الْعُيُونُ السُّودُ

Wave Image
لَــيْــتَ الَّـذِي خَـلَـقَ الْـعُـيُـونَ الـسُّـودَا
خَــلَـقَ الْـقُـلُـوبَ الْـخَـافِـقَـاتِ حَـدِيـدَا
لَــوْلَا نَــوَاعِــسُــهَــا وَلَــوْلَا سِــحْــرُهَـا
مَـــا وَدَّ مَــالِــكُ قَــلْــبِــهِ لَــوْ صِــيــدَا
عَــوِّذْ فُــؤَادَكَ مِــنْ نِــبَــالِ لِــحَـاظِـهَـا
أَوْ مُــتْ كَــمَــا شَــاءَ الْـغَـرَامُ شَـهِـيـدَا
إِنْ أَنْـتَ أَبْـصَـرْتَ الْـجَـمَـالَ وَلَـمْ تَـهِـمْ
كُـنْـتَ امْـرَءًا خَـشِـنَ الـطِّـبَـاعِ، بَـلِـيـدَا
وَإِذا طَــلَــبْــتَ مَــعَ الــصَّــبَــابَــةِ لَـذَّةً
فَــلَــقَـدْ طَـلَـبْـتَ الـضَّـائِـعَ الْـمَـوْجُـودَا
يَــا وَيْــحَ قَــلْــبِــي إِنَّــهُ فِـي جَـانِـبِـي
وَأَظُـــنُّـــهُ نَـــائِــي الْــمَــزَارِ بَــعِــيــدَا
مُــسْــتَــوْفِــزٌ شَــوْقًــا إِلَــى أَحْــبَـابِـهِ
الْــمَــرْءُ يَــكْــرَهُ أَنْ يَــعِـيـشَ وَحِـيـدَا
بَـــرَأَ الْإِلَـــهُ لَـــهُ الــضُّــلُــوعَ وِقَــايَــةً
وَأَرَتْــهُ شِــقْــوَتُــهُ الــضُّــلُـوعَ قُـيُـودَا
فَــإِذَا هَــفَــا بَــرْقُ الْــمُــنَـى وَهَـفَـا لَـهُ
هَــاجَــتْ دَفَــائِــنُــهُ عَــلَــيْــهِ رُعُــودَا
جَــشَّــمْــتُــهُ صَــبْـرًا فَـلَـمَّـا لَـمْ يُـطِـقْ
جَـشَّـمْـتُـهُ الـتَّـصْـوِيـبَ وَالـتَّـصْـعِـيـدَا
لَـوْ أَسْـتَـطِـيـعُ وَقَـيْـتُـهُ بَـطْـشَ الْهَوَى
وَلَـوِ اسْـتَـطَـاعَ سَـلَا الْـهَـوَى مَـحْمُودَا
هِيَ نَظْرَةٌ عَرَضَتْ فَصَارَتْ فِي الْحَشَا
نَـــارًا وَصَـــارَ لَـــهَــا الْــفُــؤَادُ وَقُــودَا
وَالْــحُــبُّ صَــوْتٌ؛ فَــهْــوَ أَنَّــةُ نَــائِـحٍ
طَـــوْرًا وَآوِنَـــةً يَـــكُـــونُ نَـــشِـــيــدًا
يَــهَــبُ الْــبَــوَاغِــمَ أَلْــسُـنًـا صَـدَّاحَـةً
فَـــإِذَا تَــجَــنَّــى أَسْــكَــتَ الْــغِــرِّيــدَا
مَـا لِـي أُكَـلِّـفُ مُـهْـجَـتِـي كَـتْمَ الْأَسَى
إِنْ طَـالَ عَـهْـدُ الْـجُـرْحِ صَـارَ صَـدِيـدَا
وَيَــلِــذُّ نَــفْــسِــي أَنْ تَــكُــونَ شَـقِـيَّـةً
وَيَــلِــذُّ قَــلْــبِــي أَنْ يَــكُــونَ عَـمِـيـدَا
إِنْ كُــنْـتَ تَـدْرِي مَـا الْـغَـرَامُ فَـدَاوِنِـي
أَوْ لَا فَــخَــلِّ الْــعَــذْلَ وَالــتَّــفْــنِــيـدَا
يَـا هِـنْـدُ قَـدْ أَفْـنَـى الْـمِـطَـالُ تَـصَبُّرِي
وَفَــنَــيْــتُ حَــتَّـى مَـا أَخَـافُ مَـزِيـدَا
مَــا هَــذِهِ الْــبِــيـضُ الَّـتِـي أَبْـصَـرْتِـهَـا
فِــي لَــمَّــتِــي إِلَّا اللَّــيَــالِــي الــسُّـودَا
مَــا شِــبْــتُ مِــنْ كِــبَــرٍ وَلَــكِـنَّ الَّـذِي
حَــمَّــلْــتُ نَــفْــسِـي حَـمَّـلَـتْـهُ الْـفُـودَا
هَـــذا الَّــذِي أَبْــلَــى الــشَّــبــابَ وَرَدَّهُ
خَــلِــقًــا وَجَـعَّـدَ جَـبْـهَـتِـي تَـجْـعِـيـدَا
عَــلَّــمْـتِ عَـيْـنِـي أَنْ تَـسِـحَّ دُمُـوعَـهَـا
بِـالْـبُـخْـلِ عَـلَّـمْـتِ الْـبَـخِـيـلَ الْـجُـودَا
وَمَــنَــعْــتِ قَــلْــبِــي أَنْ يَــقِــرَّ قَـرَارُهُ
وَلَـقَـدْ يَـكُـونُ عَـلَـى الْـخُـطُوبِ جَلِيدَا
دَلَّـهْـتِـنِـي وَحَـمَـيْـتِ جَـفْـنِـي غَـمْـضَهُ
لَا يُــسْــتَــطَـاعُ مَـعَ الْـهُـمُـومِ هُـجُـودَا
لَا تَــعْــجَــبِــي أَنَّ الْــكَــوَاكِــبَ سُـهَّـدٌ
فَــأَنَــا الَّــذِي عَــلَّــمْـتُـهَـا الـتَّـسْـهِـيـدَا
أَسْـمَـعْـتُـهَـا وَصْـفَ الـصَّـبَـابَةِ فَانْثَنَتْ
وَكَــأَنَّــمَــا وَطِــئَ الْــحُــفَــاةُ صُــرُودَا
مُـــتَـــعَـــثِّــراتٌ بِــالــظَّــلَامِ كَــأَنَّــمَــا
حَــــالَ الـــظَّـــلَامُ أَسَـــاوِدًا وَأُسُـــودَا
لَـوْ أَنَّـهَـا عَـرَفَـتْ مَـكَـانَـكِ فِـي الـثَّرَى
صَــارَتْ زَوَاهِــرُهَــا عَــلَــيْــكِ عُـقُـودَا
أَنْـتِ الَّـتِـي تُـنْـسِـي الْـحَـوَائِـجَ أَهْـلَـهَا
وَأَخَــا الْــبَــيَــانِ بَــيَــانَــهُ الْـمَـعْـهُـودَا
مَــا شِــمْـتُ حُـسْـنَـكِ قَـطُّ إِلَّا رَاعَـنِـي
فَــوَدِدْتُ لَــوْ رُزِقَ الْــجَــمَــالُ خُـلُـودَا
وَإِذَا ذَكَــرْتُــكِ هَــزَّ ذِكْــرُكِ أَضْــلُــعِــي
شَــوْقًــا كَــمَــا هَــزَّ الــنَّــسِـيـمُ بُـنُـودَا
فَـحَـسِبْتُ سَقْطَ الطَّلِّ ذَوْبَ مَحَاجِرِي
لَــوْ كَــانَ دَمْــعُ الْـعَـاشِـقِـيـنَ نَـضِـيـدَا
وَظَـنَـنْـتُ خَـافِـقَـةَ الْـغُـصُـونِ أَضـالِعًا
وَثِـــمَـــارَهُـــنَّ الْــقَــانِــيَــاتِ كُــبُــودَا
وَأَرَى خَــيَــالَــكِ كُــلَّ طَــرْفَــةِ نَــاظِـرٍ
ومِــنَ الْــعَــجَــائِــبِ أَنْ أَرَاهُ جَــدِيــدَا
وَإِذَا سَــمِــعْــتُ حِـكَـايَـةً مِـنْ عَـاشِـقٍ
عَـرَضًـا حَـسِـبْـتُـنِـي الْـفَـتَى الْمَقْصُودَا
مُــسْــتَــيْــقِــظٌ وَيَــظُــنُّ أَنِّــي نَــائِــمٌ
يَــا هِــنْـدُ، قَـدْ صَـارَ الـذُّهُـولُ جُـمُـودَا
وَلَـقَـدْ يَـكُـونُ لِـيَ الـسُّـلُـوُّ عَـنِ الْـهَوَى
لَـــكِـــنَّــمَــا خُــلِــقَ الْــمُــحِــبُّ وَدُودَا

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الغزل
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إيليا أبو ماضي: واحد من أبرز شعراء المهجر الذين أثْرَوُا الشعر العربي في أوائل القرن العشرين بقصائدهم ودواوينهم.

ولد إيليا ضاهر أبو ماضي عام ١٨٩٠م في قرية «المحيدثة» إحدى قرى لبنان، في أسرة فقيرة معدمة، عانى معها الاغتراب منذ صغره. وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره، رحلت أسرته إلى مصر، ونزلت الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث مارس فيها إيليا التجارة طلبًا للمال، فاتخذ محلًّا لبيع السجائر والدخان.

وقد كان إيليا منذ صغره محبًّا للعلم والتعلم، شغوفًا بالأدب والشعر، يستغل أوقات فراغه في حفظ الشعر ونظمه، ومطالعة كتب الأدب ودراستها. وقد رآه ذات مرة الأستاذ أنطون الجُميِّل يكتب الشعر أثناء عمله، فأعجب بشعره وحرص على نشره في مجلة الزهور التي كان يصدرها، وكانت تلك الخطوة فاتحة خير عليه، فظل يكتب الشعر وينشره طيلة ثمانية أعوام، ثم جمعه في ديوان أطلق عليه اسم: «تذكار الماضي».

وكان إيليا يتطلع إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فهاجر من مصر إلى هناك وسكن مدينة «سنسناتي»، ثم انتقل بعدها إلى نيويورك ليلتقي بألمع رجال النخبة العربية التي هاجرت إلى هناك، أمثال: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي وغيرهم، ليؤلف معهم ما أطلقوا عليه بعد ذلك: «الرابطة القلمية» التي كانت أبرز علامات الأدب العربي الحديث.

وفي نيويورك عمل إيليا نائبًا لرئيس تحرير جريدة «مرآب الغرب» وتزوج من السيدة دورا نجيب دياب ابنة صاحب الجريدة، وأنجب منها أربعة أولاد، وقد توجت جهوده الأدبية عام ١٩١٩م بإصدار «مجلة السمير» التي كانت تعد في ذلك الوقت أهم مجلة عربية في المهجر، والتي حوَّلها بعد ذلك إلى جريدة تصدر يوميًّا.

توفي إيليا أبو ماضي عام ١٩٥٧م في نيويورك إثر نوبة قلبية، تاركًا إنتاجًا أدبيًّا متميزًا قوامه أربعة دواوين، هي: «تذكار الماضي» و«ديوان إيليا أبي ماضي» و«الجداول» و«الخمائل»، وديوان خامس كان معدًّا للطبع أُطلق عليه: «تبر وتراب».

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤