إِلَى غُرَّةِ آلِ السَّعْدُون

Wave Image
أَعَـبْـدَ الْـمُـحْـسِنِ السَّعْدُونَ إِنِّي
أَرَاكَ مَــنَــاطَ أَسْــبَــابِ الـرَّجَـاءِ
وَأُبْــصِــرُ مِــنْ فَـعَـالِـكَ بَـدْرَ تِـمٍّ
يُـلَأْلِـئُ مِـنْ فَـخَـارِكَ فِـي سَـمَاءِ
لِـذَلِـكَ قَـدْ أَتَـيْـتُ إِلَـيْـكَ أَشْـكُـو
رَثَــاثَــةَ بِـزَّتِـي وَبِـلَـى كِـسَـائِـي
فَـقَـدْ رَقَّـتْ ثِـيَـابِـي الْيَوْمَ حَتَّى
تَـكَـادُ تَـذُوبُ مِـنْ مَـسِّ الْـهَـوَاءِ
غَــدَتْ شَــفَّــافَــةً حَـتَّـى كَأَنِّـي
لَــبِــسْــتُ بِــهِـنَّ أَثْـوَابَ الـرِّيَـاءِ
وَلَـيْـسَ الْـعُـرْيُ مِـنْ ثَوْبٍ مَعِيبًا
لِـكَـاسِـي الـنَّفْسِ مِنْ حُلَلِ الْإِبَاءِ
وَمَـا ضَـرَّ الْـمُـهَـنَّـدَ فَـقْـدُ جَـفْـنٍ
إِذَا مَــا كَـانَ مَـحْـمُـودَ الْـمَـضَـاءِ
فَإِنْ لَــمْ تُــدْرِكِ الْأَيَّــامُ عُــرْيِـي
بِــثَــوْبٍ مِــنْـكَ يَـا غَـمْـرَ الـرِّدَاءِ
لَـبِـسْـتُ قَـرَارَ بَـيْـتِي فِي نَهَارِي
وَلَــمْ أَخْــلَـعْـهُ إِلَّا فِـي الْـمَـسَـاءِ
فَإِنْ جَـاءَ الْـمَـسَـاءُ لَـبِـسْـتُ مِنْهُ
ظَــلَامًــا مَــا تَــمَـزَّقَ بِـالـضِّـيَـاءِ
وَصِـرْتُ أَجُـولُ كَـالْـخُفَّاشِ لَيْلًا
وَأَلْـجَأُ فِـي الـنَّـهَـارِ إِلَـى الضَّرَاءِ
وَلَــسْــتُ أُرِيــدُ ثَـوْبًـا أَتْـحَـمِـيًّـا
وَلَا مِـــنْ زِيِّ أَرْبَـــابِ الـــثَّـــرَاءِ
وَلَــكِــنْ بِــزَّةَ الْــبَــدَوِيِّ أَبْــغِــي
فَــمِـنْ ثَـوْبٍ عَـلَـيَّ وَمِـنْ عَـبَـاءِ
وَمِـنْ كُـوفِـيَّـةٍ صَـحِـبَـتْ عِـقَالًا
يَـكُـونُ الـرَّأْسُ مِـنْـهَـا فِي غِطَاءِ
فَـــذَا زِيٌّ يَــتِــمُّ بِــهِ رُجُــوعِــي
إِلَــى عَـيْـشٍ بَـسِـيـطٍ ذِي هَـنَـاءٍ
وَمَـا صَـيَّـرْتُ مَـلْـبُـوسِي خَفِيفًا
لِأَنِّـي خِـفْـتُ مِـنْ ثِـقَـلِ الْـعَطَاءِ
وَكَـيْـفَ وَأَنْـتَ أَكْـرَمُ مَنْ حَبَانِي
بِأَكْـرَمِ مَـا رَجَـوْتُ مِـنَ الْـحِـبَـاءِ
وَلَــكِـنِّـي رَغِـبْـتُ عَـنِ اكْـتِـسَـاءٍ
يَـطُـولُ بِـهِ مِـنَ الـدُّنْـيَـا عَـنَـائِي
وَكَـيْـفَ يَـكُـونُ مَـطْلُوبِي حَقِيرًا
وَأَنْـتَ أَجَـلُّ مَـنْ تَـحْـتَ السَّمَاءِ
وَهَـلْ أَنَـا غَـيْـرُ عَـبْـدٍ أَنْـتَ مِـنْـهُ
خُــصِــصْــتَ أَبَـا عَـلِـيٍّ بِـالْـوَلَاءِ
لَأَتَّــخِـذَنَّ إِخْـلَاصِـي وَصِـدْقِـي
لَــكُـمْ مِـنْ كُـلِّ مُـوبِـقَـةٍ وِقَـائِـي
وَأَجْعَلُ مَا حَيِيتُ جَمِيلَ شُكْرِي
لِـمَـا أَسْـدَيْـتَ مِـنْ نِـعَـمٍ غِذَائِي
وَلَـسْـتُ أَرَى الْـحَـيَـاةَ تَطِيبُ إِلَّا
بِـحُـسْـنِ تَـحَـمُّـدِي لَـكَ وَالـثَّـنَاءِ
وَأَعْــلَــمُ أَنَّ مَــا أَشْـكُـو إِلَـيْـكُـمْ
يَـسُـرُّ الْـمَـارِدِيـنَ عَـلَـى عِـدَائِـي
وَيُـشْـمِـتُ بِي الَّذِينَ لَهُمْ نُفُوسٌ
مَـرِضْـنَ مِـنَ الْـعُـيُـوبِ بِكُلِّ دَاءِ
وَلَــمْ يَــشْـمَـتْ بِأَحْـرَارِ الْـبَـرَايَـا
سِــوَى لُــؤَمَــائِــهِــمْ وَالْأَدْنِـيَـاءِ
وَلَــكِــنْ هَــوَّنَ الْــبُــرَحَــاءَ أَنِّـي
شَـكَـوْتُ إِلَـى جَـدِيـرٍ بِاشْتِكَائِي
شَـكَـوْتُ إِلَـى فَـتًـى جَـمِّ الْمَزَايَا
كَـبِـيـرِ الـنَّـفْـسِ مُـنْـفَـرِدِ الـسَّنَاءِ
فَـتًـى يُـولِيكَ عِنْدَ الْبُؤْسِ خَيْرًا
وَلَا يَـنْـسَـاكَ فِـي حَـالِ الـرَّخَـاءِ
رَحِـيـبُ الْـبَـاعِ مُـؤْتَـلِـقُ الْـمُحَيَّا
أَصِــيــلُ الــرَّأْيِ وَقَّــادُ الــذَّكَـاءِ
صَــرِيـحٌ فِـي مَـقَـاصِـدِهِ إِذَا مَـا
أَسَـرَّ الْـقَـوْمُ حَـسْـوًا فِـي ارْتِغَاءِ
زَكَـتْ أَخْـلَاقُـهُ فَـصَـفَـتْ وَرَقَّتْ
فَــهُــنَّ لِــكُــلِّ مَـكْـرُمَـةٍ مَـرَائِـي
يُـلَاقِـي الـزَّائِـرِيـنَ بِـبِـشْـرِ وَجْهٍ
تَــجَــلَّــلَ بِـالْـمُـرُوءَةِ وَالْـحَـيَـاءِ
إِذَا رَأَسَ الْـــبِـــلَادَ أَبُـــو عَــلِــيٍّ
فَـقَـدْ وَضَـحَـتْ بِهَا طُرُقُ الْعَلَاءِ
وَإِنْ وَلِــيَ الْــوِزَارَةَ وَهْــوَ أَهْــلٌ
فَـيَـا حُـسْـنَ الـسِّـيَاسَةِ وَالدَّهَاءِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤