الفُصُولُ

Wave Image
طِــيــرِي أَمَــانِـيَّ الـنُّـفُـوسِ وَغَـرِّدِي
فَــلَـقَـدْ دَعَـاكِ الـرَّوْضُ خَـيْـرَ دُعَـائِـهِ
هَــذِي عُــيُــونٌ لِـلـطَّـبِـيـعَـةِ قَـدْ رَنَـتْ
فِــي الــزَّهْــرِ مِـنْ أَكْـمَـامِـهِ وَخِـبَـائِـهِ
بَــسَـطَ الـرَّبِـيـعُ عَـلَـى الْـحَـيَـاةِ رِدَاءَهُ
يَـــا لَـــيْــتَــهَــا أَبَــدًا تُــرَى بِــرِدَائِــهِ
بَــلْ لَــيْـتَـهُ بُـرْدٌ نَـخِـيـطُ عَـلَـى هَـوَى
هَــذِي الـنُّـفُـوسِ لِـكَـيْ تُـرَى بِـرُوَائِـهِ
وَالــشَّــيْءُ لَــوْلَا أَنْ يَــرُوعَ بِــفَــقْــدِهِ
مَــا شَــاقَ عِــنْــدَ قُــدُومِــهِ بِــلِــقَــائِـهِ
•••
لَا كَـــالـــشِّــتَــاءِ تَــزَايَــلَــتْ أَوْرَاقُــهُ
كَــتَــزَايُــلِ الْـمَـهْـجُـورِ عَـنْ قُـرَنَـائِـهِ
تَـــتَــنَــاثَــرُ الْأَزْهَــارُ عَــنْ أَفْــنَــانِــهِ
كَـــتَــنَــاثُــرِ الــلَّــذَّاتِ مِــنْ أَهْــوَائِــهِ
وَتَــخَــالُ إِذْ دَلَــفَ الــشِّــتَــاءُ كَأَنَّــمَـا
سَـــاقَ الــسَّــنَــا بِــدَبُــورِهِ وَرُخَــائِــهِ
هَـرَبُ الـضِّـيَـاءِ مِـنَ السَّحَابِ وَرِيحِهِ
هَـرَبُ الْـكَـعَـابِ مِـنَ الْـهَوَى وَقَضَائِهِ
فَــرَّ الْـخَـرِيـفُ مِـنَ الـشِّـتَـاءِ وَخَـلْـفَـهُ
عَـــادٍ يُـــرِيـــدُ لَـــحَــاقَــهُ بِــجِــرَائِــهِ
مِـثْـلُ الْـمَرِيضِ يَفِرُّ مِنْ عَادِي الرَّدَى
هَــيْــهَــاتَ ذَا، وَالــدَّهْـرُ مِـنْ أَعْـدَائِـهِ
رَاعَ الـــشِّـــتَـــاءُ بِـــقُـــرِّهِ فَـــكَأَنَّــمَــا
أَنْــفَــاسُ ثَــغْــرِ الْــمَـوْتِ قُـرُّ هَـوَائِـهِ
وَالـرِّيـحُ مِـثْـلُ فَـمِ الـشِّـتَـاءِ وَصَـوْتُـهَا
شَـكْـوَى الْـعَـجُـوزِ يَـخَـافُ مِـنْ أَبْـنَائِهِ
نَــقَــمَ الْــعُــقُــوقَ فَـقَـامَ يَـشْـكُـو أَمْـرَهُ
لِــلــنَّــاسِ يَــنْــشُــدُ آسِــيًــا لِــبُــكَـائِـهِ
وَالْأَرْضُ تَـنْـظُـرُ فِـي فُـرُوجِ أَدِيـمِـهَـا
نَــظَــرَ الْــفَــقِــيـرِ إِلَـى ثُـقُـوبِ رِدَائِـهِ
مِــنْ بَــعْـدِ مَـا نَـفِـدَتْ نَـفَـائِـسُ كَـنْـزِهِ
سَــرَفًـا وَشَـحَّ الْـعَـيْـشُ بَـعْـدَ سَـخَـائِـهِ
وَكَأَنَّــمَــا دَجْــنُ الــشِّــتَــاءِ مُــقَــطِّـبًـا
ذِكْــرَى الْــعَــجُــوزِ لِــزَهْـوِهِ وَفَـتَـائِـهِ
وَكَأَنَّــمَـا دَوْحُ الْـخَـمَـائِـلِ فِـي الـدُّجَـى
نَـشْـوَى شَـيَـاطِـيـنُ انْـتَـشَـتْ بِـسِـقَـائِهِ
شَـرِبَـتْ مِـنَ الْإِظْـلَامِ حَـتَّـى أُكْـثِـبَـتْ
تَـبْـغِـي الـنُّـهُـوضَ كَـمُـكْـثِـبٍ مِنْ دَائِهِ
فِــي كُـلِّ غَـضٍّ فِـي الـظَّـلَامِ نَـوَاظِـرٌ
كَــنَــوَاظِــرٍ لِــلْــغَـيْـبِ خَـلْـفَ كِـفَـائِـهِ
وَكَأَنَّـــمَـــا دَوْحُ الـــظَّـــلَامِ ثَـــوَاكِــلٌ
لَــبِــسَـتْ حِـدَادَ الـثُّـكْـلِ فِـعْـلَ نِـسَـائِـهِ
تَــحْــنُـو عَـلَـيْـكَ غُـصُـونُـهَـا فَـكَأَنَّـمَـا
تَـبْـغِـي سِـرَارَ الـسَّـمْـعِ مِـنْ إِصْـغَـائِهِ
وَالـدَّوْحُ يَـهْـفُـو كَـالْـمُؤَرَّقِ فِي الْكَرَى
يَـلْـوِي عَـلَـى الْأَفْـنَـانِ فَـضْـلَ كِـسَـائِهِ
تَــــتَــــرَدَّدُ الْأَرْوَاحُ فِـــي أَفْـــنَـــانِـــهِ
كَــتَــنَــفُّــسِ الــرِّعْــدِيــدِ فِــي لَأْوَائِـهِ
وَكَأَنَّ فِــي إِطْــرَاقِــهَــا وَسُــكُــونِــهَـا
فِــكْــرَ الْــمُــصِــيـخِ لِـرُوحِـهِ وَنِـدَائِـهِ
يَـا لَـيْـتَ بَـعْـضَ الْـعُـمْـرِ تُـقْـطَـعُ بِيدُهُ
وَثْــبًــا وَيُــمْــهِــلُ فِـي سِـنِـيِّ رَخَـائِـهِ
كَــالــسِّــفْــرِ تَـقْـرَأُ بَـعْـضَـهُ مُـتَـرَيِّـثًـا
جَــذِلًا وَتَــطْــوِي بَــعْــضَــهُ لِـهُـرَائِـهِ
أَوْ لَـيْـتَ حَادِي الْأَرْضِ يَعْكِسُ سَيْرَهَا
عَــنْ بَــعْـضِ دَوْرَتِـهَـا بِـوَقْـعِ حُـدَائِـهِ
أوْ لَـيْـتَ هَـذَا الـدَّهْـرَ عَـقْـرَبُ سَـاعَـةٍ
يَــلْــوِي بِــهِ عَــنْ نَــحْــسِـهِ وَشَـقَـائِـهِ
آمَــالُ أَمْــسِ كَــزَهْــرَةٍ قَـدْ صَـوَّحَـتْ
عَــوْدُ الــرَّبِــيــعِ مُــجَــدِّدٌ لِــرَجَــائِــهِ
يَـا نَـفْـسُ لَا تَأْسَـيْ لِـعُـمْـرٍ قَـدْ مَـضَى
بِـــرَبِــيــعِــهِ زَمَــنٌ أَتَــى بِــشِــتَــائِــهِ
تَــتَــشَــوَّفِــيــنَ إِلَــى قَــدِيــمِ عُــهُـودِهِ
نَـظَـرَ الْـغَـرِيـقِ إِلَـى الـسُّـهَى وَسَمَائِهِ
بُـشْـرَاكِ خَـلْـفَ الْـمَـوْتِ لَـوْ تَـرِدِيـنَـهُ
نَــبْــتُ الــرَّبِـيـعِ يَـرُوقُ فِـي غُـلَـوَائِـهِ
كَـالـطَّـيْـرِ بَـعْـدَ الـصَّـيْفِ تَتْرُكُ عُشَّهَا
نَــحْـوَ الْـجَـنُـوبِ تَـرُودُ أَرْضَ ثَـوَائِـهِ
•••
عَـطَـفَ الـنَّـسِـيمُ عَلَى الْأَزَاهِرِ هَامِسًا
أَنَّ الــرَّبِــيــعَ سَــعَــى إِلَــى نُــدَمَـائِـهِ
إِنَّ الــرَّبِـيـعَ أَخَـا الـصَّـبِـيـحَـةِ مُـقْـبِـلٌ
إِقْـــبَـــالَ وَجْــهِ الْــحُــبِّ فِــي لَأْلَائِــهِ
كَــالــظِّــئْـرِ بَـشَّـرَتِ الـنَّـئُـومَ بَأَنْ بَـدَا
فَــجْــرٌ لِــعِــيــدٍ كَــانَ قَــيْــدَ رَجَــائِـهِ
وَالْقَلْبُ مِثْلُ الطَّيْرِ فِي وَضَحِ الضُّحَى
يَــتْــلُــو عَـلَـى الْإِصْـبَـاحِ آيَ غِـنَـائِـهِ
وَكَأَنَّــــمَــــا أُمُّ الْـــخَـــلَائِـــقُ دَوْحَـــةٌ
مِــنْ قَــبْــلِ آدَمَ فَــهْــيَ مِــنْ قُـرَبَـائِـهِ
تَــشْــدُو كَــشَــدْوِ الْأُمِّ نَــاحَ وَلِــيــدُهَـا
تَــحْــنُــو عَــلَــيْــهِ لِــصَـوْنِـهِ وَوَقَـائِـهِ
وَالــرِّيــحُ طَــيْــرٌ شَــادَ فِـي أَفْـنَـانِـهَـا
وَكْـــرًا كَأَنَّ الـــزَّهْــرَ مِــنْ أَبْــنَــائِــهِ
وَكَأَنَّ أَجْــنِــحَــةَ الْــمَــلَائِـكِ نَـسْـمُـهَـا
نَــسَــمٌ يَــطُــبُّ بِــرِفْــقِــهِ وَصَــفَــائِـهِ
وَكَأَنَّ يَــنْــبُــوعَ الْــحَــيَــاةِ غَــدِيـرُهَـا
خُـلْـدُ الـصِّـبَـا فِـي جَـرْعَـةٍ مِـنْ مَـائِـهِ
وَالْــقَــلْـبُ مِـثْـلُ الـنَّـهْـرِ بَـاشَـرَ مَـاءَهُ
جِــسْــمُ الْـحَـبِـيـبِ تَـرَاهُ فِـي سَـوْدَائِـهِ
أَهْــوَاكِ يَــا رُوحَ الــرَّبِــيــعِ فَـهَـيِّـئِـي
جِــسْــمًــا كَـجِـسْـمِ الْـغِـيـدِ فِـي لَأْلَائِـه
ثُـمَّ ارْقُـصِي بَيْنَ الْخَمَائِلِ فِي الضُّحَى
رَقْــصَ الْــمُــدِلِّ بِــحُــسْــنِـهِ وَبَـهَـائِـهِ
فَــلَــعَـلَّ فِـي قُـبُـلَاتِ ثَـغْـرِكِ بُـرْءَ مَـا
أَعْــيَــا الْأَنَــامَ بِــحُــكْــمِــهِ وَقَـضَـائِـهِ
أَرِدُ الْــخُــلُــودَ بِــقُــبْــلَــةٍ وَبِــضَــمَّـةٍ
تَــرْوِي ظَــمَـاءَ الْـخُـلْـدِ مِـنْ لَـمْـيَـائِـهِ
وَالـزَّهْـرُ يَـبْعَثُ بِالطُّيُورِ إِلَى الضُّحَى
تُــفْــضِــي إِلَــى الْآفَــاقِ مِــنْ أَنْـبَـائِـهِ
الْأَرْضُ أُمٌّ لِـــلْـــخَـــلَائِـــقِ كُـــلِّــهِــمْ
وَالــشَّــمْــسُ بَــعْــلٌ شَـاقَـهَـا بِـفَـتَـائِـهِ
فَـالـنَّـاسُ وَالْأَطْيَارُ فِي وَضَحِ الضُّحَى
وَالــزَّهْــرُ فِــي الْأَكْــمَـامِ مِـنْ أَبْـنَـائِـهِ
الـــنَّـــارُ وَالْأَمْـــوَاهُ مِـــنْ آبَـــائِـــنَـــا
وَالــــنَّــــارُ وَالْأَمْـــوَاهُ مِـــنْ آبَـــائِـــهِ
يَــهْــنِــيــكَ يَـا دَوْحَ الْـخَـمِـيـلَـةِ بَـعْـدَهُ
نِــسْــيَــانُ نَــيْــسَــانٍ وَطِـيـبُ هَـوَائِـهِ
تَـــنْــسَــى الــرَّبِــيــعَ كَأَنَّــهُ مَــا زَفَّــهُ
نَــغَــمُ الْــبَــلَابِــلِ فِـي مُـثِـيـرِ حُـدَائِـهِ
لَا تَــمْــنَــعُ الْــمَــشْـتَـاةُ عَـوْدَ زُهُـورِهِ
وَأَرِيــجَ نَــسْــمَــتِــهِ وَحَــلْـيَ كِـسَـائِـهِ
يَـا لَـيْـتَ طِـيـبَ الْـعُـمْـرِ يُـنـسِي وِرْدُهُ
فَأَبِـــيــتُ مِــثْــلَــكَ لَا أَحِــنُّ لِــمَــائِــهِ
لَــكِــنَّ طِــيــبَ الْـعُـمْـرِ لَـيْـسَ بِـعَـائِـدٍ
لِأَخِـي صَـدًى يُـظْـمِـيـهِ صَـوْبُ بُكَائِهِ
وَتَــرَى كَــحَــالَاتِ الــنُّـفُـوسِ تَـغَـيُّـرًا
فِـــي رَوْضِــهِ وَسَــمَــائِــهِ وَنِــهَــائِــهِ
فَـــكَأَنَّـــمَــا لِــلْــكَــوْنِ رُوحٌ خُــلْــقُــهُ
يَــبْــدُو لَــنَــا فِــي غَــيْـمِـهِ وَضِـيَـائِـهِ
تَــتَــغَــيَّــرُ الْأَشْــيَــاءُ فَــوْقَ وُجُـوهِـهِ
لِــتَــغَــيُّــرِ الْأَشْــجَــانِ فِــي حَـوْبَـائِـهِ
مَـنْ لِـي بَأَجْـنَـحِـةِ الـزَّمَـانِ أَهِـيـضُـهَا
كَــيْ لَا يَــطِــيــرَ بِــصَـفْـوِهِ وَرَخَـائِـهِ
أَوْ لَــيْــتَــهُ الْــغَـرِدُ الْـحَـبِـيـسُ أُقِـيـمُـهُ
كَـــيْـــمَـــا أُرَاحَ لَــشَــدْوِهِ وَغِــنَــائِــهِ
كَــيْ يَـذْكُـرَ الْـعَـهْـدَ الْأَنْـيـقَ وَأَوْجُـهًـا
كَــانَــتْ تُــطِــلُّ عَــلَــى وَذِيـلَـةِ مَـائِـهِ
خَــلَـعَ الْـجَـمَـالُ قِـنَـاعَـهُ وَسَـعَـى إِلَـى
عُـــشَّـــاقِـــهِ وَعُـــفَــاتِــهِ وَظِــمَــائِــهِ
وَالْــمَــرْءُ لَــوْلَا صَــيْــفُــهُ وَرَبِــيـعُـهُ
مَــا ذَاقَ حُــلْــمَ الــسَّــعْــدِ فِـي لَأْوَائِـهِ
وَالــرَّوْضُ بَــابٌ لِــلْــجِــنَـانِ وَثَـغْـرَةٌ
مِـنْـهَـا تَـرَى الْـفِـرْدَوْسَ خَـلْـفَ فِـنَـائِهِ
وَكَأَنَّــمَــا صَــبَــغَ الْأَزَاهِــرَ صَــابِــغٌ
فَــتَــكَــادُ تَأْخُــذُ مِــنْــهُ إِثْــرَ طِــلَائِــهِ
وَالــضَّــوْءُ غُــدْرَانٌ تَـرَقْـرَقَ تِـبْـرُهَـا
وَأَرَاقَ مِــنْــهَــا الْأُفْــقَ فَــضْـلُ إِنَـائِـهِ
والــلَّــوْنُ شِــعْــرٌ لِــلـطَّـبِـيـعَـةِ وَقْـعُـهُ
فِـي الْـعَـيْـنِ وَقْـعُ الـلَّـحْـنِ فِـي سَوْدَائِه
شَــهِــدَ الــشِّــتَــاءُ بِأَنَّ أُفْــقَ سَــمَـائِـهِ
أَدْنَــى إِلَــيْــنَــا مِــنْ قَـصِـيِّ فَـضَـائِـهِ
وَالـنَّـفْـسُ تَـعْـظُـمُ فِـي الـرَّبِـيـعِ كَأَنَّـهَا
فِــي زَهْــرِهِ وَنَــسِــيــمِــهِ وَصَــفَـائِـهِ
وَالــضَّــوْءُ خَـمْـرٌ لِـلـنُّـفُـوسِ وَنَـشْـوَةٌ
وَدَمُ الْــحَــيَــاةِ يُــشَــامُ فِــي أَثْــنَــائِــهِ
وَالْأَرْضُ كَـالْـحَـسْـنَـاءِ قُـدَّ قَـمِـيـصُـهَا
فَـبَـدَتْ مَـحَـاسِـنُ جِـسْـمِـهَـا وَوَضَـائِهِ
فَــكَأَنَّــمَــا رَفَــعَ الــرَّبِــيـعُ حِـجَـابَـهَـا
فَـانْـجَـابَ سِـتْـرُ الْـحُـسْـنِ عَنْ حَسْنَائِهِ
وَالــضَّــوْءُ كَــالْـحَـسْـنَـاءِ بُـزَّ رِدَاؤُهَـا
فَأَمَـاطَ عَـنْـهَـا الْـعُـرْيُ سِـتْـرَ غَـطِـائِهِ
وَالْـقَـلْـبُ مِـثْـلُ الـطَّـيْـرِ هِيضَ جَنَاحُهُ
فِـــي نَـــزْوِهِ وَحَــنِــيــنِــهِ وَغِــنَــائِــهِ
وَالــطَّــيْـرُ أَفْـوَاهُ الـرِّيَـاضِ فَـشَـدْوُهَـا
أَبَــدًا يُــزَجِّــي الــدَّهْــرَ وَقْــعُ حُـدَائِـهِ
وَكَأَنَّــمَــا نَــغَــمُ الْــحَــفِـيـفِ هَـوَاتِـفٌ
فِــي الْــقَـلْـبِ دَوَّتْ مِـنْـهُ فِـي أَنْـحَـائِـهِ
وَالـضَّـوْءُ مِـنْ خَـلَـلِ الْـغُـصُـونِ كَأَنَّهُ
طَــيْــرُ الْـفَـرَاشِ نَـرَاهُ مِـنْ شَـجْـرَائِـهِ
وَكَأَنَّـــهُ وَالْـــقَــلْــبُ يَــذْكُــو شَــجْــوُهُ
شَــرَرُ الْــغَـرَامِ يَـطِـيـرُ مِـنْ حَـوْبَـائِـهِ
نَـثَـرَتْ ذُكَـاءُ عَـلَـى الْـبَـسِيطَةِ عَسْجَدًا
فَــاذْخَــرْ لِــيَـوْمِ الـدَّجْـنِ كَـنْـزَ ثَـرَائِـهِ
وَلِــكُــلِّ شَــيْءٍ مَــنْــطِــقٌ يَــشْـدُو بِـهِ
وَالـنَّـفْـسُ تَـعْـرِفُ كُـنْـهَ سِـحْـرِ غِـنَائِهِ
تَـتْـلُـو عَـلَـيْـكَ الـطَّـيْـرُ طِـيـبَ ثِـمَـارِهِ
وَأَريـــجَ رَوْضَـــتِـــهِ وَرِقَّـــةَ مَـــائِــهِ
وَالْـحُـسْـنُ ظِـلٌّ لِـلـسَّـعَـادَةِ فِي الْوَرَى
إِنَّ الـــسَّـــعَـــادَةَ لَا تُــرَى بِــفِــنَــائِــهِ
ظِـلُّ الْـجِـنَـانِ عَـلَـى الْـبَـسِـيـطَـةِ وَاقِعٌ
فَـــاسْـــتَــقْــبِــلِ الــلَّــذَّاتِ مِــنْ آلَائِــهِ
يُـنْـسِـي الْـحَـيَـاةَ وَبُـؤْسَـهَـا وَشَـقَـاءَهَـا
حَــتَّــى يُـخَـالَ الْـحُـلْـمُ أَصْـلَ شَـقَـائِـهِ
فَــكَأَنَّــهُ كَــوْنٌ حَــلَــمْــتَ بِــحُــسْــنِـهِ
حَــتَّــى نُـقِـلْـتَ إِلَـى ذُرَى خَـضْـرَائِـهِ
هَـذِي الـطُّـيُـورُ صَـوَامِـتٌ كَـنَـوَاطِـقٍ
ذَخَــرَ الــنَّــسِــيــمُ نَـشِـيـدَهَـا لِـهَـوَائِـهِ
•••
وَكَأَنَّــمَــا زَهْــرُ الْــخَــمِــيــلَـةِ إِنْ بَـدَا
حُــلُــمُ الْـهَـوَى فِـي طِـيـبِـهِ وَوَضَـائِـهِ
وَالـطَّـيْـرُ أَرْوَاحُ الـزُّهُـورِ وَصَـيْـفُـهَـا
عَــهْــدُ الــشَّــبَــابِ يَـرُوقُ فِـي لَأْلَائِـهِ
ضَـحِـكَ الـزَّمَـانُ فَـذَاعَ مِـنْ ضَـحِكَاتِهِ
صَــيْــفٌ يُـعِـيـدُ الْـحُـبَّ فِـي غُـلَـوَائِـهِ
وَالْــقَــيْــظُ يَــزْفِـرُ بِـالْـهَـجِـيـرِ كَأَنَّـمَـا
يَــتَــنَــفَّــسُ الْــوَلْــهَـانُ مِـنْ بُـرَحَـائِـهِ
فَــكَأَنَّــمَــا مَــرَحُ الْــحَـيَـاةِ وَحُـسْـنُـهَـا
لَــهَــبٌ تَــرَقْــرَقَ فِــي خَــفِـيِّ دِمَـائِـهِ
وَكَأَنَّــمَــا نَــغَــمُ الــطُّــيُــورِ أَرِيـجُـهَـا
يُــسْــقَــاهُ زَهْــرُ الـرَّوْضِ فِـي أَنْـدَائِـهِ
فَــيُــحِــيــلُـهُ نَـشْـرًا يَـضُـوعُ وَرَوْنَـقًـا
يَــشْـتَـارُ مِـنْـهُ الـنَّـحْـلُ أَرْيَ عَـطَـائِـهِ
وَدَّتْ ذَوَاتُ الْــحُــسْــنِ أَنَّ حُــلِــيَّــهَـا
كَــــحُـــلِـــيِّـــهِ وَرِدَاءَهَـــا كَـــرِدَائِـــهِ
مَـرَحُ الْـكَـعَـابِ الـرُّودِ فِـي خَـطَرَاتِهَا
كَـالـنَّـهْـرِ يَـرْقُـصُ فِـي تَـرَقْـرُقِ مَـائِهِ
وَالــرِّيـحُ تَـعْـبَـثُ بِـالْـغُـصُـونِ كَأَنَّـهَـا
طِــفْــلٌ يَــعِـيـثُ عَـلَـى رُءُوسِ إِمَـائِـهِ
وَتَــرَى جُــذُورَ الـدَّوْحِ مِـثْـلَ أَصَـابِـعٍ
بَـسْـطُ الـشَّـحِـيـحِ يَـصُـونُ كَـنْزَ ثَرَائِهِ
وَكَأَنَّـــمَــا نَــغَــمُ الْــبَــلَابِــلِ مَــطْــرَةٌ
فَــوْقَ الــلُّــجَــيْــنِ شَـجَـا مُـرِنُّ إِنَـائِـهِ
تَـنْـدَى عَـلَـى الْـقَـلْـبِ الْـجَـدِيبِ فَيَنْثَنِي
رَوْضًـــا يَــرِفُّ بِــزَهْــرِهِ وَإِضَــائِــهِ
وَالـزَّهْرُ فِي وَضَحِ الصَّبِيحَةِ قَدْ صَحَا
صَـحْـوَ الْـمُـفِـيـقِ مِنَ الْكَرَى وَقَضَائِهِ
وَجَــلَــتْ ذُكَـاءُ نَـدَى الـزُّهُـورِ كَأَنَّـهَـا
أمُّ الْــوَلِــيــدِ تُــزِيــلُ فَــضْــلَ بُـكَـائِـهِ
حَــتَّــى إِذَا اشْـتَـدَّ الْـهَـجِـيـرُ حَـسِـبْـتَـهُ
نَــشْــوَانَ أَثْــمَــلَــهُ الـلَّـظَـى بِـسِـقَـائِـهِ
وَإِذَا الْأَصْـيـلُ عَـلَا الـسَّـمَـاءَ حَـسِـبْتَهُ
ذَا لَــوْعَــةٍ حَــانَــتْ نَــوَى قُــرَبَــائِــهِ
وَحَــمَـى عَـلَـى قُـبَـلِ الـظَّـلَامِ ثُـغُـورَهُ
كَـــمُـــعَـــشَّــقٍ مُــتَــسَــتِّــرٍ بِــرِدَائِــهِ
وَتَـــرَاهُ يَـــرْنُــو لِــلــنُّــجُــومِ كَأَنَّــهَــا
حُــلُــمٌ يُــطِــلُّ عَــلَــيْــهِ فِـي حَـوْبَـائِـهِ
كَـالـطِّـفْـلِ يُـبْـصِـرُ فِـي الْوَذِيلَةِ وَجْهَهُ
فَــيَــخَــالُ ذَاكَ الْــوَجْــهَ مِـنْ قُـرَنَـائِـهِ
تَـحْـكِـي الـنُّـجُـومُ الـزُّهْرُ فِي دَوْرَاتِهَا
رَقْــصَ الْــمُــدِلِّ بِــعَــيْــشِــهِ وَرُوَائِـهِ
وَالــنَّـجْـمُ مِـنْ خَـلَـلِ الْـغُـصُـونِ كَأَنَّـهُ
ثَــمَــرٌ تَــدَلَّــى مِــنْ عَــلِــيِّ سَــمَـائِـهِ
دَرَسَ الـسَّـمَـاءَ صَـفَـاءَهَـا وَضِـيَـاءَهَا
حَــتَّــى جَــرَى بِــعُــرُوقِــهِ وَدِمَــائِــهِ
وَالْــحَــيُّ يَــحْــيَـا كَـالَّـذِي هُـوَ نَـاظِـرٌ
كَــالْأُفْــقِ يُــرْسَـمُ فِـي مُـتُـونِ نِـهَـائِـهِ
وَالــزَّهْــرُ يَـحْـلُـمُ بِـالْـفَـرَادِسِ طَـرْفُـهُ
حُــلْــمَ الْــغَــرِيــبِ بِأَهْــلِــهِ وَفِــنَــائِـهِ
حَـسِـبَ الـطُّـيُـورَ تَـحَـامَـلَـتْ عَنْ قَلْبِهِ
وَبَــدَتْ تَــبُــوحُ بِــشَــجْــوِهِ وَرَجَــائِـهِ
وَالْــقَــلْــبُ مِــرْآةُ الــزَّمَـانِ فَـصَـيْـفُـهُ
فِــي صَــيْــفِــهِ وَشِــتَــاؤُهُ كَــشِــتَـائِـهِ
وَالْــكَــوْنُ مِــرْآةُ الْــفُــؤَادِ فَــقُــبْــحُــهُ
وَجَــمَــالُــهُ فِــي نَــحْــسِــهِ وَرَخَــائِـهِ
وَالـضَّـوْءُ مِـثْـلُ دَمِ الـرَّبِـيـعِ فَلَا تَعَفْ
جُـرَعًـا تُـنِـيـلُ الْـخُـلْـدَ مِـنْ صَـهْـبَـائِهِ
هَــذِي الــطُّــيُــورُ لِـسَـانُـهُ وَغِـنَـاؤُهَـا
مُـــسْــتَأْنَــفٌ مِــنْ شَــدْوِهِ وَغِــنَــائِــهِ
وَالــزَّهْــرُ فِــي حَــرِّ الْـهَـوَاجِـرِ نَـائِـمٌ
سَــحَـرَتْـهُ بِـالـلَّـحَـظَـاتِ عَـيْـنُ ذُكَـائِـهِ
وَالْأَرْضُ تَـحْـلُـمُ بِـالْـجِـنَـانِ فَـصَـيْـفُهَا
حُــلُــمٌ يُــزِيــحُ الْـقَـلْـبَ عَـنْ ضَـرَّائِـهِ
بَـسَـطَ الْـجَـمَـالُ عَـلَـى الْفَضَاءِ جَنَاحَهُ
فَـــالــصَّــيْــفُ مِــنْ لَأْلَائِــهِ وَرُوَائِــهِ
فَـــكَأَنَّـــهُ مَـــلَــكٌ يُــحَــلِّــقُ فَــوْقَــهَــا
فَــتُــصِــيــبُ مِــنْ آلَائِــهِ وَعَــطَــائِـهِ
يَــا لَــيْــتَ أَنَّ الْــمَـرْءَ فِـي أَرْجَـائِـهَـا
مُـــتَـــفَــرِّقٌ فِــي أَرْضِــهِ وَسَــمَــائِــهِ
حَـتَّـى يَـصِـيـرَ مِـنَ الْـجَـمَـالِ بِـمَـنْزِلٍ
فِــي مَــائِــهِ وَنَــسِــيــمِــهِ وَضِــيَــائِـهِ
وَتَــظَــلُّ تَــسْـمُـو الـنَّـفْـسُ فِـي آفَـاقِـهِ
كَــالــطَّــيْـرِ حَـلَّـقَ فِـي أَدِيـمِ فَـضَـائِـهِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤