إِلَى رُوحِ دَاوُد بَرَكَات

Wave Image
ظَــنَــنْـتَ الـدَّمْـعَ يُـسْـعِـدُ بِـالْـعَـزَاءِ
فَــهَــلْ أَجْــدَى بُــكَـاؤُكَ أَوْ بُـكَـائِـي
وَقُــلْــتَ بِأَنَّــةِ الْــمَــحْـزُونِ أُشْـفَـى
فَأَحْــوَجَــكَ الــشِّــفَــاءُ إِلَـى شِـفَـاءِ
وَمَـــنْ يَـــغْــسِــلْ بِأَدْمُــعِــهِ جَــوَاهُ
أَرَادَ الْـــــبُـــــرْءَ مِـــــنْ دَاءٍ بِـــــدَاءِ
بِـنَـفْـسِـي الـرَّاحِـلِـيـنَ مَضَوْا سِرَاعًا
لِــوِرْدِ الْــمَــوْتِ كَــالْـهِـيـمِ الـظِّـمَـاءِ
تَــوَلَّــى عَـهْـدُهُـمْ وَبَـقِـيـتُ وَحْـدِي
أُقَـلِّـبُ طَـرْفَ عَـيْـنِـي فِـي الـسَّـمَاءِ
رَثَــيْــتُـهُـمُ فَأَدْمَـى الْـحُـزْنُ قَـلْـبِـي
فَــهَــلْ نَــدْبٌ يَــخِــفُّ إِلَــى رِثَـائِـي
وَكَـمْ حَـيٍّ يَـعِـيـشُ بِـنَـفْـسِ مَـيْـتٍ
طَــــوَتْ آمَـــالَـــهَـــا طَـــيَّ الـــرِّدَاءِ
مَـضَـتْ بِـهِـمُ الـنَّـجَـائِـبُ مُصْعِدَاتٍ
وَلِـــلْـــبَـــاكِـــيـــنَ رَنَّــاتُ الْــحُــدَاءِ
تَـجَـلَّـوْا فِـي الـنِّـجَـادِ ضُحَى صَبَاحٍ
وَغَـابُـوا فِـي الـوِهَـادِ دُجَـى مَـسَـاءِ
وَقَــفْــتُ أُزَوِّدُ الــنَّــظَــرَاتِ مِــنْـهُـمْ
وَأُصْــغِــي لِــلــنَّــوادِبِ مِـنْ وَرَائِـي
فَــلَــمْ أَرَ إِذْ نَــظَــرْتُ سِــوَى جَـلَالٍ
يَــهُــولُ وَمَـا لَـمَـسْـتُ سِـوَى هَـبَـاءِ
وَنَـادَيْـتُ الـصِّـحَـابَ فَـبَـحَّ صَـوْتِي
وَعَـــادَ إِلَـــيَّ مَـــكْـــدُودًا نِـــدَائِــي
تُـــفَـــرِّقُــنَــا الْــحَــيَــاةُ فَإِنْ أَرَدْنَــا
لِــقَــاءً لَــمْ نَــجِــدْ غَــيْــرَ الْــفَــنَــاءِ
طَــرِيــقٌ عُــبِّــدَتْ مِــنْ قَــبْـلِ نُـوحٍ
وَلَــمْ تُــلْــقَ الــتَّــمَــائِــمُ عَـنْ ذُكَـاءِ
بِـهَـا الأَضْـدَادُ تُـجْـمَـعُ فِـي صَـعِـيـدٍ
وَفِـــيـــهَـــا يَــلْــتَــقِــي دَانٍ بِــنَــاءِ
إِذَا لَــبِــسَ الــرَّبِــيــعَ شَــبَـابُ قَـوْمٍ
فَأَسْـــرَعُ مَــا يُــفَــاجَأُ بِــالــشِّــتَــاءِ
وَكُـــلُّ نَـــضِـــيـــرَةٍ فَإِلَـــى ذُبُـــولٍ
وَكُــلُّ مُــضِــيــئَــةٍ فَإِلَــى انْـطِـفَـاءِ
وَهَـــلْ تَــهْــوِي ثِــمَــارُ الــرَّوْضِ إِلَّا
إِذَا أَدْرَكْــــنَ غَـــايَـــاتِ الـــنَّـــمَـــاءِ
•••
أَيَــــا «دَاوُدُ» وَالــــذِّكْـــرَى بَـــقَـــاءٌ
ظَــفِــرْتَ بِــكُــلِّ أَسْــبَــابِ الْــبَـقَـاءِ
نَــعَــاكَ لِــيَ الــنُّـعَـاةُ فَـقُـلْـتُ مَـيْـنٌ
وَكَـــمْ يَأْسٍ تَـــشَــبَّــثَ بِــالــرَّجَــاءِ
نُــمَــارِي كُــلَّــمَـا فَـدَحَـتْ خُـطُـوبٌ
فَــتَــرْتَــاحُ الــنُّــفُـوسُ إِلَـى الْـمِـرَاءِ
مَــلَــكْــتَ يَــرَاعَــةً وَمَـلَـكْـتَ قَـلْـبًـا
فَــكَــانَــا سُــلَّــمَــيْــنِ إِلَــى الْــعَـلَاءِ
شَــبَــاةٌ شَــقَّــهَــا الْــبَـارِي فَـشَـقَّـتْ
طَــرِيــقًــا لِــلْــمَــجَــادَةِ وَالــسَّــرَاءِ
إِذَا مَـا أُشْـرِعَـتْ فِـي الْـخَـطِّ مَـالَتْ
رِمَــاحَ الْــخَــطِّ مِــيْــلَــةَ الِازْدِهَــاءِ
وَإِنْ هِــيَ جُــرِّدَتْ لِــمَــضَــاءِ عَــزْمٍ
تَـوَارَى الـسَّـيْـفُ مِـنْ هَـوْلِ الْـمَضَاءِ
وَإِنْ هِــيَ لاَمَــسَــتْ يَــدَهُ أَضَـاءَتْ
فَــهَــلْ أَبْــصَــرْتَ فِـعْـلَ الْـكَـهْـرَبَـاءِ
كَأَنَّ لُــعَــابَــهَــا قِــطْــعُ الــلَّــيَــالِـي
تَــنَــفَّــسُ عَــنْ تَــبَـاشِـيـرِ الـضِّـيَـاءِ
كَأَنَّ الـنِّـقْـسَ فَـوْقَ الـطِّـرْسِ غَـيْثٌ
أَعَــــارَ الْأَرْضَ ثَــــوْبًــــا مِـــنْ رُوَاءِ
بَـيَـانُـكَ وَاضِـحُ الْـقَـسَـمَـاتِ صَـافٍ
يَــكَــادُ يُــشِــعُّ مِـنْ فَـرْطِ الـصَّـفَـاءِ
يَـكَـادُ يَـسِـيـلُ فِـي الْـقِرْطَاسِ لُطْفًا
فَــتَــحْــبِــسُــهُ عَــلَامَــةُ الِانْــتِـهَـاءِ
بَــيَــانٌ لَــوْ صَــدَعْـتَ بِـهِ الـلَّـيَـالـيِ
رَأَيْـتَ الـصُّـبْـحَ مِـنْـهَـا فِـي الْـعِشَاءِ
لَـــهُ نُـــورٌ يَـــكَــادُ يَــسِــيــرُ فِــيــهِ
«رَهِـيـنُ الْـمَـحْـبِـسَـيْـنِ» بِـلَا عَـنَـاءِ
لَــهُ الــنَّــبَــرَاتُ نَــدْعُــوهَــا غِــنَــاءً
فَـــتَأْبَـــى أَنْ تُــعَــدَّ مِــنَ الْــغِــنَــاءِ
سُـــلَافٌ تَـــنْـــهَـــلُ الأَرْوَاحُ مِـــنْــهُ
وَتَـــحْــمِــلُــهُ الــسُّــقَــاةُ بِــلَا إِنَــاءِ
وَرَوْضَــاتٌ حَــلَــتْ فِــي كُـلِّ عَـيْـنٍ
وَأَغْــــرَتْ بِـــالْأَزَاهِـــرِ كُـــلَّ رَائِـــي
طَـلَـبْـنَ إِلَـى الْـغَـمَـامِ كِـسَـاءَ حُـسْنٍ
فَــكَــلَّــفَ قَــطْــرَهُ وَشْـيَ الْـكِـسَـاءِ
تُــرِيــكَ عَــجَــائِــبَ الْأَلْـوَانِ شَـتَّـى
كَـمَـا عَـكَـسَـتْ أَشِـعَّـتَـهَـا الْـمَـرَائِـي
أَوِ الْــعَــذْرَاءَ حِــيــنَ رَأَتْ غَــرِيــبًـا
فَــلَــثَّــمَــتِ الْــمَــلَاحَــةِ بِـالْـحَـيَـاءِ
•••
بَــنِــي لُــبْــنَــانَ خَـطْـبُـكُـمُ جَـلِـيـلٌ
دَعُــونَــا نَـقْـتَـسِـمْـهُ عَـلَـى الـسَّـوَاءِ
مَـضَـى شَـيْـخُ الـصِّـحَـافَـةِ أَرْيَـحِيًّا
مُــبِــيــدَ الْــوَفْــرِ جَــمَّــاعَ الــثَّـنَـاءِ
خِـــلَالٌ كُـــلُّـــهَـــا أَنْـــفَــاسُ رَوْضٍ
وَنَـــفْـــسٌ كُــلُّــهَــا قَــطَــرَاتُ مَــاءِ
نُــعَــزِّي فِــيــهِ لُــبْــنَــانًــا وَنَــبْـكِـي
فَـــمَـــنْ أَوْلَــى وَأَجْــدَرُ بِــالْــعَــزَاءِ
مُصَابُكُمُ — وَقَدْ أَدْمَى — مُصَابِي
وَرُزْءُ الْـــعَـــبْـــقَـــرِيَّـــةِ وَالـــذَّكَــاءِ
لَــهُ اهْــتَـزَّتْ بَـوَاسِـقُ نَـخْـلِ مِـصْـرٍ
وَهَـــالَ الْأَرْزَ إِرْجَـــافُ الْـــفَـــضَــاءِ
بَـنِـي الْـقُـطْـرِ الـشَّـقِـيـقِ لَـنَا صِلَاتٌ
كَــرِيــمَــاتٌ عُــقِــدْنَ عَـلَـى الْـوَفَـاءِ
بَــنُــو أَعْــمَــامِــنَــا أَنْــتُـمْ وَفِـيـكُـمْ
حِــــفَــــاظٌ لِــــلْـــمَـــوَدَّةِ وَالإِخَـــاءِ
وَفِـي الْـفُـصْـحَـى لَـنَـا نَـسَـبٌ كَرِيمٌ
كَـقُـرْصِ الـشَّـمْـسِ شَـمَّـاخُ الـسَّـنَاءِ
أَعَــــدْنَـــاهَـــا نِـــزَارِيَـــةً عَـــرُوبًـــا
لَــهَــا حُــسْــنُ الْــتِــفَــاتٍ وَانْـثِـنَـاءِ
إِذَا خَــطَــرَتَ بِـنَـادِي الْـقَـوْمِ حَـلُّـوا
مِــنَ الإِكْــبَــارِ مَــعْــقُــودَ الْــحُــبَـاءِ
تَــجَــاوَزْنَــا بِــهَــا أَطْــلَالَ سُــعْـدَى
وَبَــدَّلْــنَــا الْــمَــقَــاصِــرَ بِــالْـخِـبَـاءِ
وَجِـئْـنَـا بِـالْـعُـجَـابِ يُـخَـالُ سِـحْـرًا
وَكُـــلُّ الــسِّــحْــرِ مِــنْ أَلِــفٍ وَبَــاءِ
وَكَــانَــتْ قَـبْـلَ نَـهْـضَـتِـنَـا نُـحَـاسًـا
وَكُــنَّــا سَــادَةً فِــي الْــكِــيــمِــيَــاءِ
قَــضَــى «دَاوُدُ» فَـالْأَقْـلَامُ حَـسْـرَى
نَــوَاكِــسُ خَــاشِــعَــاتٌ لِــلْــقَـضَـاءِ
هِـــيَ الْأَيَّـــامُ تَـــهْــدِمُ مَــا بَــنَــتْــهُ
فَــمَــاذَا يَــبْــتَــغِــيــنَ مِــنَ الْـبِـنَـاءِ
حَــيَــاةُ الْــمَــرْءِ فِـي الـدُّنْـيَـا هَـبَـاءٌ
وَآمَـــالُ الْـــمُـــؤَمِّـــلِ مِـــنْ هَـــوَاءِ
وَمَـا لِـلْـجَـازِعِـيـنَ سِـوَى اصْـطِـبَـارٍ
وَمَـا لـلـسَّـاخِـطِـيـنَ سِـوَى الـرِّضَـاءِ

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤