عَلِّلَانِي فَإِنَّ بِيضَ الْأَمَانِي

Wave Image
عــلِّلَانِــي فَــإِنَّ بِــيــضَ الْأَمَـانِـي
فَــنِـيَـتْ وَالـظَّـلَامُ لَـيْـسَ بِـفَـانِـي
إِنْ تَـــنَـــاسَــيْــتُــمَــا وِدَادَ أُنَــاسٍ
فَـاجْـعَـلَانِي مِنْ بَعْضِ مَنْ تَذْكُرَانِ
رُبَّ لَـيْـلٍ كَـأَنَّـهُ الصُّبْحُ فِي الْحُسْـ
ـنِ وَإِنْ كَــانَ أَسْــوَدَ الـطَّـيْـلَـسَـانِ
قَـدْ رَكَـضْـنَـا فِـيـهِ إِلَـى اللَّـهْـوِ لَـمَّا
وَقَــفَ الــنَّـجْـمُ وَقْـفَـةَ الْـحَـيْـرَانِ
كَــمْ أَرَدْنَــا ذَاكَ الــزَّمَــانَ بِــمَــدْحٍ
فَــشُــغِــلْــنَــا بِــذَمِّ هَــذَا الــزَّمَـانِ
فَـكَـأَنِّـي مَـا قُـلْـتُ وَالْـبَـدْرُ طِـفْـلٌ
وَشَـبَـابُ الـظَّـلْـمَـاءِ فِـي عُـنْـفُوَانِ
لَــيْــلَـتِـي هَـذِهِ عَـرُوسٌ مِـنَ الـزَّنْـ
ـجِ عَــلَــيْــهَــا قَـلَائِـدٌ مِـنْ جُـمَـانِ
هَـرَبَ الـنَّـوْمُ عَـنْ جُـفُـونِـيَ فِـيـهَا
هَــرَبَ الْأَمْــنِ عَـنْ فُـؤَادِ الْـجَـبَـانِ
وَكَــأَنَّ الْــهِــلَالَ يَــهْــوَى الــثُّـرَيَّـا
فَـــهُـــمَــا لِلْــوَدَاعِ مُــعْــتَــنِــقَــانِ
قَـالَ صَحْبِي فِي لُجَّتَيْنِ مِنَ الْحِنْـ
ـدِسِ وَالْــبِــيـدِ إِذْ بَـدَا الْـفَـرْقَـدَانِ
نَـحْـنُ غَـرْقَـى فَـكَـيْفَ يُنْقِذُنَا نَجْـ
ـمَـانِ فِـي حَـوْمَةِ الدُّجَى غَرِقَانِ؟
وَسُـهَـيْـلٌ كَـوَجْـنَـةِ الْحِبِّ فِي اللَّوْ
نِ وَقَـلْـبِ الْـمُـحِـبِّ فِـي الْـخَفَقَانِ
مُــسْــتَـبِـدًّا كَـأَنَّـهُ الْـفَـارِسُ الْـمُـعْـ
ـلَــمُ يَــبْــدُو مُــعَـارِضَ الْـفُـرْسَـانِ
يُـسْـرِعُ اللَّمْحَ فِي احْمِرَارٍ كَمَا تُسْـ
ـرِعُ فِـي اللَّـمْـحِ مُـقْـلَـةُ الْـغَـضْبَانِ
ضَــرَّجَـتْـهُ دَمًـا سُـيُـوفُ الْأَعَـادِي
فَــبَــكَــتْ رَحْـمَـةً لَـهُ الـشِّـعْـرَيَـانِ
قَــدَمَــاهُ وَرَاءَهُ وَهْــوَ فِـي الْـعَـجْـ
ـزِ كَــسَــاعٍ لَــيْــسَــتْ لَـهُ قَـدَمَـانِ
ثُـمَّ شَابَ الدُّجَى وَخَافَ مِنَ الْهَجْـ
ـرِ فَـغَـطَّـى الْـمَـشِـيـبَ بِـالزَّعْفَرَانِ
وَنَــضَـا فَـجْـرُهُ عَـلَـى نَـسْـرِهِ الْـوَا
قِــعِ سَــيْــفًــا فَــهَــمَّ بِــالـطَّـيَـرَانِ
وَبِـــلَادٍ وَرَدْتُـــهَـــا ذَنَـــبَ الــسِّــرْ
حَــانِ بَــيْـنَ الْـمَـهَـاةِ وَالـسِّـرْحَـانِ
وَعُــيُــونُ الــرِّكَـابِ تَـرْمُـقُ عَـيْـنًـا
حَــوْلَــهَــا مَــحْــجَــرٌ بِـلَا أَجْـفَـانِ
وَعَـلَـى الـدَّهْـرِ مِنْ دِمَاءِ الشَّهِيدَيْـ
ـنِ عَـــلِـــيٍّ وَنَــجْــلِــهِ شَــاهِــدَانِ
فَــهُــمَـا فِـي أَوَاخِـرِ اللَّـيْـلِ فَـجْـرَا
نِ وَفِـــي أُولَـــيَـــاتِــهِ شَــفَــقَــانِ
ثَـبَـتَـا فِـي قَـمِـيـصِـهِ لِـيَـجِـيءَ الْـ
حَـشْـرَ مُـسْـتَـعْـدِيًـا إِلَـى الـرَّحْـمَنِ
وَجَـــمَــالُ الْأَوَانِ عَــقْــبُ جُــدُودٍ
كُــلُّ جَــدٍّ مِــنْــهُــمْ جَــمَــالُ أَوَانِ
يَـا ابْـنَ مُـسْتَعْرِضِ الصُّفُوفِ بِبَدْرٍ
وَمُــبِـيـدِ الْـجُـمُـوعِ مِـنْ غَـطَـفَـانِ
أَحَـدِ الْـخَـمْـسَـةِ الَّـذِيـنَ هُـمُ الْأَغْـ
ـرَاضُ فِـي كُـلِّ مَـنْـطِـقٍ وَالْمَعَانِي
وَالـشُّـخُـوصِ الَّـتِـي خُـلِـقْنَ ضِيَاءً
قَــبْـلَ خَـلْـقِ الْـمِـرِّيـخِ وَالْـمِـيـزَانِ
قَـبْـلَ أَنْ تُـخْـلَـقَ الـسَّـمَوَاتُ أَوْ تُؤْ
مَــــرَ أَفْــــلَاكُـــهُـــنَّ بِـــالـــدَّوَرَانِ
لَـوْ تَـأَتَّـى لِـنَـطْـحِـهَـا حَـمَـلُ الـشُّهْـ
ـبِ تَــرَدَّى عَــنْ رَأْسِـهِ الـشَّـرَطَـانِ
أَوْ أَرَادَ الــسِّــمَـاكُ طَـعْـنًـا لَـهَـا عَـا
دَ كَــسِـيـرَ الْـقَـنَـاةِ قَـبْـلَ الـطِّـعَـانِ
أَوْ رَمَـتْـهَـا قَـوْسُ الْكَوَاكِبِ زَالَ الْـ
ـعَـجْـسُ مِـنْـهَـا وَخَـانَـهَـا الْأَبْهَرَانِ
أَوْ عَـصَـاهَـا حُـوتُ الـنُّـجُومِ سَقَاهُ
حَــتْــفَــهُ صَــائِــدٌ مِـنَ الْـحِـدْثَـانِ
أَنْتَ كَالشَّمْسِ فِي الضِّيَاءِ وَإِنْ جَا
وَزْتَ كِــيـوَانَ فِـي عُـلُـوِّ الْـمَـكَـانِ
وَافَـقَ اسْـمُ ابْنِ أَحْمَدَ اسْمَ رَسُولِ
اللــهِ لَــمَّــا تَــوَافَــقَ الْــغَــرَضَــانِ
وَسَـجَـايَـا مُـحَـمَّدٍ أَعْجَزَتْ فِي الْـ
ـوَصْـفِ لُـطْـفَ الْأَفْـكَـارِ وَالْأَذْهَـانِ
وَجَــرَتْ فِــي الْأَنَــامِ أَوْلَادُهُ الــسِّـ
ـتَّـةُ مَـجْـرَى الْأَرْوَاحِ فِـي الْأَبْـدَانِ
فَــهُـمُ الـسَّـبْـعَـةُ الـطَّـوَالِـعُ وَالْأَصْـ
ـغَـرُ مِـنْـهُـمْ فِـي رُتْـبَـةِ الـزِّبْـرِقَـانِ
وَبِـهِـمْ فَـضَّـلَ الْـمَـلِـيـكُ بَـنِـي حَوَّ
اءَ حَـتَّـى سَـمَـوْا عَـلَـى الْـحَـيَـوَانِ
شَـرُفُـوا بِـالـشِّـرَافِ وَالـسُّـمْرُ عِيدَا
نٌ إِذَا لَـــمْ يُـــزَنَّ بِـــالْــخِــرْصَــانِ
وَإِذَا الْأَرْضُ وَهْـيَ غَـبْـرَاءُ صَـارَتْ
مِــنْ دَمِ الـطَّـعْـنِ وَرْدَةً كَـالـدِّهَـانِ
أَقْـبَـلُوا حَامِلِي الْجَدَاوِلِ فِي الْأَغْـ
ـمَــادِ مُــسْــتَــلْـئِـمِـيـنَ بِـالْـغُـدْرَانِ
يَـضْرِبُونَ الْأَقْرَانَ ضَرْبًا يُعِيدُ السَّـ
ـعْـدَ نَـحْـسًـا فِـي حُـكْـمِ كُـلِّ قِرَانِ
وَجَــلَــوْا غَــمْـرَةَ الْـوَغَـى بِـوُجُـوهٍ
حَـسُـنَـتْ فَـهْـيَ مَـعْـدِنُ الْإِحْـسَانِ
قَـدْ أَجَـبْـنَـا قَـوْلَ الـشَّـرِيـفِ بِقَوْلٍ
وَأَثَـبْـنَـا الْـحَـصَـى عَـنِ الْـمَـرْجَـانِ
أَطْـرَبَـتْـنَـا أَلْـفَـاظُـهُ طَـرَبَ الْـعُـشَّـ
ـاقِ لِلْــمُــسْــمِــعَــاتِ بِــالْأَلْــحَــانِ
فَـاغْـتَـبَـقْـنَـا بَيْضَاءَ كَالْفِضَّةِ الْمَحْـ
ـضِ وَعِـفْـنَـا حَـمْـرَاءَ كَـالْأُرْجُـوَانِ
وَلَـوَ انَّـا جُـزْنَـا إِلَـى شُـرْبِـهَـا الـنَّـهْـ
ـيَ عُــنِــيــنَــا بِـكُـلِّ أَصْـهَـبَ عَـانِ
وَهَـجَـرْنَـا شُـرْبَ الْكُئُوسِ احْتِقَارًا
وَشَـــرِبْـــنَـــا مَــسَــرَّةً بِــالــدِّنَــانِ
أَيُّــهَـا الـدُّرُّ إِنَّـمَـا فِـضْـتَ مِـنْ بَـحْـ
ـرٍ مُــخَــلَّــى الـطَّـرِيـقِ لِلْـجَـرَيَـانِ
مَـا امْـرُؤُ الْـقَـيْسِ بِالْمُصَلِّي إِذَا جَا
رَاهُ فِـي الـشِّـعْرِ بَلْ سُكَيْتُ الرِّهَانِ
فَــاقْـتَـنِـعْ بِـالـرَّوِيِّ وَالْـوَزْنِ مِـنِّـي
فَـــهُــمُــومِــي ثَــقِــيــلَــةُ الْأَوْزَانِ
مِـنْ صُـرُوفٍ مَـلَكْنَ فِكْرِي وَنُطْقِي
فَـهْـيَ قَـيْـدُ الْـفُـؤَادِ قَـيْـدُ اللِّـسَانِ
يَـا أَبَـا إِبْـرَاهِـيـمَ قَـصَّـرَ عَنْكَ الشِّـ
ـعْـرُ لَـــمَّـــا وُصِــفْــتَ بِــالْــقُــرَآنِ
أُشْــرِبَ الْـعَـالَـمُـونَ حُـبَّـكَ طَـبْـعًـا
فَــهْــوَ فَـرْضٌ فِـي سَـائِـرِ الْأَدْيَـانِ
بَـانَ لِلْـمُـسْـلِـمِـيـنَ مِـنْـكَ اعْـتِـقَـادٌ
ظَــفِـرُوا مِـنْـهُ بِـالْـهُـدَى وَالْـبَـيَـانِ
وَحُــدُودُ الْإِيــمَـانِ يَـقْـبِـسُـهَـا مِـنْـ
ـكَ وَيَــمْــتَــاحُــهَـا أُولُـو الْإِيـمَـانِ
وَمُــحَــيَّــاكَ لِلَّــذِي يَــعْــبُـدُ الـدَّهْـ
ـرَ وَإِهْــبَــاءُ طِــرْفِــكَ الْــفَــتَـيَـانِ
وَإِلَــهُ الْــمَـجُـوسِ سَـيْـفُـكَ إِنْ لَـمْ
يَــرْغَــبُــوا عَــنْ عِـبَـادَةِ الـنِّـيـرَانِ
حَــلَــبًــا حَـجَّـتِ الْـمَـطِـيُّ وَلَـوْ أَنْـ
ـجَـمْـتَ عَـنْـهَـا مَـالَـتْ إِلَـى حَـرَّانِ
صَــلِـيَـتْ جَـمْـرَةَ الْـهَـجِـيـرِ نَـهَـارًا
ثُــمَّ بَــاتَــتْ تَــغَــصُّ بِـالـصِّـلْـيَـانِ
أَرْزَمَـتْ نَـاقَـتَـايَ شَـوْقًـا فَـظَنَّ الرْ
رَكْـبُ أَنِّـي سَـرضـى بِيَ الْمِرْزَمَانِ
عِــشْ فِــدَاءٌ لِــوَجْـهِـكَ الْـقَـمَـرَانِ
فَـهُـمَـا فِـي سَـنَـاهُ مُـسْـتَـصْـغَـرَانِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال أبو العلاء المعري هذه القصيدة يجيب الشريف أبا إبراهيم موسى بن إسحق عن قصيدة أولها: غير مستحسن وصال الغواني بعد ستين حجة وثمانِ.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤