خَوَاطِرُ الظَّلَامِ

Wave Image
أَغْــرَقْـتُ فِـي بَـحْـرِ الْأَسَـى الْأَجْـذَالَا
وَلَــفَــفْــتُ فِــي أَكْــفَــانِــهَــا الْآمَــالَا
وَنَـزَلْـتُ فِـي وَادِي الْـهَـوَى مُـتَـفَـيِّـئًـا
لِـــلْـــمَـــوْتِ ظِــلًّا يَــنْــسَــخُ الْآجَــالَا
كَسَفَ الْجَوَى شَمْسَ الْحَيَاةِ فَأَظْلَمَتْ
وَأَعَــــادَ زَاخِــــرَ لُـــجِّـــهَـــا أَوْشَـــالَا
عَـصَـفَـتْ بِـنَـا نُـوَبُ الـلَّـيَـالِـي عَصْفَةً
تَــرَكَــتْ حَــيَــاتِــي بَــعْــدَهَـا أَطْـلَالَا
وَتَـجَـايَـشَـتْ لُـجَـجُ الـزَّمَـانِ بِـصَدْرِهِ
وَتَـــصَــوَّبَــتْ سَــيْــلًا إِلَــيَّ عُــضَــالَا
فَــرَعَـيْـتُ مِـنْ دَهْـرِي زَمَـانًـا مُـوبِـئًـا
يُــجْـنِـي الـسُّـمُـومَ وَيُـنْـبِـتُ الْأَهْـوَالَا
•••
يَـا شَـمْـسُ مَـنْ يُحْيِي اللَّيَالِيَ سَاهِرًا
مَـــا بَـــالُ ضَـــوْئِـــكِ بَــارِدًا جَــفَّــالَا
يُــرْخِـي الـظَّـلَامُ سُـدُولَـهُ فَـتُـعِـيـنُـهُ
وَتُــرِي الْــعُــيُــونَ سَــوَادَهُ الْــقَــتَّـالَا
مَـــا أَنْـــتِ إِلَّا كَـــالــلَّــذَاذِاتِ الَّــتِــي
جَــرَّتْ عَــلَــيْــهَــا الْأَعْــصُــرُ الْأَذْيَـالَا
لِـيُـضِـيـئَـنَـا الْـمَـاضِـي وَلَـكِـنْ لَا تَـرَى
لِــــشُـــعَـــاعِـــهِ حَـــرًّا وَلَا إِشْـــعَـــالَا
•••
خَـلَـعَ الْـحِـمَـامُ عَـلَـى الـظَّلَامِ سُكُونَهُ
فَـــكَأَنَّـــمَـــا هَــمَــدَ الْــوُجُــودُ كَــلَالَا
وَتَــكَــنَّــفَ الــدُّنْــيَــا سُـكُـونٌ نَـاطِـقٌ
مِـــلْءَ الـــصُّــدُورِ مَــهَــابَــةً وَجَــلَالَا
وَكَأَنَّــمَــا هَــذِي الــسَّــمَــاءُ تَــزِيـنُـهَـا
زُهْــرُ الــنُّــجُــومِ الْــفَــاتِـنَـاتِ جَـمَـالَا
سِـتْـرٌ عَـلَـى الْأَكْـوَانِ أَسْـدَلَـهُ الْـهَـوَى
لَـــمَّـــا غَـــفَـــتْ وَأَفَــاضَــهُ سِــرْبَــالَا
خَــلَــقَ الْإِلَــهُ الْــكَـوْنَ أَرْوَعَ مَـنْـظَـرًا
وَأَجَـــلَّ تَـــصْـــوِيـــرًا وَأَبْـــدَعَ حَــالَا
وَكَـسَـا وُجُـوهَ الْأَرْضِ رَوْضًـا ضَاحِكًا
حَـــاكَ الـــرَّبَـــابُ ثِـــيَـــابَــهُ وَأَطَــالَا
وَحَـبَـا الـطُّـيُـورَ الـصَّـادِحَاتِ وَكُورَهَا
بَــيْــنَ الــرِّيَــاضِ الْــوَارِفَــاتِ ظِــلَالَا
وَأَقَــرَّ فِــي قَــاعِ الْـبِـحَـارِ قَـطِـيـنَـهَـا
وَالــدُّودَ فِـي جَـوْفِ الـثَّـرَى الْـجَـوَّالَا
وَاخْــتَــصَّ آدَمَ بِــالــشَّــقَـاءِ وَنَـسْـلَـهُ
وَحَــــــبَــــــاهُــــــمُ الْآلَامَ وَالْآمَـــــالَا
•••
يَــا أُمَّ ذِي الــدُّنْـيَـا وَلَـسْـتِ شَـبِـيـهَـةً
بِــالــلــهِ رَبِّ الْــمُــخْـطِـئِـيـنَ تَـعَـالَـى
مَــا تَــطْـلُـبِـيـنَ صَـلَاتَـنَـا وَصِـيَـامَـنَـا
أَوْ تُــنْــكِــرِيــنَ جُــحُـودَنَـا الْأَفْـضَـالَا
سِــيَّــانِ عِــنْــدَكِ حَــافِــظٌ وَمُـضَـيِّـعٌ
وَالْــمُــحْــسِــنُـونَ وَمَـنْ أَسَـاءَ فِـعَـالَا
كُــلٌّ يَــلُــوذُ بِــظِــلِّ عَــطْــفِـكِ دَائِـبًـا
بُــورِكْــتِ مِــنْ أُمٍّ تَــفْــيــضُ كَــمَــالَا
وَكَـرُمْـتِ حَـتَّـى لَـسْـتِ تَدْرِينَ الْهَوَى
وَالْـــبُــغْــضَ وَالْأَطْــمَــاعَ وَالْأَوْجَــالَا
سُـبْـحَـانَـهَـا عَـمَّـا يُـحِـسُّ بَـنُـو الْرَّدَى
فَــلَــقَــدْ حَــمَــاكِ جَــلَالُـكِ الْأَشْـغَـالَا
•••
سَــتَــثُــورُ عَـاصِـفَـةُ الـلَّـيَـالِـي ثَـوْرَةً
تَــجْـلُـو الـشُّـكُـوكَ وَتَـدْفَـعُ الْإِشْـكَـالَا
وَتَــدُقُّ فَــوْقَ خَــرَائِــبِ الْأَدْيَــانِ نَــا
قُــوسَ الــرَّدَى وَتُــحِــيــلُــهـا أَغْـفَـالَا
وَتَـــرُدُّ لِـــلْـــمَــسْــلُــوبِ حَــقًّــا بَــزَّهُ
إِيَّــاهُ مَــنْ مَــنَّــى الــنُّــفُـوسَ ضَـلَالَا
يَــا أُمَّ ذِي الــدُّنْــيَـا فَـلَا تَأْسَـيْ عَـلَـى
مَــا كَــانَ مِــنْ جَــهْـلٍ وَإِنْ يَـكُ طَـالَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إبراهيم عبد القادر المازني: شاعرٌ وروائيٌّ وناقدٌ وكاتبٌ مصريٌّ مِن رُوَّادِ النهضةِ الأدبيةِ العربيةِ في العصرِ الحديث. استَطاعَ أن يجدَ لنفسِه مَكانًا مُتميِّزًا بين أقطابِ مُفكِّري عَصرِه، وأسَّسَ معَ كلٍّ مِن عباس العَقَّاد وعبد الرحمن شُكري «مدرسةَ الديوانِ» التي قدَّمتْ مفاهيمَ أدبيةً ونَقديةً جديدة، استوحَتْ رُوحَها مِن المدرسةِ الإنجليزيةِ في الأدَب.

وُلدَ «إبراهيم محمد عبد القادر المازني» في القاهرةِ عامَ ١٨٩٠م، ويَرجعُ أصلُه إلى قريةِ «كوم مازن» بمُحافظةِ المُنوفية. تخرَّجَ مِن مَدرسة المُعلِّمين عامَ ١٩٠٩م، وعملَ بالتدريسِ لكنه ما لبثَ أنْ ترَكَه ليَعملَ بالصحافة، حيثُ عملَ بجريدةِ الأخبار، وجريدةِ السياسةِ الأُسبوعية، وجريدةِ البلاغ، بالإضافةِ إلى صُحفٍ أُخرى، كما انتُخبَ عُضوًا في كلٍّ مِن مجمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةِ والمجمعِ العِلميِّ العربيِّ بدمشق، وساعَدَه دُخولُه إلى عالمِ الصحافةِ على انتشارِ كتاباتِه ومقالاتِه بينَ الناس.

قرَضَ في بدايةِ حياتِه الأدبيةِ العديدَ من دواوينِ الشعرِ ونَظْمِ الكلام، إلا أنه اتَّجهَ بعدَ ذلك إلى الكتابةِ النَّثريةِ واستغرقَ فيها، فقدَّمَ تُراثًا غَزيرًا من المقالاتِ والقصصِ والرِّوايات. عُرِفَ ناقدًا مُتميِّزًا، ومُترجِمًا بارعًا، فترجمَ مِنَ الإنجليزيةِ إلى العربيةِ العديدَ مِن الأعمالِ كالأَشعارِ والرواياتِ والقصص، وقالَ العقادُ عنه: «إنَّني لمْ أَعرفْ فيما عرفتُ مِن ترجماتٍ للنَّظمِ والنثرِ أديبًا واحدًا يفوقُ المازنيَّ في الترجمةِ مِن لغةٍ إلى لغةٍ شِعرًا ونثرًا.»

تميَّزَ أُسلوبُه سواءٌ في الكتابةِ الأدبيةِ أو الشِّعريةِ بالسخريةِ اللاذعةِ والفكاهة، واتَّسمَ بالسلاسةِ والابتعادِ عَنِ التكلُّف، كما تميَّزتْ موضوعاتُه بالعمقِ الذي يدلُّ على سعةِ اطِّلاعِه، ولا ريبَ في ذلك؛ فقد شملَتْ قراءاتُه العديدَ مِن كُتبِ الأدبِ العربيِّ القديم، والأدبِ الإنجليزيِّ أيضًا، هذا بالإضافةِ إلى قراءتِه الواسعةِ في الكُتبِ الفلسفيةِ والاجتماعية. وعمَدَ المازنيُّ في مدرستِه الأدبيةِ إلى وصفِ الحياةِ كما هي، دونَ إقامةِ معاييرَ أخلاقية، فكانَ في بعض كتاباتِهِ خارجًا عن التقاليدِ والأَعرافِ السائدةِ والمُتداوَلة.

وقد رحلَ المازنيُّ عن عالَمِنا في شهرِ أغسطس من عامِ ١٩٤٩م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤