الصَّدِيقُ الْمُضَاعُ

Wave Image
عَــلَامَ حُــرِمْــنَــا مُــنْـذُ حِـيـنٍ تَـلَاقِـيَـا
أَفِـي سَـفَـرٍ قَـدْ كُـنْـتَ أَمْ كُـنْـتَ لَاهِـيَا؟
عَــهِـدْنَـاكَ لَا تَـلْـهُـو عَـنْ الْـخِـلِّ سَـاعَـةً
فَـكَـيْـفَ عَـلَـيْـنَـا قَـدْ أَطَـلْـتَ الـتَّـجَافِيَا
وَمَــا لِــي أَرَاكَ الْـيَـوْمَ وَحْـدَكَ جَـالِـسًـا
بَــعِــيـدًا عَـنِ الْـخُـلَّانِ تَأَبَـى الـتَّـدَانِـيَـا
أَنَـــابَــكَ خَــطْــبٌ أَمْ عَــرَاكَ تَــعَــشُّــقٌ
فَإِنِّــي أَرَى حُــزْنًــا بِــوَجْــهِــكَ بَــادِيَــا
وَمَــا بَــالُ عَــيْـنَـيْـكَ الـلَّـتَـيْـنِ أَرَاهُـمَـا
تُـدِيـرَانِ لَـحْـظًـا يَـحْـمِـلُ الْـحُـزْنَ وَانِيَا
وَأَيُّ جَــوًى قَــدْ عُــدْتَ أَصْـفَـرَ فَـاقِـعًـا
بِــهِ بَــعْــدَ أَنْ قَـدْ كُـنْـتَ أَحْـمَـرَ قَـانِـيَـا
تَــكَــلَّــمْ فَــمَــا هَــذَا الْــوُجُـومُ فَإِنَّـنِـي
عَــهِــدْتُــكَ غِــرِّيــدًا بِــشِــعْـرِكَ شَـادِيَـا
تَــجَـلَّـدْ تَـجَـلَّـدْ يَـا «سَـلِـيـمُ» وَلَا تَـكُـنْ
بِـمَـا نَـابَ مِـنْ صَـرْفِ الـزَّمَـانِ مُـبَـالِـيَـا
وَلَا تَــبْــتَــئِــسْ بِــالـدَّهْـرِ إِنَّ خُـطُـوبَـهُ
سَــحَــابَــةُ صَــيْــفٍ لَا تَــدُومُ ثَــوَانِـيَـا
•••
فَـــقَـــالَ وَلَــمْ يَــمْــلِــكْ بَــوَادِرَ أَدْمُــعٍ
تَــنَــاثَــرْنَ حَــتَّــى خِــلْــتُــهُــنَّ لَآلِــيَــا
لَـقَـدْ هِـجْتَنِي يَا «أَحْمَدُ» الْيَوْمَ بِالْأَسَى
وَذَكَّـرْتَـنِـي مَـا كُـنْـتُ بِـالْأَمْـسِ نَـاسِـيَـا
أَتَــعْــجَــبُ مِـنْ حُـزْنِـي وَتَـعْـلَـمُ أَنَّـنِـي
قَــرِيــعُ تَــبَـارِيـحٍ تُـشِـيـبُ الـنَّـوَاصِـيَـا
لَـقَـدْ عِـشْـتُ فِـي الـدُّنْيَا أَسِيفًا وَلَيْتَنِي
تَــرَحَّــلْــتُ عَــنْــهَــا لَا عَــلَــيَّ وَلَا لِــيَـا
وَقَـدْ كُـنْتُ أَشْكُو الْكَاشِحِينَ مِنَ الْعِدَى
فَأَصْـبَـحْـتُ مِـنْ جَـوْرِ الْأَخِـلَّاءِ شَـاكِـيَا
وَمَـا رُحْـتُ أَسْـتَـشْـفِـي الْقُلُوبَ مُدَاوِيًا
مِـنَ الْـحِـقْـدِ إِلَّا عُـدْتُ عَـنْـهَـا كَـمَـا هِـيَا
وَدَارَيْــتُ حَــتَّــى قِــيــلَ لِـي مُـتَـمَـلِّـقٌ
وَمَــا كَــانَ مِــنْ دَاءِ الــتَّــمَــلُّــقِ دَائِـيَـا
وَحَـتَّـى دَعَـانِـي الْـحَـزْمُ أَنْ خَـلِّ عَنْهُمُ
فَإِنَّ صَــــرِيــــحَ الــــرَّأْيِ أَلَّا تُــــدَارِيَـــا
وَرُبَّ أَخٍ أَوْقَـــرْتُ قَـــلْـــبِـــي بِــحُــبِّــهِ
فَـكُـنْـتُ عَـلَـى قَـلْـبِـي بِـحُـبِّـيـهِ جَـانِـيَا
أَرَادَ انْـــقِـــيَــادِي لِــلْــهَــوَانِ وَمَــا دَرَى
بِأَنِّــيَ حُــرُّ الــنَّــفْــسِ صَـعْـبٌ قِـيَـادِيَـا
إِذَا مَــا سَــمَـائِـي جَـادَ بِـالـذُّلِّ غَـيْـثُـهَـا
أَبَــيْــتُ عَــلَــيْــهَـا أَنْ تَـكُـونَ سَـمَـائِـيَـا
أَلَا فَـابْـكِ لِـي يَـا «أَحْـمَـدُ» الْيَوْمَ رَحْمَةً
وَدَعْــنِــي وَشَأْنِــي وَالْأَسَــى وَفُـؤَادِيَـا
فَإِنَّ أَحَــقَّ الــنَّــاسِ بِــالــرَّحْـمَـةِ امْـرُؤٌ
أَضَــاعَ وِدَادًا عِــنْــدَ مَـنْ لَـيْـسَ وَافِـيَـا
وَمَا كَانَ حَظِّي وَهْوَ فِي الشِّعْرِ ضَاحِكٌ
لِـيَـظْـهَـرَ إِلَّا فِـي سِـوَى الـشِّـعْـرِ بَـاكِـيَـا
رَكِـبْـتُ بُـحُـورَ الـشِّـعْـرِ رَهْـوًا وَمَـائِـجًـا
وَأَقْــحَــمْـتُ مِـنْـهَـا كُـلَّ هَـوْلٍ يَـرَاعِـيَـا
وَسَـيَّـرْتُ سُـفْـنِـي فِـي طِـلَابِ فُـنُـونِـهِ
وَأَلْـقَـيْـتُ فِـي غَـيْـرِ الْـمَـدِيـحِ الْمَرَاسِيَا
وَقُـلْتُ اعْصِنِي يَا شِعْرُ فِي الْمَدْحِ إِنَّنِي
أَرَى الـنَّـاسَ مَـوْتَـى تَـسْـتَـحِـقُّ الْمَرَاثِيَا
وَلَــوْ رَضِـيَـتْ نَـفْـسِـي بِأَمْـرٍ يَـشِـيـنُـهَـا
لَــمَــا نَــطَــقَــتْ بِـالـشِّـعْـرِ إِلَّا أَهَـاجِـيَـا
وَكَـمْ قَـامَ يَـنْـعَـى حِـينَ أَنْشَدْتُ مَادِحًا
إِلَــيَّ الــنَّــدَى نَــاعٍ فَأَنْــشَــدْتُ رَاثِــيَــا
وَكَــمْ بَــشَّــرَتْــنِــي بِــالْــوَفَــاءِ مَـقَـالَـةٌ
فَـلَـمَّـا انْـتَـهَـتْ لِـلْـفِـعْـلِ كَـانَـتْ مَـنَاعِيَا
•••
فَــلَــمَّــا بَـكَـى أَمْـسَـكْـتُ فَـضْـلَ رِدَائِـهِ
وَكَـفْـكَـفْـتُ دَمْـعًـا فَـوْقَ خَـدَّيْـهِ جَـارِيَا
وَقُـــلْـــتُ لَــهُ هَــوِّنْ عَــلَــيْــكَ فَإِنَّــمَــا
تَـنُـوبُ دَوَاهِـي الـدَّهْـرِ مَـنْ كَـانَ دَاهِيَا
وَمَــا ضَــرَّ أَنْ أَصْــفَـيْـتَ وُدَّكَ مَـعْـشَـرًا
مِـنَ الـنَّـاسِ لَـمْ يَـجْـنُوا لَكَ الْوُدَّ صَافِيَا
كَـفَـى مَـفْـخَـرًا أَنْ قَـدْ وَفَيْتَ وَلَمْ يَفُوا
فَـكُـنْـتَ الْـفَـتَـى الْأَعْلَى وَكَانُوا الْأَدَانِيَا
لَــعَــلَّ الَّــذِي أَشْــجَــاكَ يُـعْـقِـبُ رَاحَـةً
فَـقَـدْ يَـشْـكُـرُ الْإِنْـسَـانُ مَـا كَـانَ شَـاكِيَا
أَلَا رُبَّ شَــــرٍّ جَــــرَّ خَـــيْـــرًا وَرُبَّـــمَـــا
يَــجُــرُّ تَــجَـافِـيـنَـا إِلَـيْـنَـا الـتَّـصَـافِـيَـا
فَــلَــوْ أَنَّ مَـاءَ الْـبَـحْـرِ لَـمْ يَـكُ مَـالِـحًـا
لَـرُحْـنَـا مِـنَ الـطُّـوفَـانِ نَـشْكُو الْغَوَادِيَا
وَلَـوْلَا اخْـتِلَافُ الْجَذْبِ وَالدَّفْعِ لَمْ تَكُنْ
نُــــجُـــومٌ بِأَفْـــلَاكٍ لَـــهُـــنَّ جَـــوَارِيَـــا
وَكَــيْــفَ نَــرَى لِــلْــكَــهْــرَبَـاءِ ظَـوَاهِـرًا
إِذَا هِــيَ فِـي الْإِثْـبَـاتِ لَـمْ تَـلْـقَ نَـافِـيَـا
تَـمُـوتُ الْـقُـوَى إِنْ لَـمْ تَـكُـنْ فِـي تَبَايُنٍ
وَيَــحْــيَــيْــنَ مَـا دَامَ الـتَّـبَـايُـنُ بَـاقِـيَـا
فَــلَا تَــعْــجَــبَــنْ مِـنْ أَنَّـنَـا فِـي تَـنَـافُـرٍ
أَلَــمْ تَــرَ فِـي الْـكَـوْنِ الـتَّـنَـافُـرَ سَـارِيَـا
وَهَـبْـهُـمْ جَـفَـوْكَ الْـيَـوْمَ بُـخْـلًا بِـوُدِّهِمْ
أَلَـمْ تَـغْـنَ عَـنْـهُـمْ أَنْ مَـلَـكْـتَ الْـقَـوَافِيَا
فَـطِـرْ فِـي سَـمَـوَاتِ الْـقَـرِيـضِ مُرَفْرِفًا
وَأَطْــلِـعْ لَـنَـا فِـيـهَـا الـنُّـجُـومَ الـدَّرَارِيَـا
فَأَنْـتَ امْـرُؤٌ تُـعْـطِـي الْـقَـوَافِـيَ حَـقَّـهَا
فَــتَــبْــدُو وَإِنْ أَرْخَــصْــتَــهُـنَّ غَـوَالِـيَـا
يُــجِــيــبُـكَ عَـفْـوًا إِنْ أَمَـرْتَ شَـرُودُهَـا
وَتَأْتِـيـكَ طَـوْعًـا إِنْ دَعَـوْتَ الْـعَـوَاصِـيَا
فَـقَـالَ وَقَـدْ أَلْـقَـى عَـلَـى الـصَّـدْرِ كَـفَّـهُ
فَــشَــدَّ بِـهَـا قَـلْـبًـا مِـنَ الْـوَجْـدِ هَـافِـيَـا
لَـقَـدْ جِـئْـتَـنِـي بِـالْـقَـوْلِ رَطْـبًـا وَيَـابِسًا
فَـدَاوَيْـتَ لِـي سُـقْـمًـا وَهَـيَّـجْـتَ ثَـانِيَا
فَإِنِّــي وَإِنْ أَبْــدَى لِــيَ الْــقَــوْمُ جَـفْـوَةً
أُمَــنِّــي لَــهُــمْ مِــمَّــا أُحِــبُّ الْأَمَــانِـيَـا
وَمَــا أَنَــا عَـنْ قَـوْمِـي غَـنِـيًّـا وَإِنْ أَكُـنْ
أُطَـاوِلُ فِـي الْـعِـزِّ الْـجِـبَـالَ الـرَّوَاسِـيَـا
إِذَا نَـابَ قَـوْمِـي حَـادِثُ الـدَّهْـرِ نَـابَـنِي
وَإِنْ كُــنْــتُ عَـنْـهُـمْ نَـازِحَ الـدَّارِ نَـائِـيَـا
وَمَــا يَــنْــفَــعُ الـشِّـعْـرُ الَّـذِي أَنَـا قَـائِـلٌ
إِذَا لَـمْ أَكُـنْ لِـلْـقَـوْمِ فِـي الـنَّـفْـعِ سَاعِيَا
وَلَــسْــتُ عَــلَـى شِـعْـرِي أَرُومُ مَـثُـوبَـةً
وَلَــكِــنَّ نُــصْــحَ الْــقَـوْمِ جُـلُّ مَـرَامِـيَـا
وَمَــا الــشِّـعْـرُ إِلَّا أَنْ يَـكُـونَ نَـصِـيـحَـةً
تُــنَــشِّــطُ كَــسْــلَانًــا وَتُـنْـهِـضُ ثَـاوِيَـا
وَلَـيْـسَ سَـرِيُّ الْـقَـوْمِ مَـنْ كَـانَ شَـاعِرًا
وَلَــكِــنْ سَـرِيُّ الْـقَـوْمِ مَـنْ كَـانَ هَـادِيَـا
فَــعَــلَّـمَـهُـمْ كَـيْـفَ الـتَّـقَـدُّمُ فِـي الْـعُـلَا
وَمِــنْ أَيِّ طُــرْقٍ يَــبْـتَـغُـونَ الْـمَـعَـالِـيَـا
وَأَبْــلَـى جَـدِيـدَ الْـغَـيِّ مِـنْـهُـمْ بِـرُشْـدِهِ
وَجَــدَّدَ رُشْــدًا عِــنْــدَهُــمْ كَــانَ بِـالِـيَـا
وَسَـافَـرَ عَـنْـهُـمْ رَائِـدًا خِـصْـبَ نَـفْـعِهِمْ
يَـشُـقُّ الـطَّـوَامِـي أَوْ يَـجُـوبُ الْـمَوَامِيَا
وَإِنْ أَفْـسَـدَتْـهُـمْ خُـطَّـةٌ قَـامَ مُـصْـلِـحًـا
وَإِنْ لَــدَغَــتْــهُــمْ فِــتْــنَــةٌ قَــامَ رَاقِـيَـا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤