نَجَاةٌ

Wave Image
هَــنِــيــئًــا أَمِــيـرَ الْـمُـؤْمِـنِـيـنَ فَإِنَّـمَـا
نَــجَــاتُــكَ لِـلـدِّيـنِ الْـحَـنِـيـفِ نَـجَـاةُ
هَــنِــيــئًــا لِــطَــهَ وَالْــكِــتَــابِ وَأُمَّـةٍ
بَـــقَـــاؤُكَ إِبْـــقَـــاءٌ لَـــهَـــا وَحَـــيَـــاةُ
أَخَـذْتَ عَـلَـى الْأَقْـدَارِ عَـهْـدًا وَمَـوْثِقًا
فَــلَــسْــتَ الَّــذِي تَــرْقَــى إِلــيْـهِ أَذَاةُ
وَمَــنْ يَــكُ فِــي بُـرْدِ الـنَّـبِـيِّ وَثَـوْبِـهِ
تَـــجُـــزْهُ إِلَــى أَعْــدَائِــهِ الــرَّمَــيَــاتُ
يَــكَــادُ يَـسِـيـرُ الْـبَـيْـتُ شُـكْـرًا لِـرَبِّـهِ
إِلَــيْــكَ وَيَــسْــعَــى هَــاتِـفًـا عَـرَفَـاتُ
وَتَـسْـتَـوْهِـبُ الصَّفْحَ الْمَسَاجِدُ خُشَّعًا
وَتَــبْــسُــطُ رَاحَ الـتَّـوْبَـةِ الْـجُـمُـعَـاتُ
وَتَسْتَغْفِرُ الْأَرْضُ الْخَصِيبُ وَمَا جَنَتْ
وَلَــكِــنْ سَــقَــاهَــا قَــاتِــلُــونَ جُـنَـاةُ
وَتُـثْـنِـي مِنَ الْجَرحَى عَلَيْكَ جِرَاحُهُمْ
وَتَأْتِــي مِــنَ الْـقَـتْـلَـى لَـكَ الـدَّعَـوَاتُ
ضَـحِـكْـتَ مِـنَ الْأَهْـوَالِ ثُـمَّ بَـكَـيْتَهُمْ
بِــدَمْــعٍ جَــرَتْ فِـي إِثْـرِهِ الـرَّحَـمَـاتُ
تُــثَــابُ بِــغَــالِــيـهِ وَتُـجْـزَى بِـطُـهْـرِهِ
إِلَــى الْــبَــعْــثِ أَشْــلَاءٌ لَـهُـمْ وَرُفَـاتُ
وَمَـا كُـنْـتَ تُـحْـيِـيـهِـمْ فَـكِـلْهُمْ لِرَبِّهِمْ
فَـمَـا مَـاتَ قَـوْمٌ فِـي سَـبِـيـلِـكَ مَـاتُوا
رَمَـتْـهُـمْ بِـسَـهْـمِ الْـغَـدْرِ عِنْدَ صَلَاتِهِمْ
عِـــصَـــابَـــةُ شَـــرٍّ لِــلــصَّــلَاةِ عُــدَاةُ
تَــبَــرَّأَ عِــيــسَــى مِــنْـهُـمُ وَصِـحَـابُـهُ
أَأَتْـبَـاعُ عِـيـسَـى ذِي الْـحَـنَـانِ جُفَاةُ؟
يُــعَــادُونَ دِيــنًــا لَا يُــعَــادُونَ دَوْلَــةً
لَــقَــدْ كَــذَبَــتْ دَعْـوَى لَـهُـمْ وَشَـكَـاةُ
وَلَا خَـيْـرَ فِـي الـدُّنْيَا وَلَا فِي حُقُوقِهَا
إِذَا قِــيــلَ طُــلَّابُ الْــحُــقُــوقِ بُـغَـاةُ
بِأَيِّ فُــؤَادٍ تَــلْــتَــقِــي الْـهَـوْلَ ثَـابِـتًـا
وَمَــا لِــقُــلُــوبِ الْــعَـالَـمِـيـنَ ثَـبَـاتُ؟
إِذَا زُلْـزِلَـتْ مِـنْ حَـوْلِـكَ الْأَرْضُ رَادَهَا
وَقَــارُكَ حَــتَّــى تَــسْـكُـنَ الْـجَـنَـبَـاتُ
وَإِنْ خَــرَجَـتْ نَـارٌ فَـكَـانَـتْ جَـهَـنَّـمًـا
تُـــغَــذَّى بِأَجْــسَــادِ الْــوَرَى وَتُــقَــاتُ
وَتَــرْتَــجُّ مِــنْــهَــا لُــجَّــةٌ وَمَــدِيــنَــةٌ
وَتَــصْــلَــى نَــوَاحٍ حَــرَّهَــا وَجِــهَـاتُ
تَـمَـشَّـيْـتَ فِـي بُـرْدِ الْـخَلِيلِ فَخُضْتَهَا
سَــلَامًــا وَبَــرْدًا حَــوْلَــكَ الْــغَـمَـرَاتُ
وَسِــرْتَ وَمِـلْءُ الْأَرْضِ حَـوْلَـكَ أَدْرُعٌ
وَدِرْعُـــكَ قَـــلْـــبٌ خَــاشِــعٌ وَصَــلَاةٌ
ضَـحُـوكًـا وَأَصْـنَـافُ الْـمَـنَايَا عَوَابِسٌ
وَقُــورًا وَأَنْــوَاعُ الْــحُــتُــوفِ طُــغَـاةُ
يَـحُـوطُـكَ إِنْ خَـانَ الْـحُمَاةَ انْتِبَاهُهُمْ
مَـــلَائِـــكُ مِــنْ عِــنْــدِ الْإِلَــهِ حُــمَــاةُ
تُـــشِــيــرُ بِــوَجْــهٍ أَحْــمَــدِيٍّ مُــنَــوِّرٍ
عُــيُــونُ الْــبَـرَايَـا فِـيـهِ مُـنْـحَـسِـرَاتُ
يُــحَـيِّـي الـرَّعَـايَـا وَالْـقَـضَـاءُ مُـهَـلِّـلٌ
يُـــحَـــيِّــيــهِ وَالْأَقْــدَارُ مُــعْــتَــذِرَاتُ
نَــجَــاتُــكَ نُــعْــمَــى لِــلْإِلَــهِ سَــنِـيَّـةٌ
لَــهَــا فِــيــكَ شُــكْــرٌ وَاجِــبٌ وَزَكَــاةُ
فَــصَـيِّـرْ أَمِـيـرَ الْـمُـؤْمِـنِـيـنَ ثَـنَـاءَهَـا
مَآثِــرَ تُــحْــيِــي الْأَرْضَ وَهْـيَ مَـوَاتُ
إِذَا لَــمْ يَــفُـتْـنَـا مِـنْ وُجُـودِكَ فَـائِـتٌ
فَــلَــيْــسَ لِآمَــالِ الــنُّــفُــوسِ فَـوَاتُ
بَــلَـوْنَـاكَ يَـقْـظَـانَ الـصَّـوَارِمِ وَالْـقَـنَـا
إِذَا ضَــيَّــعَ الـصِّـيـدَ الْـمُـلُـوكَ سُـبَـاتُ
سَــهِــرتَ وَلَــذَّ الــنَّــوْمُ وَهْــوَ مَـنِـيَّـةٌ
رَعَـــايَـــا تَـــوَلَّاهَـــا الْــهَــوَى وَرُعَــاةُ
فَـلَـوْلَاكَ مُـلْـكُ الْـمُـسْـلِـمِـيـنَ مُـضَـيَّـعٌ
وَلَـوْلَاكَ شَـمْـلُ الْـمُـسْـلِـمِـيـنَ شَـتَـاتُ
لَــقَــدْ ذَهَــبَــتْ رَايَــاتُـهُـمْ غَـيْـرَ رَايَـةٍ
لَـهَـا الـنَّـصْـرُ وَسْـمٌ وَالْـفُـتُـوحُ شِـيَاتُ
تَـــظَـــلُّ عَــلَــى الْأَيَّــامِ غَــرَّاءَ حُــرَّةً
مُــحَــجَّــلَــةً فِــي ظِــلِّــهَـا الْـغَـزَوَاتُ
حَــنِــيــفِــيَّــةً قَــدْ عَــزَّهَــا، وَأَعَـزَّهَـا
ثَــلَاثُــونَ مَــلْــكًــا فَــاتِــحُــونَ غُـزَاةُ
حَـمَـاهَـا وَأَسْـمَـاهَـا عَـلَى الدَّهْرِ مِنْهُمُ
مُـــلُـــوكٌ عَـــلَــى أَمْــلَاكِــهِ سَــرَوَاتُ
عَـمَـائِـمُ فِـي مَـحْـلِ الـسِّـنِينَ هَوَاطِلٌ
مَـصَـابِـيـحُ فِـي لَـيْـلِ الـشُّـكُوكِ هُدَاةُ
تَــهَـادَتْ سَـلَامًـا فِـي ذَرَاكَ مُـطِـيـفَـةً
لَــهَــا رَغَــبَــاتُ الْــخَـلْـقِ، وَالـرَّهَـبَـاتُ
تَـمُـوتُ سِـبَـاعُ الْـجَـوِّ غَـرْثَـى حِـيَالَها
وَتَـحْـيَـا نُـفُـوسُ الْـخَـلْـقِ وَالْـمُهَجَاتُ
سَـنَـنْـتَ اعْـتِـدَالَ الدَّهْرِ فِي أَمْرِ أَهْلِهِ
فَـــبَــاتَ رَضِــيًّــا فِــي ذَرَاكَ وَبَــاتُــوا
فَأَنْــتَ غَــمَــامٌ وَالــزَّمَــانُ خَــمِــيـلَـةٌ
وَأَنْـــتَ سِـــنَـــانٌ وَالـــزَّمَـــانُ قَــنَــاةُ
وَأَنْــتَ مِــلَاكُ الــسِّـلْـمِ إِنْ مَـادَ رُكْـنُـهُ
وَأَشْـــفَـــقَ قُـــوَّامٌ عَـــلَــيْــهِ ثِــقَــاتُ
أَكَــانَ لِــهَــذَا الْأَمْــرِ غَــيْــرَكَ صَــالِـحٌ
وَقَــدْ هَــوَّنَــتْــهُ عِــنْـدَكَ الـسَّـنَـوَاتُ؟
وَمَـنْ يَـسُـسِ الـدُّنْـيَـا ثَـلَاثِـيـنَ حِجَّةً
تُــعِــنْــهُ عَــلَــيْــهَــا حِــكْــمَــةٌ وَأَنَــاةُ
مَـلَـكْـتَ، أَمِـيـرَ الْـمُـؤْمِنِينَ، ابْنَ هَانِئٍ
بِــفَــضْــلٍ لَــهُ الْأَلْــبَــابُ مُـمْـتَـلَـكَـاتُ
وَمَـا زِلْـتُ حَـسَّـانَ الْـمَـقَـامِ وَلَـمْ تَـزَلْ
تَـلِـيـنِـي وَتَـسْـرِي مِـنْـكَ لِي النَّفَحَاتُ
زَهِـدْتُ الَّـذِي فِـي رَاحَـتَـيْكَ وَشَاقَنِي
جَــوَائِــزُ عِــنْــدَ الــلــهِ مُــبْــتَــغَـيَـاتُ
وَمَـنْ كَانَ مِثْلِي أَحْمَدَ الْوَقْتِ لَمْ تجُزْ
عَــلَـيْـهِ وَلَـوْ مِـنْ مِـثْـلِـكَ الـصَّـدَقَـاتُ
وَلِـي دُرَرُ الْأَخْـلَاقِ فِي الْمَدْحِ وَالْهَوَى
وَلِـــلْـــمُـــتَـــنَـــبِّـــي دُرَّةٌ وَحَـــصَـــاةُ
نَــجَــتْ أُمَّــةٌ لَـمَّـا نَـجَـوْتَ وَدُورِكَـتْ
بِــلَادٌ وَطَــالَــتْ لِــلــسَّــرِيــرِ حَــيَــاةُ
وَصِــيـنَ جَـلَالُ الْـمُـلْـكِ وَامْـتَـدَّ عِـزُّهُ
وَدَامَ عَــلَـيْـهِ الْـحُـسْـنُ وَالْـحَـسَـنَـاتُ
وَأُمِّــنَ فِــي شَــرْقِ الْــبِــلَادِ وَغَـرْبِـهَـا
يَــتَــامَــى عَــلَــى أَقْــوَاتِـهِـمْ وَعُـفَـاةُ
سَــلَامِــيَ عَـنْ هَـذَا الْـمَـقَـامِ مُـقَـصِّـرٌ
عَــلَــيْــكَ سَــلَامُ الــلــهِ وَالْــبَــرَكَــاتُ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: نجاة الخليفة العثماني من قذيفة ألقيت عليه.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤