كُلُّ بَيْتٍ فِيهِ سَعْدٌ مَاثِلٌ

Wave Image
اكْـشِـفُـوا الـتُّـرْبَ عَنِ الْكَنْزِ الدَّفِينْ
وَارْفَـعُـوا السِّتْرَ عَنِ الصُّبْحِ الْمُبِينْ
وَابْــعَــثُــوهُ عَــسْــجَــدًا مُــؤْتَـلِـقًـا
زَادَ فِــي لَأْلَائِــهِ طُــولُ الــسِّـنِـيـنْ
وَانْـتَـضُـوا مِـنْ غِـمْدِهِ سَيْفَ وَغًى
كَــانَ إِنْ صَــالَ يَــقُــدُّ الـدَّارِعِـيـنْ
وَقَـــنَـــاةً جَـــلَّ مِـــنْ ثَـــقَّـــفَــهَــا
لِـلْـحِـفَـاظِ الْـمُـرِّ وَالْـعَـزْمِ الْـمَـكِـينْ
لَـــوَتِ الـــدَّهْـــرَ عَــلَــى بَــاطِــلِــهِ
وَهْــيَ كَــالْــحَـقِّ صَـفَـاةٌ لَا تَـلِـيـنْ
هَــزَمَــتْ جَـيْـشَ الْأَبَـاطِـيـلِ فَـمَـا
غَــادَرَتْ غَـيْـرَ جَـرِيـحٍ أَوْ طَـعِـيـنْ
كَــتَــبَ الــلــهُ عَــلَــى عَــامِــلِــهَــا
إِنَّــمَــا الْــخُــلْـدُ جَـزَاءُ الْـعَـامِـلِـيـنْ
•••
جَــــدَثٌ ضَـــمَّ سَـــنَـــاءً وَسَـــنَـــا
وَمُـصَـاصُ الـطُّـهْـرِ فِـي دُنْيَا وَدِينْ
طَــاعَــةُ الْأَمْـلَاكِ فِـيـهِ امْـتَـزَجَـتْ
فِــي الـسَّـمَـوَاتِ بِـعِـزِّ الْـمَـالِـكِـيـنْ
فَـتِّـشُـوا فِـي الـتُّـرْبِ عَـنْ عَـزْمَـتِهِ
وَعَــنِ الْإِقْــدَامِ وَالــرَّأْيِ الـرَّصِـيـنْ
وَاخْـفِـضُـوا أَبْـصَـارَكُـمْ فِـي هَـيْبَةٍ
إِنْ رَأَتْ أَبْــصَـارُكُـمْ نُـورَ الْـيَـقِـيـنْ
وَاخْـشَـعُـوا بِـالـصَّمْتِ فِي مِحْرَابِهِ
أَفْـصَـحُ الْأَلْـسُنِ صَمْتُ الْخَاشِعِينْ!
وَانْــتَــحُــوا مِــنْ قَــبْــرِهِ نَــاحِـيَـةً
وَاحْذَرُوا أَنْ تَزْحَمُوا الرُّوحَ الْأَمِينْ
وَحَـــنَـــانًـــا بِــضَــرِيــحٍ طَــالَــمَــا
صَــقَــلَــتْــهُ قُــبُــلَاتُ الـطَّـائِـفِـيـنْ
وَجَـــثَــتْ مِــصْــرُ بِــهِ خَــاشِــعَــةً
تَـذْرِفُ الـدَّمْـعَ عَـلَـى خَـيْـرِ الْـبَنِينْ
صَــيْــحَــةٌ قُــدْسِـيَّـةٌ إِنْ سَـكَـتَـتْ
فَــلَــهَــا فِــي مِـصْـرَ رَجْـعٌ وَرَنِـيـنْ
وَعَـــرِيـــنٌ حَــلَّ فِــيــهِ ضَــيْــغَــمٌ
رَحْـمَـةُ الـلـهِ عَـلَـى لَـيْـثِ الْـعَـرِينْ!
وَمَـــضَـــاءٌ عَـــرَفَــتْ مِــصْــرُ بِــهِ
أَنَّ لِــلْــحَــقِّ يَــمِــيــنًــا لَا تَــمِــيـنْ
لَا أَرَى قَــــبْــــرًا وَلَــــكِـــنِّـــي أَرَى
صَـفْـحَـةً مِـنْ صَـفَـحَاتِ الْخَالِدِينْ
أَوْ أَرَاهُ قَـــصَــبَ الْــمَــجْــدِ الَّــذِي
دُونَــهُ يُــنْـفَـقُ جُـهْـدُ الـسَّـابِـقِـيـنْ
أَوْ أَرَاهُ عَــــلَـــمًـــا فِـــي فَـــدْفَـــدٍ
لَــمَــعَــتْ أَضْــوَاؤُهُ لِــلْــحَــائِـرِيـنْ
أَوْ أَرَاهُ رَوْضَــــةً إِنْ نَــــفَــــحَــــتْ
خَـجِـلَ الْـوَرْدُ وَأَغْـضَـى الْـيَاسَمِينْ
أَوْ أَرَاهُ دَوْحَـــــــــــةً وَارِفَـــــــــــةً
نَــشَــرَتْ أَفْــيَــاءَهَــا لِــلَّاجِــئِــيـنْ
أَوْ أَرَاهُ قَـــلْـــبَ مِــصْــرٍ نَــابِــضًــا
بِـمُـنًـى تَـمْـحُـو مِـنَ الْـقَـلْبِ الْأَنِينْ
•••
نَــقَــلُــوا الــتَّــابُــوتَ تَــحْـتَـفُّ بِـهِ
رَحَــمَــاتٌ مِــنْ شِــمَــالٍ وَيَــمِـيـنْ
ذَاكَ بَــعْــثٌ حَــيِــيَــتْ مِــصْــرُ بِـهِ
مِـنْ جَـدِيـدٍ، تِلْكَ عُقْبَى الصَّابِرِينْ!
هَــلْ عَــلِــمْــتُــمْ أَنَّ مَــنْ وَارَيْـتُـمُ
فِـي حَـنَـايَـا كُـلِّ مِـصْـرِيٍّ دَفِـيـنْ؟
مَـــا لِـــسَـــعْـــدٍ حُـــفْــرَةٌ وَاحِــدَةٌ
هُـوَ مِـلْءُ الْـقَـلْـبِ، مِـلْءُ الَأَرَضِـينْ
كُــلُّ بَــيْــتٍ فِــيــهِ سَــعْــدٌ مَـاثِـلٌ
فِــي إِطَــارٍ مِــنْ حَــنَـانٍ وَحَـنِـيـنْ
نَــظْــرَةُ الــرِّئْــبَــالِ فِــي نَــظْـرَتِـهِ
وَانْـبِـلَاجُ الْـحَـقِّ فِي ضَوْءِ الْجَبِينْ
وَضَـــعَـــتْ مِـــصْــرُ بِــهِ آمَــالَــهَــا
فَـاسْـتَقَرَّتْ مِنْهُ فِي حِصْنٍ حَصِينْ
هُـــــوَ لِـــــلْأَبْـــــنَـــــاءِ عَــــمٌّ وَأَبٌ
وَهْـــوَ لِـــلْآبَـــاءِ خِـــلٌّ وَخَـــدِيــنْ
كَـــانَ سَـــعْــدٌ عَــلَــمًــا مُــنْــفَــرِدًا
هَـلْ يُرَى لِلشَّمْسِ فِي الْأُفْقِ تَنِينْ؟
إِنَّ أُمَّ الْـــمَــجْــدِ مِــقْــلَاتٌ فَــكَــمْ
سَــوَّفَــتْ بَـيْـنَ جَـنِـيـنٍ وَجَـنِـيـنْ!
تَــبْــخَــلُ الــدُّنْــيَـا بِآسَـادِ الـشَّـرَى
أَيُّـهَـا الـدُّنْـيَـا إِلَـى كَـمْ تَـبْـخَـلِـينْ؟
أَنْــتِ قَــدْ أَنْــجَـبْـتِ سَـعْـدًا بَـطَـلًا
وَقَــلِــيــلٌ مِــثْــلَــهُ مَــنْ تَــلِــدِيـنْ
وَجَـــدَتْ مِـــصْـــرُ بِــهِ وَاحِــدَهَــا
رُبَّ فَــــرْدٍ بِأُلُــــوفٍ وَمِــــئِـــيـــنْ!
وَمِـــنَ الــنَّــاسِ نُــضَــارٌ خَــالِــصٌ
وَمِـــنَ الــنَّــاسِ غُــثَــاءٌ وَغَــرِيــنْ
وَمِــــنَ الــــنَّــــاسِ أُسُـــودٌ خُـــدَّرٌ
وَمِــنَ الــنَّــاسِ ذُبَــابٌ وَطَــنِــيــنْ
قَــادَ لِـلْـمَـجْـدِ مَـنَـاجِـيـدَ الْـحِـمَـى
كُــلُّــهُــمْ أَرْوَعُ مُــنْــبَــتُّ الْــقَـرِيـنْ
تَــقْــرَأُ الْأَقْــدَامَ فِــي صَــفْــحَــتِـهِ
مِــثْــلَــمَــا تَـقْـرَأُ خَـطَّ الْـكَـاتِـبِـيـنْ
كُـــلَّـــمَـــا مَـــرَّتْ بِـــهِ عَــاصِــفَــةٌ
زَعْــزَعٌ، مَــرَّتْ عَـلَـى طَـوْدٍ رَكِـيـنْ
تَـــقْـــرَعُ الْأَقْـــدَارُ مِــنْــهُ عَــزْمَــةً
أَنِــفَـتْ صَـخْـرَتُـهَـا أَنْ تَـسْـتَـكِـيـنْ
يَــا بَــنِـي الـرُّبَّـانِ لَا تَـسْـتَـيْـئِـسُـوا
إِنْ مَـضَـى الْـمَـوْتُ بِـرُبَّـانِ السَّفِينْ
إِنَّ سَــعْــدًا أَخْــضَــعَ الـرِّيـحَ لَـكُـمْ
وَالْــبَـقِـيَّـاتُ عَـلَـى الـلـهِ الْـمُـعِـيـنْ
لَاحَــتِ الْــفُــرْصَــةُ فِــي إِبَّــانِــهَــا
إِنَّــهَــا لَا تُــرْتَـجَـى فِـي كُـلِّ حِـيـنْ
فَــهَــلُــمُّــوا فَــاقْـنِـصُـوا طَـائِـرَهَـا
كُـلُّـكُـمْ بِـالـسَّـبْـقِ وَالـنَّـصْـرِ قَـمِينْ
صَـــدَقَ الـــلـــهُ تَـــعَــالَــى وَعْــدَهُ
إِنَّـمَـا الْـفَـوْزُ ثَـوَابُ الْـمُـخْـلِـصِـينْ!

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الرمل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤