الْإِحْسَانُ

Wave Image
لَـوْ كُـنْـتُ أَعْـبُـدُ فَـانِـيًـا فِي ذِي الدُّنَا
لَـعَـبَـدْتُ مِـنْ دُونِ الْإِلَـهِ الْـمُـحْـسِـنَـا
وَجَـعَـلْـتُ قَـلْـبِـي مَـسْـجِـدًا لِـتَعَبُّدِي
سِــرًّا وَفُــهْـتُ لَـهُ بِـشُـكْـرِيَ مُـعْـلِـنَـا
كَــيْ لَا أَكُــونَ مُــرَائِــيًــا بِـعِـبَـادَتِـي
وَلِــكَــيْ أَكُــونَ بِــشُــكْـرِهِ مُـتَـفَـنِّـنَـا
فِـي مُـجْـتَنَى غَرْسِ الْخَلِيقَةِ لَمْ أَجِدْ
غَـرْسًا سِوَى الْإِحْسَانِ حُلْوَ الْمُجْتَنَى
هُـوَ فِـي الْـخَـلِيقَةِ ذُو عَجَائِبَ سِرُّهَا
أَعْـيَـا الـلَّـبِـيـبَ وَأَعْـجَـزَ الْـمُـتَـفَـطِّنَا
بَــيْــنَــاهُ يَــغْـدُو لِـلـنُّـفُـوسِ مُـقَـيَّـدًا
بِـالْـحُـبِّ يُـطْـلِـقُ بِـالـثَّـنَـاءِ الْأَلْـسُـنَـا
يَـسْـتَـعْـبِـدُ الْأَحْـرَارَ وَهْـوَ صَـنِـيـعُهُمْ
وَيَـرُدُّ بُـغْـضَ الْـمُـبْـغِـضِـيـنَ تَـحَـنُّـنَـا
كَـــمْ بَـــلَّ نَـــائِـــرَةً فَأَطْــفَأَ نَــارَهَــا
مِـنْ بَـيْـنِ مُـشْـتَـرِكِ الـصَّـوَارِمِ وَالْقَنَا
مَــا لَاحَ كَــوْكَــبُــهُ بِــمَــوْهِــنِ غُـمَّـةٍ
إِلَّا أَعَــادَ ضُــحَــى سَـنَـاهُ الْـمَـوْهِـنَـا
مَــا إِنْ تَــظَــلَّــلَ مَــوْطِــنٌ بِــظِـلَالِـهِ
إِلَّا أَعَـــزَّ الـــلـــهُ ذَاكَ الْـــمَـــوْطِـــنَــا
نَــفَــحَــاتُــهُ تَـمْـحُـو مَـعَـايِـبَ أَهْـلِـهِ
مِـنْ حَـيْـثُ تُـعْـمِي عَنْ رُؤَاهَا الْأَعْيُنَا
لَـــمْ أَدْرِ وَالْآثَـــارُ مِـــنْـــهُ كَــثِــيــرَةٌ
فِـي الْـغَـرْبِ لِـمْ نَـزَرَتْ وَقَـلَّتْ عِنْدَنَا
أَفَـنَـحْـنُ نَـجْـهَـلُـهُ وَقَـدْ عَـلِـمَ الْوَرَى
فِــي الـشَّـرْقِ نَـشْأَتُـهُ رَبِـيـبًـا بَـيْـنَـنَـا
أَوَمَــا أُمِــرْنَــا فِـي عِـظَـاتِ كِـتَـابِـنَـا
بِــالْــعَــدْلِ وَالْإِحْــسَـانِ أَنْ نَـتَـدَيَّـنَـا
•••
وَيَــسُــرُّنِـي أَنِّـي أُشَـاهِـدُ مَـوْطِـنِـي
قَـدْ نَـالَ مِـنْ بَـرَكَـاتِـهِ بَـعْـضَ الْـمُنَى
وَإِذَا اسْـتُـرِيـبَ بِـمَـا أَقُـولُ فَشَاهِدِي
هَـذَا الْـبِـنَـاءُ وَمَـنْ حَـمَـاهُ وَمَـنْ بَنَى
قَــدْ شِــيــدَ لِــلْأَيْــتَـامِ مَأْوًى وَاهِـيًـا
يُــهْــتَــمُّ بِـالْأَيْـتَـامِ فِـيـهِ وَيُـعْـتَـنَـى
لِـيَـكُـونَ فِـيـهِ شِـفَـاؤُهُـمْ مِنْ جَهْلِهِمْ
وَمِنَ الظَّمَا وَمِنَ الطَّوَى وَمِنَ الضَّنَى
جَـادَ ابْـنُ «دَانْـيَـلٍ» الْـكَـرِيمُ لِذَا الْبِنَا
بِــالْــمَــالِ مُــشْـتَـرِيًـا بِـهِ كُـلَّ الـثَّـنَـا
فَـاسْـتَـوْجَـبَ الْـحَـمْـدَ الَّـذِي كَـلِمَاتُهُ
مُــسْــتَــغْــرِقَــاتٌ بِـالـثَّـنَـاءِ الْأَزْمُـنَـا
فَــلْــنَـكْـنِـهِ بِأَبِـي الْـيَـتَـامَـى بَـعْـدَ ذَا
إِذْ لَا يُـخَـاطَـبُ مِـثْـلُـهُ بِـسِوَى الْكُنَى
رَجُـلٌ عَـلِـمْـنَـا الْـيَـوْمَ مِـنْ إِحْـسَـانِـهِ
أَنْ لَـيْـسَ لِـلْإِحْـسَـانِ دِيـنٌ فِـي الدُّنَا
لَا يَــحْــسُــنُ الْإِحْــسَــانُ إِلَّا هَــكَـذَا
قَـدْ صَـارَ طَـبْـعًا فِي النُّفُوسِ وَدَيْدَنَا
وَالْـمَـالُ إِنْ جَـادَتْ بِـهِ يَـدُ مُـحْـسِـنٍ
حَـسَـنٌ وَإِلَّا فَـهْـوَ بِـئْـسَ الْـمُـقْـتَـنَـى
سَـعِـدَ امْـرُؤٌ بَـذَلَ الْـفَـوَاضِـلَ لِـلْوَرَى
عَــفْــوًا وَعَــوَّدَ نَـفْـسَـهُ أَنْ يُـحْـسِـنَـا
وَالْــجُــهْــدُ مِــنِّـي هَـهُـنَـا هُـوَ أَنَّـنِـي
أَدْعُـو إِلَـى الْإِحْسَانِ مَنْ حَضَرُوا هُنَا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: أُنشدَت هذه القصيدة في حفلة افتتاح مدرسة الأيتام التي أسستها الجمعية الخيرية الإسلامية في بغداد، وأنفق في بنائها مناحيم صالح دانيل من أشراف الملة الموسوية وأغنيائها في بغداد وذلك سنة ١٩٢٨م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤