زَوْرَةُ الْمُبَاعِدِ

Wave Image
يَـا زَائِـرِي أَعْـبَـقْـتَ مِـنْـكَ مَـحَـاسِـنًـا
كَــالــزَّهْــرِ يَــتْــرُكُ نَــفْـحَـةَ الْـمُـرْتَـادِ
أَخْــصَــبْــتَ تُــرْبَــةَ أَنْـفُـسٍ ظَـمَـآنَـةٍ
شَــامَــتْ سَـنَـاكَ فَـكَـانَ خَـيْـرَ عِـهَـادِ
وَأَفَـضْـتَ شُـؤْبُوبَ الْمَحَاسِنِ وَالنُّهَى
طِــيــبًـا عَـلَـى الْـمُـهْـجَـاتِ وَالْأَكْـبَـادِ
يَــــا زَوْرَةً كَــــالْـــعِـــيـــدِ إِلَّا أَنَّـــهَـــا
جَــلَّــتْ عَــنِ الْــفَــرْحَــاتِ وَالْأَعْـيَـادِ
يَــا لَــيْــتَ أَنَّ الــدَّهْـرَ أَوْقَـفَ سَـيْـرَهُ
حَــتَّــى تَــحِــيــنَ قِــيَــامَـةٌ وَتُـنَـادِي
لَـهْـفِـي عَـلَـيْـكَ أَعَـائِـدٌ بِـكَ مَـا مَضَى
أَمْ كُـــلُّ عَــهْــدٍ فَــاتَ غَــيْــرُ مُــعَــادِ
عَـجَـبًـا أَمَـا صَـابَـتْ لِحَاظُكَ مُهْجَتِي
صَـــوْبًـــا يُــبَــلُّ بِــهِ أُوَامُ الــصَّــادِي
كَـتَـقَـاطُـرِ الـرَّحَـمَـاتِ عَـقْـبَ سَوَابِقٍ
مِــنْ نِــقْــمَــةٍ وَالْــحَــادِثِ الْــمِـرْعَـادِ
طَــرْفٌ تَــأَلَّــقَ مِــنْـكَ حَـتَّـى خِـلْـتُـهُ
قَــبَــسَ الْـمَـجُـوسِ يُـضِـيءُ لِلْـعُـبَّـادِ
لَـــوَدِدْتُ أَنْ أَرْعَـــاهُ رِعْـــيَــةَ عَــابِــدٍ
يَــبْــغِــي الْــخُــلُــودَ لَـهُ عَـلَـى الْآبَـادِ
يَــا لَــيْــتَ أَنَّ الــنَّـفْـسَ دُرَّةُ غَـائِـصٍ
أُهْــدِيــكَ مِــنْ نَــفْــسِــي أَعَـزَّ عَـتَـادِ
الــنَّــفْــسُ مِــرْآةٌ فَــقَــارِبْ وَجْــهَـهَـا
يَـخْـلُـصْ ضَـمِـيـرُ الـنَّفْسِ مِنْ أَضْدَادِ
كَــوَذِيــلَــتَــيْـنِ تَـحَـاذَتَـا وَتَـصَـافَـتَـا
مَــا إِنْ تَــرَى غَـيْـرَ الـشُّـكُـولِ بَـوَادِي
أَتَـرَى ظِـلَالَ الْـمَـوْتِ تَـسْـحَـبُ ذَيْـلَهَا
وَتَــظَــلُّ رَهْــنَ قَــطِــيــعَــةٍ وَبِـعَـادِ؟
سَـأَسُـومُ قَـلْـبِـي عَـنْـكَ سَـلْـوَةَ صَابِرٍ
الْــقَــلْــبُ أَحْــجَـى مِـنْـكَ بِـالْإِسْـعَـادِ
قَـدْ يُـلْـهِـمُ الْـقَـلْـبَ الـشَّـجِـيَّ عَـزَاءَهُ
هَـــجْــرٌ أَطَــلْــتَ لِــسَــلْــوَةٍ وَرَشَــادِ
هَـلَّا رَحِـمْـتَ الْـقَـلْـبَ رَحْـمَـةَ مُـبْـصِرٍ
لَــــمَّــــا نَــــأَيْــــتَ بِــــرَيِّـــهِ وَالـــزَّادِ
أَمْ لَـسْـتَ تَـعْـرِفُ أَنَّ حُـسْـنَـكَ مُـهْلِكٌ
بَــزَّ الْــمَــهَــالِـكَ فِـي رَدًى وَعَـوَادِي؟
أَمْ أَنْــتَ مُــتَّـهِـمٌ هَـوَايَ فَـلَـمْ تَـخَـفْ
مِــنْــهُ عَــلَـيَّ لَـوَاعِـجِـي وَصَـفَـادِي؟
وَحَــسِــبْــتَ أَنِّــي عَــابِــثٌ بِـدُعَـابَـةٍ
فَــلَــهَــوْتَ بِــالــتَّــقْــرِيــبِ وَالْإِبْـعَـادِ
اجْحَدْ حَيَاتَكَ مَا اسْتَطَعْتَ جُحُودَهَا
فَــلَــئِــنْ قَــدَرْتَ فَـلَـوْعَـتِـي وَوِدَادِي
لَـوْ كُـنْـتَ شَـاهِـدَ عَـبْـرَتِـي وَصَبَابَتِي
لَــمَّــا بَــرِمْــتُ بِــصَــدِّكَ الْــمُـتَـمَـادِي
وَصَــدَعْـتُ أَبْـوَابَ الـسَّـمَـاءِ بِـدَعْـوَةٍ
كَـــادَتْ تَـــهُـــدُّ شَـــوَاهِــقَ الْأَطْــوَادِ
لَــعَــلِــمْـتَ أَنَّـكَ بِـالـسُّـلُـوِّ وَبِـالْـقِـلَـى
أَحْــجَــى وَلَــكِــنْ لَا يُــطِـيـعُ فُـؤَادِي
لَـوْ قُـلْـتُ أَنْـتَ قَـتَـلْـتَنِي لَضَحِكْتَ إِذْ
كَـــارًا وَإِنْ أَهْـــلَـــكْـــتَ بِـــالْإِبْـــعَــادِ
وَلَـــرُبَّ بَـــاغٍ سَـــعْـــدَ خِــلٍّ هَــالِــكٌ
مِــنْــهُ بِــخُــلْــقٍ غَــيْــرَ مَــا إِسْــعَــادِ
فَـاعْـطِ الـصِّبَا فَرْضَ الْمِرَاحِ وَلَا تَصِلْ
حَــذَرًا عَــلَــيَّ مِـنَ الـشَّـقَـاءِ الْـعَـادِي
وَاهْــنَــأْ بِــأَتْــرَابٍ حَــنَـوْتَ عَـلَـيْـهِـمُ
وَتَـــرَكْـــتَـــنِــي خِــلْــوًا مِــنَ الْأَوْدَادِ
فَـغُـصُـونُـهُـمْ كَـغُـصُونِكَ الْفَيْحَاءِ مُو
رِقَــةٌ وَغُــصْــنِــي عَــادَ شَــوْكَ قَـتَـادِ
لَـوْ كُـنْـتُ لَـمْ أَبْـلُ الْـحَـيَـاةَ وَصَـرْفَـهَا
لَــقَــصَــدْتُــهُــمْ بِــالْــغِــلِّ وَالْأَحْــقَـادِ
أَمَّــا وَقَــبْــرِي بِــالْــوَصِــيــدِ مُــوَطَّـأٌ
أُلْـــفَــي لَــدَيْــهِ رَاحَــتِــي وَوِسَــادِي
سَـفَـهٌ بِـمِـثْـلِـي أَنْ يَـلُـومَ عَـلَى الْجَفَا
إِلْـــفَ الْــهَــوَى بِــقَــوَامِــهِ الْــمُــنْــآدِ
لَـوْ كُـنْـتَ تَـجْـهَلُ مَا أُعَانِي مِنْ جَوًى
إِنْ غِـــبْــتَ عَــنِّــي آخِــذًا بِــفُــؤادِي
لَــرَجَــوْتُ مِــنْــكَ مَــوَدَّةً لَــمْ أَلْـقَـهَـا
وَصَــبَــرْتُ لِلْــبَــلْــوَى كَــصَــبْـرِ إِيـادِ
لَـكِـنْ عَـلِـمْـتُ فَـلَـمْ تَـعُـدْ لِـي حِـيـلَـةٌ
لَـــوْلَا سَـــرَابُ رَجَـــائِـــيَ الْـــمَــيَّــادِ
أَدَنَــوْتَ كَـيْ تَـنْـأَى وَلِـنْـتَ مُـخَـادِعًـا
لِأُسَــامَ خَــفْــضًــا بَــعْــدَ عِـزِّ قِـيَـادِي
رُحْـمَـاكَ يَـا غَـضَّ الْـمَـحَـاسِنِ لَم تَكُنْ
عِــنْــدِي بِــأَهْــلِ خَــدِيــعَــةٍ وَعِــنَـادِ
مَـاذَا اجْـتَـرَمْـتُ فَـكِـدْتَـنِـي بِـخَدِيعَةٍ
تَــبْــغِــي عَــذَابَ فَــؤُادِيَ الْــمُــنْـقَـادِ
إِنَّ الْــمُــرُوءَةَ وَالــشَّــهَـامَـةَ غَـيْـرُ مَـا
يَــأْتِــي الْــمُــصَـادِقُ مِـنْ أَذَى الْأَوْدَادِ
قَـدْ كُـنْـتُ أَحْـسَـبُ كُـلَّ حُـسْنٍ فِطْنَةً
تُــودِي بِــقَــسْــوَةِ وَحْــشَـةِ الْأَضْـدَادِ
فَــمُــنِــيـتُ مِـنْـكَ بِـغَـيْـرِ مَـا أَمَّـلْـتُـهُ
أَسَــفًــا لِــقَــلْــبٍ مِــنْـكَ غَـيْـرِ جَـوَادِ
يَــا لَــيْــتَ أَنَّــكَ صَــخْـرَةٌ مَـهْـجُـورَةٌ
لَــيْــسَــتْ تَــغُــرُّ بِــفِــطْــنَــةٍ وَفُــؤَادِ
أَدْعُــوكَ بِــالْآلَامِ وَهْــيَ مُــضِــيــفَــةٌ
مِـــمَّـــا خَـــبَـــرْتَ لِــفُــرْقَــةِ الْأَنْــدَادِ
أَدْعُــوكَ بِــالْــعَــبَــرَاتِ إِنْ رَقْـرَقْـتُـهَـا
مِـــنْ مُــقْــلَــةٍ حَــرَّى بِــغَــيْــرِ رُقَــادِ
وَبِـكُـلِّ مَـا عَـانَـيْـتُ مِنْ حُرَقِ الْجَوَى
وَبِـــرَوْعَـــةِ الْأَحْـــلَامِ وَالــتَّــسْــهَــادِ
أَدْعُــوكَ بِــالــزَّفَــرَاتِ إِنْ صَــعَّــدْتُـهَـا
مِـــنْ غَـــدْرِ أَحْــبَــابٍ وَغِــلِّ أَعَــادِي
وَبِـوَقْـعِ خَـفْـقَـةِ قَـلْـبِـكَ الْـقَـاسِي إِذَا
حَـــذِرَ الـــرَّدَى وَمَـــرَاكِـــبَ الْأَعْــوَادِ
وَبِــمَــا أَلِـمْـتَ مِـنَ الـشَّـقَـاوَةِ وَالْأَذَى
وَالْـخَـوْفُ يَـقْـدَحُ فِـي الْـحَـشَـا بِزِنَادِ
وَبِـمَـا يُـتَـاحُ مِـنَ الْـمُـهُـودِ إِلَى الرَّدَى
مِــــنْ لَـــوْعَـــةِ الْإِصْـــدَارِ وَالْإِيـــرَادِ
أَدْعُـوكَ كَـيْ تَـدْرِي حَـنِـيـنَ جَوَانِحِي
بِــحَــنِـيـنِ قَـلْـبٍ مِـنْـكَ غَـيْـرِ جَـمَـاِد
وَبِـكُـلِّ مَـا عَـالَـجْتَ مِنْ صَرْفِ النَّوَى
وَالْـــمَـــرْءُ رَهْـــنُ رَوَائِـــحٍ وَغَــوَادِي
كَــيْــمَــا تَــرِقَّ لِلَـوْعَـتِـي وَلَـوَاعِـجِـي
وَتُــزِيــلَ دَوْلَــةَ صَــدِّكَ الْــمُــتَـمَـادِي
يَـا قَـلْـبُ بَـعْـضُ الْـحُـبِّ لَيْسَ بِفِطْنَةٍ
فَــاجْــنُــبْ هَــوَاكَ لِــفِـطْـنَـةٍ وَسَـدَادِ
لَـوْ أَنَّ شَـجْـوَ الْـقَـلْـبِ يَـبْـعَـثُ مِـثْـلَهُ
فِــي صِــنْــوِهِ لَــبَــلَــغْــتُ كُــلَّ مُـرَادِ
أَيْــقَــنْــتُ أَنَّــكَ مُــولَــعٌ بِــمُــبَــاعِــدٍ
هَـــانَـــتْ عَــلَــيْــهِ حَــرَارَةُ الْأَكْــبَــادِ
فَـاقْـرِنْ يَـقِـيـنَـكَ بِـالْـعَـزَاءِ وَلَا تَـقِـفْ
بِــالــشَّــكِّ مَــوْقِـفَ حَـيْـرَةٍ وَتَـمَـادِي
وَارْجِـعْ إِلَـى يَـأْسٍ سَـكَـنْـتَ لِـجُـنْحِهِ
زَمَـــنًـــا، فَـــكَـــانَ أَبَـــرَّ بِـــالْأَنْـــدَادِ!

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤