الْهَمْزِيَّةُ النَّبَوِيَّةُ

Wave Image
وُلِــدَ الْــهُــدَى فَــالْــكَــائِــنَـاتُ ضِـيَـاءُ
وَفَـــمُ الـــزَّمَـــانُ تَـــبَـــسُّـــمٌ وَثَــنَــاءُ
الـــرُّوحُ وَالْــمَــلَأُ الْــمَــلَائِــكُ حَــوْلَــهُ
لِـــلـــدِّيـــنِ وَالـــدُّنْـــيَــا بِــهِ بُــشَــرَاءُ
وَالْـعَـرْشُ يَـزْهُـو وَالْـحَـظِـيرَةُ تَزْدَهِي
وَالْــمُــنْــتَــهَـى وَالـسِّـدْرَةُ الْـعَـصْـمَـاءُ
وَحَـدِيـقَـةُ الْـفُـرْقَـانِ ضَـاحِـكَـةُ الرُّبَى
بِـــالـــتَّـــرْجُـــمَـــانِ شَـــذِيَّــةٌ غَــنَّــاءُ
وَالْـوَحْـيُ يَـقْـطُـرُ سَـلْـسَـلًا مِنْ سَلْسَلٍ
وَالـــلَّـــوْحُ وَالْــقَــلَــمُ الْــبَــدِيــعُ رُوَاءُ
نُـظِـمَـتْ أَسَـامِي الرُّسْلِ فَهْيَ صَحِيفَةٌ
فِــي الــلَّــوْحِ وَاسْـمُ مُـحَـمَّـدٍ طُـغْـرَاءُ
اسْــمُ الْــجَــلَالَـةِ فِـي بَـدِيـعِ حُـرُوفِـهِ
أَلِــفٌ هُــنَــالِــكَ وَاسْــمُ «طَــهَ» الْـبَـاءُ
•••
يَــا خَــيْــرَ مَـنْ جَـاءَ الْـوُجُـودَ تَـحِـيَّـةً
مِـنْ مُـرْسَـلِـيـنَ إِلَـى الْهُدَى بِكَ جَاءُوا
بَــيْــتُ الــنَّــبِــيِّـيـنَ الَّـذِي لَا يَـلْـتَـقِـي
إِلَّا الْــحَــنَــائِــفُ فِــيــهِ وَالْــحُــنَــفَـاءُ
خَـــيْـــرُ الْأُبُــوَّةِ حَــازَهُــمْ لَــكَ «آدَمٌ»
دُونَ الْأَنَــــــامِ وَأَحْــــــرَزَتْ حَــــــوَّاءُ
هُــمْ أَدْرَكُــوا عِــزَّ الــنُّــبُـوَّةِ وَانْـتَـهَـتْ
فِــيــهَــا إِلَــيْــكَ الْــعِــزَّةُ الْــقَــعْــسَـاءُ
خُـلِـقَـتْ لِـبَـيْـتِـكَ وَهْـوَ مَـخْـلُـوقٌ لَـهَا
إِنَّ الْــعَــظَــائِــمَ كُــفْــؤُهَـا الْـعُـظَـمَـاءُ
بِــكَ بَــشَّــرَ الــلــهُ الـسَّـمَـاءَ فَـزُيِّـنَـتْ
وَتَــضَــوَّعَــتْ مِــسْــكًــا بِـكَ الْـغَـبْـرَاءُ
وَبَــدَا مُــحَــيَّــاكَ الَّــذِي قَــسَــمَــاتُــهُ
حَــــقٌّ وَغُــــرَّتُــــهُ هُــــدًى وَحَـــيَـــاءُ
وَعَــلَــيْــهِ مِــنْ نُــورِ الــنُّــبُــوَّةِ رَوْنَـقٌ
وَمِــنَ الْــخَــلِــيــلِ وَهَــدْيِـهِ سِـيـمَـاءُ
أَثْـنَـى «الْـمَـسِـيـحُ» عَلَيْهِ خَلْفَ سَمَائِهِ
وَتَـــهَــلَّــلَــتْ وَاهْــتَــزَّتِ «الْــعَــذْرَاءُ»
يَــوْمٌ يَـتِـيـهُ عَـلَـى الـزَّمَـانِ صَـبَـاحُـهُ
وَمَـــسَـــاؤُهُ ﺑِ «مُـــحَـــمَّـــدٍ» وَضَّـــاءُ
الْــحَــقُّ عَــالِــي الـرُّكْـنِ فِـيـهِ مُـظَـفَّـرٌ
فِــي الْــمُــلْــكِ لَا يَــعْـلُـو عَـلَـيْـهِ لِـوَاءُ
ذُعِـرَتْ عُـرُوشُ الـظَّـالِـمِـيـنَ فَـزُلْـزِلَتْ
وَعَــلَــتْ عَــلَــى تِــيــجَـانِـهِـمْ أَصْـدَاءُ
وَالــنَّــارُ خَـاوِيَـةُ الْـجَـوَانِـبِ حَـوْلَـهُـمْ
خَــمَــدَتْ ذَوَائِــبُــهَــا وَغَــاضَ الْــمَـاءُ
وَالْآيُ تَـــتْـــرَى وَالْـــخَـــوَارِقُ جَــمَّــةٌ
«جِــــبْــــرِيـــلُ» رَوَّاحٌ بِـــهَـــا غَـــدَّاءُ
نِـعْـمَ الْـيَـتِـيـمُ بَـدَتْ مَـخَـايِـلُ فَـضْـلِهِ
وَالْـــيُـــتْـــمُ رِزْقٌ بَـــعْـــضُـــهُ وَذَكَــاءُ
فِـي الْـمَـهْـدِ يُـسْـتَـسْقَى الْحَيَا بِرَجَائِهِ
وَبِـــقَــصْــدِهِ تُــسْــتَــدْفَــعُ الْــبَأْسَــاءُ
بِـسِـوَى الْأَمَـانَةِ فِي الصِّبَا وَالصِّدْقِ لَمْ
يَــعْــرِفْــهُ أَهْــلُ الــصِّــدْقِ وَالْأُمَــنَــاءُ
يَــا مَـنْ لَـهُ الْأَخْـلَاقُ مَـا تَـهْـوَى الْـعُـلَا
مِــنْــهَــا وَمَــا يَــتَــعَــشَّــقُ الْــكُــبَـرَاءُ
لَــوْ لَــمْ تُـقِـمْ دِيـنًـا لَـقَـامَـتْ وَحْـدَهَـا
دِيــــنًـــا تُـــضِـــيءُ بِـــنُـــورِهِ الْآنَـــاءُ
زَانَـتْـكَ فِـي الْـخُـلُـقِ الْـعَـظِيمِ شَمَائِلٌ
يُـــغْـــرَى بِــهِــنَّ وَيُــولَــعُ الْــكُــرَمَــاءُ
أَمَّـا الْـجَـمَـالُ فَأَنْـتَ شَـمْـسُ سَـمَـائِـهِ
وَمَــلَاحَــةُ «الــصِّــدِّيــقِ» مِـنْـكَ إِيَـاءُ
وَالْـحُـسْـنُ مِـنْ كَـرَمِ الْـوُجُـوهِ وَخَيْرُهُ
مَـــا أُوتِـــيَ الْـــقُـــوَّادُ وَالـــزُّعَـــمَـــاءُ
وَإِذَا سَـخَـوْتَ بَـلَـغْـتَ بِـالْـجُودِ الْمَدَى
وَفَـــعَـــلْـــتَ مَــا لَا تَــفْــعَــلُ الْأَنْــوَاءُ
وَإِذَا عَـــفَـــوْتَ فَـــقَـــادِرًا وَمُـــقَــدَّرًا
لَا يَــسْــتَــهِــيــنُ بِــعَــفْـوِكُ الْـجُـهَـلَاءُ
وَإِذَا رَحِــــــمْـــــتَ فَأَنْـــــتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ
هَــذَانِ فِــي الــدُّنْــيَـا هُـمَـا الـرُّحَـمَـاءُ
وَإِذَا غَــضِــبْــتَ فَإِنَّــمَـا هِـيَ غَـضْـبَـةٌ
فِــي الْــحَــقِّ لَا ضِــغْــنٌ وَلَا بَــغْـضَـاءُ
وَإِذَا رَضِــيــتَ فَــذَاكَ فِــي مَـرْضَـاتِـهِ
وَرِضَـــا الْـــكَــثِــيــرِ تَــحَــلُّــمٌ وَرِيَــاءُ
وَإِذَا خَــطَــبْــتَ فَــلِــلْــمَــنَــابِــرِ هِـزَّةٌ
تَــعْــرُو الــنَّــدِيَّ وَلِــلْــقُــلُــوبِ بُــكَـاءُ
وَإِذَا قَــضَــيْــتَ فَــلَا ارْتِــيَـابَ كَأَنَّـمَـا
جَـاءَ الْـخُـصُـومَ مِـنَ الـسَّـمَـاءِ قَـضَـاءُ
وَإِذَا حَــمَــيْــتَ الْــمَـاءَ لَـمْ يُـورَدْ وَلَـوْ
أَنَّ الْــقَــيَــاصِــرَ وَالْــمُــلُــوكَ ظِــمَــاءُ
وَإِذَا أَجَــرْتَ فَأَنْــتَ بَــيْــتُ الــلــهِ لَـمْ
يَــدْخُــلْ عَــلَـيْـهِ الْـمُـسْـتَـجِـيـرَ عَـدَاءُ
وَإِذَا مَــلَـكْـتَ الـنَّـفْـسَ قُـمْـتَ بِـبِـرِّهَـا
وَلَــوَ انَّ مَــا مَــلَــكَــتْ يَــدَاكَ الــشَّـاءُ
وَإِذَا بَــنَــيْــتَ فَــخَــيْــرُ زَوْجٍ عِـشْـرَةً
وَإِذَا ابْـــتَـــنَـــيْـــتَ فَــدُونَــكَ الْآبَــاءُ
وَإِذَا صَـحِـبْـتَ رَأَى الْـوَفَـاءَ مُـجَـسَّـمًـا
فِــي بُــرْدِكَ الْأَصْــحَــابُ وَالْـخُـلَـطَـاءُ
وَإِذَا أَخَــذْتَ الْــعَــهْــدَ أَوْ أَعْــطَــيْـتَـهُ
فَـــجَـــمِـــيــعُ عَــهْــدِكَ ذِمَّــةٌ وَوَفَــاءُ
وَإِذَا مَـشَـيْـتَ إِلَـى الْـعِـدَى فَـغَـضَـنْفَرٌ
وَإِذَا جَـــرَيْـــتَ فَإِنَّـــكَ الـــنَّـــكْـــبَــاءُ
وَتَــمُــدُّ حِــلْــمَــكَ لِـلـسَّـفِـيـهِ مُـدَارِيًـا
حَــتَّـى يَـضِـيـقَ بِـعِـرْضِـكَ الـسُّـفَـهَـاءُ
فِــي كُــلِّ نَـفْـسٍ مِـنْ سُـطَـاكَ مَـهَـابَـةٌ
وَلِـــكُـــلِّ نَـــفْــسٍ فِــي نَــدَاكَ رَجَــاءُ
وَالــرَّأْيُ لَــمْ يُــنْــضَ الْــمُــهَـنَّـدُ دُونَـهُ
كَــالــسَّــيْــفِ لَــمْ تَــضْــرِبْ بِـهِ الْآرَاءُ
•••
يَـــا أَيُّــهَــا الْأُمِّــيُّ حَــسْــبُــكَ رُتْــبَــةً
فِــي الْــعِــلْـمِ أَنْ دَانَـتْ بِـكَ الْـعُـلَـمَـاءُ
الــذِّكْــرُ آيَــةُ رَبِّــكَ الْــكُــبْــرَى الَّــتِـي
فِــيــهَــا لِــبَـاغِـي الْـمُـعْـجِـزَاتِ غَـنَـاءُ
صَـدْرُ الْـبَـيَـانِ لَـهُ إِذَا الْـتَـقَـتِ الـلُّـغَـى
وَتَــقَــدَّمَ الْــبُــلَــغَــاءُ وَالْــفُــصَــحَــاءُ
نُـسِـخَـتْ بِـهِ الـتَّـوْرَاةُ وَهْـيَ وَضِـيـئَةٌ
وَتَـــخَــلَّــفَ الْإِنْــجِــيــلُ وَهْــوَ ذُكَــاءُ
لَـمَّـا تَـمَـشَّـى فِـي «الْـحِـجَـازِ» حَكِيمُهُ
قَــضَّــتْ «عُــكَــاظُ» بِــهِ وَقَـامَ حِـرَاءُ
أَزْرَى بِــمَــنْــطِــقِ أَهْــلِــهِ وَبَــيَــانِـهِـمْ
وَحْـــيٌ يُـــقَــصِّــرُ دُونَــهُ الْــبُــلَــغَــاءُ
حَــسَــدُوا فَــقَـالُـوا شَـاعِـرٌ أَوْ سَـاحِـرٌ
وَمِــنَ الْــحَـسُـودِ يَـكُـونُ الِاسْـتِـهْـزَاءُ
قَدْ نَالَ ﺑِ «الْهَادِي» الْكَرِيمِ وَﺑِ «الْهُدَى»
مَــا لَــمْ تَــنَــلْ مِــنْ سُــؤْدُدٍ سَــيْــنَـاءُ
أَمْـــسَـــى كَأَنَّــكَ مِــنْ جَــلَالِــكَ أُمَّــةٌ
وَكَأَنَّـــــهُ مِــــنْ إِنْــــسِــــهِ بَــــيْــــدَاءُ
يُــوحَــى إِلَـيْـكَ الْـفَـوْزُ فِـي ظُـلُـمَـاتِـهِ
مُــتَــتَــابِــعًــا تُــجْــلَـى بِـهِ الـظَّـلْـمَـاءُ
دِيــــنٌ يُــــشَــــيِّـــدُ آيَـــةً فِـــي آيَـــةٍ
لَـــبِـــنَـــاتُـــهُ الـــسُّــورَاتُ وَالْأَضْــوَاءُ
الْــحَـقُّ فِـيـهِ هُـوَ الْأَسَـاسُ وَكَـيْـفَ لَا
وَالــــلـــهُ جَـــلَّ جَـــلَالُـــهُ الْـــبَـــنَّـــاءُ
أَمَّـا حَـدِيـثُـكَ فِـي الْـعُـقُـولِ فَـمَـشْرَعٌ
وَالْــعِــلْــمُ وَالْـحِـكَـمُ الْـغَـوَالِـي الْـمَـاءُ
هُـوَ صِـبْـغَـةُ الْـفُـرْقَـانِ نَـفْـحَـةُ قُدْسِهِ
وَالـــسِّـــيـــنُ مِــنْ سُــورَاتِــهِ وَالــرَّاءُ
جَـرَتِ الْـفَـصَـاحَـةُ مِـنْ يَـنَـابِـيعِ النُّهَى
مِـــنْ دَوْحِـــهِ وَتَـــفَـــجَّـــرَ الْإِنْــشَــاءُ
فِــي بَــحْــرِهِ لِـلـسَّـابِـحِـيـنَ بِـهِ عَـلَـى
أَدَبِ الْـــحَـــيَــاةِ وَعِــلْــمِــهَــا إِرْسَــاءُ
أَتَــتِ الــدُّهُــورُ عَــلَـى سُـلَافَـتِـهِ وَلَـمْ
تَــفْــنَ الــسُّــلَافُ وَلَا سَــلَا الــنُّـدَمَـاءُ
•••
بِـكَ يَـا ابْـنَ عَـبْـدِ الـلـهِ قَـامَتْ سَمْحَةٌ
بِــالْــحَــقِّ مِــنْ مِــلَــلِ الْــهُــدَى غَـرَّاءُ
بُـنِـيَـتْ عَـلَـى الـتَّـوْحِـيدِ وَهْيَ حَقِيقَةٌ
نَـــادَى بِـــهَــا سُــقْــرَاطُ وَالْــقُــدَمَــاءُ
وَجَـدَ الـزُّعَـافَ مِـنَ الـسُّـمُـومِ لِأَجْـلِـهَا
كَــالــشُّــهْــدِ ثُــمَّ تَــتَــابَــعَ الــشُّـهَـدَاءُ
وَمَـشَـى عَـلَـى وَجْـهِ الـزَّمَـانِ بِـنُـورِهَا
كُـــهَّـــانُ وَادِي الــنِّــيــلِ وَالْــعُــرَفَــاءُ
إِيـزِيـسُ ذَاتُ الْـمُـلْـكِ حِـيـنَ تَـوَحَّدَتْ
أَخَـــذَتْ قِـــوَامَ أُمُـــورِهَــا الْأَشْــيَــاءُ
لَــمَّــا دَعَــوْتَ الــنَّــاسَ لَــبَّــى عَـاقِـلٌ
وَأَصَــمَّ مِــنْــكَ الْــجَــاهِــلِــيــنَ نِـدَاءُ
أَبَــوُا الْـخُـرُوجَ إِلَـيْـكَ مِـنْ أَوْهَـامِـهِـمْ
وَالــنَّــاسُ فِــي أَوْهَــامِــهِـمْ سُـجَـنَـاءُ
وَمِــنَ الْــعُــقُــولِ جَــدَاوِلٌ وَجَــلَامِـدٌ
وَمِـــنَ الـــنُّـــفُـــوسِ حَــرَائِــرٌ وَإِمَــاءُ
دَاءُ الْـجَـمَـاعَـةِ مِـنْ أَرِسْـطَـالِـيـسَ لَـمْ
يُـــوصَـــفْ لَــهُ حَــتَّــى أَتَــيْــتَ دَوَاءُ
فَــرَسَــمْـتَ بَـعْـدَكَ لِـلْـعِـبَـادِ حُـكُـومَـةً
لَا سُــــوقَــــةٌ فِــــيــــهَــــا وَلَا أُمَـــرَاءُ
الــلــهُ فَــوْقَ الْــخَــلْــقِ فِـيـهَـا وَحْـدَهُ
وَالــنَّــاسُ تَــحْــتَ لِــوَائِــهَــا أَكْــفَــاءُ
وَالــدِّيــنُ يُــسْــرٌ وَالْــخِــلَافَـةُ بَـيْـعَـةٌ
وَالْأَمْــرُ شُــورَى وَالْــحُــقُــوقُ قَـضَـاءُ
الْإِشْـــتِـــرَاكِـــيُّــونَ أَنْــتَ إِمَــامُــهُــمْ
لَـــوْلَا دَعَـــاوَى الْـــقَــوْمِ وَالْــغُــلَــوَاءُ
دَاوَيْـــتَ مُـــتَّـــئِـــدًا وَدَاوَوْا طَــفْــرَةً
وَأَخَـــفُّ مِــنْ بَــعْــضِ الــدَّوَاءِ الــدَّاءُ
الْــحَــرْبُ فِــي حَــقٍّ لَـدَيْـكَ شَـرِيـعَـةٌ
وَمِــنَ الــسُّــمُــومِ الــنَّــاقِــعَـاتِ دَوَاءُ
وَالْـــبِـــرُّ عِـــنْــدَكَ ذِمَّــةٌ وَفَــرِيــضَــةٌ
لَا مِــــنَّــــةٌ مَـــمْـــنُـــونَـــةٌ وَحِـــبَـــاءُ
جَــاءَتْ فَــوَحَّــدَتِ الــزَّكَـاةُ سَـبِـيـلَـهُ
حَــتَّــى الْـتَـقَـى الْـكُـرَمَـاءُ وَالْـبُـخَـلَاءُ
أَنْـصَـفْـتَ أَهْـلَ الْـفَـقْـرِ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى
فَــالْــكُــلُّ فِــي حَــقِّ الْــحَـيَـاةِ سَـوَاءُ
فَـــلَـــوَ انَّ إِنْــسَــانًــا تَــخَــيَّــرَ مِــلَّــةً
مَـــا اخْـــتَـــارَ إِلَّا دِيــنَــكَ الْــفُــقَــرَاءُ
•••
يَــا أَيُّــهَــا الْــمُــسْــرَى بِـهِ شَـرَفًـا إِلَـى
مَــا لَا تَــنَــالُ الــشَّــمْــسُ وَالْــجَـوْزَاءُ
يَــتَــسَــاءَلُــونَ وَأَنْـتَ أَطْـهَـرُ هَـيْـكَـلٍ
بِـــالــرُّوحِ أَمْ بِــالْــهَــيْــكَــلِ الْإِسْــرَاءُ
بِــهِــمَـا سَـمَـوْتَ مُـطَـهَّـرَيْـنِ كِـلَاهُـمَـا
نُــــورٌ وَرَيْــــحَــــانِــــيَّــــةٌ وَبَــــهَـــاءُ
فَــضْــلٌ عَـلَـيْـكَ لِـذِي الْـجَـلَالِ وَمِـنَّـةٌ
وَالــلــهُ يَــفْــعَــلُ مَــا يَــرَى وَيَــشَــاءُ
تَـغْـشَـى الْـغُـيُـوبَ مِـنَ الْـعَـوَالِـمِ كُـلَّمَا
طُــوِيَــتْ سَــمَــاءٌ قُــلِّــدَتْــكَ سَــمَــاءُ
فِــي كُــلِّ مِـنْـطَـقَـةٍ حَـوَاشِـي نُـورِهَـا
نُـــونٌ وَأَنْـــتَ الــنُّــقْــطَــةُ الــزَّهْــرَاءُ
أَنْـتَ الْـجَـمَـالُ بِـهَـا وَأَنْـتَ الْـمُـجْـتَلَى
وَالْـــكَـــفُّ وَالْـــمِــرْآةُ وَالْــحَــسْــنَــاءُ
الــلــهُ هَــيَّأَ مِــنْ حَــظِــيــرَةِ قُــدْسِـهِ
نُـــزُلًا لِـــذَاتِـــكَ لَـــمْ يَـــجُـــزْهُ عَــلَاءُ
الْــعَــرْشُ تَــحْــتَــكَ سُــدَّةً وَقَـوَائِـمًـا
وَمَــنَــاكِــبُ الــرُّوحِ الْأَمِــيــنِ وِطَــاءُ
وَالـرُّسْـلُ دُونَ الْـعَـرْشِ لَـمْ يُـؤْذَنْ لَهُمْ
حَـــاشَـــا لِــغَــيْــرِكَ مَــوْعِــدٌ وَلِــقَــاءُ
•••
الْـخَـيْـلُ تَأْبَـى غَـيْـرَ «أَحْـمَـدَ» حَـامِـيًا
وَبِـــهَـــا إِذَا ذُكِـــرَ اسْـــمُـــهُ خُـــيَــلَاءُ
شَــيْــخُ الْـفَـوَارِسِ يَـعْـلَـمُـونَ مَـكَـانَـهُ
إِنْ هَــيَّــجَــتْ آسَــادَهَــا الْــهَــيْــجَـاءُ
وَإِذَا تَـــصَـــدَّى لِــلــظُّــبَــا فَــمُــهَــنَّــدٌ
أَوْ لِـــلـــرِّمَـــاحِ فَـــصَــعْــدَةٌ سَــمْــرَاءُ
وَإِذَا رَمَــى عَــنْ قَــوْسِــهِ فَــيَــمِـيـنُـهُ
قَــدَرٌ وَمَــا تَــرْمِــي الْــيَـمِـيـنُ قَـضَـاءُ
مِــنْ كُـلِّ دَاعِـي الْـحَـقِّ هِـمَّـةُ سَـيْـفِـهِ
فَــلِــسَــيْـفِـهِ فِـي الـرَّاسِـيَـاتِ مَـضَـاءُ
سَـاقِـي الْجَرِيحِ وَمُطْعِمُ الْأَسْرَى وَمَنْ
أَمِــنَــتْ سَــنَــابِــكَ خَــيْــلِــهِ الْأَشْـلَاءُ
إِنَّ الـشَّـجَـاعَـةَ فِـي الـرِّجَـالِ غِـلَاظَـةٌ
مَـــا لَـــمْ تَـــزِنْـــهَـــا رَأْفَــةٌ وَسَــخَــاءُ
وَالْحَرْبُ مِنْ شَرَفِ الشُّعُوبِ فَإِنْ بَغَوْا
فَـــالْـــمَـــجْــدُ مِــمَّــا يَــدَّعُــونَ بَــرَاءُ
وَالْــحَــرْبُ يَــبْـعَـثُـهَـا الْـقَـوِيُّ تَـجَـبُّـرًا
وَيَــنُــوءُ تَــحْــتَ بَــلَائِـهَـا الـضُّـعَـفَـاءُ
كَــمْ مِــنْ غَــزَاةٍ لِــلــرَّسُــولِ كَــرِيـمَـةٍ
فِـــيـــهَـــا رِضًـــا لِـــلْــحَــقِّ أَوْ إِعْــلَاءُ
كَــانَــتْ لِــجُــنْــدِ الــلــهِ فِــيـهَـا شِـدَّةٌ
فِـــي إِثْــرِهَــا لِــلْــعَــالَــمِــيــنَ رَخَــاءُ
ضَـرَبُـوا الـضَّـلَالَـةَ ضَـرْبَـةً ذَهَـبَـتْ بِهَا
فَــعَــلَــى الْـجَـهَـالَـةِ وَالـضَّـلَالِ عَـفَـاءُ
دَعَـمُـوا عَـلَـى الْـحَـرْبِ السَّلَامَ وَطَالَمَا
حَــقَــنَــتْ دِمَــاءً فِــي الــزَّمَـانِ دِمَـاءُ
•••
الْـــحَـــقُّ عِـــرْضُ الـــلــهِ كُــلُّ أَبِــيَّــةٍ
بَــيْــنَ الــنُّــفُــوسِ حِــمًـى لَـهُ وَوِقَـاءُ
هَـلْ كَـانَ حَـوْلَ «مُـحَـمَّـدٍ» مِـنْ قَوْمِهِ
إِلَّا صَـــــبِـــــيٌّ وَاحِـــــدٌ وَنِـــــسَـــــاءُ
فَـدَعَـا فَـلَـبَّـى فِـي الْـقَـبَـائِـلِ عُـصْـبَـةٌ
مُــسْــتَــضْــعَــفُــونَ قَــلَائِــلٌ أَنْـضَـاءُ
رَدُّوا بِــبَأْسِ الْــعَــزْمِ عَــنْـهُ مِـنَ الْأَذَى
مَـــا لَا تَـــرُدُّ الـــصَّــخْــرَةُ الــصَّــمَّــاءُ
وَالْــحَــقُّ وَالْإِيــمَــانُ إِنْ صُــبَّـا عَـلَـى
فَـــرْدٍ فَـــفِــيــهِ كَــتِــيــبَــةٌ خَــرْسَــاءُ
نَــسَـفُـوا بِـنَـاءَ الـشِّـرْكِ فَـهْـوَ خَـرَائِـبٌ
وَاسْــتَأْصَــلُـوا الْأَصْـنَـامَ فَـهْـيَ هَـبَـاءُ
يَـمْـشُـونَ تُـغْـضِـي الْأَرْضُ مِنْهُمْ هَيْبَةً
وَبِــهِــمْ حِــيَــالَ نَــعِــيــمِـهَـا إِغْـضَـاءُ
حَــتَّــى إِذَا فُــتِــحَـتْ لَـهُـمْ أَطْـرَافُـهَـا
لَـــمْ يُــطْــغِــهِــمْ تَــرَفٌ وَلَا نَــعْــمَــاءُ
•••
يَــا مَــنْ لَــهُ عِــزُّ الــشَّــفَــاعَـةِ وَحْـدَهُ
وَهُـــوَ الْـــمُـــنَــزَّهُ مَــا لَــهُ شُــفَــعَــاءُ
عَــرْشُ الْـقِـيَـامَـةِ أَنْـتَ تَـحْـتَ لِـوَائِـهِ
وَالْــحَــوْضُ أَنْــتَ حِــيَــالَــهُ الـسَّـقَّـاءُ
تَـرْوِي وَتَـسْـقِـي الـصَّـالِـحِـيـنَ ثَوَابَهُمْ
وَالـــصَّـــالِـــحَـــاتُ ذَخَــائِــرٌ وَجَــزَاءُ
أَلِـمِـثْـلِ هَـذَا ذُقْـتَ فِـي الـدُّنْيَا الطَّوَى
وَانْــشَــقَّ مِــنْ خَــلَــقٍ عَــلَــيْــكَ رِدَاءُ
لِـي فِـي مَـدِيـحِـكَ يَـا رَسُـولُ عَرَائِسٌ
تُـــيِّــمْــنَ فِــيــكَ وَشَــاقَــهُــنَّ جَــلَاءُ
هُــنَّ الْــحِــسَــانُ فَإِنْ قَـبِـلْـتَ تَـكَـرُّمًـا
فَــمُــهُــورُهُــنَّ شَــفَــاعَــةٌ حَــسْــنَــاءُ
أَنْــتَ الَّــذِي نَــظَــمَ الْــبَــرِيَّــةَ دِيــنُـهُ
مَــاذَا يَــقُــولُ وَيَــنْــظِــمُ الــشُّــعَـرَاءُ
الْــمُــصْـلِـحُـونَ أَصَـابِـعٌ جُـمِـعَـتْ يَـدًا
هِــيَ أَنْــتَ بَـلْ أَنْـتَ الْـيَـدُ الْـبَـيْـضَـاءُ
مَــا جِــئْـتُ بَـابَـكَ مَـادِحًـا بَـلْ دَاعِـيًـا
وَمِـــنَ الْـــمَـــدِيــحِ تَــضَــرُّعٌ وَدُعَــاءُ
أَدْعُـوكَ عَـنْ قَـوْمِـي الـضِّـعَـافِ لِأَزْمَةٍ
فِــي مِــثْــلِــهَـا يُـلْـقَـى عَـلَـيْـكَ رَجَـاءُ
أَدَرَى رَسُــولُ الــلــهِ أَنَّ نُــفُــوسَــهُــمْ
رَكِــبَــتْ هَــوَاهَــا وَالْــقُــلُــوبُ هَــوَاءُ
مُــتَــفَـكِّـكُـونَ فَـمَـا تَـضُـمُّ نُـفُـوسُـهُـمْ
ثِــقَــةً وَلَا جَــمَــعَ الْــقُــلُــوبَ صَــفَـاءُ
رَقَـــدُوا، وَغَـــرَّهُــمُ نَــعِــيــمٌ بَــاطِــلٌ
وَنَــعِــيــمُ قَــوْمٍ فِــي الْــقُــيُــودِ بَـلَاءُ
•••
ظَـلَـمُـوا شَـرِيـعَـتَـكَ الَّـتِـي نِـلْـنَـا بِـهَـا
مَــا لَــمْ يَــنَــلْ فِــي رُومَــةَ الْـفُـقَـهَـاءُ
مَـشَـتِ الْـحَـضَارَةُ فِي سَنَاهَا وَاهْتَدَى
فِــي الـدِّيـنِ وَالـدُّنْـيَـا بِـهَـا الـسُّـعَـدَاءُ
صَـلَّـى عَـلَـيْـكَ الـلهُ مَا صَحِبَ الدُّجَى
حَـــادٍ وَحَـــنَّـــتْ بِـــالْــفَــلَا وَجْــنَــاءُ
وَاسْـتَـقْـبَـلَ الـرِّضْـوَانَ فِـي غُـرُفَـاتِهِمْ
بِـــجِــنَــانِ عَــدْنٍ آلُــكَ الــسُّــمَــحَــاءُ
خَـيْـرُ الْـوَسَـائِـلِ مَـنْ يَـقَـعْ مِنْهُمْ عَلَى
سَــبَـبٍ إِلَـيْـكَ فَـحَـسْـبِـيَ «الـزَّهْـرَاءُ»

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤