أُفُولُ نَجْمَيْنِ

Wave Image
جَـمَـعَ الـشُّـجُـونَ وَبَـدَّدَ الْأَحْـلَامَـا
خَــطْــبٌ أَنَــاخَ بِــكَـلْـكَـلٍ وَأَقَـامَـا
أَخْـلَـى الْـكِـنَـانَـةَ مِـنْ أَمَـرِّ سِهَامِهَا
عُــودًا، وَرَاعَ الــنِّــيــلَ وَالْأَهْـرَامَـا
وَعَـدَا عَـلَـى رَوْضِ الـشَّبَابِ وَظِلِّهِ
فَـغَـدَا بِـهِ رَوْضُ الـشَّـبَـابِ حُطَامَا
غُـصْـنَـانِ، هَـزَّهُـمَـا الـصِّبَا فَتَمَايَلَا
وَسَـقَـاهُـمَـا الْأَمَـلُ الـرَّوِيُّ جِـمَـامَا
نَـجْـمَـانِ، غَـالَـهُـمَا الزَّمَانُ فَأَصْبَحَا
بَــعْــدَ الـتَّأَلُّـقِ وَالـسُّـطُـوعِ رُكَـامَـا
نَـسْـرَانِ، لَـوْ رَضِـيَ الْـقَـضَاءُ لَحَلَّقَا
دَهْـرًا، عَـلَـى أُفُـقِ الـدِّيَـارِ وَحَـامَـا
•••
ابْـكِ الـشَّـبَـابَ الْـغَـضَّ فِي رَيْعَانِهِ
وَأَفِـضْ عَـلَـيْهِ مِنَ الدُّمُوعِ سِجَامَا
وَانْـثُـرْ أَزَاهِـيـرًا عَـلَـى الـزَّهْرِ الَّذِي
كَــانَــتْ لَــهُ كُـلُّ الْـقُـلُـوبِ كِـمَـامَـا
وَابْـعَـثْ أَنِـيـنَـكَ لِـلسَّحَابِ شِكَايَةً
فَإِلَامَ تــحْــتَــبِــسُ الْأَنِـيـنَ إِلَامَـا؟
لَـهْـفِـي عَـلَى أَمَلٍ مَضَى فِي لَمْحَةٍ
لَـوْ دَامَ فِـي الـدُّنْـيَـا السُّرُورُ لَدَامَا!
لَــمْ نَــشْــكُـرِ الْأَيَّـامَ عِـنْـدَ بَـرِيـقِـهِ
حَــتَّـى أَخَـذْنَـا نَـشْـتَـكِـي الْأَيَّـامَـا
لَـمْ تَـلْـمَـحِ الْـعَـيْنُ الطَّمُوحُ شُعَاعَهُ
حَـتَّـى رَأَتْ ذَاكَ الـشُّـعَـاعَ ظَـلَامَـا
•••
حَـجَّـاجُ! لَاقَـيْـتَ الْـيَـقِينَ مُكَافِحًا
بَـطَـلًا، وَيَـا شُـهْدِي! قَضَيْتَ هُمَامَا
رَكِـبَـا الْـهَـوَاءَ، وَكُـلُّ نَفْسٍ لَوْ دَرَتْ
غَـرَضٌ تَـنَـازَعُـهُ الْـمَـنُـونُ سِـهَـامَـا
وَالْـمَـوْتُ يَلْقَى الْأُسْدَ فِي عِرِّيسِهَا
وَيَــغُــولُ حَـوْلَ كِـنَـاسِـهَـا الْآرَامَـا
لَا الـدِّرْعُ تُـصْبِحُ حِينَ تَبْطِشُ كَفُّهُ
دِرْعًـا، وَلَا الـسَّيْفُ الْحُسَامُ حُسَامَا
رَكِـبَـا جَـمُـوحَ الْـجَـوِّ يَـلْـوِي رَأْسَهُ
كِــبْــرًا، وَيَأْنَــفُ أَنْ يُـنِـيـلَ زِمَـامَـا
فِـي عَـاصِـفَـاتٍ لَـمْ تُـزَعْـزِعْ مِنْهُمَا
عَـزْمًـا كَـحَـدِّ الـسَّـيْـفِ أَوْ إِقْـدَامَـا
وَالْـجَـوُّ أَكْـلَـفُ، وَالـسَّـمَاءُ مَرِيضَةٌ
وَالـلَّـيْـلُ دَاجٍ، وَالْـخُـطُـوبُ تَرَامَى
وَالْمَوْتُ يَخْفِقُ فِي جَنَاحَيْ جَارِحٍ
مَــلَأَ الْــفَــضَـاءَ شَـرَاسَـةً وَعُـرَامَـا
بَـسَـمَا إِلَى الْخَطْبِ الْعَبُوسِ، وَإِنَّمَا
يَــلْـقَـى الْـكَـمِـيُّ قَـضَـاءَهُ بَـسَّـامَـا
لَـهْـفِـي عَلَى الْبَطَلَيْنِ غَالَهُمَا الرَّدَى
لَــمْ يَــمْـلِـكَـا دَفْـعًـا وَلَا إِحْـجَـامَـا!
الْـمَـوْتُ تَـحْـتَـهُـمَـا يَصُولُ مُخَاتِلًا
وَالْـمَـوْتُ فَـوْقَـهُـمَـا يَـحُـومُ زُؤَامَا
ثَــبَــتَـا لِـحُـكْـمِ الـلـهِ جَـلَّ جَـلَالُـهُ
وَالْـخَـطْـبُ يَـلْـقَـاهُ الْـكِـرَامُ كِـرَامَا
وَالـسَّـيْـفُ أَكْـثَـرُ مَـا يُـلَاقِي حَتْفَهُ
يَـوْمَ الْـكَـرِيـهَـةِ صَـارِمًـا صَمْصَامَا
قَـدْ يُـنْسِئُ الْمَوْتُ النِّمَالَ بِجُحْرِهَا
وَيَـغُـولُ فِـي آجَـامِـهِ الـضِّـرْغَـامَـا
يَــا هَـوْلَـهَـا مِـنْ لَـحْـظَـةٍ لَا نَـارُهَـا
بَــرْدٌ، وَلَا كَــانَ الــلَّــهِـيـبُ سَـلَامَـا
هَـلْ أَخْـطَـرَا فِـيـهَـا عَـلَـى بَـالَيْهِمَا
الـــنِّــيــلَ وَالْآبَــاءَ وَالْأَعْــمَــامَــا؟
وَالْـمَـوْطِـنَ الصَّدْيَانَ يَرْقُبُ عَوْدَةً
وَيْــلَاهُ! قَــدْ عَــادَا إِلَــيْــهِ رِمَــامَـا
أَتَـقَـاسَـمَـا فِـيـهَـا الْـوَدَاعَ بِـلَـفْـظَةٍ
أَمْ لَـمْ تَـدَعْ لَـهُـمَـا الْـمَـنُونُ كَلَامَا؟
هَـلْ فَـكَّـرَا فِـي الْأُمِّ تَـنْـدُبُ حَظَّهَا
وَالـزَّوْجِ تُـسْـكِـتُ وَالِـهِـيـنَ يَتَامَى
إِنَّ الــسَّــلَامَــةَ قَــدْ تَـكُـونُ مَـذَلَّـةً
وَيَـكُـونُ إِقْـدَامُ الْـجَـرِيءِ حِـمَـامَـا
وَالْـمَـرْءُ يَـلْـقَـى بِـاخْـتِـيَـارِ كِـلَيْهِمَا
حَــمْــدًا يُــحَـلِّـقُ بِـاسْـمِـهِ أَوْ ذَامَـا
وَالْـمَـجْـدُ يَـعْـتَـدُّ الْـحَـيَـاةَ قَصِيرَةً
وَيَــرَى فَــنَـاءَ الْـخَـالِـدِيـنَ دَوَامَـا!

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: في نوفمبر سنة ١٩٣٣م غادر سرب الطائرات الحربية المصرية إنجلترا قاصدًا إلى مصر، وفيما كان السرب طائرًا في سماء فرنسا سقطت إحدى طائراته محترقة، واحترق طياراها المرحومان فؤاد حجاج وشهدي دوس. وفي هذه القصيدة يصوِّر الشاعر ذلك الحادث الجلل، ويصف وقعه وآثاره.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤