اسْتِقْبَالٌ

Wave Image
يَــا رَاكِــبَ الـرِّيـحِ حَـيِّ الـنِّـيـلَ وَالْـهَـرَمَـا
وَعَـظِّـمِ الـسَّـفْـحَ مِـنْ سَـيْـنَـاءَ وَالْـحَـرَمَـا
وَقِـــفْ عَـــلَـــى أَثَـــرٍ مَـــرَّ الـــزَّمَــانُ بِــهِ
فَـــكَـــانَ أَثْــبَــتَ مِــنْ أَطْــوَادِهِ قِــمَــمَــا
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي حَمَلَتْ
مُـوسَـى رَضِـيـعًـا وَعِـيسَى الطُّهْرَ مُنْفَطِمَا
وَأَخْــرَجَــتْ حِــكْــمَــةَ الْأَجْــيَـالِ خَـالِـدَةً
وَبَــيَّــنَــتْ لِــلْــعِــبَــادِ الـسَّـيْـفَ وَالْـقَـلَـمَـا
وَشُــرِّفَــتْ بِــمُــلُــوكٍ طَــالَــمَــا اتَّــخَـذُوا
مَــطِــيَّـهُـمْ مِـنْ مُـلُـوكِ الْأَرْضِ وَالْـخَـدَمَـا
هَــذَا فَــضَــاءٌ تُــلِــمُّ الــرِّيــحُ خَــاشِــعَــةً
بِــهِ وَيَـمْـشِـي عَـلَـيْـهِ الـدَّهْـرُ مُـحْـتَـشِـمَـا
فَــمَــرْحَــبًــا بِــكُــمَــا مِــنْ طَــالِـعَـيْـنِ بِـهِ
عَـلَـى سِـوَى الـطَّـائِـرِ الْـمَـيْـمُـونِ مَـا قَدِمَا
•••
عَــادَ الــزَّمَــانُ فَأَعْــطَــى بَـعْـدَمَـا حَـرَمَـا
وَتَــابَ فِــي أُذُنِ الْــمَــحْـزُونِ فَـابْـتَـسَـمَـا
فَــيَــا رَعَــى الــلــهُ وَفْــدًا بَــيْـنَ أَعْـيُـنِـنَـا
وَيَــرْحَــمُ الــلــهُ ذَاكَ الْــوَفْــدَ مَــا رَحِــمَـا
هُــمْ أَقْــسَــمُــوا لَـتَـدِيـنَـنَّ الـسَّـمَـاءُ لَـهُـمْ
وَالْـيَـوْمَ قَـدْ صَـدَّقُـوا فِـي قَـبْـرِهِـمْ قَسَمَا
وَالـــنَّـــاسُ بَــانِــي بِــنَــاءٍ أَوْ مُــتَــمِّــمُــهُ
وَثَــالِــثٌ يَــتَــلَافَــى مِــنْــهُ مَــا انْــهَـدَمَـا
تَـــعَـــاوُنٌ لَا يَـــحُـــلُّ الْـــمَــوْتُ عُــرْوَتَــهُ
وَلَا يُـــرَى بِـــيَـــدِ الْأَرْزَاءِ مُـــنْـــفَــصِــمَــا
•••
يَـا صَـاحِـبَـيْ «أَدْرَمِـيـدٍ» حَـسْـبُـهَـا شَـرَفًا
أَنَّ الــرِّيَــاحَ إِلَــيْــهَــا أَلْــقَــتِ الــلُّــجُــمَــا
وَأَنَّــهَــا جَــاوَزَتْ فِــي الْـقُـدْسِ مَـنْـطِـقَـةً
جَـرَى الْـبِـسَـاطُ فَـلَـمْ يَـجْـتَـزْ لَـهَـا حَـرَمَـا
مَـــشَـــتْ عَــلَــى أُفُــقٍ مَــرَّ الْــبُــرَاقُ بِــهِ
فَــقَــبَّــلَــتْ أَثَــرًا لِــلْــخُــفِّ مُــرْتَــسِــمَــا
وَمَـسَّـحَـتْ بِـالْـمُـصَـلَّـى فَـاكْـتَـسَتْ شَرَفًا
وَبِــالْـمُـغَـارِ الْـمُـعَـلَّـى فَـاكْـتَـسَـتْ عِـظَـمَـا
وَكُـــلَّـــمَـــا شَــاقَــهَــا حَــادٍ عَــلَــى أُفُــقٍ
كَــانَــتْ مَــزَامِــيــرُ دَاوُدٍ هِــيَ الــنَّــغَــمَـا
جَــشَّــمْــتُــمَــاهَــا مِــنَ الْأَهْــوَالِ أَرْبَــعَـةً
الــرَّعْــدَ وَالْــبَــرْقَ وَالْإِعْــصَـارَ وَالـظُّـلَـمَـا
حَـتَّـى حَـوَتْـهَـا سَـمَـاءُ الـنِّـيـلِ فَـانْحَدَرَتْ
كَـالـنَّـسْـرِ أَعْـيَـا فَـوَافَـى الْـوَكْـرَ فَاعْتَصَمَا
•••
يَــا آلَ عُــثْــمَــانَ أَبْــنَــاءَ الْـعُـمُـومَـةِ هَـلْ
تَــشْــكُــونَ جُــرْحًــا وَلَا نَـشْـكُـو لَـهُ أَلَـمَـا
إِذَا حَــزِنْــتُــمْ حَــزِنَّـا فِـي الْـقُـلُـوبِ لَـكُـمْ
كَــالْأُمِّ تَــحْــمِــلُ مِــنْ هَـمِّ ابْـنِـهَـا سَـقَـمَـا
وَكَــمْ نَــظَــرْنَـا بِـكُـمْ نُـعْـمَـى فَـجَـسَّـمَـهَـا
لَــنَــا الــسُّــرُورُ فَــكَــانَــتْ عِـنْـدَنَـا نِـعَـمَـا
وَنَــبْــذُلُ الْــمَـالَ لَـمْ نُـحْـمَـلْ عَـلَـيْـهِ كَـمَـا
يَـقْـضِـي الْـكَـرِيـمُ حَـقُـوقَ الْأَهْلِ وَالذِّمَمَا
صَـبْـرًا عَـلَـى الـدَّهْـرِ إِنْ جَـلَّـتْ مَـصَـائِـبُـهُ
إِنَّ الْــمَــصَــائِــبَ مِــمَّــا يُــوقِــظُ الْأُمَـمَـا
إِذَا الْــمَــقَــاتِــلُ مِــنْ أَخْـلَاقِـهِـمْ سَـلِـمَـتْ
فَـــكُــلُّ شَــيْءٍ عَــلَــى آثَــارِهَــا سَــلِــمَــا
وَإِنَّـــمَـــا الْأُمَـــمُ الْأَخْــلَاقُ مَــا بَــقِــيَــتْ
فَإِنْ تَــوَلَّــتْ مَــضَــوْا فِــي إِثْـرِهَـا قُـدُمَـا
نِـــمْـــتُـــمْ عَـــلَــى كُــلِّ ثَــارٍ لَا قَــرَارَ لَــهُ
وَهَـلْ يَـنَـامُ مُـصِـيـبٌ فِـي الـشُّـعُـوبِ دَمَا
فَــنَــالَ مِـنْ سَـيْـفِـكُـمْ مَـنْ كَـانَ سَـاقِـيَـهُ
كَــمَــا تَــنَــالُ الْــمُــدامُ الْـبَـاسِـلَ الْـقَـدَمَـا
قَــالَ الْــعَـذُولُ خَـرَجْـنَـا فِـي مَـحَـبَّـتِـكُـمْ
مِــنَ الْــوَقَــارِ فَــيَــا صِــدْقَ الَّــذِي زَعَـمَـا
فَـمَـا عَـلَـى الْـمَـرْءِ فِـي الْأَخْلَاقِ مِنْ حَرَجٍ
إِذَا رَعَـــى صِــلَــةً فِــي الــلــهِ أَوْ رَحِــمَــا
وَلَــوْ وَهَــبْــتُــمْ لَــنَــا عُــلْـيَـا سِـيَـادَتِـكُـمْ
مَــا زَادَنَـا الْـفَـضْـلُ فِـي إِخْـلَاصِـنَـا قَـدَمَـا
نَــحْــنُـو عَـلَـيْـكُـمْ وَلَا نَـنْـسَـى لَـنَـا وَطَـنًـا
وَلَا سَــــرِيـــرًا وَلَا تَـــاجًـــا وَلَا عَـــلَـــمَـــا
هَــذِي كَــرَائِــمُ أَشْــيَــاءِ الــشُّــعُـوبِ فَإِنْ
مَــاتَــتْ فَــكُــلُّ وُجُــودٍ يُــشْـبِـهُ الْـعَـدَمَـا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤