أَعَنْ وَخْدِ الْقِلَاصِ كَشَفْتِ حَالَا

Wave Image
أَعَـنْ وَخْـدِ الْـقِـلَاصِ كَشَفْتِ حَالَا
وَمِـنْ عِـنْـدِ الـظَّـلَامِ طَـلَـبْـتِ مَـالَا
وَدُرًّا خِــلْــتِ أَنْــجُــمَــهُ عَــلَــيْــهِ
فَـــهَـــلَّا خِـــلْـــتِـــهِــنَّ بِــهِ ذُبَــالَا
وَقُـلْـتِ الـشَّـمْـسُ بِـالْـبَـيْـدَاءِ تِـبْـرٌ
وَمِــثْــلُــكِ مَـنْ تَـخَـيَّـلَ ثُـمَّ خَـالَا
وَفِـي ذَوْبِ الـلُّـجَـيْـنِ طَـمِعْتِ لَمَّا
رَأَيْــتِ سَـرَابَـهَـا يَـغْـشَـى الـرِّمَـالَا
رَمَـــاكِ الـــلـــهُ مِــنْ نُــوقٍ بِــرُوقٍ
مِــنَ الــسَّـنَـوَاتِ تُـثْـكِـلُـكِ الْإِفَـالَا
فَــقَــدْ أَكْـثَـرْتِ نُـقْـلَـتَـنَـا وَكَـانَـتْ
صِـغَـارُ الـشُّـهْـبِ أَسْـرَعَـهَـا انْتِقَالَا
تَـــذَكُّـــرُكِ الـــثَّــوِيَّــةَ مِــنْ ثُــدَيٍّ
ضَــــلَالٌ مَــــا أَرَدْتِ بِـــهِ ضَـــلَالَا
وَلَــوْ أَنَّ الْــمَــطِــيَّ لَــهَــا عُــقُـولٌ
وَجَــدِّكِ لَــمْ نَــشُــدَّ بِــهَــا عِــقَـالَا
مُــوَاصَــلَــةً بِــهَــا رِحَــلِــي كَأَنِّـي
عَــنِ الـدُّنْـيَـا أُرِيـدُ بِـهَـا انْـفِـصَـالَا
سَأَلْـنَ فَـقُـلْـتُ مَـقْـصِـدُنَـا سَـعِـيدٌ
فَــكَــانَ اسْــمُ الْأَمِــيـرِ لَـهُـنَّ فَـالَا
مُــكَــلِّـفُ خَـيْـلِـهِ قَـنَـصَ الْأَعَـادِي
وَجَــاعِــلُ غَــابِـهِ الْأَسَـلَ الـطِّـوَالَا
تَــكَــادُ قِــسِــيُّــهُ مِــنْ غَــيْــرِ رَامٍ
تُــمَــكِّــنُ فِــي قُــلُـوبِـهِـمِ الـنِّـبَـالَا
تَــكَــادُ سُــيُــوفُـهُ مِـنْ غَـيْـرِ سَـلٍّ
تُــجِــدُّ إِلَــى رِقَــابِــهِــمِ انْــسِـلَالَا
تَــكَــادُ سَـوَابِـقٌ حَـمَـلَـتْـهُ تُـغْـنِـي
عَــنِ الْأَقْــدَارِ صَــوْنًــا وَابْــتِــذَالَا
نَـــشَأْنَ مَــعَ الــنَّــعَــامِ بِــكُــلِّ دَوٍّ
فَــقَــدْ أَلِــفَـتْ نَـتَـائِـجُـهَـا الـرِّئَـالَا
وَلَــمَّــا لَــمْ يُــسَــابِــقْــهُــنَّ شَـيْءٌ
مِــنَ الْـحَـيَـوَانِ سَـابَـقْـنَ الـظِّـلَالَا
تَـرَى أَعْـطَـافَـهَـا تَـرْمِـي حَـمِـيـمًـا
كَأَجْــنِــحَــةِ الْـبُـزَاةِ رَمَـتْ نُـسَـالَا
وَقَــدْ ذَابَـتْ بِـنَـارِ الْـحِـقْـدِ مِـنْـهَـا
شَــكَــائِــمُــهَـا فَـمَـازَجَـتِ الـرُّوَالَا
يُـذِقْـنَ بَـنِـي الْـعُصَاةِ الْيُتْمَ صِرْفًا
وَيَــتْــرُكْــنَ الْــجَآذِرَ وَالــسِّــخَـالَا
فَــمَــا يَــرْمِــيــنَ بِــالْآجَـالِ إِجْـلًا
وَيَــرْمِــيــنَ الْــمَـقَـانِـبَ وَالـرِّعَـالَا
يُــغَــادِرْنَ الْــكَــوَاعِـبَ حَـاسِـرَاتٍ
يُـنِـلْـنَ مِـنَ الْـعُـدَاةِ مَـنِ اسْـتَـنَـالَا
يَــــبِــــعْـــنَ تُـــرَاثَ آبَـــاءٍ كِـــرَامٍ
وَيَـشْـرِيـنَ الْـحُـجُـولَ أَوِ الْحِجَالَا
يُــغَــالِــيــنَ الْــمَـدَارِعَ وَالْـمَـدَارِي
وَيُـرْخِـصْـنَ الْـمَـنَـاصِـلَ وَالـنِّصَالَا
يُـمِـلُّ بِـهَـا الـسَّـبَـاسِـبَ وَالْمَوَامِي
فَــتًــى لَــمْ تَـخْـشَ هِـمَّـتُـهُ مَـلَالَا
ذَكِـيُّ الْـقَـلْـبِ يَـخْـضِـبُـهَـا نَـجِيعًا
بِــمَــا جَـعَـلَ الْـحَـرِيـرَ لَـهَـا جِـلَالَا
مَـتَـى يُـذْمِـمْ عَـلَـى بَـلَـدٍ بِـسَـوْطٍ
فَــقَــدْ أَمِــنَ الْــمُــثَـقَّـفَـةَ الـنِّـهَـالَا
إِذَا سَـقَـتِ الـسَّـمَاءُ الْأَرْضَ سَجْلًا
سَــقَــاهَــا مِـنْ صَـوَارِمِـهِ سِـجَـالَا
وَيُـضْـحِـي وَالْـحَـدِيـدُ عَـلَيْهِ شَاكٍ
وَتَــكْــفِــيــهِ مَــهَــابَــتُــهُ الــنِّـزَالَا
فَـيُـفْـنِـي الـدِّرْعَ لُـبْـسًـا وَالْـيَمَانِي
صِــحَــابًــا وَالــرُّدَيْــنِـيَّ اعْـتِـقَـالَا
يَـبِـيـتُ مُـسَـهَّـدًا وَالـلَّـيْـلُ يَـدْعُـو
بِـضَـوْءِ الـصُّـبْـحِ خَـالِـقَـهُ ابْـتِـهَالَا
إِذَا سَــئِــمَــتْ مُــهَــنَّــدَهُ يَــمِــيـنٌ
لِــطُــولِ الْــحَــمْــلِ بَـدَّلَـهُ شِـمَـالَا
أَفَــادَ الْــمُــرْهَــفَـاتِ ضِـيَـاءَ عَـزْمٍ
فَــصَـارَ عَـلَـى جَـوَاهِـرِهَـا صِـقَـالَا
وَأَبْــصَــرَتِ الــذَّوَابِـلُ مِـنْـهُ عَـدْلًا
فَأَصْـبَـحَ فِـي عَـوَامِـلِـهَـا اعْـتِـدَالَا
وَجُــنْــحٍ يَـمْـلَأُ الْـفَـوْدَيْـنِ شَـيْـبًـا
وَلَــكِـنْ يَـجْـعَـلُ الـصَّـحْـرَاءَ خَـالَا
أَرَدْنَـــا أَنْ نَـــصِـــيــدَ بِــهِ مَــهَــاةً
فَــقَــطَّـعَـتِ الْـحَـبَـائِـلَ وَالْـحِـبَـالَا
وَنَــمَّ بِــطَــيْـفِـهَـا الـسَّـارِي جَـوَادٌ
فَــجَــنَّــبَــنَــا الــزِّيَـارَةَ وَالْـوِصَـالَا
وَأَيْـقَـظَ بِـالـصَّـهِـيـلِ الرَّكْبَ حَتَّى
ظَــنَــنْــتُ صَــهِـيـلَـهُ قِـيـلًا وَقَـالَا
وَلَـــوْلَا غَـــيْـــرَةٌ مِـــنْ أَعْــوَجِــيٍّ
لَــبَــاتَ يَــرَى الْــغَــزَالَـةَ وَالْـغَـزَالَا
يُــحِــسُّ إِذَا الْــخَـيَـالُ دَنَـا إِلَـيْـنَـا
فَــيَــمْـنَـعُ مِـنْ تَـعَـهُّـدِنَـا الْـخَـيَـالَا
سَــرَى بَــرْقُ الْــمَـعَـرَّةِ بَـعْـدَ وَهْـنٍ
فَــبَــاتَ بِــرَامَــةٍ يَــصِـفُ الْـكَـلَالَا
شَـــجَــا رَكْــبًــا وَأَفْــرَاسًــا وَإِبْــلًا
وَزَادَ فَــكَـادَ أَنْ يَـشْـجُـو الـرِّحَـالَا
بِــهَــا كَــانَــتْ جِــيَــادُهُـمُ مِـهَـارًا
وَهُــمْ مُــرْدًا وَبُــزْلُــهُــمُ فِــصَــالَا
وَمَـنْ صَـحِـبَ الـلَّـيَـالِـيَ عَـلَّـمَـتْـهُ
خِــدَاعَ الْإِلْـفِ وَالْـقِـيـلَ الْـمُـحَـالَا
وَغَـيَّـرَتِ الْـخُـطُـوبَ عَـلَـيْهِ حَتَّى
تُــرِيــهِ الــذَّرَّ يَــحْــمِـلْـنَ الْـجِـبَـالَا
فَـلَـيْـتَ شَـبَـابَ قَـوْمٍ كَـانَ شَـيْـبًـا
وَلَــيْــتَ صِــبَـاهُـمُ كَـانَ اكْـتِـهَـالَا
صَـحِـبْـنَـا بِـالْـبُـدَيَّـةِ مِـنْ حُـصَـيْنٍ
وَحِـصْـنٍ شَـرَّ مَـنْ صَـحِبَ الرِّجَالَا
إِذَا سُـقِيَتْ ضُيُوفُ النَّاسِ مَحْضًا
سَــقَــوْا أَضْــيَـافَـهُـمْ شَـبِـمًـا زُلَالَا
وَلَــكِــنْ بِــالْــعَــوَاصِـمِ مِـنْ عَـدِيٍّ
أَمِـــيــرٌ لَا يُــكَــلِّــفُــنَــا الــسُّــؤَالَا
إِذَا خَــفَــقَــتْ لِـمَـغْـرِبِـهَـا الـثُّـرَيَّـا
تَــوَقَّــتْ مِــنْ أَسِــنَّــتِـهِ اغْـتِـيَـالَا
وَلَوْ شَمْسُ الضُّحَى قَدَرَتْ لَعَادَتْ
مُـــــشَــــرِّقَــــةً إِذَا رَأَتِ الــــزَّوَالَا
فَــقُـلْ لِـمُـجِـيـلِـهَـا فَـوْقَ الْأَعَـادِي
إِذَا مَــا لَــمْ يَــجِــدْ فَـرَسٌ مَـجَـالَا
لَـقَـدْ جَـشَّـمْـتَ طِـرْفَـكَ مُـثْـقِلَاتٍ
فَــجَــشَّــمَــهُــنَّ أَرْبَــعَــةً عِــجَـالَا
أَذَالَ الْــجَــرْيُ مِــنْــهُ زَبَــرْجَــدِيًّـا
وَمَــا حَــقُّ الــزَّبَــرْجَــدِ أَنْ يُــذَالَا
وَقَــدْ يُــلْــفَـى زَبَـرْجَـدُهُ عَـقِـيـقًـا
إِذَا شَــهِــدَ الْأَمِــيــرُ بِــهِ الْــقِـتَـالَا
أَخَــفَّ مِــنَ الْـوَجِـيـهِ يَـدًا وَرِجْـلًا
وَأَكْــرَمَ فِــي الْــجِـيَـادِ أَبًـا وَخَـالَا
وَكُـــلُّ ذُؤَابَـــةٍ فِـــي رَأْسِ خَـــوْدٍ
تَــمَــنَّــى أَنْ تَــكُــونَ لَــهُ شِــكَـالَا
يَــوَدُّ الــتِّـبْـرُ لَـوْ أَمْـسَـى حَـدِيـدًا
إِذَا حُــذِيَ الْــحَــدِيــدُ لَــهُ نِــعَــالَا
إِذَا مَــا الْــغَـيْـمُ لَـمْ يُـمْـطِـرْ بِـلَادًا
فَإِنَّ لَـــهُ عَـــلَـــى يَـــدِكَ اتِّـــكَــالَا
وَلَـــوْ أَنَّ الــرِّيَــاحَ تَــهُــبُّ غَــرْبًــا
وَقُــلْــتَ لَــهَــا هَـلَا هَـبَّـتْ شَـمَـالَا
وَأُقْـسِـمُ لَـوْ غَـضِـبْـتَ عَـلَـى ثَـبِيرٍ
لَأَزْمَــعَ عَــنْ مَــحِــلَّــتِــهِ ارْتِـحَـالَا
فَإِنْ عَـشِـقَـتْ صَـوَارِمُـكَ الْهَوَادِي
فَـلَا عَـدِمَـتْ بِـمَـنْ تَـهْـوَى اتِّـصَالَا
وَلَــوْلَا مَـا بِـسَـيْـفِـكَ مِـنْ نُـحُـولٍ
لَــقُــلْــنَـا أَظْـهَـرَ الْـكَـمَـدَ انْـتِـحَـالَا
سَــلِــيــلُ الــنَّــارِ دَقَّ وَرَقَّ حَـتَّـى
كَأَنَّ أَبَـــــاهُ أَوْرَثَـــــهُ الــــسُّــــلَالَا
مُــحَــلَّـى الْـبُـرْدِ تَـحْـسَـبُـهُ تَـرَدَّى
نُــجُـومَ الـلَّـيْـلِ وَانْـتَـعَـلَ الْـهِـلَالَا
مُـقِـيـمُ الـنَّصْلِ فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ
يَــكُــونُ تَــبَــايُـنٌ مِـنْـهُ اشْـتِـكَـالَا
تَــبَــيَّــنُ فَــوْقَـهُ ضَـحْـضَـاحَ مَـاءٍ
وَتُــبْــصِــرُ فِـيـهِ لِـلـنَّـارِ اشْـتِـعَـالَا
غِـــرَارَاهُ لِـــسَـــانَـــا مَـــشْــرَفِــيٍّ
يَــقُـولُ غَـرَائِـبَ الْـمَـوْتِ ارْتِـجَـالَا
إِذَا بَــصُــرَ الْأَمِــيــرُ وَقَــدْ نَــضَـاهُ
بِأَعْــلَــى الْــجَــوِّ ظُــنَّ عَــلَـيْـهِ آلَا
وَدَبَّــتْ فَــوْقَــهُ حُــمْــرُ الْــمَـنَـايَـا
وَلَــكِــنْ بَـعْـدَمَـا مُـسِـخَـتْ نِـمَـالَا
يُـذِيـبُ الـرُّعْـبُ مِـنْـهُ كُـلَّ عَـضْبٍ
فَــلَــوْلَا الْــغِـمْـدُ يُـمْـسِـكُـهُ لَـسَـالَا
وَمَـنْ يَـكُ ذَا خَـلِـيـلٍ غَـيْـرِ سَـيْفٍ
يُــصَــادِفُ فِــي مَـوَدَّتِـهِ اخْـتِـلَالَا
وَذِي ظَـــمَأٍ وَلَــيْــسَ بِــهِ حَــيَــاةٌ
تَــيَــقَّــنَ طَــوْلَ حَــامِــلِـهِ فَـطَـالَا
تَــوَهَّــمَ كُــلَّ سَــابِــغَــةٍ غَــدِيــرًا
فَــرَنَّـقَ يَـشْـرَبُ الْـحِـلَـقَ الـدَّخَـالَا
مَـــلَأْتَ بِــهِ صُــدُورًا مِــنْ أُنَــاسٍ
فَـلَاقَـتْ عَـنْ ضَـغَـائِـنِـهَـا اشْـتِغَالَا
لِـيَـهْـنِـكَ فِـي الْـمَـكَـارِمِ وَالْـمَعَالِي
كَــمَــالٌ عَــلَّــمَ الْــقَــمَــرَ الْـكَـمَـالَا
وَأَنَّـــكَ لَــوْ تَــعَــلَّــقَــتِ الــرَّزَايَــا
بِــنَــعْـلِـكَ مَـا قَـطَـعْـنَ لَـهَـا قِـبَـالَا
حَـفِـظْـتَ الْـمُـسْـلِمِينَ وَقَدْ تَوَالَتْ
سَـحَـائِـبُ تَـحْـمِـلُ الـنُّـوَبَ الثِّقَالَا
وَصُــنْــتَ عِـيَـالَـهُـمْ إِذْ كُـلُّ عَـيْـنٍ
تَــعُــدُّ سَــوَادَ نَــاظِــرِهَــا عِــيَــالَا
بِــوَقْــتٍ لَا يُـطِـيـقُ الـلَّـيْـثُ فِـيـهِ
مُــسَــاوَرَةً وَلَا الــسِّـيـدُ اخْـتِـتَـالَا
وَأَنْــتَ أَجَــلُّ مِــنْ عِــيــدٍ تُـهَـنَّـى
بِــعَــوْدَتِــهِ فَــهُــنِّــيــتَ الْــجَـلَالَا
وَمُـرْ بِـفِـرَاقِ شِـيـمَـتِـهَـا الـلَّـيَـالِي
تُــجِــبْــكَ إِلَــى إِرَادَتِــكَ امْـتِـثَـالَا

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: المدح
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤