إِلَى الْحَرْبِ

Wave Image
أَلَا انْـهَـضْ وَشَـمِّـرْ أَيُّـهَـا الـشَّـرْقُ لِـلْـحَرْبِ
وَقَـبِّـلْ غِـرَارَ الـسَّـيْـفِ وَاسْلُ هَوَى الْكُتْبِ
وَلَا تَـــغْــتَــرِرْ أَنْ قِــيــلَ عَــصْــرُ تَــمَــدُّنٍ
فَإِنَّ الَّــذِي قَــالُــوهُ مِــنْ أَكْــذَبِ الْــكِـذْبِ
أَلَــسْــتَ تَــرَاهُــمْ بَــيْــنَ مِـصْـرَ وَتُـونِـسٍ
أَبَـاحُـوا حِـمَـى الْإِسْـلَامِ بِـالْـقَـتْـلِ وَالنَّهْبِ
وَمَـا يُـؤْخَـذُ الـطَّـلْـيَـانُ بِـالـذَّنْـبِ وَحْدَهُمْ
وَلَــكِـنْ جَـمِـيـعُ الْـغَـرْبِ يُـؤْخَـذُ بِـالـذَّنْـبِ
فَإِنِّــي أَرَى الــطَّــلْــيَــانَ مِــنْـهُـمْ بِـمَـنْـزِلٍ
يُـعَـدُّ — وَهُـمْ يُـغْـرُونَـهُ — مَـنْزِلَ الْكَلْبِ
فَــلَــوْلَاهُــمُ لَــمْ يَـنْـقُـضِ الْـعَـهْـدَ نَـاقِـضٌ
وَلَا ضَــاعَ حَــقٌّ فِــي طَــرَابُـلُـسِ الْـغَـرْبِ
بِــلَادٌ غَــدَتْ فِـي الْـحَـرْبِ تَـنْـدُبُ أَهْـلَـهَـا
فَـتَـبْـكِـي وَتَـسْـتَـبْـكِي بَنِي التُّرْكِ وَالْعُرْبِ
قَـدِ اغْـتَـالَـهَـا الـطَّـلْـيَـانُ وَهْـيَ بِـمَـضْـجَعٍ
مِـنَ الْأَمْـنِ لَمْ يُقْضَضْ بِرُعْبٍ عَلَى الْجَنْبِ
فَــمَــا انْــتَــبَــهَــتْ إِلَّا لِــصَــرْخَــةِ مِـدْفَـعٍ
وَمَــا نَــهَــضَــتْ إِلَّا إِلَــى مَـوْقِـفٍ صَـعْـبِ
فَأَمْـــسَـــتْ وَأَفْــوَاهُ الْــمَــدَافِــعِ دُونَــهَــا
تَــمُــجُّ عَـلَـيْـهَـا الـنَّـارَ كَـالْـوَابِـلِ الـسَّـكْـبِ
صَــوَاعِــقُ مِـنْ سُـحْـبِ الـدُّخَـانِ تَـدُكُّـهَـا
وَتَــنْــسِــفُــهَــا نَـسْـفَ الـزَّلَازِلِ لِـلْـهَـضْـبِ
غَــدَتْ تَــرْتَــمِــي فِــيـهَـا عَـشِـيًّـا وَبُـكْـرَةً
فَـلَا يَـابِـسًـا أَبْـقَـتْ وَلَـمْ تُـبْـقِ مِـنْ رَطْـبِ
وَمَـا إِنْ شَـكَـا مِـنْ عَـضَّـةِ الْـحَـرْبِ أَهْـلُـهَا
وَلَــكِــنَّـهُـمْ شَـاكُـونَ مِـنْ عَـضَّـةِ الْـجَـدْبِ
فَــمَــا خَــفَـقَـتْ عِـنْـدَ الْـهِـيَـاجِ قُـلُـوبُـهُـمْ
وَلَا أَخَــذَتْ أَعْــصَــابَـهُـمْ رَجْـفَـةُ الـرُّعْـبِ
وَلَــكِــنْ جَــرَتْ نُــكْــبُ الـرِّيَـاحِ بِأَرْضِـهِـمْ
فَـجَـرَّتْ عَـلَـيْـهَـا كَـلْـكَـلَ الْـحِجَجِ الشُّهْبِ
•••
يَـــعِـــزُّ عَـــلَـــيْــنَــا أَهْــلَ بَــرْقَــةَ أَنَّــكُــمْ
تَــدُورُ عَــلَـيْـكُـمْ بِـالـدَّمَـارِ رَحَـى الْـحَـرْبِ
وَأَنَّــا إِذَا مَــا تَــسْــتَــغِــيــثُــونَ لَـمْ نَـجِـدْ
إِلَــيْـكُـمْ عَـلَـى بُـعْـدِ الْـمَـسَـافَـةِ مِـنْ دَرْبِ
وَقَـــدْ عَـــلِـــمَ الْأَعْـــدَاءُ أَنَّ سُـــيُــوفَــنَــا
تَـمَـلْـمَـلُ فِـي الْأَغْـمَـادِ شَـوْقًا إِلَى الضَّرْبِ
وَلَــكِــنْ هُــوَ الْــبَـحْـرُ الَّـذِي حَـالَ بَـيْـنَـنَـا
فَـلَـمْ نَـسْـتَـطِـعْ زَحْـفًـا عَـلَـى الضُّمَّرِ الْقُبِّ
وَلَـــوْلَاهُ فَـــاجَأْنَـــا الْـــعَـــدُوَّ بِـــفَــيْــلَــقٍ
يَـبِـيـنُ ضُـحًـى مِـنْ هَـوْلِـهِ مَـطْلَعُ الشُّهْبِ
فَـيَـا بَـحْـرُ فَـاجْـمُـدْ أَوْ فَـغُـرْ إِنَّ جَـيْـشَـنَـا
عَــلَــيْـكَ غَـدَا كَـالْـبَـحْـرِ يَـزْخَـرُ بِـالْـعَـتْـبِ
وَيَــا سُــحْــبُ هَـلَّا تَـنْـزِلِـيـنَ فَـتَـحْـمِـلِـي
إِلَـى الْـحَـرْبِ جَـيْشًا يَنْشُرُ النَّقْعَ كَالسُّحْبِ
وَيَــا رِيــحُ قَــدْ ضِـقْـنَـا فَـهَـلْ لَـكِ طَـاقَـةٌ
بِــحَـمْـلِ مَـنَـايَـانَـا إِلَـى الْـمَـعْـرَكِ الـرَّحْـبِ
إِلَــى خَــيْــرِ أَرْضٍ دَاسَــهَــا شَــرُّ مَــعْـشَـرٍ
بِأَرْجُــلِــهِــمْ قُــطِّــعْــنَ مِـنْ أَرْجُـلٍ جُـرْبِ
•••
أَمَـــا وَالْـــعُـــلَا يَـــا أَرْضَ بَـــرْقَـــةَ إِنَّــنَــا
لَــنَــشْــرَقُ مِــنْ جَــرَّاكِ بِــالْـبَـارِدِ الْـعَـذْبِ
نَـــرَاكِ عَـــلَـــى بُــعْــدٍ تُــسَــامِــيــنَ ذِلَّــةً
فَــيَــحْـزُنُـنَـا أَنْ لَـمْ نَـكُـنْ مِـنْـكِ بِـالْـقُـرْبِ
وَمَــا نَــحْــنُ إِلَّا الــلَّــيْــثُ شُـدَّتْ قُـيُـودُهُ
وَأُلْــقِــيَ حَــيًّــا شِــبْـلُـهُ فِـي فَـمِ الـذِّئْـبِ
يَــرَى الــشِّــبْــلَ مَأْكُــولًا فَــيَــزْأَرُ مُـوثَـقًـا
وَيَــضْــرِبُ كَـفَّـيْـهِ عَـلَـى الْأَرْضِ لِـلْـوَثْـبِ
فَــلَا يَــسْــتَــطِــيــعُ الْــوَثْـبَ إِلَّا تَـمَـطِّـيًـا
وَزَأْرًا وَإِنْــشَــابَ الْــمَــخَــالِــبِ بِــالـتُّـرْبِ
وَيَــا أَهْــلَ بِــنْـغَـازِي سَـلَامٌ فَـقَـدْ قَـضَـتْ
صَــوَارِمُــكُــمْ حَـقَّ الْـمَـوَاطِـنِ فِـي الـذَّبِّ
حَـمَـيْـتُـمْ حِـمَـى الْأَوْطَـانِ بِـالْمَوْتِ دُونَهَا
وَذَاكَ بِــمَــا فِــيــكُــمْ لَــهُــنَّ مِــنَ الْـحُـبِّ
وَمَــنْ مُــبْــلِــغٌ عَــنَّــا الــسَّــنُــوسِــيَّ أَنَّـهُ
يَــمُــدُّ لِــهَــذَا الــصَّــدْعِ مِــنْــهُ يَـدَ الـرَّأْبِ
فَإِنَّــا لَــنَــرْجُــو أَنْ يَــقُــودَ إِلَــى الْــوَغَـى
طَــلَائِــعَ مِــنْ خَــيْــلٍ وَمِــنْ إِبِــلٍ نُـجْـبِ
فَـيَـحْـمِـي بِـلَادَ الْـمُـسْـلِـمِـيـنَ مِـنَ الْـعِدَى
وَيَــنْـهَـضُ كَـشَّـافًـا لَـهُـمْ غُـمَّـةَ الْـخَـطْـبِ
فَإِنَّ حَـــشَـــا الْإِسْـــلَامِ أَصْــبَــحَ دَامِــيًــا
إِلَــى الــلــهِ يَـشْـكُـو قَـلْـبُـهُ شِـدَّةَ الْـكَـرْبِ
فَـقُـمْ أَيُّـهَـا الـشَّـيْـخُ الـسَّـنُـوسِـيُّ مُـدْرِكًـا
جُـنُـودَ بَـنِـي عُـثْـمَـانَ فِـي الْـجَبَلِ الْغَرْبِي
وَكُـنْ أَنْـتَ بَـيْنَ الْجُنْدِ قُطْبَ رَحَى الْوَغَى
وَهَــلْ مِــنْ رَحًــى إِلَّا تَـدُورُ عَـلَـى قُـطْـبِ
•••
وَيَـا مَـعْـشَـرَ الـطَّـلْـيَـانِ قُـبِّـحْـتَ مَـعْـشَرًا
وَلَا كُـنْـتَ يَـا شَـعْـبَ الْمَخَانِيثِ مِنْ شَعْبِ
تَــرَكْــتَ وَرَاءَ الْــبَـحْـرِ مَـزْحَـفَ جَـيْـشِـنَـا
وَأَجَّــجْــتَ نَــارًا فِــي طَـرَابُـلُـسِ الْـغَـرْبِ
أَتَــحْــسِــبُ هَـاتِـيـكَ الـدِّيَـارَ وَقَـدْ خَـلَـتْ
مِـنَ الْـجُـنْـدِ تَـخْـلُـو مِـنْ ضَـرَاغِـمَـةٍ غُـلْبِ
فَـــمَـــا هِـــيَ إِلَّا أَرْضُ أَكْـــرَمِ مَـــعْـــشَــرٍ
مِـنَ الْـعُـرْبِ لِـمْ تُـنْبِتْ سِوَى الْبَطَلِ النَّدْبِ
سَــتَــرْجِـعُ مِـنْـهَـا بِـالْـفَـضِـيـحَـةِ نَـاكِـصًـا
وَتَـــذْكُــرُكَ الْأَيَّــامُ بِــالــلَّــعْــنِ وَالــسَّــبِّ
مَـشَـيْـتُـمْ إِلَـيْـنَـا مُـعْـجَـبِـيـنَ بِـجَـمْـعِـكُـمْ
تَـظُـنُّـونَ حَـرْبَ الْـمُـسْـلِـمِـيـنَ مِـنَ الـلِّعْبِ
فَــلَّــمَــا حَــلَــلْــتُـمْ أَرْضَـنَـا ذُقْـتُـمُ الـرَّدَى
بِأَسْـيَـافِـنَـا حَـتَّـى صَـحَـوْتُـمْ مِـنَ الْعُجْبِ
سَــنُــلْــبِـسُـكُـمْ ثَـوْبَ الْـمَـهَـالِـكِ ضَـافِـيًـا
وَنَـحْـمِـلُـكُـمْ مِـنْـهَـا عَـلَـى مَـرْكَـبٍ صَـعْبِ
وَنَـسْـتَـمْـطِـرُ الْأَهْـوَالَ حَـتَّـى تُـخِـيـضَكُمْ
بِــسَــيْــلِ دَمٍ فَـوْقَ الْـبَـسِـيـطَـةِ مُـنْـصَـبِّ
وَمَــا دَعْــوَةُ «الْـبَـابَـا» لَـكُـمْ مُـسْـتَـجَـابَـةٌ
فَــقَــدْ أَغْـضَـبَـتْ طَـغْـوَاكُـمُ غَـيْـرَةَ الـرَّبِّ
أَجَــلْ إِنَّــكُــمْ أَغْــضَــبْــتُـمُ الـلـهَ فَـاتَّـقُـوا
وَإِنْ رَضِـيَـتْ تِـلْـكَ الْحُكُومَاتُ فِي الْغَرْبِ
•••
أَيَـــا زُعَـــمَــاءَ الْــغَــرْبِ هَــلْ مِــنْ دِلَالَــةٍ
لَـدَيْـكُـمْ عَـلَـى غَـيْـرِ الْـخَـدِيـعَـةِ وَالْـكِذْبِ
تَــقُــولُــونَ إِنَّ الْــعَــصْــرَ عَــصْــرُ تَــمَـدُّنٍ
أَمِــنْ ذَلِــكُــمْ قَــتْــلُ الـنُّـفُـوسِ بِـلَا ذَنْـبِ
أَلَــمْ تُــبْــصِــرُوا الْـقَـتْـلَـى تَـمُـجُّ دِمَـاءَهَـا
عَلَى الْأَرْضِ وَالْجَرْحَى يَئِنُّونَ فِي الْحَرْبِ
أَفِـي الْـحَـقِّ أَمْ فِـي الْـعِـلْـمِ أَلَّا يَـسُـوءَكُـمْ
وَيُــخْــجِــلَــكُــمْ شَــنُّ الْإِغَـارَةِ لِـلْـغَـصْـبِ
وَهَــلْ أَغْـلَـفَـتْ هَـذِي الْـعُـلُـومُ قُـلُـوبَـكُـمْ
بِأَغْــطِــيَــةٍ قُـدَّتْ مِـنَ الْـحَـجَـرِ الـصُّـلْـبِ
كَــذَبْــتُــمْ فَإِنَّ الْــعَــصْـرَ عَـصْـرُ مَـطَـامِـعٍ
تُــقَــدُّ لَــهَــا الْأَوْدَاجُ بِــالـصَّـارِمِ الْـعَـضْـبِ
فَــلَا تُــغْــضِــبُــوا الْإِسْــلَامَ إِنَّ سُــيُـوفَـهُ
مَـوَاضٍ كَـمَـا قَـدْ كُـنَّ فِـي سَـالِـفِ الْحُقْبِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤