خَاتِمَةُ رِيَاضٍ

Wave Image
كَــبِــيـرَ الـسَّـابِـقِـيـنَ مِـنَ الْـكِـرَامِ
بِــرَغْــمِــي أَنْ أَنَــالَــكَ بِــالْــمَـلَامِ
مَـقَـامُـكَ فَـوْقَ مَـا زَعَـمُـوا وَلَـكِنْ
رَأَيْــتُ الْــحَـقَّ فَـوْقَـكَ وَالْـمَـقَـامِ
لَــقَـدْ وَجَـدُوكَ مَـفْـتُـونًـا فَـقَـالُـوا
خَـرَجْـتَ مِـنَ الْـوَقَـارِ وَالِاحْتِشَامِ
وَقَـالَ الْـبَـعْـضُ كَـيْـدُكَ غَيْرُ خَافٍ
وَقَــالُــوا رَمْــيَــةٌ مِــنْ غَــيْــرِ رَامِ
وَقِيلَ شَطَطْتَ فِي الْكُفْرَانِ حَتَّى
أَرَدْتَ الْــمُــنْــعِــمِـيـنَ بِـالِانْـتِـقَـامِ
غَــمَــرْتَ الْــقَـوْمَ إِطْـرَاءً وَحَـمْـدًا
وَهُـمْ غَـمَـرُوكَ بِـالـنِّـعَـمِ الْـجِـسَامِ
رَأَوْا بِـالْأَمْـسِ أَنْـفَـكَ فِـي الـثُّـرَيَّـا
فَـكَـيْـفَ الْـيَـوْمَ أَصْبَحَ فِي الرَّغَامِ
أَمَـــا وَالـــلـــهِ مَـــا عَــلِــمُــوكَ إِلَّا
صَــغِـيـرًا فِـي وَلَائِـكَ وَالْـخِـصَـامِ
إِذَا مَــا لَــمْ تَــكُــنْ لِــلْـقَـوْلِ أَهْـلًا
فَـمَـا لَـكَ فِـي الْـمَوَاقِفِ وَالْكَلَامِ؟
خَـطَـبْـتَ فَـكُـنْتَ خَطْبًا لَا خَطِيبًا
أُضِـيـفَ إِلَـى مَـصَـائِـبِـنَـا الْـعِـظَامِ
لَــهِــجْــتَ بِــالِاحْـتِـلَالِ وَمَـا أَتَـاهُ
وَجُـرْحُـكَ مِـنْـهُ لَـوْ أَحْسَسْتَ دَامِ
وَمَــا أَغْــنَــاهُ عَــمَّــنْ قَــالَ فِــيـهِ
وَمَــا أَغْــنَـاكَ عَـنْ هَـذَا الـتَّـرَامِـي
أَحَــبَّــتْــكَ الْــبِــلَادُ طَـوِيـلَ دَهْـرٍ
وَذَا ثَـــمَـــنُ الْــوَلَاءِ وَالِاحْــتِــرَامِ
حَــقَـرْتَ لَـهَـا زِمَـامًـا كُـنْـتَ فِـيـهِ
لَــعُــوبًــا بِــالْـحُـكُـومَـةِ وَالـذِّمَـامِ
مَـحَـاسِـنُـهُ غِـرَاسُـكَ وَالْـمَـسَاوِي
لَــكَ الــثَّــمَــرَانِ مِـنْ حَـمْـدٍ وَذَامِ
فَــهَــلَّا قُــلْــتَ لِــلــشُّــبَّــانِ قَـوْلًا
يَـلِـيـقُ بِـحَـافِـلِ الْـمَاضِي الْهُمَامِ؟
يَــبُــثُّ تَــجَــارِبَ الْأَيَّــامِ فِــيـهِـمْ
وَيَـدْعُـو الـرَّابِـضِـيـنَ إِلَـى الْـقِيَامِ
خَـطَـبْـتَ عَـلَـى الـشَّبِيبَةِ غَيْرَ دَارٍ
بِأَنَّــكَ مِــنْ مَـشِـيـبِـكَ فِـي مَـنَـامِ
وَلَــــوْلَا أَنَّ لِــــلْأَوْطَــــانِ حُـــبًّـــا
يُــصِــمُّ عَـنِ الْـوِشَـايَـةِ كَـالْـغَـرَامِ
جَـنَـيْـتَ عَـلَـى قُلُوبِ الْجَمْعِ يَأْسًا
كَأَنَّــكَ بَــيْــنَـهُـمْ دَاعِـي الْـحِـمَـامِ
أَرَاعَــكَ مَــقْــتَـلٌ مِـنْ مِـصْـرَ بَـاقٍ
فَـقُـمْـتَ تَـزِيـدُ سَهْمًا فِي السِّهَامِ؟
وَهَـلْ تَـرَكَـتْ لَـكَ الـسَّـبْعُونَ عَقْلًا
لِــعِـرْفَـانِ الْـحَـلَالِ مِـنَ الْـحَـرَامِ؟
أَلَا أُنْـــبِــيــكَ عَــنْ زَمَــنٍ تَــوَلَّــى
فَـتَـذْكُـرَهُ وَدَمْـعُـكَ فِي انْسِجَامِ؟
سَـلِ «الْـحِـلْـمِـيَّـةَ» الْـفَـيْحَاءَ عَنْهُ
وَسَــلْ دَارًا عَـلَـى «نُـورِ الـظَّـلَامِ»
وَسَـلْ مَـنْ كَـانَ حَـوْلَـكَ عَبْدَ جَاهٍ
يُــرِيـكَ الْـحُـبَّ أَوْ بَـاغِـي حُـطَـامِ
رَأَوْا إِرْثًــا سَـيَـذْهَـبُ بَـعْـدَ حِـيـنٍ
فَـكَـانُـوا عُـصْـبَـةً فِـي الِاقْـتِـسَامِ
وَنَــالُــوا الـسَّـمْـعَ مِـنْ أُذُنٍ كَـرِيـمٍ
فَــنَــالُــوا مِــنْــهُ أَنْــوَاعَ الْــمَــرَامِ
هُــمُ حِـزْبٌ وَسَـائِـرُ مِـصْـرَ حِـزْبٌ
وَأَنْــتَ أَصَــمُّ عَـنْ دَاعِـي الْـوِئَـامِ
وَكَــيْــفَ يَــنَـالُ عَـوْنَ الـلـهِ قَـوْمٌ
سَــرَاتُــهُــمُ عَــوَامِـلُ الِانْـقِـسَـامِ؟
إِذَا الْأَحْـــلَامُ فِــي قَــوْمٍ تَــوَلَّــتْ
أَتَــى الْــكُــبَـرَاءُ أَفْـعَـالَ الـطَّـغَـامِ
فَــيَــا تِــلْـكَ الـلَّـيَـالِـي لَا تَـعُـودِي
وَيَــا زَمَــنَ الــنِّــفَــاقِ بِــلَا سَـلَامِ
أُحِـبُّـكِ مِـصْـرُ مِـنْ أَعْـمَـاقِ قَـلْبِي
وَحُـبُّـكِ فِـي صَـمِـيـمِ الْـقَـلْبِ نَامِ
سَـيَـجْـمَـعُـنِـي بِـكِ الـتَّارِيخُ يَوْمًا
إِذَا ظَــهَــرَ الْــكِـرَامُ عَـلَـى الـلِّـئَـامِ
لِأَجْــلِــكِ رُحْـتُ بِـالـدُّنْـيَـا شَـقِـيًّـا
أَصُــدُّ الْــوَجْــهَ وَالـدُّنْـيَـا أَمَـامِـي
وَأَنْــظُــرُ جَــنَّــةً جَــمَــعَـتْ ذِئَـابًـا
فَـيَـصْـرِفُـنِـي الْإِبَـاءُ عَـنِ الـزِّحَـامِ
وَهَــبْــتُــكِ غَــيْــرَ هَـيَّـابٍ يَـرَاعًـا
أَشَـدَّ عَـلَـى الْـعَـدُوِّ مِـنَ الْـحُـسَـامِ
سَـيَـكْـتُـبُ عَنْكِ فَوْقَ ثَرَى رِيَاضٍ
وَفِـي الـتَّـارِيـخِ صَـفْـحَـةُ الِاتِّـهَامِ
أَفِـي الـسَّـبْـعِـيـنَ وَالـدُّنْـيَـا تَـوَلَّتْ
وَلَا يُـرْجَـى سِـوَى حُـسْـنِ الْخِتَامِ
تَـكُـونُ وَأَنْـتَ أَنْـتَ رِيَـاضُ مِـصْـرٍ
عُـرَابِـي الْـيَـوْمَ فِـي نَـظَـرِ الْأَنَامِ؟

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قيلت هذه القصيدة سنة ١٩٠٤م بعد خطبة مصطفى رياض باشا في افتتاح مدرسة محمد علي الصناعية التي أنشأتها في الإسكندرية جمعية العروة الوثقى، وكان اللورد كرومر عميد الدولة المحتلة حاضرًا هذا الافتتاح، فتملَّقه الخطيب بكلامٍ ينبو به عن الوطنية ويجنح إلى صف المحتل الغاصب.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤