طَرِبْنَ لِضَوْءِ الْبَارِقِ الْمُتَعَالِي

Wave Image
طَــرِبْـنَ لِـضَـوْءِ الْـبَـارِقِ الْـمُـتَـعَـالِـي
بِــبَــغْــدَادَ وَهْــنًــا مَـا لَـهُـنَّ وَمَـا لِـي
سَـمَـتْ نَـحْـوَهُ الْأَبْـصَـارُ حَـتَّى كَأَنَّهَا
بِــنَــارَيْــهِ مِــنْ هَــنَّــا وَثَـمَّ صَـوَالِـي
إِذَا طَـالَ عَـنْـهَـا سَـرَّهَـا لَـوْ رُءُوسُـهَا
تُـــمَـــدُّ إِلَـــيْـــهِ فِــي رُءُوسِ عَــوَالِ
تَــمَـنَّـتْ قُـوَيْـقًـا وَالـصَّـرَاةُ حِـيَـالَـهَـا
تُـــرَابٌ لَــهَــا مِــنْ أَيْــنُــقٍ وَجِــمَــالِ
إِذَا لَاحَ إِيــمَـاضٌ سَـتَـرْتُ وُجُـوهَـهَـا
كَأَنِّــيَ عَــمْــرٌو وَالْــمَــطِـيُّ سَـعَـالِـي
وَكَـمْ هَـمَّ نِـضْـوٌ أَنْ يَـطِـيرَ مَعَ الصَّبَا
إِلَــى الــشَّــامِ لَـوْلَا حَـبْـسُـهُ بِـعِـقَـالِ
وَلَـوْلَا حِـفَـاظِـي قُلْتُ لِلْمَرْءِ صَاحِبِي
بِــسَــيْـفِـكَ قَـيِّـدْهَـا فَـلَـسْـتُ أُبَـالِـي
أَأَبْــغِــي لَــهَــا شَــرًّا وَلَـمْ أَرَ مِـثْـلَـهَـا
سَـــفَـــائِـــرَ لَــيْــلٍ أَوْ سَــفَــائِــنَ آلِ
وَهُــنَّ مُــنِــيــفَــاتٌ إِذَا جُـبْـنَ وَادِيًـا
تَــوَهَّــمْــنَــنَــا مِــنْـهُـنَّ فَـوْقَ جِـبَـالِ
لَـقَـدْ زَارَنِـي طَـيْـفُ الْخَيَالِ فَهَاجَنِي
فَـهَـلْ زَارَ هَـذِي الْإِبْـلَ طَـيْفُ خَيَالِ؟
تَـهَـادَانِـيَ الْأَرْوَاحُ حَـتَّـى تَـحُـطَّـنِـي
عَــلَــى يَــدِ رِيــحٍ بِـالْـفُـرَاتِ شَـمَـالِ
فَـيَـا بَـرْقُ لَـيْـسَ الْـكَـرْخُ دَارِي وَإِنَّمَا
رَمَــانِــي إِلَــيْــهِ الــدَّهْـرُ مُـنْـذُ لَـيَـالِ
فَـهَـلْ فِـيـكَ مِـنْ مَـاءِ الْـمَـعَرَّةِ قَطْرَةٌ
تُــغِــيــثُ بِــهَـا ظَـمْآنَ لَـيْـسَ بِـسَـالِ
دَعَـا رَجَـبٌ جَـيْـشَ الْـغَـرَامِ فَأَقْـبَلَتْ
رِعَـــالٌ تَـــرُودُ الْــهَــمَّ بَــعْــدَ رِعَــالِ
يُــغِــرْنَ عَــلَــيَّ الـلَّـيْـلَ إِذْ كُـلُّ غَـارَةٍ
يَــكُــونُ لَــهَــا عِـنْـدَ الـصَّـبَـاحِ تَـوَالِ
وَلَاحَ هِــلَالٌ مِــثْــلُ نُــونٍ أَجَــادَهَــا
بِـجَـارِي الـنُّـضَـارِ الْـكَـاتِبُ ابْنُ هِلَالِ
فَــذَكَّــرَنِــي بَــدْرَ الــسَّــمَـاوَةِ بَـادِنًـا
شَــفًــا لَاحَ مِــنْ بَـدْرِ الـسَّـمَـاءَةِ بَـالِ
وَقَــدْ دَمِـيَـتْ خَـمْـسٌ لَـهَـا عَـنَـمِـيَّـةٌ
بِإِدْمَــانِــهَــا فِـي الْأَزْمِ شَـوْكَ سِـيَـالِ
تَـقُـولُ ظِـبَـاءُ الْـحَـزْمِ وَالـدَّمْعُ نَاظِمٌ
عَـلَـى عَـقَـدِ الْـوَعْـسَـاءِ عِـقْـدَ ضَلَالِ
لَـقَـدْ حَـرَمَـتْـنَـا أَثْـقَـلَ الْـحَـلْيِ أُخْتُنَا
فَـــمَـــا وَهَــبَــتْ إِلَّا سُــمُــوطَ لَآلِــي
فَإِنْ صَـلَـحَـتْ لْـلـنَّـاظِـمِـيـنَ دُمُوعُنَا
فَأَنْــتُــنَّ مِــنْــهَـا وَالْـكَـثِـيـبُ حَـوَالِ
جَـهِـلْـتُـنَّ أَنَّ الـلُّـؤْلُـؤَ الـذَّوْبَ عِـنْـدَنَا
رَخِــيــصٌ وَأَنَّ الْــجَــامِــدَاتِ غَـوَالِ
وَلَـوْ كَـانَ حَـقًّـا مَـا ظَـنَـنْتُنَّ لَاغْتَدَتْ
مَــسَــافَــةُ هَــذَا الْــبَــرِّ سِـيـفَ أُوَالِ
أَإِخْــوَانَــنَــا بَــيْــنَ الْــفُـرَاتِ وَجِـلَّـقٍ
يَــدَ الــلــهِ لَا خَــبَّــرْتُــكُــمْ بِـمُـحَـالِ
أُنَــبِّـئُـكُـمْ أَنِّـي عَـلَـى الْـعَـهْـدِ سَـالِـمٌ
وَوَجْــهِــيَ لَــمَّــا يُــبْــتَــذَلْ بِـسُـؤَالِ
وَأَنِّــي تَــيَـمَّـمْـتُ الْـعِـرَاقَ لِـغَـيْـرِ مَـا
تَـــيَـــمَّـــمَــهُ غَــيْــلَانُ عِــنْــدَ بِــلَالِ
فَأَصْـبَـحْـتُ مَـحْمُودًا بِفَضْلِيَ وَحْدَهُ
عَــلَــى بُـعْـدِ أَنْـصَـارِي وَقِـلَّـةِ مَـالِـي
نَـدِمْـتُ عَـلَـى أَرْضِ الْـعَوَاصِمِ بَعْدَمَا
غَـدَوْتُ بِـهَـا فِـي الـسَّـوْمِ غَـيْرَ مُغَالِ
لَــعَــلَّ كَــرَاهَــا قَــدْ أَرَاهَــا جِـذَابَـهَـا
ذَوَائِــبَ طَــلْــحٍ بِــالْـعَـقِـيـقِ وَضَـالِ
وَمَـسْـرَحَـهَـا فِـي ظِـلِّ أَحْـوَى كَأَنَّـهَا
إِذَا أَظْــهَــرَتْ فِــيــهِ ذَوَاتُ حِــجَـالِ
حَــلُــمْــنَـا بِأَسْـنَـانِ الْـكُـهُـولِ وَهَـذِهِ
شَــوَارِفُ تَــزْهَــاهَــا حُــلُــومُ إِفَــالِ
تَــرَى الْــعَــوْدَ مِــنْـهَـا بَـاكِـيًـا فَـكَأَنَّـهُ
فَـصِـيـلٌ حَـمَـاهُ الْـخِـلْـفَ رَبُّ عِـيَـالِ
فَآبَـكَ هَـذَا أَخْـضَـرُ الْـحَـالِ مُـعْـرِضًا
وَأَزْرَقُ فَــاشْــرَبْ وَارْعَ نَــاعِــمَ بَـالِ
سَـتَـنْـسَـى مِـيَـاهًـا بِـالْـفَـلَاةِ نَـمِـيرَةً
كَــنِــسْــيَــانِــهَــا وِرْدًا بِــعَــيْـنِ أَثَـالِ
وَإِنْ ذَهَــلَــتْ عَــمَّـا أُجِـنَّ صُـدُورُهَـا
فَـقَـدْ أَلْـهَـبَـتْ وَجْـدًا نُـفُـوسَ رِجَـالِ
وَلَـوْ وَضَـعَتْ فِي دِجْلَةَ الْهَامَ لَمْ تُفِقْ
مِــنَ الْــجَــرْعِ إِلَّا وَالْــقُـلُـوبُ خَـوَالِ
تَــذَكَّــرْنَ مُــرًّا بِــالْــمَــنَــاظِــرِ آجِـنًـا
عَــلَــيْــهِ مِـنَ الْأَرْطَـى فُـرُوعُ هَـدَالِ
وَأَعْـجَـبَـهَـا خَـرْقُ الْـعِـضَـاهِ أُنُـوفَـهَـا
بِـــمِـــثْـــلِ إِبَـــارٍ حُــدِّدَتْ وَنِــصَــالِ
تَــلَــوْنَ زَبُـورًا فِـي الْـحَـنِـيـنِ مُـنَـزَّلًا
عَـلَـيْـهِـنَّ فِـيـهِ الـصَّـبْـرُ غَـيْـرُ حَـلَالِ
وَأَنْـشَـدْنَ مِـنْ شِـعْرِ الْمَطَايَا قَصِيدَةً
وَأَوْدَعْـنَـهَـا فِـي الـشَّـوْقِ كُـلَّ مَـقَـالِ
أَمِـــنْ قِـــيــلِ عَــوْدٍ رَازِمٍ أَمْ رِوَايَــةٍ
أَتَـــتْـــهُــنَّ عَــنْ عَــمٍّ لَــهُــنَّ وَخَــالَ
كَأَنَّ الْـمَـثَـانِـي وَالْـمَـثَـالِـثَ بِالضُّحَى
تَــجَــاوَبُ فِــي غِـيـدٍ رُفِـعْـنَ طِـوَالِ
كَأَنَّ ثَـــقِـــيـــلًا أَوَّلًا تُـــزْدَهَـــى بِـــهِ
ضَـمَـائِـرُ قَـوْمٍ فِـي الْـخُـطُـوبِ ثِقَالِ
بَكَى سَامِرِيُّ الْجَفْنِ إِنْ لَامَسَ الْكَرَى
لَــهُ هَــدْبَ جَــفْــنٍ مَــسَّـهُ بِـسِـجَـالِ
فَـلَـيْـتَ سَـنِـيـرًا بَـانَ مِـنْـهُ لِصُحْبَتِي
بِــرَوْقَــيْ غَــزَالٍ مِــثْــلُ رَوْقِ غَـزَالِ
وَمَـنْ لِـي بِأَنِّـي فِـي جَـنَـاحِ غَـمَـامَـةٍ
تُــشَــبِّــهُــهَــا فِــي الْـجُـنْـحِ أُمَّ رِئَـالِ
وَمِـنْ دُونِـهَا يَوْمٌ مِنَ الشَّمْسِ عَاطِلٌ
وَلَـــيْـــلٌ بِأَطْـــرَافِ الْأَسِــنَّــةِ حَــالِ
وَشُـعْـثٌ مَـدَارِيـهَـا الـصَّـوَارِمُ وَالْـقَنَا
وَلَـــيْــسَ لَــهَــا إِلَّا الْــكُــمَــاةَ فَــوَالِ
أَرُوحُ فَـلَا أَخْـشَـى الْـمَـنَـايَـا وَأَتَّـقِـي
تَــدَنُّــسَ عِــرْضٍ أَوْ ذَمِــيــمَ فِــعَـالِ
إِذَا مَـا حِـبَـالٌ مِـنْ خَـلِـيـلٍ تَـصَرَّمَتْ
عَــلِــقْــتُ بِــخِــلٍّ غَــيْــرِهِ بِــحِــبَـالِ
وَلَــوْ أَنَّـنِـي فِـي هَـالَـةِ الْـبَـدْرِ قَـاعِـدٌ
لَـمَـا هَـابَ يَـوْمِـي رِفْـعَـتِـي وَجَلَالِي

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤