ذِكْرَى كَارْنَارْفُون

Wave Image
فِـي الْـمَـوْتِ مَـا أَعْـيَا وَفِي أَسْبَابِهِ
كُــلُّ امْــرِئٍ رَهْــنٌ بِــطَــيِّ كِـتَـابِـهِ
أَسَـدٌ لَـعَـمْـرُكَ، مَـنْ يَـمُـوتُ بِظُفْرِهِ
عِـنْـدَ الـلِّـقَـاءِ كَـمَـنْ يَـمُـوتُ بِـنَـابِهِ
إِنْ نَــامَ عَــنْــكَ فَـكُـلُّ طِـبٍّ نَـافِـعٌ
أَوْ لَــمْ يَـنَـمْ فَـالـطِّـبُّ مِـنْ أَذْنَـابِـهِ
دَاءُ الــنُّــفُــوسِ وَكُــلُّ دَاءٍ قَــبْـلَـهُ
هَــمٌّ نَــسِــيــنَ مَـجِـيـئَـهُ بِـذَهَـابِـهِ
الــنَّــفْــسُ حَـرْبُ الْـمَـوْتِ إِلَّا أَنَّـهَـا
أَتَـتِ الْـحَـيَـاةَ وَشُـغْـلَـهَـا مِـنْ بَـابِهِ
تَـسَـعُ الْـحَـيَـاةَ عَـلَـى طَوِيلِ بَلَائِهَا
وَتَـضِـيـقُ عَـنْـهُ عَلَى قَصِيرِ عَذَابِهِ
هُـوَ مَـنْـزِلُ الـسَّـارِي وَرَاحَـةُ رَائِـحٍ
كَــثُـرَ الـنَّـهَـارُ عَـلَـيْـهِ فِـي إِتْـعَـابِـهِ
وَشِــفَـاءُ هَـذِي الـرُّوحِ مِـنْ آلَامِـهَـا
وَدَوَاءُ هَـذَا الْـجِـسْـمِ مِـنْ أَوْصَـابِهِ
مَــنْ سَــرَّهُ أَلَّا يَــمُــوتَ فَــبِـالْـعُـلَا
خَـلَـدَ الـرِّجَـالُ وَبِـالْـفَـعَـالِ الـنَّـابِـهِ
مَــا مَــاتَ مَــنْ حَـازَ الـثَّـرَى آثَـارَهُ
وَاسْــتَــوْلَـتِ الـدُّنْـيَـا عَـلَـى آدَابِـهِ
قُــلْ لِــلْــمُــدِلِّ بِــمَــالِـهِ وَبِـجَـاهِـهِ
وَبِـمَـا يُـجِـلُّ الـنَّـاسُ مِـنْ أَنْـسَـابِـهِ
هَــذَا الْأَدِيــمُ يَـصُـدُّ عَـنْ حُـضَّـارِهِ
وَيَـنَـامُ مِـلْءَ الْـجَـفْـنِ عَـنْ غُـيَّـابِهِ
إِلَّا فَـتًـى يَـمْـشِـي عَـلَـيْـهِ مُـجَـدِّدًا
دِيــبَــاجَــتَــيْــهِ مُـعَـمِّـرًا لِـخَـرَابِـهِ
صَـادَتْ بِـقَـارِعَـةِ الـصَّعِيدِ بَعُوضَةٌ
فِــي الْـجَـوِّ صَـائِـدَ بَـازِهِ وَعُـقَـابِـهِ
وَأَصَـابَ خُـرْطُـومُ الـذُّبَابَةِ صَفْحَةً
خُـلِـقَـتْ لِـسَـيْـفِ الْـهِـنْـدِ أَوْ لِذُبَابِهِ
طَـارَتْ بِـخَـافِـيَـةِ الْـقَضَاءِ وَرَأْرَأَتْ
بِــكَـرِيـمَـتَـيْـهِ وَلَامَـسَـتْ بِـلُـعَـابِـهِ
لَا تَــسْـمَـعَـنَّ لِـعُـصْـبَـةِ الْأَرْوَاحِ مَـا
قَـالُـوا بِـبَـاطِـلِ عِـلْـمِـهِـمْ وَكِـذَابِـهِ
الــرُّوحُ لِــلــرَّحْــمَــنِ جَــلَّ جَـلَالُـهُ
هِـيَ مِـنْ ضَـنَـائِـنِ عِـلْـمِـهِ وَغِـيَابِهِ
غُـلِـبُـوا عَـلَـى أَعْـصَـابِهِمْ فَتَوَهَّمُوا
أَوْهَــامَ مَــغْـلُـوبٍ عَـلَـى أَعْـصَـابِـهِ
•••
مَـــا آبَ جَــبَّــارُ الْــقُــرُونِ وَإِنَّــمَــا
يَـوْمُ الْـحِـسَـابِ يَـكُـونُ يَـوْمَ إِيَابِهِ
فَـذَرُوهُ فِـي بَـلَـدِ الْـعَجَائِبِ مُغْمَدًا
لَا تَــشْـهَـرُوهُ كَأَمْـسِ فَـوْقَ رِقَـابِـهِ
الْــمُـسْـتَـبِـدُّ يُـطَـاقُ فِـي نَـاوُوسِـهِ
لَا تَــحْــتَ تَــاجَـيْـهِ وَفَـوْقَ وِثَـابِـهِ
وَالْــفَــرْدُ يُــؤْمَـنُ شَـرُّهُ فِـي قَـبْـرِهِ
كَـالـسَّـيْـفِ نَـامَ الـشَّـرُّ خَلْفَ قِرَابِهِ
هَـلْ كَـانَ «تُـوتَـنْـخٌ» تَقَمَّصُ رُوحُهُ
قُـمُـصَ الْبَعُوضِ وَمُسْتَخَسَّ إِهَابِهِ
أَوْ كَـانَ يَـجْزِيكَ الرَّدَى عَنْ صُحْبَةٍ
وَهُــوَ الْـقَـدِيـمُ وَفَـاؤُهُ لِـصِـحَـابِـهِ
تَـالـلـهِ لَـوْ أَهْـدَى لَـكَ الْـهَرَمَيْنِ مِنْ
ذَهَــبٍ لَــكَـانَ أَقَـلَّ مَـا تُـجْـزَى بِـهِ
أَنْــتَ الْـبَـشِـيـرُ بِـهِ وَقَـيِّـمُ قَـصْـرِهِ
وَمُــقَــدَّمُ الــنُّــبَـلَاءِ مِـنْ حُـجَّـابِـهِ
أَعْــلَــمْـتَ أَقْـوَامَ الـزَّمَـانِ مَـكَـانَـهُ
وَحَـشَـدْتَـهُـمْ فِـي سَـاحِـهِ وَرِحَابِهِ
لَــوْلَا بَــنَـانُـكَ فِـي طَـلَاسِـمِ تُـرْبِـهِ
مَــا زَادَ فِــي شَـرَفٍ عَـلَـى أَتْـرَابِـهِ
•••
أَخْـنَى الْحِمَامُ عَلَى ابْنِ هِمَّةِ نَفْسِهِ
فِـي الْـمَـجْـدِ وَالْبَانِي عَلَى أَحْسَابِهِ
الْـجَـائِـبُ الـصَّـخْـرَ الْـعَتِيدَ بِحَاجِرٍ
دَبَّ الــزَّمَــانُ وَشَـبَّ فِـي أَسْـرَابِـهِ
لَـوْ زَايَـلَ الْـمَـوْتَـى مَـحَـاجِرَهُمْ بِهِ
وَتَــلَــفَّــتُـوا لَـتَـحَـيَّـرُوا كَـضِـبَـابِـهِ
لَــمْ يَأْلُــهُ صَــبْــرًا وَلَــمْ يَـنِ هِـمَّـةً
حَــتَّـى انْـثَـنَـى بِـكُـنُـوزِهِ وَرِغَـابِـهِ
أَفْـضَـى إِلَـى خَـتْـمِ الـزَّمَانِ فَفَضَّهُ
وَحَـبَـا إِلَـى الـتَّـارِيـخِ فِـي مِحْرَابِهِ
وَطَـوَى الْقُرُونَ الْقَهْقَرَى حَتَّى أَتَى
فِــرْعَـوْنَ بَـيْـنَ طَـعَـامِـهِ وَشَـرَابِـهِ
الْــمَــنْــدَلُ الْـفَـيَّـاحُ عُـودُ سَـرِيـرِهِ
وَالــلُّــؤْلُــؤُ الـلَّـمَّـاحُ وَشْـيُ ثِـيَـابِـهِ
وَكَأَنَّ رَاحَ الْـقَـاطِـفِـيـنَ فَـرَغْنَ مِنْ
أَثْــمَــارِهِ صُــبْــحًــا وَمِـنْ أَرْطَـابِـهِ
جَـدَثٌ حَوَى مَا ضَاقَ «غُمْدَانٌ» بِهِ
مِـنْ هَـالَـةِ الْـمُـلْـكِ الْجَسِيمِ وَغَابِهِ
بُــنْـيَـانُ عُـمْـرَانٍ وَصَـرْحُ حَـضَـارَةٍ
فِـي الْـقَـبْـرِ يَـلْـتَـقِـيَـانِ فِي أَطْنَابِهِ
فَـتَـرَى الـزَّمَـانَ هُـنَـاكَ قَبْلَ مَشِيبِهِ
مِـثْـلَ الـزَّمَـانِ الْـيَـوْمَ بَـعْـدَ شَـبَابِهِ
وَتُـحِـسُّ ثَـمَّ الْـعِـلْـمَ عِـنْـدَ عُـبَـابِـهِ
تَـحْـتَ الـثَّـرَى وَالْـفَـنَّ عِنْدَ عُجَابِهِ
•••
يَـا صَـاحِـبَ الْأُخْـرَى بَـلَـغْتَ مَحَلَّةً
هِـيَ مِـنْ أَخِـي الـدُّنْـيَا مُنَاخُ رِكَابِهِ
نُـزُلٌ أَفَـاقَ بِـجَـانِـبَـيْـهِ مِـنَ الْـهَوَى
مَــنْ لَا يُـفِـيـقُ وَجَـدَّ مِـنْ تَـلْـعَـابِـهِ
نَــامَ الْــعَــدُوُّ لَــدَيْـهِ عَـنْ أَحْـقَـادِهِ
وَسَـلَا الـصَّـدِيـقُ بِـهِ هَـوَى أَحْبَابِهِ
الــرَّاحَــةُ الْــكُــبْـرَى مِـلَاكُ أَدِيـمِـهِ
وَالــسُّـلْـوَةُ الـطُّـولَـى قِـوَامُ تُـرَابِـهِ
•••
«وَادِي الْمُلُوكِ» بَكَتْ عَلَيْكَ عُيُونُهُ
بِـمُـرَقْـرَقٍ كَـالْـمُـزْنِ فِـي تَـسْـكَـابِهِ
أَلْـقَـى بَـيَـاضَ الْـغَـيْـمِ عَنْ أَعْطَافِهِ
حُـزْنًـا وَأَقْـبَـلَ فِـي سَـوَادِ سَـحَابِهِ
يَأْسٌ عَـلَـى حِـرْبَـاءِ شَـمْـسِ نَـهَارِهِ
وَنَــزِيــلِ قِــيــعَـتِـهِ وَجَـارِ سَـرَابِـهِ
وَيَــوَدُّ لَــوْ أُلْــبِــسْــتَ مِـنْ بَـرْدِيِّـهِ
بُـرْدَيْـنِ ثُـمَّ دُفِـنْـتَ بَـيْـنَ شِـعَـابِـهِ
نَـوَّهْـتَ فِـي الـدُّنْـيَـا بِـهِ وَرَفَـعْـتَـهُ
فَــوْقَ الْأَدِيـمِ بِـطَـاحِـهِ وَهِـضَـابِـهِ
أَخْـرَجْـتَ مِـنْ قَـبْـرٍ كِتَابَ حَضَارَةٍ
الْــفَــنُّ وَالْإِعْــجَــازُ مِــنْ أَبْــوَابِــهِ
فَــصَّــلْـتَـهُ فَـالْـبَـرْقُ فِـي إِيـجَـازِهِ
يَـبْـنِـي الْـبَـرِيـدُ عَـلَـيـهِ فِي إِطْنَابِهِ
طَـلَـعَـا عَـلَـى «لُـوزَانَ» وَالدُّنْيَا بِهَا
وَعَـلَـى «الْمُحِيطِ» وَمَا وَرَاءَ عُبَابِهِ
جِـئْـتَ الشُّعُوبَ الْمُحْسِنِينَ بِشَافِعٍ
مِـنْ مِـثْـلِ مُـتْـقَـنِ فَـنِّـهِـمْ وَلُـبَـابِـهِ
فَـرَفَـعْـتَ رُكْـنًـا لِـلْـقَـضِـيَّةِ لَمْ يَكُنْ
«سَـحْـبَـانُ» يَـرْفَعُهُ بِسِحْرِ خِطَابِهِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤