لَا وَضْعَ لِلرَّحْلِ إِلَّا بَعْدَ إِيضَاعِ

Wave Image
لَا وَضْــعَ لِلــرَّحْــلِ إِلَّا بَــعْــدَ إِيــضَــاعِ
فَـكَـيْـفَ شَـاهَـدْتِ إِمْـضَـائِي وَإِزْمَاعِي
يَـا نَـاقَ جِـدِّي فَـقَـدْ أَفْـنَـتْ أَنَـاتُـكِ بِي
صَـبْـرِي وَعُـمْـرِي وَأَحْـلَاسِي وَأَنْسَاعِي
إِذَا رَأَيْــتِ سَــوَادَ اللَّــيْـلِ فَـانْـصَـلِـتِـي
وَإِنْ رَأَيْـتِ بَـيَـاضَ الـصُّـبْـحِ فَانْصَاعِي
وَلَا يَــهُــولَــنْــكِ سَـيْـفٌ لِلـصَّـبَـاحِ بَـدَا
فَـــإِنَّـــهُ لِلْـــهَـــوَادِي غَـــيْـــرُ قَــطَّــاعِ
إِلَـى الـرَّئِـيـسِ الَّـذِي إِسْـفَـارُ طَـلْـعَـتِـهِ
فِي حِنْدِسِ الْخَطْبِ سَاعٍ بِالْهُدَى شَاعِ
يَـــمَّـــمْـــتُـــهُ وَبِـــوُدِّي أَنَّــنِــي قَــلَــمٌ
أَسْـعَـى إِلَـيْـهِ وَرَأْسِـي تَـحْـتِيَ السَّاعِي
عَــلَــى نَــجَــاةٍ مِـنَ الْـفِـرْصَـادِ أَيَّـدَهَـا
رَبُّ الْـــقَـــدُومِ بِـــأَوْصَـــالٍ وَأَضْـــلَاعِ
تُـطْـلَـى بِـقَـارٍ وَلَـمْ تَـجْـرَبْ كَأَنْ طُلِيَتْ
بِـسَـائِـلٍ مِـنْ ذَفَـارِي الْـعِـيـسِ مُـنْـبَـاعِ
وَلَا تُـــبَــالِــي بِــمَــحْــلٍ إِنْ أَلَــمَّ بِــهَــا
وَلَا تَــــهَــــشُّ لِإِخْــــصَـــابٍ وَإِمْـــرَاعِ
سَــارَتْ فَــزَارَتْ بِــنَـا الْأَنْـبَـارَ سَـالِـمَـةً
تُــزْجَــى وتُــدْفَــعُ فِــي مَــوْجٍ وَدُفَّـاعِ
وَالْـــقَـــادِسِـــيَّـــةُ أَدَّتْــهَــا إِلَــى نَــفَــرٍ
طَــافُــوا بِـهَـا فَـأَنَـاخُـوهَـا بِـجَـعْـجَـاعِ
وَرُبَّ ظُــهْــرٍ وَصَـلْـنَـاهَـا عَـلَـى عَـجَـلٍ
بِــعَــصْــرِهَــا فِـي بَـعِـيـدِ الْـوِرْدِ لَـمَّـاعِ
بِــضَــرْبَــتَـيْـنِ لِـطُـهْـرِ الْـوَجْـهِ وَاحِـدَةٌ
وَلِلـــذِّرَاعَـــيْـــنِ أُخْـــرَى ذَاتُ إِسْــرَاعِ
وَكَــمْ قَــصَــرْنَــا صَــلَاةً غَــيْـرَ نَـافِـلَـةٍ
فِـي مَـهْـمَـهٍ كَـصَـلَاةِ الْـكَـسْفِ شَعْشَاعِ
وَمَــا جَــهَــرْنَــا وَلَـمْ يَـصْـدَحْ مُـؤَذِّنُـنَـا
مِـنْ خَـوْفِ كُـلِّ طَـوِيـلِ الـرُّمْـحِ خَدَّاعِ
فِـي مَـعْـشَـرٍ كَـجِـمَـارِ الـرَّمْـيِ أَجْـمَعُهَا
لَـيْـلًا وَفِـي الـصُّـبْـحِ أُلْـقِـيـهَا إِلَى الْقَاعِ
يَـا حَـبَّـذَا الْـبَدْوُ حَيْثُ الضَّبُّ مُحْتَرِشٌ
وَمَـــنْـــزِلٌ بَـــيْـــنَ أَجْـــرَاعٍ وَأَجْـــزَاعِ
وَغَـسْـلُ طِـمْـرَيَّ سَـبْـعًـا مِنْ مُعَاشَرَتِي
فِـي الْـبِـيـدِ كُـلَّ شُـجَـاعِ الْـقَلْبِ شَرَّاعِ
وَبِــالْــعِــرَاقِ رِجَــالٌ قُــرْبُــهُــمْ شَـرَفٌ
هَـاجَـرْتُ فِـي حُـبِّهِمْ رَهْطِي وَأَشْيَاعِي
عَـلَـى سِـنِـيـنَ تَـقَـضَّـتْ عِـنْـدَ غَـيْـرِهِمُ
أَسِــفْــتُ لَا بَـلْ عَـلَـى الْأَيَّـامِ وَالـسَّـاعِ
اسْـمَـعْ أَبَـا حَـامِـدٍ فُـتْـيَـا قُـصِـدْتَ بِـهَا
مِــنْ زَائِــرٍ لِــجَــمِــيــلِ الْــوُدِّ مُــبْـتَـاعِ
مُــؤَدَّبِ الــنَّــفْـسِ أَكَّـالٍ عَـلَـى سَـغَـبٍ
لَــحْــمَ الــنَّــوَائِــبِ شَــرَّابٍ بِــأَنْــقَــاعِ
أَرْضَـــى وَأُنْـــصِــفُ إِلَّا أَنَّــنِــي رُبَــمَــا
أَرْبَــيْــتُ غَـيْـرَ مُـجِـيـزٍ خَـرْقَ إِجْـمَـاعِ
وَذَاكَ أَنِّـيَ أُعْـطِـي الْـوَسْـقَ مُـنْـتَـحِـيًـا
مِــنَ الْــمَـوَدَّةِ مُـعْـطِـي الْـوُدِّ بِـالـصَّـاعِ
وَلَا أُثَـــقِّـــلُ فِـــي جَـــاهٍ وَلَا نَـــشَـــبٍ
وَلَــــوْ غَـــدَوْتُ أَخَـــا عُـــدْمٍ وَإِدْقَـــاعِ
مَـنْ قَـالَ صَـادِقْ لِـئَـامَ الـنَّـاسِ قُلْتُ لَهُ
قَـوْلَ ابْـنِ أَسْـلَـتَ قَـدْ أَبْـلَغْتَ أَسْمَاعِي
كَــــأَنَّ كُــــلَّ جَــــوَابٍ أَنْــــتَ ذَاكِـــرُهُ
شَـنْـفٌ يُـنَـاطُ بِـأُذْنِ الـسَّـامِـعِ الْـوَاعِـي
إِنَّ الْـــهَـــدَايَـــا كَـــرَامَـــاتٌ لِآخِــذِهَــا
إِنْ كُـــنَّ لَـــسْـــنَ لِإِسْــرَافٍ وَأَطْــمَــاعِ
وَلَا هَــدِيَّــةَ عِــنْـدِي غَـيْـرُ مَـا حَـمَـلَـتْ
عَــنِ الْــمُــسَــيَّــبِ أَرْوَاحٌ لِــقَــعْــقَــاعِ
وَلَــمْ أَكُــنْ وَرَسُــولِــي حِــيـنَ أُرْسِـلُـهُ
مِــثْــلَ الْــفَــرَزْدَقِ فِــي إِرْسَـالِ وَقَّـاعِ
مَــطِــيَّــتِــي فِـي مَـكَـانٍ لَـسْـتُ آمَـنُـهُ
عَــلَــى الْــمَــطَــايَـا وَسِـرْحَـانٌ لَـهُ رَاعِ
فَـارْفَـعْ بِـكَـفِّـي فَـإِنِّـي طَـائِـشٌ قَـدَمِي
وَامْـدُدْ بِـضَـبْـعِـي فَـإِنِّـي ضَـيِّـقٌ بَاعِي
وَمَـا يَـكُـنْ فَـلَـكَ الْـحَـمْـدُ الْـجَـمِيلُ بِهِ
وَإِنْ أُضِـــيــعَــتْ فَــإِنِّــي شَــاكِــرٌ دَاعِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: كتب هذه القصيدة إلى أبي حامد الإسفراييني عند دخوله بغداد.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤