الْأَنْدَلُسُ الْجَدِيدَةُ

Wave Image
يَــا أُخْــتَ أَنْــدَلُــسٍ عَـلَـيْـكِ سَـلَامُ
هَــوَتِ الْــخَـلَافَـةُ عَـنْـكِ وَالْإِسْـلَامُ
نَـزَلَ الْـهِـلَالُ عَـنِ الـسَّـمَـاءِ فَـلَـيْتَهَا
طُــوِيَــتْ وَعَــمَّ الْـعَـالَـمِـيـنَ ظَـلَامُ
أَزْرَى بِــــهِ وَأَزَالَــــهُ عَــــنْ أَوْجِــــهِ
قَــدَرٌ يَــحُــطُّ الْــبَــدْرَ وَهْــوَ تَــمَـامُ
جُـرْحَـانِ تَـمْـضِـي الْأُمَّـتَـانِ عَـلَيْهِمَا
هَـــذَا يَـــسِـــيــلُ وَذَاكَ لَا يَــلْــتَــامُ
بِـكُـمَـا أُصِـيـبَ الْـمُـسْـلِمُونَ وَفِيكُمَا
دُفِــنَ الْـيَـرَاعُ وَغُـيِّـبَ الـصَّـمْـصَـامُ
لَــمْ يُــطْــوَ مَأْتَــمُــهَــا وَهَــذَا مَأْتَـمٌ
لَـبِـسُـوا الـسَّـوَادَ عَلَيْكِ فِيهِ وَقَامُوا
مَا بَيْنَ مَصْرَعِهَا وَمَصْرَعِكِ انْقَضَتْ
فِـــيـــمَــا نُــحِــبُّ وَنَــكْــرَهُ الْأَيَّــامُ
خَـلَـتِ الْـقُـرُونُ كَـلَـيْـلَـةٍ وَتَـصَرَّمَتْ
دُوَلُ الْـــفُـــتُـــوحِ كَأَنَّـــهَـــا أَحْــلَامُ
وَالــدَّهْـرُ لَا يَأْلُـو الْـمَـمَـالِـكَ مُـنْـذِرًا
فَإِذَا غَــفَــلْــنَ فَــمَــا عَــلَــيْـهِ مَـلَامُ
•••
مَـقْـدُونِـيَـا وَالْـمُـسْـلِـمُـونَ عَـشِـيرَةٌ
كَـيْـفَ الْـخُـئُـولَـةُ فِـيـكِ وَالْأَعْـمَامُ؟
أَتَــرَيْــنَــهُـمْ هَـانُـوا وَكَـانَ بِـعِـزِّهِـمْ
وَعُــلُــوِّهِــمْ يَــتَــخَـايَـلُ الْإِسْـلَامُ؟
إِذْ أَنْــتِ نَـابُ الـلَّـيْـثِ كُـلُّ كَـتِـيـبَـةٍ
طَـلَـعَـتْ عَـلَـيْـكِ فَـرِيـسَـةٌ وَطَـعَـامُ
مَــا زَالَــتِ الْأَيَّــامُ حَــتَّــى بُــدِّلَــتْ
وَتَــغَــيَّــرَ الـسَّـاقِـي وَحَـالَ الْـجَـامُ
أَرَأَيْـتِ كَـيْـفَ أُدِيلَ مِنْ أُسْدِ الشَّرَى
وَشَــهِـدْتِ كَـيْـفَ أُبِـيـحَـتِ الْآجَـامُ
زَعَــمُــوكِ هَــمًّـا لِـلْـخِـلَافَـةِ نَـاصِـبًـا
وَهَــلِ الْــمَــمَــالِــكُ رَاحَــةٌ وَمَــنَـامُ
وَيَــقُــولُ قَــوْمٌ كُــنْـتِ أَشْأَمَ مَـوْرِدٍ
وَأَرَاكِ سَـــائِـــغَــةً عَــلَــيْــكِ زِحَــامُ
وَيَــرَاكِ دَاءَ الْــمُـلْـكِ نَـاسُ جَـهَـالَـةٍ
بِــالْــمُــلْــكِ مِــنْــهُـمْ عِـلَّـةٌ وَسَـقَـامُ
لَـوْ آثَـرُوا الْإِصْـلَاحَ كُـنْـتِ لِـعَرْشِهِمْ
رُكْــنًــا عَــلَـى هَـامِ الـنُّـجُـومِ يُـقَـامُ
وَهْــمٌ يُـقَـيِّـدُ بَـعْـضُـهُـمْ بَـعْـضًـا بِـهِ
وَقُـــيُــودُ هَــذَا الْــعَــالَــمِ الْأَوْهَــامُ
صُـوَرُ الْـعَـمَـى شَـتَّـى وَأَقْـبَـحُهَا إِذَا
نَــظَــرَتْ بِــغَــيْـرِ عُـيُـونِـهِـنَّ الْـهَـامُ
وَلَـقَـدْ يُقَامُ مِنَ السُّيُوفِ وَلَيْسَ مِنْ
عَــثَــرَاتِ أَخْـلَاقِ الـشُّـعُـوبِ قِـيَـامُ
•••
ومُــبَــشِّــرٍ بِــالـصُّـلْـحِ قُـلْـتُ لَـعَـلَّـهُ
خَــيْــرٌ عَـسَـى أَنْ تَـصْـدُقَ الْأَحْـلَامُ
تَــرَكَ الْــفَــرِيــقَــانِ الْـقِـتَـالَ وَهَـذِهِ
سِــلْــمٌ أَمَــرُّ مِــنَ الْــقِــتَــالِ عُـقَـامُ
يَـنْـعَـى إِلَـيْـنَـا الْـمُـلْـكَ نَـاعٍ لَـمْ يَطَأْ
أَرْضًـــا وَلَا انْــتَــقَــلَــتْ بِــهِ أَقْــدَامُ
بَــرْقٌ جَــوَائِــبُــهُ صَــوَاعِــقُ كُـلُّـهَـا
وَمِــنَ الْــبُــرُوقِ صَــوَاعِـقٌ وَغَـمَـامُ
إِنْ كَـــانَ شَـــرٌّ زَارَ غَــيْــرَ مُــفَــارِقٍ
أَوْ كَـــانَ خَــيْــرٌ فَــالْــمَــزَارُ لِــمَــامُ
بِـالْأَمْـسِ «أَفْـرِيـقَا» تَوَلَّتْ وَانْقَضَى
مُـلْـكٌ عَـلَـى جِـيـدِ الْـخِـضَـمِّ جُسَامُ
نَــظَــمَ الْــهِـلَالُ بِـهِ مَـمَـالِـكَ أَرْبَـعًـا
أَصْــبَـحْـنَ لَـيْـسَ لِـعِـقْـدِهِـنَّ نِـظَـامُ
مِـنْ فَـتْـحِ هَـاشِـمَ أَوْ أُمَيَّةَ لَمْ يَضَعْ
آسَـــاسَـــهَـــا تَـــتَـــرٌ وَلَا أَعْـــجَــامُ
وَالْـيَـوْمَ حُـكْـمُ الـلـهِ فِـي مَـقْـدُونِيَا
لَا نَـــقْـــضَ فِـــيــهِ لَــنَــا وَلَا إِبْــرَامُ
كَـانَـتْ مِـنَ الْـغَرْبِ الْبَقِيَّةَ فَانْقَضَتْ
فَــعَـلَـى بَـنِـي عُـثْـمَـانَ فِـيـهِ سَـلَامُ
•••
أَخَـذَ الْـمَـدَائِـنَ وَالْـقُـرَى بِـخِـنَـاقِـهَا
جَــيْـشٌ مِـنَ الْـمُـتَـحَـالِـفِـيـنَ لُـهَـامُ
غَـطَّـتْ بِـهِ الْأَرْضُ الْفَضَاءُ وُجُوهَهَا
وَكَــسَــتْ مَــنَــاكِــبَــهَــا بِــهِ الْآكَـامُ
تَـمْـشِـي الْـمَـنَـاكِـرُ بَـيْنَ أَيْدِي خَيْلِهِ
أَنَّــى مَــشَــى وَالْــبَــغْـيُ وَالْإِجْـرَامُ
وَيَــحُــثُّــهُ بِـاسْـمِ الْـكِـتَـابِ أَقِـسَّـةٌ
نَـشِـطُـوا لِـمَـا هُوَ فِي الْكِتَابِ حَرَامُ
وَمُـسَـيْطِرُونَ عَلَى الْمَمَالِكِ سُخِّرَتْ
لَــهُــمُ الــشُّــعُــوبُ كَأَنَّــهَــا أَنْــعَــامُ
مِــنْ كُــلِّ جَـزَّارٍ يَـرُومُ الـصَّـدْرَ فِـي
نَـــادِي الْـــمُـــلُــوكِ وَجَــدُّهُ غَــنَّــامُ
سِــكِّــيــنُــهُ وَيَــمِــيــنُــهُ وَحِـزَامُـهُ
وَالــصَّــوْلَــجَــانُ جَــمِــيـعُـهَـا آثَـامُ
•••
«عِـيـسَـى» سَـبِـيـلُكَ رَحْمَةٌ وَمَحَبَّةٌ
فِـي الْـعَـالَـمِـيـنَ وَعِـصْـمَـةٌ وَسَـلَامُ
مَــا كُـنْـتَ سَـفَّـاكَ الـدِّمَـاءِ وَلَا امْـرَأً
هَــانَ الــضِّــعَـافُ عَـلَـيْـهِ وَالْأَيْـتَـامُ
يَــا حَــامِــلَ الْآلَامِ عَـنْ هَـذَا الْـوَرَى
كَــثُــرَتْ عَــلَــيْــهِ بِــاسْــمِـكَ الْآلَامُ
أَنْـتَ الَّـذِي جَـعَـلَ الْـعِـبَـادَ جَمِيعَهُمْ
رَحِــمًـا وَبِـاسْـمِـكَ تُـقْـطَـعُ الْأَرْحَـامُ
أَتَـتِ الْـقِـيَـامَـةُ فِـي وِلَايَـةِ يُـوسُفٍ
وَالْــيَــوْمَ بِــاسْـمِـكِ مَـرَّتَـيْـنِ تُـقَـامُ
كَـمْ هَـاجَـهُ صِـيـدُ الْـمُلُوكِ وَهَاجَهُمْ
وَتَـــكَـــافَأَ الْـــفُـــرْسَــانُ وَالْأَعْــلَامُ
الْــبَـغْـيُ فِـي دِيـنِ الْـجَـمِـيـعِ دَنِـيَّـةٌ
وَالــسِّــلْــمُ عَــهْــدٌ وَالْـقِـتَـالُ زِمَـامُ
وَالْـيَـوْمَ يَـهْـتِـفُ بِالصَّلِيبِ عَصَائِبٌ
هُــــمْ لِــــلْإِلَــــهِ وَرُوحِــــهِ ظُــــلَّامُ
خَـلَـطُـوا صَلِيبَكَ وَالْخَنَاجِرَ وَالْمُدَى
كُــــــلٌّ أَدَاةٌ لِـــــلْأَذَى وَحِـــــمَـــــامُ
أَوَمَــا تَــرَاهُــمْ ذَبَّـحُـوا جِـيـرَانَـهُـمْ
بَــيْــنَ الْــبُــيُــوتِ كَأَنَّــهُــمْ أَغْــنَـامُ
كَـمْ مُـرْضَـعٍ فِـي حِـجْـرِ نِـعْمَتِهِ غَدَا
وَلَــهُ عَــلَـى حَـدِّ الـسُّـيُـوفِ فِـطَـامُ
وَصَـبِـيَّـةٍ هُـتِـكَـتْ خَـمِـيـلَةُ طُهْرِهَا
وَتَـــنَــاثَــرَتْ عَــنْ نَــوْرِهِ الْأَكْــمَــامُ
وَأَخِـي ثَـمَـانِـيـنَ اسْـتُـبِـيـحَ وَقَـارُهُ
لَـمْ يُـغْـنِ عَـنْـهُ الـضَّـعْـفُ وَالْأَعْـوَامُ
وَجَــرِيـحِ حَـرْبٍ ظَـامِـئٍ وَأَدُوهُ لَـمْ
يَـــعْـــطِـــفْـــهُـــمُ جُــرْحٌ دَمٍ وَأُوَامُ
وَمُــهَــاجِـرِيـنَ تَـنَـكَّـرَتْ أَوْطَـانُـهُـمْ
ضَـلُّـوا الـسَّبِيلَ مِنَ الذُّهُولِ وَهَامُوا
الـسَّـيْـفُ إِنْ رَكِـبُـوا الْـفِـرَارَ سَبِيلُهُمْ
وَالـنَّـطْـعُ إِنْ طَـلَـبُـوا الْـقَـرَارَ مُـقَـامُ
يَــتَــلَــفَّــتُــونَ مُـوَدِّعِـيـنَ دِيَـارَهُـمْ
وَالــلَّــحْــظُ مَــاءٌ وَالــدِّيَــارُ ضِـرَامُ
•••
يَــا أُمَّــةً بِـ «فَـرُوقَ» فَـرَّقَ بَـيْـنَـهُـمْ
قَــدَرٌ تَــطِــيــشُ إِذَا أَتَــى الْأَحْــلَامُ
فِـيـمَ الـتَّـخَـاذُلُ بَـيْـنَـكُـمْ وَوَرَاءَكُمْ
أُمَــمٌ تُــضَــاعُ حُــقُــوقُـهَـا وَتُـضَـامُ
الــلــهُ يَــشْــهَـدُ لَـمْ أَكُـنْ مُـتَـحَـزِّبًـا
فِـــي الـــرُّزْءِ لَا شِـــيَــعٌ وَلَا أَحْــزَامُ
وَإِذَا دَعَــوْتُ إِلَـى الـوِئَـامِ فَـشَـاعِـرٌ
أَقْــصَــى مُــنَــاهُ مَــحَــبَّــةٌ وَوِئَــامُ
مَـنْ تُـضْـجِـرِ الْـبَـلْـوَى فَغَايَةُ جُهْدِهِ
رُجْــعَــى إِلَـى الْأَقْـدَارِ وَاسْـتِـسْـلَامُ
لَا يَأْخُـذَنَّ عَـلَـى الْـعَـوَاقِبِ بَعْضُكُمْ
بَــعْــضًــا فَـقِـدْمًـا جَـارَتِ الْأَحْـكَـامُ
تَـقْـضِـي عَـلَـى الْـمَـرْءِ اللَّيَالِي أَوْ لَهُ
فَــالْـحَـمْـدُ مِـنْ سُـلْـطَـانِـهَـا وَالـذَّامُ
مِـنْ عَـادَةِ الـتَّـارِيـخِ مَـلْءُ قَـضَـائِـهِ
عَــدْلٌ وَمَــلْءُ كِــنَــانَــتَــيْـهِ سِـهَـامُ
مَـا لَـيْـسَ يَـدْفَـعُـهُ الْـمُـهَـنَّـدُ مُصْلَتًا
لَا الْــكُــتْــبُ تَــدْفَــعُــهُ وَلَا الْأَقْـلَامُ
إِنَّ الْأُلَـى فَـتَـحُـوا الْـفُـتُـوحَ جَلَائِلًا
دَخَـلُـوا عَـلَى الْأُسْدِ الْغِيَاضَ وَنَامُوا
هَــذَا جَــنَــاهُ عَــلَــيْــكُــمُ آبَــاؤُكُــمْ
صَــبْــرًا وَصَـفْـحًـا فَـالْـجُـنَـاةُ كِـرَامُ
رَفَـعُـوا عَلَى السَّيْفِ الْبِنَاءَ فَلَمْ يَدُمْ
مَــا لِـلْـبِـنَـاءِ عَـلَـى الـسُّـيُـوفِ دَوَامُ
أَبْـقَـى الْـمَـمَـالِـكِ مَـا الْـمَعَارِفُ أُسُّهُ
وَالْـــعَــدْلُ فِــيــهِ حَــائِــطٌ وَدِعَــامُ
فَإِذَا جَــرَى رَشَــدًا وَيُــمْـنًـا أَمْـرُكُـمْ
فَـامْـشُـوا بِـنُـورِ الْـعِـلْـمِ فَـهْـوَ زِمَـامُ
وَدَعُـوا الـتَّـفَـاخُـرَ بِالتُّرَاثِ وَإِنْ غَلَا
فَـالْـمَـجْـدُ كَـسْـبٌ وَالـزَّمَـانُ عِـصَامُ
إِنَّ الْــــغُـــرُورَ إِذَا تَـــمَـــلَّـــكَ أُمَّـــةً
كَـالـزَّهْـرِ يُـخْـفِـي الْمَوْتَ وَهْوَ زُؤَامُ
لَا يَـعْـدِلَـنَّ الْـمُـلْـكَ فِـي شَـهَـوَاتِـكُمْ
عَــرَضٌ مِــنَ الــدُّنْـيَـا بَـدَا وَحُـطَـامُ
وَمَـنَـاصِـبٌ فِـي غَـيْـرِ مَوْضِعِهَا كَمَا
حَــلَّــتْ مَــحَــلَّ الْـقُـدْوَةِ الْأَصْـنَـامُ
الْـمُـلْـكُ مَـرْتَـبَـةُ الشُّعُوبِ فَإِنْ يَفُتْ
عِــزُّ الــسِّـيَـادَةِ فَـالـشُّـعُـوبُ سَـوَامُ
وَمِــنَ الْــبَــهَــائِـمِ مُـشْـبَـعٌ وَمُـدَلَّـلٌ
وَمِــنَ الْــحَـرِيـرِ شَـكِـيـمَـةٌ وَلِـجَـامُ
وَقَـفَ الزَّمَانُ بِكُمْ كَمَوْقِفِ «طَارِقٍ»
الْـــيَأْسُ خَـــلْــفٌ وَالــرَّجَــاءُ أَمَــامُ
الــصَّــبْــرُ وَالْإِقْــدَامُ فِـيـهِ إِذَا هُـمَـا
قَــتَــلَا فَأَقْــتَـلُ مِـنْـهُـمَـا الْإِحْـجَـامُ
يُـحْـصِـي الـذَّلِـيـلُ مَدَى مَطَالِبِهِ وَلَا
يُـحْـصِـي مَـدَى الْـمُـسْتَقْبَلِ الْمِقْدَامُ
هَـذِي الْـبَـقِـيَّـةُ لَـوْ حَـرَصْـتُـمْ دَوْلَـةٌ
صَـالَ الـرَّشِـيـدُ بِـهَـا وَطَـالَ هِـشَـامُ
قِـسْـمُ الْأَئِـمَّـةِ وَالْـخَـلَائِـفِ قَـبْـلَـكُمْ
فِـي الْأَرْضِ لَـمْ تُـعْـدَلْ بِـهِ الْأَقْـسَامُ
سَـرَتِ الـنُّـبُـوَّةُ فِـي طَـهُـورِ فَـضَائِهِ
وَمَــشَـى عَـلَـيْـهِ الْـوَحْـيُ وَالْإِلْـهَـامُ
وَتَــدَفَّــقَ الــنَّـهْـرَانِ فِـيـهِ وَأَزْهَـرَتْ
بَــغْــدَادُ تَــحْــتَ ظِــلَالِــهِ وَالـشَّـامُ
أَثْــرَتْ سَــوَاحِــلُـهُ وَطَـابَـتْ أَرْضُـهُ
فَـــالـــدُّرُّ لُـــجٌّ وَالـــنُّـــضَــارُ رَغَــامُ
•••
شَـرَفًـا أَدِرْنَـةُ! هَـكَـذَا يَـقِـفُ الْحِمَى
لِــلْــغَــاصِــبِــيــنَ وَتَـثْـبُـتُ الْأَقْـدَامُ
وَتُــرَدُّ بِــالــدَّمِ بُــقْــعَــةٌ أُخِـذَتْ بِـهِ
وَيَــمُــوتُ دُونَ عَـرِيـنِـهِ الـضِّـرْغَـامُ
وَالْـمُـلْـكُ يُـؤْخَـذُ أَوْ يُـرَدُّ وَلَـمْ يَـزَلْ
يَـرِثُ الْـحُـسَـامَ عَـلَـى الْبِلَادِ حُسَامُ
عِـرْضُ الْـخِـلَافَـةِ ذَادَ عَـنْـهُ مُجَاهِدٌ
فِـي الـلـهِ غَـازٍ فِـي الـرَّسُـولِ هُـمَامُ
تَـسْـتَـعْـصِـمُ الْأَوْطَـانُ خَـلْفَ ظُبَاتِهِ
وَتَـــعِـــزُّ حَـــوْلَ قَــنَــاتِــهِ الْأَعْــلَامُ
«عُـثْـمَـانُ» فِـي بُـرْدَيْهِ يَمْنَعُ جَيْشَهُ
وَ«ابْـنُ الْـوَلِـيـدِ» عَـلَى الْحِمَى قَوَّامُ
عَلِمَ الزَّمَانُ مَكَانَ «شُكْرِي» وَانْتَهَى
شُــكْــرُ الــزَّمَــانِ إِلَــيْـهِ وَالْإِعْـظَـامُ
•••
صَــبْــرًا أَدِرْنَــةُ! كُــلُّ مُــلْــكٍ زَائِــلٌ
يَــوْمًــا وَيَــبْــقَــى الْـمَـالِـكُ الْـعَـلَّامُ
خَـفَـتَ الْأَذَانُ فَـمَـا عَـلَـيْـكِ مُـوَحِّـدٌ
يَـسْـعَـى وَلَا الْـجُـمَـعُ الْـحِسَانُ تُقَامُ
وَخَـبَـتْ مَـسَـاجِـدُ كُـنَّ نُـورًا جَامِعًا
تَـــمْـــشِـــي إِلَـــيْــهِ الْأُسْــدُ وَالْآرَامُ
يَـدْرُجْـنَ فِـي حَـرَمِ الـصَّـلَاةِ قَوَانِتًا
بِـــيـــضَ الْإِزَارِ كَأَنَّـــهُـــنَّ حَـــمَــامُ
وَعَـفَـتْ قُـبُـورُ الْفَاتِحِينَ وَفُضَّ عَنْ
حُــفَــرِ الْــخَـلَائِـفِ جَـنْـدَلٌ وَرِجَـامُ
نُـبِـشَـتْ عَـلَـى قَـعْـسَـاءِ عِـزَّتِـهَا كَمَا
نُـبِـشَـتْ عَـلَـى اسْـتِـعْـلَائِهَا الْأَهْرَامُ
فِـي ذِمَّـةِ الـتَّـارِيـخِ خَـمْـسَـةُ أَشْـهُرٍ
طَــالَــتْ عَــلَــيْـكِ فَـكُـلُّ يَـوْمٍ عَـامُ
الــسَّــيْــفُ عَــارٍ وَالْــوَبَـاءُ مُـسَـلَّـطٌ
وَالــسَّــيْـلُ خَـوْفٌ وَالـثُّـلُـوجُ رُكَـامُ
وَالْــجُـوعُ فَـتَّـاكٌ وَفِـيـكِ صَـحَـابَـةٌ
لَـوْ لَـمْ يَـجُوعُوا فِي الْجِهَادِ لَصَامُوا
ضَـنُّـوا بِـعِـرْضِـكِ أَنْ يُبَاعَ وَيُشْتَرَى
عِـرْضُ الْـحَـرَائِـرِ لَـيْـسَ فِـيهِ سُوَامُ
ضَــاقَ الْــحِــصَـارُ كَأَنَّـمَـا حَـلَـقَـاتُـهُ
فَـــلَـــكٌ وَمَــقْــذُوفَــاتُــهَــا أَجْــرَامُ
وَرَمَـى الْـعِـدَى وَرَمَـيْـتِـهِـمْ بِـجَـهَنَّمٍ
مِـــمَّـــا يَـــصُــبُّ الــلــهُ لَا الْأَقْــوَامُ
بِــعْــتِ الْـعَـدُوَّ بِـكُـلِّ شِـبْـرٍ مُـهْـجَـةً
وَكَــذَا يُــبَــاعُ الْـمُـلْـكُ حِـيـنَ يُـرَامُ
مَـا زَالَ بَـيْـنَـكِ فِـي الْـحِصَارِ وَبَيْنَهُ
شُــمُّ الْـحُـصُـونِ وَمِـثْـلُـهُـنَّ عِـظَـامُ
حَــتَّــى حَــوَاكِ مَـقَـابِـرًا وَحَـوَيْـتِـهِ
جُــثَــثًــا فَــلَا غَـبْـنٌ وَلَا اسْـتِـذْمَـامُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤