إِلَى الشُّبَّانِ

Wave Image
أَدَبُ الْـــعِـــلْـــمِ وَعِـــلْــمُ الْأَدَبِ
شَـرَفُ الـنَّـفْـسِ وَنَـفْسُ الشَّرَفِ
بِــهِــمَــا يَــبْــلُــغُ أَعْـلَـى الـرُّتَـبِ
كُــلُّ رَامٍ مِــنْــهُــمَــا فِــي هَـدَفِ
•••
أَيُّـهَـا الـسَّـابِـحُ فِـي بَحْرِ الْفُنُونْ
غَـائِـصًـا فِـي لُـجِّـهَـا الْـمُـلْـتَـطِمِ
أَنْـتَ وَالـلـهِ عَـلَـى رَغْـمِ الْـمَنُونْ
ذُو وُجُـــودٍ قَـــاتِـــلٍ لِـــلْــعَــدَمِ
قَرْنُكَ الْحَاضِرُ مِنْ أَرْقَى الْقُرُونْ
خَــضَــعَ الــسَّــيْــفُ بِـهِ لِـلْـقَـلَـمِ
فَإِذَا شِــــئْــــتَ بُــــلُـــوغَ الْأَرَبِ
فَـاغْـتَـرِفْ مِـنْ بَـحْـرِهِ وَارْتَشِفِ
فَـالْـمَـعَـالِـي أُودِعَـتْ فِي الْكُتُبِ
كَـالـلَّآلِـي أُودِعَـتْ فِـي الـصَّدَفِ
أَنْـتَ يَـا جَـاهِلُ مِنْ قَبْلِ الْمَمَاتِ
مَـيِّـتٌ يَـمْـرَحُ مَـا بَـيْـنَ الْـبُيُوتْ
أَوَمَـا تَـعْـلَـمُ فِـي هَـذِي الْـحَـيَاةِ
أَنَّ رَبَّ الْــعِــلْــمِ حَـيٌّ لَا يَـمُـوتْ
إِذْ قَـضَـى لِـلْـعِـلْـمِ رَبُّ الْـكَائِنَاتِ
بِــالْـعُـلَا فَـهْـوَ زِمَـامُ الْـمَـلَـكُـوتْ
وَعَـلَـى الْـجَـهْـلِ قَـضَى بِالْعَطَبِ
فَـهْـوَ فِـي الـنَّـاسِ دَلِـيـلُ الـتَّلَفِ
فَـافْـتَـكِـرْ إِنْ شِـئْتَ عِلْمَ السَّبَبِ
هَـلْ يَـكُـونُ الـنُّـورُ مِثْلَ السَّدَفِ
•••
يَــا رَعَـى الـلـهُ زَمَـانًـا لَـوْ يَـدُومُ
كَــانَ لِــلــدَّهْــرِ كَأَيَّــامِ الــصِّــبَـا
أَشْـرَقَـتْ فِـيهِ مِنَ الْعِلْمِ النُّجُومُ
ظَـنَّ كُـلُّ الـنَّـاسِ أَنْ لَـنْ تَـغْـرُبَـا
زَمَـنٌ قَـدْ ضَـحِـكَـتْ فِيهِ الْعُلُومُ
وَنَــرَاهَـا الْـيَـوْمَ تَـبْـكِـي الْـعَـرَبَـا
حَـيْـثُ مِـنْـهُـمْ فَـقَـدَتْ خَيْرَ أَبِ
وَاغْـتَـدَتْ مِـنْ يُتْمِهَا فِي شَظَفِ
يَـا عُـهُـودَ الْـعِلْمِ مَا شِئْتِ انْدُبِي
يَـا عُيُونَ الْمَجْدِ مَا شِئْتِ اذْرِفِي
•••
هَـلْ أَتَـاكَ الـدَّهْـرُ فِـيـمَـا قَدْ أَتَى
بِـحَـدِيـثِ الْـعُـرْبِ فِـي الْأَنْدَلُسِ
حَـيْـثُ بِـالْـعَـزْمِ أَمَـاطُـوا الْـعَنَتَا
وَبِــنُــورِ الْــعِــلْـمِ لَـيْـلَ الْـهَـوَسِ
فَــاسْأَلَــنَّ الْــغَــرْبَ عَــمَّـا ثَـبَـتَـا
فِــي رُبُــوعٍ خَــلَّــفُــوهَــا دُرُسِ
هَــلْ تَــرَى ثَـمَّـةَ مَـنْ لَـمْ يُـجِـبِ
عَــنْ مَــعَـالِـيـهِـمْ وَلَـمْ يَـعْـتَـرِفِ
آهِ لَــوْ يَـرْجِـعُ مَـاضِـي الْـحُـقُـبِ
آهِ لَـــوْ عَـــادَ زَمَـــانُ الـــشَّــرَفِ
•••
سَـلْ رُبَـا بَـغْـدَادَ عَـمَّـا قَدْ مَضَى
لِـبَـنِـي الْـعَـبَّـاسِ فِي تِلْكَ الدِّيَارْ
وَاسْأَلَــنَّ الــشَّـامَ عَـمَّـا قَـدْ أَضَـا
لِـلْـمُـعَـاوِيِّـيـنَ فِـيـهَـا مِـنْ فَـخَارْ
كَـمْ تَـرَى لِـلْـمَـجْدِ سَيْفًا مُنْتَضَى
كَـمْ تَـرَى لِـلْـعِـلْـمِ فِـيهَا مِنْ مَنَارْ
عَــجَـبِـي يَـا قَـوْمُ كُـلَّ الْـعَـجَـبِ
هَــذِهِ الْآثَــارَ لِــمْ لَا نَــقْــتَــفِــي
آهِ مِـــنْ رَقْـــدَتِــنَــا وَا حَــرَبِــي
آهِ مِــنْ غَــفْــلَــتِــنَــا وَا أَسَــفِـي
•••
يَـا أُبَـاةَ الـضَّـيْـمِ مِـنْ عُـلْـيَا نِزَارْ
أَيْـنَ مِـنْـكُـمْ ذَهَـبَتْ تِلْكَ الطِّبَاعْ
كُـنْـتُـمُ كَـالسَّيْفِ مَشْحُوذَ الْغِرَارْ
وَالَّــذِي حَـلَّ حِـمَـاكُـمْ لَـنْ يُـرَاعْ
كَـمْ إِلَـى الْـعِـلْـمِ أَقَـمْتُمْ مِنْ مَنَارْ
بِـعُـقُـولٍ هِـيَ أَسْـنَـى مِنْ شُعَاعْ
قَــطَـفَـتْ أَبْـوَاعُـكُـمْ عَـنْ كَـثَـبِ
كُـلَّ مَـجْـدٍ شَـاهِـقِ الْـمُـقْـتَـطَفِ
تِــلْــكَ وَالــلــهِ مَــزَايَــا الْــعَـرَبِ
أُورِثُــوهَــا خَــلَــفًــا عَـنْ سَـلَـفِ
•••
أَنْـتِ يَـا شَـمْسُ عَلَى كَرِّ السِّنِينْ
قَـدْ تَـقَـلَّـبْـتِ طُـلُـوعًا فِي الْوَرَى
حَــدِّثِــيــنَـا بِـحَـدِيـثِ الْأَوَّلِـيـنْ
فَـلَـقَـدْ شَـاهَـدْتِ تِـلْـكَ الْأَعْـصُرَا
أَفَــكَـانُـوا مِـثْـلَـنَـا مُـخْـتَـلِـفِـيـنْ
لَا يُــغِــيــثُــونَ إِذَا خَـطْـبٌ عَـرَا
إِنَّـنَـا يَـا شَـمْـسُ فِـي مُـضْـطَرَبِ
قَـــدْ أَلِـــفْـــنَــاهُ فَــلَــمْ نَأْتَــلِــفِ
إِنْ بَـقِـيـنَـا هَـكَـذَا فَـاحْـتَـجِـبِـي
عَـنْ بَـنِـي الْـغَـبْرَاءِ أَوْ فَانْكَسِفِي
•••
يَـا بَـنِـي يَـعْـرُبَ مَـا هَـذَا الْـمَنَامْ
أَوَمَـــا أَسْــفَــرَ صُــبْــحُ الــنُّــوَّمِ
أَيْـنَ مَـنْ كَانَ بِكُمْ يَرْعَى الذِّمَامْ
وَيُــلَــبِّــي دَعْــوَةَ الْــمُــهْـتَـضَـمِ
أَفَــلَا يَــلْــذَعُـكُـمْ مِـنِّـي الْـمَـلَامْ
فَـلَـقَـدْ أَلْـفِـظُ جَـمْـرًا مِـنْ فَـمِـي
خَـارِجًـا عَـنْ نَـفَـسِـي كَـالـلَّـهَـبِ
مُـحْـرِقًـا مُـهْـجَـةَ قَـلْـبِـي الدَّنِفِ
أَنَـا لَـوْلَا فَـيْـضُ دَمْـعِـي السَّكِبِ
لَـــتَـــحَـــرَّقْــتُ بِــنَــارِ الْأَسَــفِ
•••
يَــا شَـبَـابَ الْـقَـوْمِ لَـوْلَاكُـمْ لَـمَـا
سَـاغَ لِـي الْـعَـذْبُ وَمَا إِنْ لَذَّ لِي
إِنَّــنِــي أُبْــصِــرُ مِـنْـكُـمْ أَنْـجُـمًـا
لَامِـــعَـــاتٍ فِــي ظَــلَامِ الْأَمَــلِ
فَـاصْـبِـرُوا الْيَوْمَ عَلَى حَرِّ الظَّمَا
كَـيْ تَـنَـالُـوا الرِّيَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
وَاتْـعَـبُـوا الْـيَـوْمَ فَـعُقْبَى التَّعَبِ
رَاحَـــةٌ مُــشْــبَــعَــةٌ بِــالــتَّــرَفِ
لِــتَــقُــونَــا أَسْــوَأَ الْــمُــنْــقَـلَـبِ
إِذْ بِــنَـاءُ الْـقَـوْمِ هَـارِي الْـجُـرُفِ
•••
يَـا شَـبَـابَ الْـقَـوْمِ هُـبُّـوا لِـلْـبِرَازْ
فَــبِــكُــمْ يَــبْـسِـمُ ثَـغْـرُ الْـوَطَـنِ
وَارْفُــلُــوا إِمَّـا بِـثَـوْبِ الْإِعْـتِـزَازْ
أَوْ بِــثَــوْبٍ هُــوَ ثَــوْبُ الْــكَـفَـنِ
وَأَعِـدُّوا الْـعِلْمَ لَا السَّيْفَ الْجُرَازْ
إِنَّــــهُ عُــــدَّةُ هَــــذَا الــــزَّمَــــنِ
بِــسِــوَاهُ الْــعِــزُّ لَــمْ يُـكْـتَـسَـبِ
وَهُــوَ الْـمُـنْـصِـفُ لِـلْـمُـنْـتَـصِـفِ
إِنَّــــهُ وَالــــلـــهِ لَا عَـــنْ كَـــذِبِ
شَـرَفُ الـنَّـفْـسِ وَنَـفْسُ الشَّرَفِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: هذه القصيدة أنشدت يوم افتتاح المنتدى الأدبي الذي أسسه شبان العرب في الآستانة، وقد طلبوا إلى الرصافي أن ينظم لهم قصيدة تنشد في يوم الافتتاح المذكور، فنظم لهم هذه القصيدة.
  • طريقة النظم: موشح
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الرمل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤