سَالِمُ أَعْدَائِكَ مُسْتَسْلِمُ

Wave Image
سَــالِــمُ أَعْــدَائِــكَ مُــسْـتَـسْـلِـمُ
وَالْــعَــيْــشُ مَـوْتٌ لَـهُـمُ مُـرْغِـمُ
بِـــقَـــطْــرَةٍ غَــرِّقْ أَعَــادِيــكَ لَا
يَـنْـقُـصُ مِـنْـهَـا بَـحْـرُكَ الْـمُـفْعَمُ
فَـلَـيْـسَ عَـنْ نَـصْـرِكَ مُـسْـتَـأْخِرٌ
وَلَا إِلَــى حَــرْبِــكَ مُــسْــتَــقْـدِمُ
لِــيَــهْـنِـكَ الْـمَـجْـدُ الَّـذِي بَـيْـتُـهُ
فَــوْقَ سَــرَاةِ الــنَّـجْـمِ لَا يُـهْـدَمُ
زُفَّـتْ إِلَـى دَارِكَ شَمْسُ الضُّحَى
وَحَــوْلَــهَــا مِــنْ شَــمَــعٍ أَنْـجُـمُ
مِـثْـلُ شِيَاتٍ فِي قَمِيصِ الدُّجَى
زِيـــنَ بِــهِــنَّ الْــفَــرَسُ الْأَدْهَــمُ
تَـــخْـــفَـــى وَلَا تَــظْــهَــرُ إِلَّا إِذَا
أَحْــرَزَهَــا مَــنْــزِلُــكَ الْأَعْــظَــمُ
كَــــأَنَّـــهَـــا سِـــرُّ الْإِلَـــهِ الَّـــذِي
عِـنْـدَكَ دُونَ الـنَّـاسِ يُـسْـتَـكْـتَمُ
كَــأَنَّـمَـا الـشُّـهْـبُ نِـثَـارٌ عَـلَـى الْـ
ـخَـضْـرَاءِ مِـنْـهُ الْـفَـذُّ وَالـتَّـوْءَمُ
عُــمَّـتْ بِـهِ الْآفَـاقُ حَـتَّـى سَـمَـا
مِــنْــهَــا إِلَــى الْــجَــوِّ بِـهِ سُـلَّـمُ
كَـــالـــدُّرِّ بَـــثَّـــتْـــهُ أَيَــادٍ بِــهَــا
فَـهْـوَ شَـتِـيـتُ الـشَّـمْلِ لَا يُنْظَمِ
أَوْ نَــزَلَــتْ تَـنْـهَـبُ فِـي خُـفْـيَـةٍ
تَــخْــتَــارُ مَــا تَـفْـعَـلُ أَوْ تُـلْـهَـمُ
وَكَــيْــفَ لَا يَـطْـمَـعُ فِـي مَـغْـنَـمٍ
مِــنَ الــثُّـرَيَّـا بَـعْـضُ مَـا يَـغْـنَـمُ
وَكَـيْـفَ يَـخْـفَـى نَـفَـلٌ بَعْضُهُ الْـ
ـمِــرِّيــخُ وَالْــجَــوْزَاءُ وَالْـمِـرْزَمُ
مَـا شَـفَـقُ الـتَّـغْـرِيـبِ مِـنْ بَعْدِهِ
إِلَّا مَــــلَابٌ طَـــابَ أَوْ عَـــنْـــدَمُ
كَــأَنَّــهَــا مِــنْ حُـسْـنِـهَـا رَوْضَـةٌ
يَـضْـحَـكُ فِـيـهَـا الْآسُ وَالْـخُرَّمُ
لَــمْ يَــزَلِ اللَّــيْـلُ مُـقِـيـمًـا يَـرَى
مَـــا لَا رَأَتْ عَـــادٌ وَلَا جُـــرْهُـــمُ
فِـي سَـاعَـةٍ هَـشَّـتْ إِلَـى مِـثْـلِهَا
مَــكَّــةُ وَارْتَــاحَــتْ لَــهَــا زَمْـزَمُ
لِلـطِّـيـبِ فِـي حِـنْـدِسِـهَـا سَوْرَةٌ
مَــنَــاخِــرُ الْــبَــدْرِ بِــهِ تُــفْــغَــمُ
حَــتَّــى بَـدَا الْـفَـجْـرُ بِـهِ حُـمْـرَةٌ
كَـــصَـــارِمٍ غَـــيَّــرَ مِــنْــهُ الــدَّمُ
ثُـمَّ مَـضَـى يُـثْـنِـي عَـلَـى سَـيِّـدٍ
كَــــاللَّــــيْــــثِ إِلَّا أَنَّــــهُ أَحْـــزَمُ
مُـضَـمَّـخًـا يَـنْـظُـرُ فِـي عِـطْـفِـهِ
كَــأَنَّ مِــسْــكًــا لَـوْنُـهُ الْأَسْـحَـمُ
نَــالَ شَــبَــابًـا مِـنْـهُ مُـسْـتَـقْـبَـلًا
تَـــهْـــرَمُ دُنْـــيَـــاهُ وَلَا يَـــهْـــرَمُ
وَانْـتَـشَـرَتْ فِـي الْأَرْضِ رِيحٌ لَهُ
يَـسُـوقُـهَـا الْـمُـنْـجِـدُ وَالْـمُـتْـهِـمُ
عِـــطْـــرٌ لِـــمَــنْ شَــمَّ وَلَــكِــنَّــهُ
غَــيْـرُ الَّـذِي جَـاءَتْ بِـهِ مَـنْـشَـمُ
وَانْـتَـشَـقَـتْ عَـرْفَـكَ طَـيْرُ الْمَلَا
فَــزَارَكَ الــنَّــاشِــئُ وَالْــقَـشْـعَـمُ
وَمَاجَ بَعْضُ الْوَحْشِ فِي بَعْضِهَا
يَـسْـأَلُ مَـا الـشَّـأْنُ وَيَـسْـتَـفْـهِـمُ
تَــقْــطَــعُ فِــي لُــقْــيَــاكَ دَوِّيَّــةً
يَــذُمُّــهَــا الْــحَـافِـرُ وَالْـمَـنْـسِـمُ
فَـقُـلْ لِـمَـنْ يَـغْـتَـالُ تِـرْبَ الْـعُلَا
الــتُّــرْبُ خَــيْــرٌ لَــكَ لَـوْ تَـعْـلَـمُ
مَــا أَنْـتَ فِـي عِـدَّةِ مَـنْ يُـتَّـقَـى
بِــلْ أَنْـتَ فِـي عِـدَّةِ مَـنْ يُـرْحَـمُ
وَالْـقَـوْمُ كَـالْأَنْـعَـامِ إِنْ عُـوتِـبُـوا
تَــسْــمَــعُ مَــا قِــيـلَ وَلَا تَـفْـهَـمُ
يَـعْـصِـي عَـمِـيدَ الْأُمَّةِ الْمُرْتَضَى
مَــنْ بَـيْـنَ عَـيْـنَـيْـهِ لَـهْ مِـيـسَـمُ
فَــتًــى لِــقُــرْبِ الـزَّجِّ مِـنْ كَـفِّـهِ
أَقَــرَّ بِــالْــفَــضْــلِ لَــهُ اللَّــهْــذَمُ
أَبْـلَـجُ مِـنْ بَـعْضِ قِرَى ضَيْفِهِ الْـ
أَمْــنُ إِذَا لَــمْ يَــأْمَــنِ الْــمُـحْـرِمُ
فِــدَاهُ مَــنْ كَـالـنَّـبْـتِ أَضْـيَـافُـهُ
إِذْ يَــشْــرَبُ الْــمَـاءَ وَلَا يَـطْـعَـمُ
لَا يَـكْـذِبُ الْـمُـقْـسِـمُ فِـي قَـوْلِهِ
إِنَّ الْــغِــنَــى مِــنْ يَـدِهِ يُـقْـسَـمُ
مَـنَـاقِـبٌ فِـيـهَـا جَـمَـالُ الـصِّـبَـا
وَهْــيَ لِــدَاتُ الــدَّهْــرِ أَوْ أَقْـدَمُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤