الْيَتِيمُ فِي الْعِيدِ

Wave Image
أَطَـلَّ صَـبَـاحُ الْـعِـيـدِ فِـي الـشَّـرْقِ يَـسْمَعُ
ضَـجِـيـجًـا، بِـهِ الْأَفْـرَاحُ تَـمْـضِـي وَتَـرْجِعُ
صَــبَــاحٌ بِــهِ تُــبْــدِي الْـمَـسَـرَّةُ شَـمْـسَـهَـا
وَلَـــيْـــسَ لَـــهَــا إِلَّا الــتَّــوَهُّــمَ مَــطْــلَــعُ
صَـبَـاحٌ بِـهِ يَـخْـتَـالُ بِـالْـوَشْـيِ ذُو الْـغِـنَى
وَيُـــعْـــوِزُ ذَا الْإِعْـــدَامِ طِـــمْـــرٌ مُـــرَقَّـــعُ
صَــبَــاحٌ بِــهِ يَــكْــسُــو الْــغَــنِــيُّ وَلِـيـدَهُ
ثِــيَــابًــا لَـهَـا يَـبْـكِـي الْـيَـتِـيـمُ الْـمُـضَـيَّـعُ
صَــبَــاحٌ بِــهِ تَــغْـدُو الْـحَـلَائِـلُ بِـالْـحُـلَـى
وَتَـــرْفَـــضُّ مِـــنْ عَــيْــنِ الْأَرَامِــلِ أَدْمُــعُ
أَلَا لَـــيْـــتَ يَـــوْمَ الْـــعِــيــدِ لَا كَــانَ، إِنَّــهُ
يُــجَــدِّدُ لِــلْــمَــحْــزُونِ حُــزْنًــا فَـيَـجْـزَعُ
يُـــرِيـــنَــا سُــرُورًا بَــيْــنَ حُــزْنٍ، وَإِنَّــمَــا
بِـــهِ الْــحُــزْنُ جِــدٌّ، وَالــسُّــرُورُ تَــصَــنُّــعُ
فَـمِـنْ بُـؤَسَـاءِ الـنَّـاسِ فِـي يَـوْمِ عِـيـدِهِمْ
نُــحُــوسٌ بِــهَــا وَجْــهُ الْــمَــسَــرَّةِ أَسْـفَـعُ
قَــدِ ابْـيَـضَّ وَجْـهُ الْـعِـيـدِ لَـكِـنَّ بُـؤْسَـهُـمْ
رَمَــى نُــكَــتًــا سُــودًا بِــهِ، فَــهْــوَ أَبْــقَــعُ
•••
خَـرَجْـتُ بِـعِـيـدِ الـنَّـحْـرِ صُـبْـحًا فَلَاحَ لِي
مَـــسَـــارِحُ لِـــلْأَضْــدَادِ فِــيــهِــنَّ مَــرْتَــعُ
خَـرَجْـتُ وَقُـرْصُ الـشَّـمْـسِ قَـدْ ذَرَّ شَارِقًا
تَـــرَى الـــنُّـــورَ سَـــيَّـــالًا بِـــهِ يَـــتَــدَفَّــعُ
هِـيَ الـشَّـمْـسُ خَـوْدٌ، قَـدْ أَطَـلَّتْ مُصِيخَةً
عَــلَــى الْأَرْضِ مِــنْ أُفْــقِ الْـعُـلَا تَـتَـطَـلَّـعُ
كَأَنَّ تَــــفَـــارِيـــقَ الْأَشِـــعَّـــةِ حَـــوْلَـــهَـــا
عَـــلَـــى الْأُفْـــقِ مُـــرْخَــاةً ذَوَائِــبُ أَرْبَــعُ
وَلَـــمَّــا بَــدَتْ حَــمْــرَاءَ أَيْــقَــنْــتُ أَنَّــهَــا
بِـــهَـــا خَـــجَـــلٌ مِـــمَّــا تَــرَاهُ وَتَــسْــمَــعُ
فَـرُحْـتُ وَرَاحَـتْ تُـرْسِـلُ الـنُّـورَ سَـاطِـعًـا
وَسِــرْتُ وَسَــارَتْ فِــي الْــعُــلَا تَــتَــرَفَّــعُ
بِــحَــيْــثُ يَــسِــيـرُ الـنَّـاسُ كُـلٌّ لِـوُجْـهَـةٍ
فَـــهَـــذَا عَـــلَــى رِسْــلٍ، وَذَلِــكَ مُــسْــرِعُ
وَبَـــعْــضٌ لَــهُ أَنْــفٌ أَشَــمُّ مِــنَ الْــغِــنَــى
وَبَــعْــضٌ لَــهُ أَنْــفٌ مِــنَ الْــفَــقْــرِ أَجْـدَعُ
وَفِــي الْــحَـيِّ مِـزْمَـارٌ لِـمُـشْـجِـي نَـعِـيـرِهِ
غَــدَا الــطَّــبْــلُ فِــي دَرْدَابِــهِ يَــتَـقَـعْـقَـعُ
فَـجِـئْـتُ وَجَـوْفُ الـطَّـبْـلِ يَـرْغُـو وَحَـوْلَهُ
شَـــبَــابٌ وَوِلْــدَانٌ عَــلَــيْــهِ تَــجَــمَّــعُــوا
لَــقَــدْ وَقَــفُــوا وَالــطَّــبْـلُ يَـهْـتَـزُّ صَـوْتُـهُ
فَـــتَـــهْـــتَـــزُّ بِـــالْأَبْــدَانِ سُــوقٌ وَأَكْــرُعُ
تَــرَى مَــيْــعَــةَ الْإِطْــرَابِ وَالـطَّـبْـلُ هَـادِرٌ
تَــفِــيــضُ وَفِــي أَسْــمَــاعِــهِــمْ تَــتَـمَـيَّـعُ
فَــقَــدْ كَــانَــتِ الْأَفْــرَاحُ تَــفْــتَــحُ بَـابَـهَـا
لِـمَـنْ كَـانَ حَـوْلَ الـطَّـبْـلِ وَالـطَّـبْـلُ يُقْرَعُ
•••
وَقَـفْـتُ أُجِـيـلُ الـطَّـرْفَ فِـيـهِـمْ فَـرَاعَـنِي
هُـــنَـــاكَ صَــبِــيٌّ بَــيْــنَــهُــمْ مُــتَــرَعْــرِعُ
صَــبِــيٌّ صَـبِـيـحُ الْـوَجْـهِ أَسْـمَـرُ شَـاحِـبٌ
نَــحِــيــفُ الْـمَـبَـانِـي أَدْعَـجُ الْـعَـيْـنِ أَنْـزَعُ
يَــزِيــنُ حِــجَــاجَــيْــهِ اتِّــسَــاعُ جَـبِـيـنِـهِ
وَفِــي عَــيْــنِــهِ بَــرْقُ الْــفَــطَــانَـةِ يَـلْـمَـعُ
عَــلَــيْــهِ دَرِيــسٌ يَــعْــصِــرُ الْـيُـتْـمُ رُدْنَـهُ
فَــيَــقْــطُــرُ فَــقْـرٌ مِـنْ حَـوَاشِـيـهِ مُـدْقِـعُ
يُـــلِـــيـــحُ بِـــوَجْـــهٍ لِـــلْـــكَآبَـــةِ فَــوْقَــهُ
غُــبَــارٌ بِــهِ هَــبَّــتْ مِــنَ الْــيُــتْــمِ زَعْــزَعُ
عَــلَـى كُـثْـرِ قَـرْعِ الـطَّـبْـلِ تَـلْـقَـاهُ وَاجِـمًـا
كَأَنْ لَــمْ يَــكُــنْ لِــلــطَّــبْــلِ ثَــمَّـةَ مَـقْـرَعُ
كَأَنَّ هَــدِيــرَ الــطَّــبْــلِ يَــقْــرَعُ سَــمْــعَــهُ
فَــلَــمْ يُــلْــفِ رَجْــعًـا لِـلْـجَـوَابِ فَـيَـرْجِـعُ
يَــرُدُّ ابْــتِــسَــامَ الْــوَاقِــفِــيــنَ بِــحَـسْـرَةٍ
تَـــكَـــادُ لَـــهَـــا أَحْـــشَـــاؤُهُ تَـــتَـــقَــطَّــعُ
وَيُــرْسِــلُ مِـنْ عَـيْـنَـيْـهِ نَـظْـرَةَ مُـجْـهِـشٍ
وَمَــا هُــوَ بِــالْــبَـاكِـي، وَلَا الْـعَـيْـنُ تَـدْمَـعُ
لَـــهُ رَجْـــفَـــةٌ تَـــنْـــتَــابُــهُ وَهْــوَ وَاقِــفٌ
عَــلَــى جَــانِــبٍ وَالْــجَـوُّ بِـالْـبَـرْدِ يَـلْـسَـعُ
يَـرَى حَـوْلَـهُ الْـكَـاسِـينَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ
عَـــلَــى الْــبَــرْدِ مِــنْ بُــرْدٍ بِــهِ يَــتَــلَــفَّــعُ
فَـكَـانَ ابْـتِـسَـامُ الْـقَـوْمِ كَـالـثَّـلْـجِ قَـارِسًـا
لَــدَى حَــسَــرَاتٍ مِــنْــهُ كَــالْـجَـمْـرِ تَـلْـذَعُ
•••
فَـــلَـــمَّـــا شَـــجَــانِــي حَــالُــهُ وَأَفَــزَّنِــي
وَقَـــفْـــتُ وَكُـــلِّـــي مَـــجْـــزَعٌ وَتَــوَجُّــعُ
وَرُحْــتُ أُعَــاطِــيــهِ الْــحَــنَــانَ بِــنَــظْـرَةٍ
كَــمَــا رَاحَ يَــرْنُــو الْــعَــابِــدُ الْـمُـتَـخَـشِّـعُ
وَأَفْــتَــحُ طَــرْفِــي مُــشْــبَــعًـا بِـتَـعَـطُّـفٍ
فَــيَــرْتَـدُّ طَـرْفِـي وَهْـوَ بِـالْـحُـزْنِ مُـشْـبَـعُ
هُــنَــاكَ عَــلَــى مَــهْــلٍ تَــقَــدَّمْـتُ نَـحْـوَهُ
وَقُــلْــتُ بِــلُــطْــفٍ قَــوْلَ مَــنْ يَــتَـضَـرَّعُ
أَيَا ابْنَ أَخِي مَنْ أَنْتَ؟ مَا اسْمُكَ؟ مَا الَّذِي
عَــرَاكَ فَـلَـمْ تَـفْـرَحْ؟ فَـهَـلْ أَنْـتَ مُـوجَـعُ؟
فَـــهَـــبَّ أَمَـــامِــي مِــنْ رُقَــادِ وُجُــومِــهُ
كَــمَــا هَــبَّ مَـرْعُـوبَ الْـجَـنَـانِ الْـمُـهَـجِّـعُ
وَأَعْــرَضَ عَــنِّــي بَــعْــدَ نَــظْــرَةِ يَــائِــسٍ
وَرَاحَ وَلَــمْ يَــنْــبِــسْ إِلَــى حَـيْـثُ يُـهْـرَعُ
فَــعَــقَّــبْــتُــهُ مُــسْــتَــطْـلِـعًـا طِـلْـعَ أَمْـرِهِ
عَــلَــى الْــبُــعْــدِ أَقْـفُـو الْإِثْـرَ مِـنْـهُ وَأَتْـبَـعُ
وَبَــيْـنَـاهُ مَـاشٍ حَـيْـثُ قَـدْ رُحْـتُ خَـلْـفَـهُ
أَدِبُّ دَبِـــيــبَ الــشَّــيْــخِ طَــوْرًا وَأُسْــرِعُ
لَــمَــحْــتُ عَــلَــى بُــعْــدٍ إِشَـارَةَ صَـاحِـبٍ
يُــنَــادِي أَنِ ارْجِــعْ وَهْـوَ بِـالـثَّـوْبِ مُـلْـمِـعُ
فَأَوْمَأْتُ أَنْ ذَكَّــــرْتُــــهُ مَــــوْعِـــدًا لَـــنَـــا
وَقُــلْــتُ لَــهُ اذْهَــبْ وَانْــتَـظِـرْ فَـسَأَرْجِـعُ
وَعُــدْتُ فَأَبْــصَــرْتُ الــصَّــبِــيَّ مُــعَـرِّجًـا
لِــيَــدْخُــلَ دَارًا بَــابُــهَــا مُــتَــضَــعْــضِــعُ
فَـــلَـــمَّـــا أَتَــيْــتُ الــدَّارَ بَــعْــدَ دُخُــولِــهِ
وَقُــمْــتُ حِــيَـالَ الْـبَـابِ وَالْـبَـابُ مُـرْجَـعُ
دَنَـــوْتُ إِلَــى بَــابِ الــدُّوَيْــرَةِ مُــطْــرِقًــا
وَأَصْـــغَــيْــتُ، لَا عَــنْ رِيــبَــةٍ، أَتَــسَــمَّــعُ
سَـــمِـــعْـــتُ بُـــكَــاءً ذَا نَــشِــيــجٍ مُــرَدَّدٍ
تَـــكَـــادُ لَـــهُ صُـــمُّ الــصَّــفَــا تَــتَــصَــدَّعُ
فَـحِـرْتُ وَعَـيْـنِـي تَـرْمُـقُ الْـبَـابَ خُـلْـسَـةً
وَلِـلـنَّـفْـسِ فِـي كَـشْـفِ الْـحَـقِـيـقَةِ مَطْمَعُ
أَأَرْجِـــــعُ أَدْرَاجِــــي وَلَــــمْ أَكُ عَــــارِفًــــا
جَــلِــيَّــةَ هَــذَا الْأَمْــرِ أَمْ كَــيْــفَ أَصْـنَـعُ؟
•••
فَــمَـرَّتْ عَـجُـوزٌ فِـي الـطَّـرِيـقِ وَخَـلْـفَـهَـا
فَــــتَـــاةٌ يُـــغَـــشِّـــيـــهَـــا إِزَارٌ وَبُـــرْقُـــعُ
تَــعَــرَّضْــتُــهَــا مُــسْــتَــوْقِـفًـا، وَسَأَلْـتُـهَـا
عَــنِ الْإِسْــمِ، قَــالَــتْ: إِنَّــنِــي أَنَــا بَــوْزَعُ
فَأَدْنَــيْـتُـهَـا مِـنِّـي، وَقُـلْـتُ لَـهَـا: اسْـمَـعِـي
حَــنَــانَـيْـكِ مَـا هَـذَا الْـحَـنِـيـنُ الْـمُـرَجَّـعُ؟
فَـــقَـــالَـــتْ وَأَنَّـــتْ أَنَّـــةً عَـــنْ تَـــنَــهُّــدٍ
وَفِـي الْـوَجْـهِ مِـنْـهَـا لِـلـتَّـعَـجُّـبِ مَـوْضِـعُ
أَيَــا ابْــنِــيَ مَــا يَــعْــنِـيـكَ مِـنْ نَـوْحِ أَيِّـمٍ
لَــهَــا مِــنْ رَزَايَــا الــدَّهْــرِ قَــلْـبٌ مُـفَـجَّـعُ
فَــقُــلْــتُ لَــهَــا: إِنِّــي امْــرُؤٌ لَا يُــهِــمُّـنِـي
سِــوَى مَــنْ لَــهُ قَــلْــبٌ كَــقَــلْـبِـي مُـرَوَّعُ
وَإِنِّـــي وَإِنْ جَـــارَتْ عَــلَــيَّ مَــوَاطِــنِــي
فُـــؤَادِي عَـــلَـــى قُـــطَّـــانِـــهِـــنَّ مُــوَزَّعُ
أَبَـــوْزَعُ مُــنِّــي، عَــمْــرَكِ الــلــهُ، بِــالَّــذِي
سَأَلْـــتُ؛ فَــقَــدْ كَــادَتْ حَــشَــايَ تَــمَــزَّعُ
فَـقَـالَـتْ: أَعَـنْ هَـذِي الَّـتِـي طَـالَ نَـحْـبُـهَا
سَأَلْـــتَ فَـــعِــنْــدِي شَــرْحُ مَــا تَــتَــوَقَّــعُ
أَلَا إِنَّــهَــا سَــلْــمَــى تَــعِــيــسَــةُ مَــعْـشَـرٍ
مِــنَ الـصِّـيـدِ أَقْـوَتْ دَارُهُـمْ فَـهْـيَ بَـلْـقَـعُ
وَصَــارَعَــهُــمْ بِــالْــمَــوْتِ حَـتَّـى أَبَـادَهُـمْ
مِــنَ الــدَّهْــرِ عَــجَّــارٌ شَــدِيــدٌ مُــصَــرِّعُ
فَــلَــمْ يَــبْــقَ إِلَّا زَوْجُــهَــا وَشَــقِــيــقُــهَـا
«خَـــلِـــيــلٌ»، وَأَمَّــا الْآخَــرُونَ فَــوَدَّعُــوا
وَلَــمْ يَــلْــبَـثِ الْـمَـقْـدُورُ أَنْ غَـالَ زَوْجَـهَـا
«سَــعِــيـدًا» فَأَوْدَى وَهْـيَ إِذْ ذَاكَ مُـرْضِـعُ
فَــرَبَّــى ابْــنَــهَــا «سَــعْـدًا»، وَقَـامَ بِأَمْـرِهِ
أَخُــوهَــا إِلَــى أَنْ كَــادَ يَــقْــوَى وَيَـضْـلُـعُ
فَأَذْهَــبَ عَــنْــهُ الْــخَـالَ دَهْـرٌ غَـشَـمْـشَـمٌ
بِــمَــا يُــوجِــعُ الْأَيْــتَــامَ مُــغْـرًى وَمُـولَـعُ
جَــرَتْ هَـنَـةٌ مِـنْـهَـا عَـلَـى خَـالِـهِ انْـطَـوَى
بِـقَـلْـبِ رَئِـيـسِ الـشُّـرْطَـةِ الْـحِـقْـدُ أَجْـمَعُ
فَــزَجَّ بِــهِ فِــي الــسِّــجْــنِ بَــعْــدَ تَـجَـرُّمٍ
عَــلَــيْــهِ بِــجُــرْمٍ مَــا لَــهُ فِــيــهِ مَـصْـنَـعُ
عَـــزَاهُ إِلَـــى إِيـــقَـــاعِـــهِ مُـــوقِــعًــا بِــهِ
وَمَــا هُــوَ يَـا ابْـنَ الْـقَـوْمِ لِـلْـجُـرْمِ مُـوقِـعُ
وَلَـــكِـــنَّ غَــدْرَ الْــحَــاقِــدِيــنَ رَمَــى بِــهِ
إِلَـى السِّجْنِ فَهْوَ الْيَوْمَ فِي السِّجْنِ مُودَعُ
فَـــحُـــقَّ لِــسَــلْــمَــى أَنْ تَــنُــوحَ فَإِنَّــهَــا
مِــنَ الْــعَــيْــشِ سُــمًّــا نَــاقِــعًـا تَـتَـجَـرَّعُ
فَــلَا غَــرْوَ مِــنْ أُمِّ الْــيَــتِــيــمِ إِذَا غَــدَتْ
ضُـحَـى الْـعِـيـدِ يُـبْـكِـيـهَـا الْـيَتِيمُ الْمُضَيَّعُ
•••
فَـــعُـــدْتُ وَقَـــلْــبِــي جَــازِعٌ مُــتَــوَجِّــعٌ
وَقُــلْــتُ وَعَــيْــنِــي ثَــرَّةُ الــدَّمْــعِ تَـهْـمَـعُ
أَلَا لَـــيْـــتَ يَـــوْمَ الْـــعِــيــدِ لَا كَــانَ، إِنَّــهُ
يُــجَــدِّدُ لِــلْــمَــحْــزُونِ حُــزْنًــا فَـيَـجْـزَعُ
وَجِــئْــتُ إِلَـى مِـيـعَـادِنَـا عِـنْـدَ صَـاحِـبِـي
وَقَــدْ ضَــمَّــهُ وَالــصَّــحْـبَ نَـادٍ وَمَـجْـمَـعُ
فَأَطْــلَــعْــتُــهُــمْ طِــلْـعَ الْـيَـتِـيـمِ فَأَفَّـفُـوا
وَخَــبَّــرْتُــهُـمْ حَـالَ الـسَّـجِـيـنِ فَـرَجَّـعُـوا
فَــقُـلْـتُ: دَعُـوا الـتَّأْفِـيـفَ فَـالْـعَـارُ لَاصِـقٌ
بِـكُـمْ وَاتْـرُكُـوا الـتَّـرْجِـيـعَ فَـالْأَمْـرُ أَفْـظَـعُ
أَلَــسْــنَــا الْأُلَــى كَــانَــتْ قَــدِيــمًـا بِـلَادُنَـا
بِأَرْجَـــائِـــهَـــا نُــورُ الْــعَــدَالَــةِ يَــسْــطَــعُ
فَــمَـا بَـالُـنَـا نَـسْـتَـقْـبِـلُ الـضَّـيْـمَ بِـالـرِّضَـا
وَنَــعْــنُــو لِــحُـكْـمِ الْـجَـائِـرِيـنَ وَنَـخْـضَـعُ
شَــرِبْــنَــا حَــمِــيــمَ الـذُّلِّ مِـلْءَ بُـطُـونِـنَـا
وَلَا نَــحْــنُ نَــشْــكُــوهُ وَلَا نَــحْـنُ نَـيْـجَـعُ
فَــلَــوْ أَنَّ عَــيْــرَ الْــحَــيِّ يَـشْـرَبُ مِـثْـلَـنَـا
هَـــوَانًـــا، لَأَمْــسَــى قَــالِــسًــا يَــتَــهَــوَّعُ
نُــهُــوضًــا إِلَــى الْــعِــزِّ الـصُّـرَاحِ بِـعَـزْمَـةٍ
تَـــخِــرُّ لِــمَــرْمَــاهَــا الــطُّــغَــاةُ وَتَــرْكَــعُ
أَلَا فَــاكْـتُـبُـوا صَـكَّ الـنُّـهُـوضِ إِلَـى الْـعُـلَا
فَإِنِّـــي عَـــلَـــى مَـــوْتِـــي بِـــهِ لَــمُــوَقِّــعُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤