مَنْ حَسَّ لِي أَهْلَ الْقُبُورِ وَمَنْ رَأَى

Wave Image
مَـنْ حَـسَّ لِـي أَهْـلَ الْـقُبُورِ وَمَنْ رَأَى
مَـنَ احَـسَّـهُـمْ لِـي بَـيْـنَ أَطْبَاقِ الثَّرَى
مَــنْ حَـسَّ لِـي مَـنْ كُـنْـتُ آلَـفُـهُ وَيَـأْ
لَـفُـنِـي فَـقَـدْ أَنْـكَـرْتُ بُـعْـدَ الْـمُـلْـتَقَى
مَــنْ حَــسَّــهُ لِــي إِذْ يُـعَـالِـجُ غُـصَّـةً
مُــتَــشَــاغِــلًا بِـعِـلَاجِـهَـا عَـمَّـنْ دَعَـا
مَـنْ حَـسَّـهُ لِـي فَـوْقَ ظَـهْـرِ سَـرِيـرِهِ
يَـمْـشِـي بِـهِ نَـفَـرٌ إِلَـى بَـيْـتِ الْـبِـلَـى
يَــا أَيُّــهَــا الْــحَــيُّ الَّـذِي هُـوَ مَـيِّـتٌ
أَفْـنَـيْـتَ عُـمْـرَكَ فِـي الـتَّـعَلُّلِ وَالْمُنَى
أَمَّــا الْــمَـشِـيـبُ فَـقَـدْ كَـسَـاكَ رِدَاءَهُ
وَابْـتَـزَّ عَـنْ كَـتِـفَـيْـكَ أَرْدِيَـةَ الـصِّـبَـا
وَلَـقَـدْ مَـضَـى الْـقَـرْنُ الَّـذِينَ عَهِدْتَهُمْ
لِـسَـبِـيـلِـهِـمْ وَلَـتَـلْـحَـقَـنَّ بِـمَنْ مَضَى
وَلَــقَــلَّ مَـا تَـبْـقَـى فَـكُـنْ مُـتَـفَـطِّـنًـا
وَلَــقَـلَّـمَـا يَـصْـفُـو سُـرُورُكَ إِنْ صَـفَـا
وَهِـيَ الـسَّـبِـيـلُ فَـخُـذْ لِـنَـفْسِكَ عُدَّةً
فَــكَـأَنَّ يَـوْمَـكَ عَـنْ قَـلِـيـلٍ قَـدْ أَتَـى
إِنَّ الْــغَــنِــيَّ هُــوَ الْــقَـنُـوعُ بِـعَـيْـنِـهِ
مَـا أَبْـعَـدَ الـطَّـمِعَ الْحَرِيصَ مِنَ الْغِنَى
لَا يَــشْـغَـلَـنَّـكَ لَـوْ وَلِـيـتَ عَـنِ الَّـذِي
أَصْــبَـحْـتَ فِـيـهِ لَا لَـعَـلَّ وَلَا عَـسَـى
خَــالِــفْ هَــوَاكَ إِذَا دَعَــاكَ لِــرِيــبَــةٍ
فَـلَـرُبَّ خَـيْـرٍ فِـي مُـخَـالَـفَـةِ الْـهَـوَى
عَــلَــمُ الْــمَــحَــجَّــةِ بَــيِّـنٌ لِـمُـرِيـدِهِ
وَأَرَى الْـقُـلُوبَ عَنِ الْمَحَجَّةِ فِي عَمَى
وَلَــقَــدْ عَــجِــبْـتُ لِـهَـالِـكٍ وَنَـجَـاتُـهُ
مَـوْجُـودَةٌ وَلَـقَـدْ عَـجِـبْـتُ لِـمَـنْ نَـجَا
وَعَـجِـبْـتُ إِذْ نَسِيَ الْحِمَامَ وَلَيْسَ مِنْ
دُونِ الْــحِـمَـامِ وَلَـوْ تَـأَخَّـرَ مُـنْـتَـهَـى
سَــاعَـاتُ لَـيْـلِـكَ وَالـنَّـهَـارِ كِـلَـيْـهِـمَـا
رُسُـلٌ إِلَـيْـكَ وَهُـنَّ يُـسْـرِعْـنَ الْخُطَى
وَلَـئِـنْ نَـجَـوْتَ فَـإِنَّـمَـا هِـيَ رَحْـمَةُ الْـ
ـمَـلِـكِ الـرَّحِـيـمِ وَإِنْ هَـلَـكْتَ فَبِالْجَزَا
يَــا سَــاكِــنَ الــدُّنْـيَـا أَمِـنْـتَ زَوَالَـهَـا
وَلَــقَــدْ تَــرَى الْأَيَّــامَ دَائِــرَةَ الـرَّحَـى
وَلَــكَــمْ أَبَـادَ الـدَّهْـرُ مِـنْ مُـتَـحَـصِّـنٍ
فِـي رَأْسِ أَرْعَـنَ شَـاهِقٍ صَعْبِ الذُّرَى
أَيْـنَ الْأُلَـى شَـادُوا الْـحُصُونَ وَجَنَّدُوا
فِــيــهَــا الْـجُـنُـودَ تَـعَـزُّزًا أَيْـنَ الْأُلَـى
أَيْــنَ الْــحُــمَـاةُ الـصَّـابِـرُونَ حَـمِـيَّـةً
يَـوْمَ الْـهِـيَـاجِ لِـحَـرِّ مُـخْـتَـلِـفِ الْـقَـنَا
وَذَوُو الْـمَـنَـابِـرِ وَالْـعَـسَـاكِـرِ وَالـدَّسَـا
كِـرِ وَالْـحَـضَـائِـرِ وَالْـمَـدَائِـنِ وَالْـقُـرَى
وَذَوُو الْـمَـوَاكِـبِ وَالْـكَـتَـائِـبِ وَالنَّجَا
ئِـبِ وَالْـمَـرَاتِـبِ وَالْـمَنَاصِبِ فِي الْعُلَا
أَفْـنَـاهُـمُ مَـلِـكُ الْـمُـلُـوكِ فَـأَصْـبَـحُـوا
مَــا مِــنْــهُــمُ أَحَــدٌ يُـحِـسُّ وَلَا يَـرَى
وَهُـوَ الْـخَـفِـيُّ الـظَّـاهِـرُ الْـمَـلِكُ الَّذِي
هُـوَ لَمْ يَزَلْ مَلِكًا عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
وَهُــوَ الْــمُــقَــدِّرُ وَالْــمُــدَبِّـرُ خَـلْـقَـهُ
وَهُـوَ الَّـذِي فِـي الْـمُلْكِ لَيْسَ لَهُ سِوَى
وَهُـوَ الَّـذِي يَـقْـضِـي بِـمَـا هُـوَ أَهْـلُـهُ
فِـيـنَـا وَلَا يُـقْـضَـى عَـلَـيْـهِ إِذَا قَـضَى
وَهُــوَ الَّــذِي أَنْــجَـى وَأَنْـقَـذَ شَـعْـبَـهُ
بَـعْـدَ الـضَّـلَالِ مِنَ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى
حَـتَّـى مَـتَـى لَا تَـرْعَـوِي يَـا صَـاحِبِي
حَـتَّـى مَـتَـى حَـتَّـى مَـتَى وَإِلَى مَتَى
وَاللَّـيْـلُ يَـذْهَـبُ وَالـنَّـهَـارُ وَفِـيـهِـمَـا
عِــبَــرٌ تَــمُــرُّ وَفِـكْـرَةٌ لِأُولِـي الـنُّـهَـى
يَـا مَـعْـشَـرَ الْأَمْـوَاتِ يَـا ضِـيـفَـانَ تُـرْ
بِ الْأَرْضِ كَـيْـفَ وَجَـدْتُمُ طَعْمَ الثَّرَى
أَهْـلَ الْـقُـبُـورِ مَحَى التُّرَابُ وُجُوهَكُمْ
أَهْـلَ الْـقُـبُـورِ تَـغَـيَّـرَتْ تِـلْـكَ الْـحُـلَى
أَهْــلَ الْـقُـبُـورِ كَـفَـى بِـنَـأْيِ دِيَـارِكُـمْ
إِنَّ الــدِّيَـارَ بِـكُـمْ لَـشَـاحِـطَـةُ الـنَّـوَى
أَهْــلَ الْــقُــبُــورِ لَا تَـوَاصُـلَ بَـيْـنَـكُـمْ
مَـنْ مَـاتَ أَصْـبَـحَ حَـبْـلُـهُ رَثَّ الْـقُوَى
كَــمْ مِـنْ أَخٍ لِـي قَـدْ وَقَـفْـتُ بِـقَـبْـرِهِ
فَـــدَعَـــوْتُـــهُ للــهِ دَرُّكَ مِــنْ فَــتَــى
أَأُخَــيَّ لَــمْ يَــقِــكَ الْـمَـنِـيَّـةَ إِذْ أَتَـتْ
مَـا كَـانَ أَطْـعَـمَـكَ الطَّبِيبُ وَمَا سَقَى
أَأُخَـيَّ لَـمْ تُـغْـنِ الـتَّـمَـائِـمُ عَـنْـكَ مَـا
قَـدْ كُـنْـتُ أَحْـذَرُهُ عَـلَـيْـكَ وَلَا الـرُّقَى
أَأُخَـيَّ كَـيْـفَ وَجَدْتَ مَسَّ خُشُونَةِ الْـ
ـمَـأْوَى وَكَـيْـفَ وَجَـدْتَ ضِـيقَ الْمُتَّكَا
قَـدْ كُـنْـتُ أَفْـرَقُ مِـنْ فِـرَاقِـكَ سَـالِـمًا
فَــأَجَــلُّ مِــنْــهُ فِــرَاقُ دَائِـرَةِ الـرَّدَى
فَـالْـيَـوْمَ حُـقَّ لِـيَ الـتَّـوَجُّـعُ إِذْ جَـرَى
حُـكْـمُ الْإِلَـهِ عَـلَـيَّ فِـيـكَ بِـمَـا جَـرَى
يَـبْـكِـيـكَ قَـلْـبِـي بَـعْـدَ عَـيْـنِي حَسْرَةً
وَتَــقَــطُّــعًــا مِـنْـهُ عَـلَـيْـكَ إِذَا بَـكَـى
وَإِذَا ذَكَــرْتُــكَ يَــا أُخَــيَّ تَــقَـطَّـعَـتْ
كَـبِـدِي فَـأُقْـلِـقَـتِ الْـجَـوَانِـحُ وَالْحَشَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: العباسي الأول

عن الشاعر

أبو العتاهية: شاعر عربي، يُعدُّ واحدًا من أهم شعراء العصر العباسي في بغداد، ولُقب بأشعر الإنس والجن لقدرته العالية على نظم الشعر في أي وقت وبشكلٍ ارتجالي.

هو «إسماعيل بن القاسم بن سويد»، وكنيته الأصلية «أبو إسحاق» ولكن الكُنية الأشهر له هي «أبو العتاهية»، وُلد في «عين التمر» وهي قرية بالمدينة المنورة في الحجاز عام ٧٤٨م لأب نبطيٍّ اشتغل بالحجامة، ولما ضاق الحال بأبيه انتقل بأسرته إلى الكوفة. كان «أبو العتاهية» يميل في تلك الفترة إلى حياة اللهو والبطالة حتى بدأ بالعمل مع أخيه زيد في صناعة الفخار والإتجار به.

برع في نظم الشعر في تلك الحقبة من حياته واشتهر به لدى جمهور شباب المحبين للشعر حتى وصل إلى قصور بغداد، وبالأخص قصر الخليفة المهدي الذي أعجب بشعره ، وقد عُرف عن «أبو العتاهية» التناقض في أسلوب حياته حيث ذكر المؤرخون أنه كان يعيش بين حياة المجون والفساد الذي وصل به حدَّ أن يُطلق عليه «مخنث أهل بغداد»، وبين حياة والورع والزهد والتقوى حتى أن له العديد من القصائد التي تُحقر من ملذات الدنيا الفانية وتُرغب في التقرب إلى الله، وعُرف عنه دمامة الوجه، وانتشرت قصة رفض جارية زوجة الخليفة المهدي له، رغم إفراده قصائد الغزل فيها.

وكان «أبو العتاهية» عظيم الموهبة غزير الانتاج الشعري، حتى أنه كان ينظم في اليوم مئة وخمسين بيتًا من الشعر، كما عُرف بأسلوبه السهل الممتنع الذي جعل أشعاره تنتقل عبر الأجيال دون صعوبة في فهم مفرداتها ومعانيها. واستمر «أبو العتاهية» في ملازمة الخلفاء المولعين بشعره فلزم الخليفة «هارون الرشيد»، وحاول في عهده أن ينقطع عن الشعر ولكن الرشيد أمره بالعودة إليه وحبسه حتى عاد، ولزم من بعده ابنه «الأمين» ثم «المأمون» إلى أن توفي عام ٨٢٥م في بغداد.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤