تِلْكَ الْبَتُولُ

Wave Image
بَــكَّــرَتْ لِـلـنَّـعِـيـمِ تِـلْـكَ الْـبَـتُـولُ
فَــهَــنِــيــئًــا لَـهَـا وَصَـبْـرٌ جَـمِـيـلُ
وَدَّعَـتْ وَالـشَّـبَـابُ غَـضٌّ حَوَاشِيـ
ــهِ وَغُـصْـنُ الـصِّـبَـا رَطِـيبٌ يَمِيلُ
أُزْلِــفَــتْ جَــنَّـتِـي لِـجَـنَّـاتِ عَـدْنٍ
فَـنَـصِـيـبِـي سُـقْـمٌ عَـلَـيْـهَا يَطُولُ
لَــيْــسَ يَـعْـتَـدُّ بِـالْـحَـيَـاةِ فُـؤَادِي
بَــعْـدَهَـا فَـالـثَّـرَى عَـلَـيْـهِ مَـهِـيـلُ
لَا تُـضِـيءُ الـشُّمُوسُ ظُلْمَةَ حُزْنِي
وَلَــوَ انَّ الـشُّـمُـوسَ مِـنْـهَـا بَـدِيـلُ
زُلْـزِلَـتْ يَـوْمَ بَـيْـنِهَا الْأَرْضُ وَانْدَكَّـ
ـتْ وَكَــادَتْ بِــمَــا أَقَــلَّــتْ تَـزُولُ
كَـيْـفَ تَقْضِي نَحْبًا وَلَا تُرْجِفُ الْأَرْ
ضُ وَأَشْــبَــاهُــهَـا عَـلَـيْـهَـا قَـلِـيـلُ
فِــطْــنَــةٌ عِــنْــدَ رِقَّــةٍ عِـنْـدَ دِيـنٍ
كُـلُّ حُـسْـنٍ عِـنْـدِي سِـوَاهُ فُضُولُ
بِــنْـتُ خَـيْـرِ الْـوَرَى وَمَـنْ كَأَبِـيـهَـا
حِـيـنَ تَحْنُو عَلَى الْفُرُوعِ الْأُصُولُ
وَضَـعَـتْ ثِـقْـلَـهَـا وَخَـفَّتْ إِلَى اللهِ
كَــمَــا طَـاحَ فِـي الْـجِـهَـادِ رَسُـولُ
غَـادَرَتْ أَرْبَـعًـا كَـمَـا غَـابَـتِ الـشَّمْـ
ـسُ وَفِـي الْغَرْبِ مِنْ سَنَاهَا ذُيُولُ
وَيَــتِــيــمًــا لَــعَـلَّ شَـعْـبًـا بِـهِ يُـهْـ
ـدَى إِذَا مَـا اسْـتَـوَى ذَكَـاءً يَـسِـيلُ
لَـمْ يَـذُقْ دَرَّهَـا وَلَا اسْـتَـافَ مِسْكًا
حَــازَهُ لِــلْــخُــلُــودِ حَــادٍ عَـجُـولُ
رَبِّ بَــارِكْ لِــلــدِّيــنِ فِـيـهِ وَلـلـدُّنْـ
ـيَــا فَأَنْــتَ الْــكَــفِـيـلُ وَالْـمَأْمُـولُ
•••
كُـلُّ غُـصْنٍ يَهْتَزُّ فِي الرَّوْضِ نَضْرًا
تَـحْـتَـهُ فِـي الـتُّـرَابِ غُـصْنٌ يَمِيلُ
مَــا زَهَــتْ وَرْدَةُ الْــحَــدَائِـقِ لَـوْلَا
تَــحْــتَــهَــا وَجْــنَــةٌ وَخَـدٌّ أَسِـيـلُ
وَسَـلِ الـنَّـرْجِـسَ الـزَّكِـيَّ فَـكَـمْ نَا
غَـاهُ تَـحْـتَ الـرَّغَـامِ طَـرْفٌ كَحِيلُ
•••
قُـلْـنَ يَـبْـكِـيـنَ لِـي الْقَطِينُ أَأَسْلَمْـ
ـتَ لِـرَيْـبِ الْـمَـنُـونِ خَـطْبٌ جَلِيلُ
قُلْتُ عِنْدِي أَمْضَى السُّيُوفِ وَلَكِنْ
لَا يَــخَــافُ الــسُّـيُـوفَ عِـزْرَائِـيـلُ
قُـــمْـــنَ أَبْـــرِزْنَـــهُ إِلَـــيَّ فَإِنْ أَخْـ
ـطَأْتُ يَـافُـوخَـهُ فَـعَـزْمِـي كَـلِـيـلُ
فَــتَــشَــاغَــلْــنَ بِـالـرَّزِيـئَـةِ عَـنِّـي
وَأَسَــا مِــنْ جِــرَاحِــهِـنَّ الْـعَـوِيـلُ
•••
يَــئِــسَ الـطِّـبُّ وَالـدَّوَاءُ وَجَـاءَتْ
سَــاعَــةُ الْــحَـقِّ وَهْـوَ مُـرٌّ ثَـقِـيـلُ
ذَكَــرَتْ رَبَّــهَــا وَأَوْصَــتْ وَقَـالَـتْ
كُــلُّ حَــيٍّ لَــهُ الْــحِــمَـامُ سَـبِـيـلُ
وَتَــلَــتْ مَــا تَــلَـتْ مِـنَ الْآيِ مِـمَّـا
كَــانَ يَــتْــلُــو لِــجَــدِّهَـا جِـبْـرِيـلُ
حَــمَــلَـتْ نَـعْـشَـهَـا مَـلَائِـكَـةُ الـلـهِ
وَهَـــذَا هُــوَ الــرِّضَــا وَالْــقَــبُــولُ
حَـمِيَ الذِّكْرُ عِنْدَ وَضْعِكِ فِي الرَّمْـ
ـسِ وَرَاعَ الـتَّـسْـبِـيـحُ وَالـتَّـهْـلِـيلُ
يَــسْــمَـعُ الـدَّافِـنُـونَ ذِكْـرًا وَلَا يَـدْ
رُونَ مَـــنْ ذَاكِـــرٌ أَهَـــذَا قَــلِــيــلُ
ذَلِـكُـمْ بَـعْـضُ مَـا لَـكُـمْ مِـنْ كَـرَامَا
تٍ وَهَـــذِي آيَــاتُــكُــمْ لَا تَــحُــولُ
لَـيْـسَ بِـدْعًا أَنْ يُكْرِمَ اللهُ أَهْلَ الذِّ
كْـرِ بِـالـذِّكْـرِ حِـيـنَ تَـدْنُـو الْحُمُولُ
بَــيْـتُـكُـمْ مَـعْـدِنُ الـتِّـلَاوَةِ وَالـذِّكْـ
ـرِ وَهَـــذَا لَـــكُــمْ ثَــوَابٌ جَــزِيــلُ
يَــشْــهَــدُ الــلـهُ أَنَّـكُـمْ أَهْـلُ بَـيْـتٍ
صَــالِــحٍ غَـارِبَ الـنُّـجُـومِ يَـطُـولُ
تَـتَـرَاءَى فِـي أُفْـقِـهِ أَنْـجُـمُ الـطُّـهْـ
ـرِ وَتَـشْـدُو صَـبَـا الـتُّـقَى وَالْقَبُولُ
•••
لَـنْ تُـرَاعِـي مِـنْ وَحْـدَةٍ وَاغْـتِرَابٍ
فَــالْـحُـزُونُ الَّـتِـي لَـدَيْـكِ سُـهُـولُ
إِنَّ وَادِي الــرَّدَى يَــعِـجُّ عَـجِـيـجًـا
فَــهْــوَ بِــالــرُّوحِ عَــامِــرٌ مَأْهُــولُ
عِــنْــدَكِ الـطَّـيِّـبَـاتُ مِـنْ آلِـكِ الْـغُـ
ـرِّ وَخَــيْــرُ الْــوَرَى الْأَمِـيـنُ نَـزِيـلُ
وَلَــدَيْــكِ ابْــنُــهُ أَبُــوكِ أَبــو الْأَشْـ
ـبَـالِ قُـطْـبُ الـزَّمَـانِ نِـعْـمَ الدَّلِيلُ
وَأَبِـــي أَحْــمَــدٌ هُــنَــاكَ مُــقِــيــمٌ
وَهْـوَ جَـيْـشٌ مِـنْ نَـجْـدَةٍ وَقَـبِـيلُ
وَهُـنَـاكَ الـشَّـرِيـفُ أَحْـمَـدُ ذُو النُّو
رِ ابْـنُـكِ الـطَّـاهِـرُ الصَّغِيرُ الْجَمِيلُ
قَـــبِّــلِــيــهِ وَأَبْــلِــغِــيــهِ سَــلَامًــا
مِـنْ شَـجٍ شَـفَّـهُ الْـجَـوَى وَالْـغَلِيلُ
•••
قَــدْ تَــرَاءَيْـتِ تَـمْـتَـطِـيـنَ جَـوَادًا
غُـــرَرٌ كُــلُّ جِــسْــمِــهِ وَحُــجُــولُ
فَـاطْمَئِنِّي فَفِي الْمَكَانِ الَّذِي اخْتَرْ
تِ كَـمَـا شِئْتِ سَوْفَ يُبْنَى السَّبِيلُ
أَنَـا فِـي الْـمَـوْتِ وَالْـحَـيَـاةِ مُـطِيعٌ
وَوَفِــــيٌّ وَخَــــادِمٌ وَخَــــلِــــيـــلُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

محمد توفيق علي: شاعِرٌ مِصريٌّ يَنْتَمِي إِلى مَدْرَسةِ الإحْياءِ والبَعْثِ فِي الشِّعرِ العَرَبِي؛ تلكَ المَدْرَسةِ التِي وُصِفتْ بأنَّها أَحْيَتِ الشِّعرَ مِن مَرْقَدِه؛ حيثُ أعادَتْ بِناءَ القَصِيدةِ الشِّعريةِ بِناءً يُجدِّدُ فِي أَغْراضِها الشِّعريةِ ولا يَتَصرَّفُ فِي صُورتِها التَّقلِيديةِ المُتمثِّلةِ فِي وَحْدةِ الوَزنِ والقَافِية.

وُلِدَ محمد توفيق فِي قَرْيةِ «زاوية المصلوب» بمُحافَظةِ بني سويف عامَ ١٨٨١م أثناءَ الثَّوْرةِ العُرَابِية، وكانَ والِدُهُ مِن أَثْرياءِ الفَلَّاحِين، فأَلْحَقَه بِكُتَّابِ القَرْيةِ بِوَصْفِهِ أَوَّلَ بابٍ يُفْضِي إِلى مَدِينةِ العِلْمِ والدِّينِ فِي هَذا الزَّمَان، ثُم أَوفَدَهُ إلَى القاهِرة؛ فانْتَظَمَ بِمَدْرَسةِ «القِرَبِيَّة» حتَّى نالَ الشَّهادةَ الِابتِدَائِية، والْتَحقَ بَعدَها بِمَدرَسةِ الفُنُونِ والصَّنائِعِ فِي بولاق، ودَرَسَ بِها فُنونًا مِنَ الأَدَبِ العَرَبِي.

وكانَ القَدَرُ يَدَّخِرُ مُنْعطفًا آخَرَ فِي حَياةِ الشاعِر؛ إذِ اغْتنَمَ فُرصَةَ الإعْلانِ عَنِ الحَاجَةِ إِلى ضُبَّاطٍ بالمَدرَسةِ الحَرْبِية، فالْتَحَقَ بِها وتَخَرَّجَ ضَابِطًا عامَ ١٨٩٨م، ثُمَّ الْتَحَقَ بالجَيشِ المِصرِيِّ فِي السُّودان، وهُناكَ الْتَقَى بِشاعِرِ النِّيلِ حافظ إبراهيم ونَهَلَ مِن فَيْضِ شِعرِهِ الزَّاخِر، وبَعْدَ انْقِضاءِ مَهَمَّتِهِ فِي السُّودان عادَ إِلى مِصرَ وقرَّرَ أنْ يَهَبَ مَا بَقِيَ مِن عُمُرِهِ لِنَظْمِ الشِّعْر.

وعَلَى الرَّغْمِ ممَّا مُنِيَ بِه شاعِرُنا مِن ضائِقةٍ مالِيةٍ عصَفَتْ بثَرْوةِ أبيهِ وأَحالَتْهُ إِلى الفَقرِ والشَّقاءِ بَعدَ رَغَدٍ مِنَ النَّعِيمِ والثَّرَاء؛ فإنَّ ذلِكَ لَمْ يَمنَعْهُ مِن أنْ يُثرِيَ السَّاحةَ الأَدَبيةَ بالعَدِيدِ مِنَ الذَّخائِرِ الشِّعْرية؛ مِنْها دِيوانُهُ الكَبيرُ الذِي أَخرَجَهُ فِي خمسةِ أَجْزاء؛ هي: «قِفَا نَبْكِ»، و«السَّكَن»، و«الرَّوْضَة الفَيْحَاء»، و«تَسْبِيح الأَطْيَار»، و«تَرْنِيم الأَوْتَار».

وقَدْ وافَتْهُ المَنِيَّةُ عامَ ١٩٣٧م عَن عُمُرٍ ناهَزَ ٥٥ عامًا، ودُفِنَ فِي مَقْبرةِ أُسرَتِهِ الواقِعةِ عَلى مَشارِفِ الصَّحْراءِ شَرْقِيَّ النِّيل.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤