدَّ قَـلِـيـلُـهُ بِـكَـثِـيـرِهِ
ظُــلْــمًــا وَذَلَّ كَــثِــيــرُهُ لِــقَـلِـيـلِـهِ
إِنِّــي إِذَا جَــدَّ الْــمَــقَــالُ بِـمَـوْقِـفٍ
فَـضَّـلْـتُ مُـجْـمَـلَـهُ عَـلَـى تَـفْـصِيلِهِ
وَإِذَا الْـمُـخَـاطَـبُ كَانَ مِثْلَكَ وَاعِيًا
أَغْـنَـى اخْـتِصَارُ الْقَوْلِ عَنْ تَطْوِيلِهِ
يَـا مَـنْ يُـكَـتِّـمُ فَـضْـلَـهُ مُـتَـوَاضِـعًا
وَالـنَّـاسُ مُـجْـمِـعَـةٌ عَـلَـى تَـفْضِيلِهِ
شَـكْـوَايَ بُحْتُ بِهَا إِلَيْكَ وَلَيْسَ فِي
شَـكْـوَى الـزَّمِـيـلِ غَـضَاضَةٌ لِزَمِيلِهِ
إِنَّ الْـمَـرِيـضَ لَيَسْتَرِيحُ إِذَا اشْتَكَى
مِــمَّــا بِــهِ لِــطَــبِــيــبِــهِ وَخَـلِـيـلِـهِ
وَكَــذَا الْـحَـزِيـنُ إِذَا تَـهَـيَّـجَ حُـزْنُـهُ
يَـبْـكِـي فَـيَـسْـكُـنُ حُـزْنُـهُ بِـعَـوِيـلِهِ
إِنِّــي لَآنَــفُ أَنْ أَبُــوحَ بِــمُـضْـمَـرِي
إِلَّا لِــمُــقْــتَــدِرٍ عَــلَـى تَـحْـصِـيـلِـهِ
وَلَـدَيَّ إِنْ وَصَـلَ الْـحَـبِـيـبُ تَمَسُّكٌ
بِــالْـعِـزِّ يَـمْـنَـعُ فَـايَ مِـنْ تَـقْـبِـيـلِـهِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: أنشدها في حفلة أقامها المعهد العلمي تكريمًا لأمين الريحاني عند قدومه من بغداد في أيلول سنة ١٩٣٣م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤