ِآيَةُ الْحُسْنِِ

Wave Image
يَــا قَــلْــبُ قَـصْـرُكَ لَا تُـولَـعْ بِـإِنْـسَـانِ
لَـقَـدْ كَـلِـفْـتَ بِـسَـاجِي الطَّرْفِ وَسْنَانِ
قَـدْ صَـارَ لِـي أَلْـفُ عَـيْـنٍ بَـعْدَ رُؤْيَتِكُمْ
مِـنْ بَـعْـدِ مَـا كَـانَ لِـي كَـالنَّاسِ عَيْنَانِ
مُـذْ صَـارَ حُـسْـنُكَ فِي الْإِمْكَانِ مُنْشَأَةً
فَــكُــلُّ مُــعْــجِــزِ أَمْــرٍ رَهْــنُ إِمْــكَـانِ
وَمُعْجِزُ الْحُسْنِ فِي خَلْقٍ خُصِصْتَ بِهِ
كَـمُـعْـجِـزِ الْـحُبِّ فِي شِعْرِي وَتَحْنَانِي
وَصَـارَ لِـي أَلْـفُ قَـلْـبٍ أَرْتَـجِـيـكَ بِـهَـا
يَـا لَـيْـتَـنِـي زِدْتُ فِـي رُوحٍ وَأَشْـجَـانِ
كَـيْ لَا يَـضِـيـعَ جَـمَـالٌ مِـنْـكَ أُبْـصِـرُهُ
وَرِقَّــةُ اللَّــفْــظِ فِــي سِـحْـرٍ وَتِـبْـيَـانِ
بَـلْ لَـيْـتَـنِي الْكَوْنُ طُرًّا لَيْسَ يُبْصِرُكُمْ
سِـوَايَ فِـي الْخَلْقِ مِنْ وَحْشٍ وَإِنْسَانِ
هَـلْ نَـافِـعِـي أَنَّـنِـي فِـي الْـحُبِّ مُنْفَرِدٌ
فَـلَـيْـسَ فِـي الْـخَـلْقِ تَحْنَانٌ كَتَحْنَانِي
بَــلْ ذَاكَ ضَـائِـرُ قَـلْـبٍ لَـسْـتَ رَاحِـمَـهُ
وَكَـيْـفَ يَـرْحَـمُ نِـضْـوًا قَـلْـبُ غَـفْـلَانِ
مَـا كَـانَ مِـثْـلُـكَ فِـي الْأَكْـوَانِ مُـنْـشَأَةً
إِلَّا بِـــــخِـــــبْــــرَةِ أَزْمَــــانٍ وَأَزْمَــــانِ
اسْـتَـخْـلَـصَـتْـكَ دَهَارِيرٌ كَمَا خَلُصَ الْـ
ـعِــطْــرُ الــزَّكِــيُّ فَـيَـا عِـطْـرًا لِأَكْـوَانِ
مَـجَـاهِـلُ الـزَّمَـنِ الْـمَـاضِـي وَحَاضِرُهُ
لِــصُــنْــعِ حُـسْـنِـكَ فِـي بِـدْعٍ وَإِتْـقَـانِ
فَـجِـئْـتَ آيَـتَـهُ الْـكُـبْرَى الَّتِي خَشَعَتْ
لَـهَـا الْـقُـلُـوبُ وَلَـمْ تُـدْحَـضْ بِـكُـفْـرَانِ
لَـيْـتَ الْـكَـوَاكِـبَ تَـعْـنُـو لِـي فَـأَنْـظِمَهَا
لَآلِــئًــا لَــكَ تَـحْـكِـي عِـقْـدَ أَشْـجَـانِـي
إِخَــالُــهَــا مَــا بَــدَتْ إِلَّا لِــتُــبْـصِـرَهَـا
مِــرْآةُ حُــسْــنِــكَ لَا يُــمْـنَـى بِـنُـكْـرَانِ
وَالــطَّـيْـرُ مَـا نَـطَـقَـتْ إِلَّا لِـحُـسْـنِـكُـمُ
فَــأَنْــتَ لِلْــكَــوْنِ طُــرًّا خَـيْـرُ عُـنْـوَانِ
يَـا سَـالِـبَ الْـكَـوْنِ أَشْـهَـى مَـا يُرَادُ لَهُ
مَـــاذَا تَـــرَكْـــتَ لَأَحْـــقَــابٍ وَأَزْمَــانِ
عَـمِـيـتُ عَـنْ كُـلِّ حُـسْنٍ غَيْرَ حُسْنِكُمُ
كَـأَنَّـنِـي غَـيْـرُ صَـاحِي الطَّرْفِ يَقْظَانِ
أَعْـشَـيْـتَ طَـرْفِي بِشَمْسٍ مِنْكَ طَالِعَةٍ
مِـنْ بَـعْـدِ مَـا كَـانَ عَيْشِي رَهْنَ إِدْجَانِ
لَا أُكْــثِــرَنَّ مِــنَ الْأَلْــحَــاظِ أُرْسِــلُــهَـا
إِنَّ الْــبَــلَاءَ لِـطَـرْفِ الْـعَـاشِـقِ الـرَّانِـي
وَهَـلْ أَخَـافُ وَقَـدْ سَـقَّـى الْفُؤَادَ هَوًى
الْـعَيْشَ وَالْمَوْتَ فِي صَرْفٍ وَحِدْثَانِ؟
أَوِ الْـقَـضَـاءَ وَمَـا يَـخْـشَـى الْوَرَى أَبَدًا
مِـنْ قِـسْـمَـةِ الـدَّهْرِ فِي رِبْحٍ وَخُسْرَانِ
كَــلَّا لَــعَــمْــرُكَ إِنَّ الْــحُـبَّ يَـرْفَـعُـنِـي
عَـنِ الْـحَـيَـاةِ وَعَـنْ عَـيْـشٍ لَـهَـا فَـانِي
إِنِّــي أَهَــابُــكَ مِـنْ حُـسْـنٍ تَـجُـورُ بِـهِ
حَــتَّــى لَأَقْــلَاكَ فِــي أَثْــنَــاءِ أَحْـيَـانِ
مَــاذَا يَــضِــيـرُكَ مِـنْ حُـبٍّ تُـزَانُ بِـهِ؟
فَـالْـحُـبُّ لِلْـحُـسْـنِ نَـشْـرٌ حَـوْلَ أَفْنَانِ
هَـبْـهُ الْـمَـقَـادِرَ مَـنْ يَـأْبَـى الْـمَـقَـادِرَ لَا
يَـرَى الْـحَـيَـاةَ بِـعَـيْـنِ الـنَّـاعِـمِ الْهَانِي
فَـاضْـحَـكْ فَـضِـحْـكُـكَ أَنْـغَـامٌ مُـرَتَّلَةٌ
أَوْتَــارُهَــا قَــلْـبُ صَـبٍّ مِـنْـكَ وَلْـهَـانِ
لَـمْ يَـبْـقَ فِـي الْـكَوْنِ مِنْ شَدْوٍ نُسَرُّ بِهِ
إِلَّا جَــمَــعْــتَ بِـحُـسْـنٍ مِـنْـكَ مِـرْنَـانِ
فِــي كُــلِّ نَــظْــرَةِ عَــيْــنٍ ذُكْـرَةٌ لَـكُـمُ
وَكُـــلِّ نَـــبْــضَــةِ قَــلْــبٍ جِــدُّ حَــرَّانِ
حُــبِّــيــكَ لَا شَــكَّ يَــعْـرُوهُ وَلَا جَـدَلٌ
كَـــأَنَّـــمَـــا هُـــوَ مِـــنْ أَرْبَــابِ أَدْيَــانِ
فِــي مَــنْــزِلِ اللـهِ مَـكْـلُـوءٌ بِـهَـيْـبَـتِـهِ
سِـــرُّ الْإِلَـــهِ وَسِـــرُّ الْــحُــبِّ سِــيَّــانِ
وَلَــنْ يَـضِـيـعَ رَجَـاءٌ فِـي الْـحَـيَـاةِ إِذَا
مَــا ظَــلَّ حُــبِّـيَ مَـكْـلُـوءًا بِـإِيـمَـانِـي
أَخْـلَـفْـتَ وَعْـدَ لِـحَـاظٍ أَنْـتَ مُـرْسِـلُـهَا
تَـقُـولُ لِـي اعْـشَـقْ فَـإِنِّـي جِـدُّ فَـتَّـانِ
لَا تُـنْـكِـرَنَّ مَـقَـالَ اللَّـحْـظِ مِـنْ خَـجَلٍ
كَــمْ حُـجَّـةٍ لَـكَ فِـي تِـبْـيَـانِ وَسْـنَـانِ
الْـحُـبُّ أَقْـوَى مِـنَ الْأَغْـلَالِ تُـحْـكِـمُـهَا
عَـادُ الْـحَـيَـاةِ لِـقَـلْـبِ الْـعَـاشِقِ الْعَانِي
قَــدْ بِـعْـتُ رَاحَـةَ أَيَّـامِـي وَصِـحَّـتَـهَـا
بِــنَــظْــرَةٍ بَــدَّلَــتْ سِــرِّي وَإِعْــلَانِــي
احْـمِـلْ جِـنَـايَـةَ حُـسْـنٍ لَـسْـتَ خَـالِقَهُ
كَــمَــا تَــحَـمَّـلَ مَـقْـدُورًا لَـهُ الْـجَـانِـي
وَلَا يُــكَــفِّــرُ عَــنْ لَــحْـظٍ تَـصُـولُ بِـهِ
إِلَّا تَــرَفُّــقُ عَــطْــفٍ مِــنْـكَ يَـرْعَـانِـي
لَـوْ فَـرَّقَ الـدَّهْـرُ حُـبِّـي فِـي مَـجَـاهِلِهِ
لَــعَــادَ مِــنْــهُ بِــمِــثْــلِ الْـخُـلْـدِ مَـلْآنِ
وَلَـوْ خَـبَـرْتُ بِـحُـبِّـي الْـعَـيْـشَ أَجْمَعَهُ
إذًا لَـــبَـــاءَ بِــسِــرٍّ مِــنْــهُ ضَــحْــيَــانِ
مَـا مَـسَّ حُـبِّـيـكَ أَمْـرًا خَـسَّ مَـعْـدِنُهُ
إِلَّا أَضَـــاءَ كَـــمَــاسٍ عِــنْــدَ دِهْــقَــانِ
مَـا أَضْـأَلَ الْـعَـيْـشَ لَـوْلَا مَـا يُتَاحُ بِكُمْ
مِـنَ الْـهَـوَى وَطِـمَـاحٍ لَـيْـسَ بِـالْـوَانِـي
خَـيْـرٌ لِـنَـفْـسِـكَ إِنْ لَـمْ تَدْرِ مَا ضَمِنَتْ
مِـنْ فِـتْـنَـةِ الْخَلْقِ فِي حُسْنٍ وَإِحْسَانِ
إِذًا لَأَفْــرَطْـتَ مِـنْ سُـكْـرٍ وَمِـنْ خَـبَـلٍ
وَرُحْــتَ تَــنْــعَـمُ فِـي ظُـلْـمٍ وَعُـدْوَانِ
وَكَــيْـفَ تَـرْحَـمُـنِـي إِنْ لَـمْ تَـجِـدْ أَرَبًـا
فِــي أَنْ تَــكُـونَ حَـبِـيـبًـا جِـدَّ فَـتَّـانِ؟
يَـا هَـلْ تُـرَانِـي إِذَا مَـا جَـاءَ يُـسْـعِدُنِي
طَــيْــفٌ لِــحُـسْـنِـكَ أَلْـقَـاهُ وَيَـلْـقَـانِـي
حَـتَّـى لَـيُـوشِـكُ أَنْ تُـكْـسِـى مَـرَاسِمُهُ
جِـسْـمًـا فَـيَـا مَـنْ رَأَى طَـيْـفًا بِجُثْمَانِ
أَكَـــادُ أَنْـــشَـــقُ أَنْـــفَــاسًــا يُــرَدِّدُهَــا
وَأَحْـتَـسِـي مِـنْـهُ مِـنْ كَـاسَـاتِ نَدْمَانِ
يَــا لَـيْـتَ أَنِّـي أُنَـاجِـيـهِ وَيَـسْـمَـعُـنِـي
عَـلَـى الـنَّـوَى وَرَجَـاءٍ لَـيْـسَ بِـالـدَّانِي
حَـوْلِـي خَـيَـالَاتُ حُـسْنٍ أَنْتَ صُورَتُهَا
طُــوبَــى فَــإِنَّـكَ جِـيـرَانِـي وَأَقْـرَانِـي
لَا بَـــلْ شَــقَــائِــيَ أَوْهَــامٌ أُغَــرُّ بِــهَــا
مِــثْــلُ الــسَّــرَابِ إِذَا أَوْدَى بِــظَــمْـآنِ
أَنْــسَــى فَــنَــاءَ جَــمَـالٍ أَنْـتَ لَابِـسُـهُ
حَــتَّـى كَـأَنْ لَـمْ يَـكُـنْ حَـالٌ لَـهُ ثَـانِـي
يَــرُوعُ حُــسْــنُـكَ فِـي حُـبٍّ أُعَـالِـجُـهُ
كَـرَوْعَـةِ الْـحُـسْـنِ فِـي نِـيـرَانِ بُـرْكَانِ
لَـوْ قَـسَّـمَ الـدَّهْـرُ بَـيْـنَ الـنَّاسِ قَاطِبَةً
لَـــذَائِــذًا لِــيَ فِــي قُــرْبٍ وَلُــقْــيَــانِ
وَفَــرْحَــةً لِـيَ إِمَّـا لُـحْـتَ عَـنْ عَـرَضٍ
تَـجْـلُـو هُـمُـومِـي وَتَـأْسُو كَلْمَ أَحْزَانِي
غَـاضَ الـشَّقَاءُ وَغَاضَ النَّحْسُ أَجْمَعُهُ
وَعَــطَّــلَ الـدَّهْـرُ مِـنْ مَـنْـعٍ وَحِـرْمَـانِ
لَـوْ صُـوِّرَ الْـخُـلْـدُ كَـانَـتْ مِنْكَ صُورَتُهُ
شَــكْــلًا بِــشَـكْـلٍ وَعُـنْـوَانًـا كَـعُـنْـوَانِ
قَـدْ قُـلْـتُ لِلْـحُـبِّ فِـي قَـلْـبٍ أَضَـرَّ بِهِ
بَـرْحُ الْـهَـوَى وَطِـلَابُ الْـمُـعْـوِزِ الدَّانِي
لَـــئِــنْ أَضَــاعَــكَ وَسْــنَــانٌ بِــغُــرَّتِــهِ
كَــمْ فِــي الـزَّوَاخِـرِ مِـنْ دُرٍّ وَمَـرْجَـانِ
لَـمْ يَـحْـلَ بِـالْـغِـيـدِ فِـي بَـادِي تَـرَائِبِهَا
وَلَـــمْ يُـــحَـــدَّ بِـــمِـــيــزَانٍ وَأَثْــمَــانِ
وَأَنْــتَ فِــي لُــجَّــةٍ لِلْــقَـلْـبِ مُـنْـغَـمِـرٌ
مَــا أَمَّــكَ الــرَّائِـحُ الْـغَـادِي بِـنِـشْـدَانِ
مَــا أَنْــتَ أَوَّلَ حُــبٍّ عَــزَّ مَــطْــلَــبُــهُ
وَلَا بِــــأَوَّلِ قَـــلْـــبٍ غَـــيْـــرِ جَـــذْلَانِ
فَـأَيْـنَ أَخْـبَـأُ طَـرْفِـي عَـنْ مَـحَـاسِنِكُمْ
وَأَيْــنَ أَخْــبَــأ ُقَــلْــبًــا جِــدَّ ظَــمْــآنِ؟
وَإِنَّــمَــا الْــحُـبُّ كَـالْـمِـقْـدَارِ مَـدْخَـلُـهُ
رَغْــمَ الْأَوَاخِــيِّ مِــنْ عَــزْمٍ وَإِيــقَــانِ
لَـوْ كَـانَتِ الْبِيدُ تُنْجِي مِنْكَ مَا رَضِيَتْ
نَـفْـسِـي قُـيُـودَكَ فِـي أَهْلِي وَأَوْطَانِي
بَـلْ لَـيْـتَ أَنِّـيَ حُـلْـمٌ فِـي الْـكَرَى بَهِجٌ
يَـــأْتِـــي إِلَــيْــكَ بَــأَزْهَــارٍ وَرَيْــحَــانِ
أَقُــولُ لِلــنَّــاصِـحِ الْـمُـغْـرَى بِـتَـعْـزِيَـةٍ
انْـظُـرْ أَفِـي الْـكَـوْنِ مَا يُغْرِي بِسُلْوَانِ؟
وَالْـكَـوْنُ كَـالْـمَـيْـتِ لَا مَـاءٌ وَلَا شَـجَـرٌ
وَلَا جَـــمَـــالٌ تَـــرَاءَى حَــوْلَ أَفْــنَــانِ
إِنْ لَــمْ يَــبُــلَّ ظَــمِــيُّ الْـحُـبِّ غُـلَّـتَـهُ
وَلَا تَـصَـافَـى بِـصَـفْـوِ الْـحُـبِّ رُوحَـانِ
وَلَا أُتِــيــحَ لِــقَــلْــبٍ قَــلْـبُ ذِي مِـقَـةٍ
وَلَا تَـدَانَـى بِـنَـجْـوَى الْـحُـبِّ صِـنْـوَانِ
كَـأَنَّـمَـا الْـكَـوْنُ لَـمْ يُـخْـلَـقْ لَـهُ سَـبَـبٌ
أَوْ أَنَّــهُ حُــلْــمُ بَــادِي الْــهَــمِّ أَسْـوَانِ!
فَـاهْـبِـطْ مَـعَ الْـيَأْسِ فِي قَلْبِي فَإِنَّ لَهُ
فِـي الْـقَـلْـبِ مَـنْـزِلَ صِـدْقٍ غَيْرَ بُهْتَانِ
وَمَــا أَلِــمْــتُ لِـيَـأْسٍ مِـثْـلَـمَـا حَـزِنَـتْ
نَــفْــسِــي عَـلَـى أَمَـلٍ كَـالْآلِ حَـلْـيَـانِ
اسْـتَـنْـفَـدَ الْـكِـذْبُ آيَـاتِ الْـكَـمَالِ فَمَا
أَرْضَــى لِــحُــبِّــيَ مِــنْــهَــا أَيَّ تِـبْـيَـانِ
فَــلَــيْــتَ لِــي لُـغَـةً مَـا شَـابَـهَـا كَـذِبٌ
تُـرْضِـي الْـمَـلَائِـكَ لَـمْ تُـخْـلَـقْ لِإِنْسَانِ
وَمَــا لِـحُـبِّـيَ فِـي الْأَكْـوَانِ مِـنْ مَـثَـلٍ
وَلَا رُمُـــــوزٍ وَلَا شَــــبَــــهٍ وَلَا دَانِــــي
فَــكَــيْــفَ يَـشْـفَـعُ لِـي لَـفْـظٌ يُـغَـرُّ بِـهِ
مِـنَ الْـخَـلِـيـقَـةِ شَـيْـطَـانٌ بِـشَـيْطَانِ؟
وَلَــسْـتُ أَلْـحَـاكَ إِنْ لَـمْ تُـلْـفَ ذَا عَـوَزٍ
إِنَّ الْــوِدَادَ لِـقَـلْـبِ الـنَّـاقِـصِ الْـفَـانِـي
كَـأَنَّ حُـسْـنَـكَ مِـنْ إِبْـدَاعِ مَـا ضَـمِنَتْ
مِـنْـكَ الْـخَـوَالِـجُ مِـنْ صِـدْقٍ وَإِحْسَانِ
يَـا مَـنْ بِـهِ قَـدْ نَـسِـيـتُ الـشَّـرَّ أَجْمَعَهُ
لَا يُـجْـتَـلـى الْـحُـسْـنُ وَالْأَرْزَاءُ فِي آنِ
مَـا خِـلْـتُ أَنَّ مَـكَـانًـا ضَـمَّ حُـسْـنَـكُـمُ
يَـحْـوِي مِـنَ الـشَّـرِّ مَـا يُـودِي بِـثَـهْلَانِ
دُنْــيَــاكَ دُنْــيَــا رَخَــاءٍ لَا شَــقَـاءَ بِـهَـا
كَــأَنَّــمَــا الــشَّــرُّ لَــمْ يَـنْـزِلْ بِـإِنْـسَـانِ
أَبَــعْــدَ مَــعْــرِفَـتِـي الْأَيَّـامَ يَـا عَـجَـبًـا
وَأَوْجُـهَ الـدَّهْـرِ مِـنْ طَـلْـقٍ وَطَـخْـيَانِ
أَبْـغِـي الْـحَـيَـاةَ وَأَبْـغِـي مِـنْـكُـمُ مِـقَـةً
إِنَّ الْــحَـيَـاةَ حَـيَـاةُ الـنَّـاعِـمِ الْـهَـانِـي!
نَـزَلْـتَ يَـا قَـلْـبُ عَـنْ غَـالِـي نَـفَـائِسِهَا
لَــمَّــا عَــرَفْــتَ اللَّــيَــالِـي أَيَّ عِـرْفَـانِ
حَـتَّـى فَـرِحْـتُ بِـصَـبْرٍ مِنْكَ عَنْ خُدَعٍ
مِــنَ الْــحَــيَـاةِ وَعَـنْ إِلْـفٍ وَخُـلْـصَـانِ
وَقُــلْــتَ لِــي الْآنَ لَا شَـجْـوٌ وَلَا جَـزَعٌ
عَــلَــى الْــحَــيَــاةِ وَلَا إِعْـيَـاءُ وُجْـدَانِ
فَــعُــدْتَ لَا صَــبْــرَ تُـبْـدِيـهِ وَلَا جَـلَـدًا
حَــتَّــى كَــأَنَّـكَ لَـمْ تَـسْـكُـنْ لِـسُـلْـوَانِ
يَـا دَوْحَـةَ الْـحُـبِّ لَا شَـمْـسٌ وَلَا مَـطَرٌ
مِـــنَ اللِّـــقَـــاءِ وَلَا وَافٍ وَلَا حَـــانِــي
فَـكَـيْـفَ أَيْـنَـعْـتِ فِـي قَـلْـبٍ أَضَـرَّ بِـهِ
جَــدْبُ الـزَّمَـانِ وَإِلْـفٌ غَـيْـرُ مِـعْـوَانِ؟
أَتَـى الـرَّبِـيـعُ فَـهَـبْ لِـي مِـنْـكَ مَكْرُمَةً
يَـوْمًـا نُـقَـضِّـيـهِ بَـيْـنَ الـسَّـرْوِ وَالْـبَانِ
وَنَـسْـمَـعُ الـطَّـيْـرَ تُـبْـدِي سِـرَّ أَنْـفُـسِـنَا
حَــيْــثُ الْـهَـوَى وَرُوَاءُ الـزَّهْـرِ سِـيَّـانِ
ذُخْــرٌ لِــمُــقْــبِــلِ أَيَّــامِــي إِذَا بَــرُدَتْ
نَــارُ الْــحَــيَــاةِ وَنَــارُ الْــحُـبِّ فِـي آنِ
لَا تَـنْـسَ حُـبِّـي إِذَا مَا الْمَوْتُ عَاجَلَنِي
لَــعَــلَّ ذِكْــرَكَ دُونَ الْــقَــبْـرِ سُـلْـوَانِـي
وَسَـائِـلِ اللَّـيْـلَ عَـنْ رُوحِـي فَـإِنَّ لَـهَـا
فِـي اللَّـيْـلِ خَـطْـرَةَ حَـيِّ الْـهَمِّ أَسْوَانِ
لَا بَــلْ دَعِ الــذِّكْــرَ لِـي إِنِّـي بِـهِ قَـمِـنٌ
وَانْـعَـمْ بِـحُـسْـنِـكَ فِـي غَـدْرٍ وَنِـسْيَانِ
وَلَا تُــعَــنِّــي بِــذِكْـرَى مِـنْـكَ خَـاطِـرَةً
حَـسْـبِـي حُـبُـورِي بِـقَلْبٍ مِنْكَ جَذْلَانِ
عَـــذِّبْ فُـــؤَادِيَ بِـــالْآلَامِ قَـــاطِـــبَــةً
الْــحُــبُّ ذُخْـرُ مُـنًـى يُـشْـرَى بَـأَثْـمَـانِ
وَارْحَـمْ أَوِ اقْـسُ وَلَا تُـحْـرِجْكَ مَعْتَبَةٌ
مَــاذَا تَــضِــيـرُكَ آلَامِـي وَأَشْـجَـانِـي؟
وَلَـيْـسَ فِـي الْـحُبِّ خُسْرَانٌ وَلَا فَشَلٌ
وَإِنْ مُــنِــيــتَ بِــبُــعْــدٍ أَوْ بِــهِــجْـرَانِ
أَلَـمْ أَعِـشْ غَـيْـرَ عَـيْـشِ النَّاسِ قَاطِبَةً
وَأَقْـطَـعِ الـدَّهْـرَ فِـي فَرْحَاتِ نَشْوَانِ؟

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤