خُوفُو فِرْعَوْنُ مِصْرَ

Wave Image
نَــظَــرْتَ إِلَــى الْأَكْــوَانِ نَـظْـرَةَ مُـعْـتَـدٍ
وَدَانَـتْ لَـكَ الْأَرْوَاحُ فِـي قَـبْـضَـةِ الْـيَدِ
هَــزِئْــتَ بِأَسْــرَارِ الْــقَــضَــاءِ وَحُـكْـمِـهِ
كَأَنَّــكَ تَــدْرِي مَــا سَـيُـنْـفِـذُ فِـي الْـغَـدِ
تُـطِـيـعُـكَ قُـوَّادُ الْـجُـيُـوشِ جَـمِـيـعُـهَا
وَيَــخْــشَــاكَ يَــا فِـرْعَـوْنُ كُـلُّ مُـسَـوَّدِ
كَأَنَّـــكَ وَالْأَرْوَاحُ حَـــوْلَـــكَ سُـــجَّـــدًا
وَمَــا كَــانَــتِ الْأَرْوَاحُ قَــبْــلُ بِــسُـجَّـدِ
رَسُـولُ الْـمَـنَايَا تُرْسِلُ الرَّوْعَ فِي الْوَرَى
وَتَــخْــلَــعُ قَــلْـبَ الـصَّـابِـرِ الْـمُـتَـجَـلِّـدِ
إِذَا شِـئْـتَ صَـارَ الـصُّـبْـحُ أَسْـوَدَ حَـالِكًا
يُــضِــلُّ فُــؤَادَ الــنَّــاسِــكِ الْــمُــتَـعَـبِّـدِ
وَإِنْ شِـئْـتَ صَـارَ الـلَّـيْـلُ أَبْـيَضَ نَاصِعًا
يَــسِــيــرُ عَــلَــى أَنْــوَارِهِ كُــلُّ مُــهْـتَـدِ
وَإِنْ شِـئْـتَ يَـغْـدُو سَـيِّـدُ الْقَوْمِ عَبْدَهُمْ
وَإِنْ شِـئْـتَ يَـغْـدُو الْـعَـبْـدُ أَكْـبَـرَ سَـيِّـدِ
وَقَــلْـبُـكَ حَـارَ الْـعَـقْـلُ فِـي كُـنْـهِ سِـرِّهِ
وَرَأْسُـــكَ رَأْسُ الْأَسْـــوَدِ الْــمُــتَــوَقِّــدِ
وَمَـا الـرَّعْـدُ إِلَّا صَـوْتُ فِـرْعَـوْنَ هَـاجَهُ
مِـنَ النَّاسِ ذُو جُرْمٍ عَلَى النَّاسِ يَعْتَدِي
وَمَــا الْـبَـرْقُ إِلَّا نَـظْـرَةٌ مِـنْـهُ أَوْمَـضَـتْ
بِــلَــيْــلٍ مِــنَ الْأَهْــوَالِ أَقْــتَــمَ أَسْــوَدِ
وَمَـــا الــرِّيــحُ إِلَّا زَفْــرَةٌ مِــنْ زَفِــيــرِهِ
تَـرُوحُ عَـلَـى الـصَّـحْـرَاءِ طَوْرًا وَتَغْتَدِي
فَــيَــا لَــكَ مِــنْ مَـلْـكٍ إِذَا هَـمَّ أَبْـرَقَـتْ
نَــوَاجِــذُ عِــزْرَائِــيــلَ يَــوْمَ الــتَّــوَعُّـدِ
يُــنَــقِّــبُ عَــنْ ذِكْـرِ الْـعَـوَاقِـبِ جَـهْـدَهُ
وَمَــا ذَاقَ يَـوْمَ الْـفَـتْـكِ طَـعْـمَ الـتَّـرَدُّدِ
أَقَـمْـتَ عَـلَـى الـصَّـحْـرَاءِ قَـبْـرَكَ خَـالِدًا
بَــنَــاهُ لَــكَ الـشَّـعْـبُ الَّـذِي لَـمْ يُـخَـلَّـدِ
بَــنَــى لَــكَ أَهْــرَامًــا كَأَنَّ صُــخُــورَهَـا
صَـحَـائِـفُ فِـيـهَـا الـظُّـلْـمُ أَكْـبَـرُ مَشْهَدِ
بَـنَـاهَـا بِـلَا أَجْـرٍ سِـوَى الْـجُهْدِ وَالطَّوَى
وَرَوَّيْــتَــهَــا مِــنْ دَمْــعِــهِ الْــمُــتَـجَـدِّدِ
كَأَنَّ الْــعَــذَارَى حَــوْلَ أَهْـرَامِـكَ الَّـتِـي
بَــنَــيْــتَ، قَــرَابِــيــنٌ تُــسَــاقُ لِـمَـعْـبَـدِ
وَمَــا الــنِّــيــلُ إِلَّا دَمْــعُــهُـنَّ جَـرَتْ بِـهِ
مَـطَـامِـعُ ذِي بَـطْـشٍ بِـهِ الـظُّلْمُ يَقْتَدِي
وَقَـفْـتَ لَـدَى الْأَهْـرَامِ تَـصْـرُخُ غَـاضِـبًـا
فَـذَابَـتْ مِـيَـاهُ الْـخَـوْفِ مِـنْ كُـلِّ جَلْمَدِ
وَقَــوْمُــكَ يَـا فِـرْعَـوْنُ حَـوْلَـكَ خُـشَّـعٌ
تَــمَــاثِــيــلُ لَــمْ تَــثْأَرْ وَلَــمْ تَــتَــوَعَّــدِ
وَلَــمْ تَــدْرِ مَـا يُـخْـفِـي الـزَّمَـانُ لِأَهْـلِـهِ
وَدَهْــرُكَ يَــا فِــرْعَــوْنُ أَكْــبَــرُ مُــعْـتَـدِ
سَـقَـى نَـفْـسَـكَ الْـكَأْسَ الْأَخِيرَةَ بَعْدَمَا
رَمَــاكَ بِــسَــهْــمٍ فِــي الْــفُـؤَادِ مُـسَـدَّدِ
قَـضَـيْـتَ وَلَـمْ يَـنْـفَـعْكَ مَا كُنْتَ جَامِعًا
فَــنِــمْـتَ عَـلَـى الْـغَـبْـرَاءِ غَـيْـرَ مُـوَسَّـدِ
سَـلَـلْـتَ سُـيُـوفَ الْبَغْيِ جَذْلَانَ ضَاحِكًا
فَــقَــالَ لَــكَ الْـمَـوْتُ الـزُّؤَامُ أَلَا اغْـمِـدِ
فَأَغْـضَـيْـتَ طَـرْفًـا تَـحْرِقُ الصَّخْرَ نَارُهُ
وَنَــكَّــسْــتَ رَأْسًــا هَــابَــهُ كُـلُّ أَمْـجَـدِ
•••
وَأَغْمَدْتَ سَيْفَ الظُّلْمِ فِي الْغِمْدِ مُرْغَمًا
وَمَـا كَـانَ مِـنْ قَـبْـلِ الْـمَـمَـاتِ بِـمُـغْـمَـدِ
وَسَـاوَيْـتَ تُـرْبَ الْأَرْضِ لَـمْ تَمْنَعِ الرَّدَى
وَكَـانَ الـرَّدَى مِـنْ قَـبْـلُ طَـوْعَ الْـمُـهَـنَّدِ
تُـنَـاجِـيـكَ أَرْوَاحُ الـضَّـحَـايَـا وَقَـدْ بَـدَا
لَـهَـا مِـنْـكَ عَـجْـزُ الْـحَـاكِـمِ الْـمُـتَـشَـدِّدِ
وَمَـا عَـهِـدَتْ مِـنْ قَـبْـلُ دَمْـعَـكَ جَـارِيًـا
وَلَا عَــرَفَـتْ مِـنْـكَ الْـخُـضُـوعَ لِأَصْـيَـدِ
وَشَـعْـبُـكَ أَضْـحَـى يَـوْمَ مَوْتِكَ صَاخِبًا
كَــبَــحْــرٍ مِــنَ الْأَقْــوَامِ مُــرْغٍ وَمُــزْبِـدِ
يُــهَــلِّــلُ جَــذْلَانًــا وَيَــهْــتَــزُّ ضَـاحِـكًـا
وَلَــوْلَا جَــلَالُ الْــمَــوْتِ هَــزَّكَ بِــالْــيَـدِ
وَأَلْـقَـاكَ فِـي الـصَّـحْـرَاءِ طُـعْـمَـةَ جَائِعٍ
مِـنَ الْـوَحْـشِ وَالْـعُـقْـبَانِ فِي كُلِّ فَدْفَدِ
حُــرِمْــتَ مِـنَ الْـقَـبْـرِ الَّـذِي كُـنْـتَ رَبَّـهُ
وَمَـا كَـانَ ذَا الْـحِـرْمَـانُ قَـصْـدَ الْـمُشَيِّدِ
وَمَـــا هُـــوَ إِلَّا ثَأْرُ شَـــعْـــبِـــكَ نَـــالَـــهُ
جَــزَاءً وِفَــاقًــا فَــاحْــتَــمِــلْ وَتَـجَـلَّـدِ
•••
أُنَـاجِـيـكَ يَـا فِـرْعَـوْنُ لَـوْ كُـنْـتَ سَامِعًا
«وَيَأْتِــيــكَ بِــالْأَخْــبَـارِ مَـنْ لَـمْ تُـزَوِّدِ»
وَمَـا الـشِّـعْـرُ إِلَّا وَحْـيُ نَـفْـسٍ كَـلِـيـمَـةٍ
لَـهَـا فِـي مَـجَـالِ الـشِّـعْـرِ أَعْظَمُ مَقْصِدِ
فَإِنْ كُـنْـتَ يَـا فِـرْعَـوْنُ فِي الْقَبْرِ ظَامِئًا
لِـمَـا قِـيـلَ مِـنْ شِـعْـرِ الْـحَـقِيقَةِ فَاشْهَدِ
بِأَنِّــيَ قُــلْــتُ الْــحَـقَّ لَـمْ أَخْـشَ لَائِـمًـا
وَمَــــا خِـــفْـــتُ ذَا بَأْسٍ وَلَـــمْ أَتَـــوَدَّدِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

محمد تيمور: شاعر وأديب وكاتب من الطراز الرفيع، وهو من مؤسسي الأدب القصصي والمسرحي في مصر، كما أنه الأديب الذي كسر الجمود اللغوي في الكتابة الأدبية؛ فإليه تُعْزَى الريادة في استخدام اللهجة العامية المصرية البسيطة في الكتابة الأدبية بدلًا من اللغة الفصحى التي عُهِدَت بها الكتابة في عصره؛ وهذه الخطوة تعدُّ تمردًا على حيثياتِ عصرٍ ثقافي يعتبر اللغة الفصحى هي لغة الأدب الحقيقي.

ولد في القاهرة عام ١٨٩٢م في رحاب أسرة تجمع بين الثراء والأرستقراطية، وبين العلم والأدب على الطريقة العربية المأثورة؛ فوالده أحمد تيمور باشا الذي كرَّس حياته لخدمة اللغة العربية ومعارفها، وعمته الأديبة عائشة التيمورية، وأخوه الأديب الكبير محمود تيمور؛ وهذا المزيج الخصب أَوْجَد بيئةً خصبةً أنجبت لنا ذلك الشاعر الفذ الذي أضفى على الساحة الأدبية مزيجًا فريدًا من دماء التجديد.

سافر إلى باريس لدراسة القانون؛ ولكنه عاد إلى مصر ثانيةً عَقِبَ اندلاع الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤م، وانصرف منذ ذلك الحين إلى كتابة القصص والمسرحيات، ثم رحل إلى برلين لدراسة الطب؛ ولكنه في حقيقة الأمر لم يكن لديه ميل حقيقي لدراسة الطب أو القانون؛ فقد كان شغوفًا بالأدب، وقد دفعه هذا الشغف للسفر إلى فرنسا؛ ليطلع على الأدب الأوروبي عمومًا والفرنسي خصوصًا، وقد كان لهذه الدراسة أثر فاعِل في كتاباته القصصية. وقد تَقَلَّد عددًا من المناصب ومن أبرزها عمله كمترجم لمحمد علي باشا (الحفيد).

وقد تأثر بالمذهب الواقعي الذي انعكس بدوره على كتاباته القصصية والمسرحية، وقد أثرى الساحة الأدبية والمسرحية باشتراكه في جمعية أنصار التمثيل، وقدَّم لنا مسرحيات تحمل طابع الكوميديا الاجتماعية منها مسرحية «العصفور في القفص» تلك المسرحية التي كانت سببًا في مجد ريادته المسرحية، كما قدَّم لنا مجموعة قصصية حملت اسم «ما تراه العيون»، وقد امتاز أسلوبه المسرحي ببساطة الحوار الذي يتسم بقربه إلى أفهام المتلقين، وقد وافته المنية عام ١٩٢١م، وهو لم يبلغ بعد سن الثلاثين.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤