اللِّصُّ

Wave Image
لِـــمَـــنْ مَـــالٌ تُـــبَـــعْــثِــرُهُ أَكُــفٌّ
تَــعَـوَّدْنَ الـسُّـؤَالَ عَـلَـى الـدُّهُـورِ؟
لَـــحَــاكَ الــلــهُ مِــنْ لِــصٍّ رَقِــيــعٍ
يُــفَــاخِـرُ بِـالْـعَـضِـيـهَـةِ وَالْـفُـجُـورِ
وَسُـــبْـــحَـــانَ الَّـــذِي آتَـــاكَ مَــالًا
وَعَــلَّــمَـكَ الـتَّـزَمُّـلَ فِـي الْـحَـرِيـرِ
وَأَسْـكَـنَـكَ الْـبُـيُـوتَ وَكُـنْـتَ قِـدْمًا
مَــبِـيـتُـكَ خَـلْـفَ أَبْـوَابِ الْـقُـصُـورِ
وَرِثْــتَ خَــصَـاصَـةً وَأَصَـبْـتَ مَـالًا
فَـكَـيْـفَ ظَـفِـرْتَ بِـالْـمَـالِ الْـوَفِيرِ؟
أَتَــذْكُـرُ حِـيـنَ كَـانَ أَبُـوكَ يَـمْـشِـي
وَمَــا فِــي كَــفِّــهِ شَــرْوَى نَــقِـيـرِ؟
يُــدَلِّـلُ يَـوْمَـهُ فِـي الـسُّـوقِ طَـوْرًا
وَطَـــوْرًا فِــي الْأَزِقَّــةِ وَالْــكُــفُــورِ
وَيُـــوقِــرُ ظَــهْــرَهُ مَــوْلَاهُ حَــتَّــى
كَأَنَّ أَبَــاكَ كَــانَ مِــنَ الْــحَــمِــيــرِ!
فَــذَا الْــبَـيْـتُ الَّـذِي تَـبْـنِـي عَـلَـيْـهِ
وَأَهْــوَنُ دَائِــهِ ضَــعَــةُ الْــعَــشِـيـرِ
وَلَــيْــسَ بِــقَــابِــلٍ رَفْــعًــا فَـدَعْـهُ
وَكُــنْ مِــنْــهُ عَــلَــى يَأْسٍ كَــبِــيـرِ
فَــمَــا كُــلُّ الْأَسَــافِـلِ سَـاعَـدَتْـهُـمْ
سَـجَـايَـا الـلُّـؤْمِ وَالْأَصْـلِ الْـحَـقِـيرِ
وَإِنَّ سِيَادَةَ السُّوقِيِّ — فَاعْلَمْ —
كَــمَــرْكَـبِ ثَـعْـلَـبٍ ظَـهْـرَ الـنُّـسُـورِ
وَإِنَّــكَ كَــالـنَّـعَـامَـةِ لَـيْـسَ تُـرْجَـى
لِــمَــنْــفَــعَــةٍ وَإِنْ تَــكُ كَــالْـعَـبِـيـرِ
وَأَشْـبَـهْـتَ الـطُّـيُـورَ وَلَـسْـتَ مِـنْهَا
لَــعَــمْــرُكَ فِــي قَــلِــيـلٍ أَوْ كَـثِـيـرِ
وَتَــحْــسَــبُ أَنَّــهَــا إِمَّــا تَـعَـاشَـتْ
فَــكُــلُّ الــنَّــاسِ ذُو نَـظَـرٍ حَـسِـيـرِ
لَـــقَــدْ زَعَــمُــوكَ إِنْــسَــانًــا وَإِنِّــي
أَرَى الــذَّلَّانَ يَــغْــضَــبُ فِـي أُمُـورِ
وَقَــدْ تَــجِــدُ الْــهَـلُـوكَ لَـهَـا حَـيَـاءً
تُـــدَانِـــي فِــيــهِ رَبَّــاتِ الْــخُــدُورِ
وَقَـــالُـــوا لَا يُــزَايِــلُــهُ ابْــتِــسَــامٌ
وَلَـيْـسَ الْـمَـرْءُ تِـمْـثَـالَ الـصُّـخُـورِ
فَـــهَـــلَّا عَـــلَّــقُــوهُ عَــلَــى جِــدَارٍ
وَحَـــفُّـــوهُ بِأَنْـــذَالِ الْـــعُــصُــورِ؟
فَـكَـانَ عَـلَـى صُـنُـوفِ الْخِزْيِ رَمْزًا
وَعُــنْــوَانًــا كَأُصْــبُــعِـكَ الْـمُـشِـيـرِ
أَتَــرْجُــو أَنْ تُــعَـدَّ فَـتًـى شَـرِيـفًـا؟
فَـهَـذَا حِـيـنَ تُـطْـوَى فِـي الْـقُـبُـورِ
لَأَوْحَــشْـتَ الـسُّـجُـونَ وَإِنَّ فِـيـهَـا
لَـــدُورًا جَـــمَّـــةً مِـــنْ فَـــوْقِ دُورِ
أَتَأْنَــفُــهَــا مَــنَــازِلَ كَــانَ فِــيــهَــا
أَخٌ لَــكَ لَــيْـسَ أَضْـرَى بِـالـشُّـرُورِ؟
نَــظَــارِ فَإِنَّ حُــكْــمَ الْـعَـدْلِ يَـوْمًـا
مَـصِـيـرُكَ لِـلْـخَـبِـيـثِ مِـنَ الْـمَصِيرِ
إِذَنْ تَــلْــقَــى جَــزَاءَكَ بَـعْـدَ مَـطْـلٍ
وَيُـسْـلِـمَـكَ الْـقَـضَـاءُ إِلَـى الْـغَـفُورِ
فَــكُــلْ رِزْقَ الْـعِـبَـادِ وَكُـنْ صَـبُـورًا
عَــلَــى سُــوءِ الْـمَـقَـالَـةِ وَالـنَّـكِـيـرِ
وَكُـلْ مَـا شِـئْـتَ مِـنْ لَـحْـمٍ غَرِيضٍ
هَــنِــيــئًــا غَـيْـرَ دَاءٍ فِـي الـصُّـدُورِ
أَلَا فَــابْــعَــثْ إِلَــى أَبَــوَيْــكَ طُــرًّا
بِأَلْـــوَانِ الْـــمَـــعَــاذِرِ وَالْــقَــتِــيــرِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إبراهيم عبد القادر المازني: شاعرٌ وروائيٌّ وناقدٌ وكاتبٌ مصريٌّ مِن رُوَّادِ النهضةِ الأدبيةِ العربيةِ في العصرِ الحديث. استَطاعَ أن يجدَ لنفسِه مَكانًا مُتميِّزًا بين أقطابِ مُفكِّري عَصرِه، وأسَّسَ معَ كلٍّ مِن عباس العَقَّاد وعبد الرحمن شُكري «مدرسةَ الديوانِ» التي قدَّمتْ مفاهيمَ أدبيةً ونَقديةً جديدة، استوحَتْ رُوحَها مِن المدرسةِ الإنجليزيةِ في الأدَب.

وُلدَ «إبراهيم محمد عبد القادر المازني» في القاهرةِ عامَ ١٨٩٠م، ويَرجعُ أصلُه إلى قريةِ «كوم مازن» بمُحافظةِ المُنوفية. تخرَّجَ مِن مَدرسة المُعلِّمين عامَ ١٩٠٩م، وعملَ بالتدريسِ لكنه ما لبثَ أنْ ترَكَه ليَعملَ بالصحافة، حيثُ عملَ بجريدةِ الأخبار، وجريدةِ السياسةِ الأُسبوعية، وجريدةِ البلاغ، بالإضافةِ إلى صُحفٍ أُخرى، كما انتُخبَ عُضوًا في كلٍّ مِن مجمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةِ والمجمعِ العِلميِّ العربيِّ بدمشق، وساعَدَه دُخولُه إلى عالمِ الصحافةِ على انتشارِ كتاباتِه ومقالاتِه بينَ الناس.

قرَضَ في بدايةِ حياتِه الأدبيةِ العديدَ من دواوينِ الشعرِ ونَظْمِ الكلام، إلا أنه اتَّجهَ بعدَ ذلك إلى الكتابةِ النَّثريةِ واستغرقَ فيها، فقدَّمَ تُراثًا غَزيرًا من المقالاتِ والقصصِ والرِّوايات. عُرِفَ ناقدًا مُتميِّزًا، ومُترجِمًا بارعًا، فترجمَ مِنَ الإنجليزيةِ إلى العربيةِ العديدَ مِن الأعمالِ كالأَشعارِ والرواياتِ والقصص، وقالَ العقادُ عنه: «إنَّني لمْ أَعرفْ فيما عرفتُ مِن ترجماتٍ للنَّظمِ والنثرِ أديبًا واحدًا يفوقُ المازنيَّ في الترجمةِ مِن لغةٍ إلى لغةٍ شِعرًا ونثرًا.»

تميَّزَ أُسلوبُه سواءٌ في الكتابةِ الأدبيةِ أو الشِّعريةِ بالسخريةِ اللاذعةِ والفكاهة، واتَّسمَ بالسلاسةِ والابتعادِ عَنِ التكلُّف، كما تميَّزتْ موضوعاتُه بالعمقِ الذي يدلُّ على سعةِ اطِّلاعِه، ولا ريبَ في ذلك؛ فقد شملَتْ قراءاتُه العديدَ مِن كُتبِ الأدبِ العربيِّ القديم، والأدبِ الإنجليزيِّ أيضًا، هذا بالإضافةِ إلى قراءتِه الواسعةِ في الكُتبِ الفلسفيةِ والاجتماعية. وعمَدَ المازنيُّ في مدرستِه الأدبيةِ إلى وصفِ الحياةِ كما هي، دونَ إقامةِ معاييرَ أخلاقية، فكانَ في بعض كتاباتِهِ خارجًا عن التقاليدِ والأَعرافِ السائدةِ والمُتداوَلة.

وقد رحلَ المازنيُّ عن عالَمِنا في شهرِ أغسطس من عامِ ١٩٤٩م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤