الْحَرْبُ

Wave Image
مَـنْ سَـلَـبَ الْأَعْـيُـنَ أنْ تَـهْـجَـعَـا؟
وَبَــزَّ ذَاتَ الــطَّـوْقِ أَنْ تَـسْـجَـعَـا؟
وَمَـنْ رَمَـى بِـالشَّوْكِ فِي مَضْجَعِي
فَـبِـتُّ مَـكْـلُـومَ الْـحَـشَـا مُـوجَـعَا؟
رَوَّعَـــنِـــي وَالـــلَّـــيْــلُ فِــي زِيِّــهِ
مِـنْ مُـرْجِـفَـاتِ الْـخَـطْبِ مَا رَوَّعَا!
طَـاحَـتْ بِأَهْـلِ الْـغَـرْبِ نَـارُ الْوَغَى
وَهَــبَّــتِ الــرِّيــحُ بِــهِــمْ زَعْــزَعَــا
طَــافَ عَــلَــيْـهِـمْ بِـالـرَّدَى طَـائِـفٌ
فَــاخْــتَــرَمَ الْأَنْــفُـسَ لَـمَّـا سَـعَـى
وَصَــاحَ فِــيــهِــمْ لِـلـتَّـوَى صَـائِـحٌ
فَــصَــمَّـتِ الْأَسْـمَـاعُ مُـذْ أَسْـمَـعَـا
فِـي الْـبَـرِّ، فِي الْبَحْرِ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ
لَـمْ يَـتْـرُكِ الْـمَـوْتُ لَـهُـمْ مَـوْضِـعَـا
يَــجْــمَــعُــهُــمْ جَــبَّــارُهُـمْ عَـنْـوَةً
وَإِنَّــمَــا لِــلْــمَــوْتِ مَــنْ جَــمَّــعَــا!
يَـحْـسُـو دَمَ الْـقَـتْـلَـى، فَأَظْـمِئْ بِهِ
وَيَـنْـهَـشُ الـلَّـحْـمَ، فَـمَـا أَجْـشَـعَـا!
لَـــمْ يَــكْــفِــهِ رُمْــحٌ وَلَا مُــرْهَــفٌ
فَــاتَّــخَــذَ الْــمِـنْـطَـادَ وَالْـمِـدْفَـعَـا
وَخَـــبَّ فِـــيـــهَـــا رَاكِــبًــا رَأْسَــهُ
لِــلــشَّــرِّ مَــا خَــبَّ وَمَــا أَوْضَــعَـا
قَــدْ غَــصَّــتِ الْأَرْضُ بِأَشْــلَائِــهِـمْ
وَأَصْــبَــحَ الْــبَــحْــرُ بِــهَـا مُـتْـرَعَـا
وَآنَ لِــلْــعِــقْــبَــانِ أَنْ تَــكْــتَــفِــي
وَآنَ لِــلْــحِــيــتَــانِ أَنْ تَــشْــبَــعَــا
صَــوَاعِــقُ الْــمُــنْــطَــادِ لَا تُـتَّـقَـى
وَصَــوْلَــةُ الْأَلْــغَــامِ لَــنْ تُــدْفَــعَــا
أُطْـــلِـــقَ عَـــزْرَائِــيــلُ مِــنْ قِــدِّهِ
يَـــرْتَـــعُ أَنَّـــى شَــاءَ أَنْ يَــرْتَــعَــا
تُـــطْـــرِبُــهُ الْــحَــرْبُ بِأَزْجَــالِــهَــا
وَيَـسْـتَـبِـيـهِ الـسَّـيْـفُ إِنْ قَـعْـقَـعَـا
كَأَنَّـــمَـــا فِـــي صَـــدْرِهِــمْ غُــلَّــةٌ
أَبَــتْ بِــغَــيْــرِ الْـمَـوْتِ أَنْ تُـنْـقَـعَـا
كَأَنَّـــهُـــمْ سِــرْبُ قَــطًــا عُــطَّــشٍ
صَـادَفْـنَ مِـنْ وِرْدِ الـرَّدَى مَـشْـرَعَا
كَأَنَّــهُــمْ وَالــنَّــارُ مِــنْ حَــوْلِــهِــمْ
جِـــنٌّ تَأَلَّـــوْا أَنْ يَــبِــيــدُوا مَــعَــا
صَـارُوا مِـنَ الْـعِـثْـيَـرِ فِـي ظُـلْـمَـةٍ
لَا تُــبْــصِـرُ الْـعَـيْـنُ بِـهَـا الْإِصْـبَـعَـا
•••
كَــمْ فَــارِسٍ يَــمْـرَحُ فِـي سَـرْجِـهِ
يَــهْــتَــزُّ كَــالْــغُـصْـنِ وَقَـدْ أَيْـنَـعَـا
كَأَنَّــهُ الــصَّــمْــصَـامُ إِذْ يُـنْـتَـضَـى
وَعَـــامِـــلُ الـــرُّمْــحِ إِذَا أُشْــرِعَــا
مَــا ضَــنَّ بِــالــرِّفْــدِ عَــلَــى وَافِـدٍ
وَلَا لَـــوَى حَـــقًّـــا وَلَا ضَـــيَّـــعَـــا
تَــمْــشِـي بَـنَـاتُ الْـحَـيِّ فِـي إِثْـرِهِ
يَـــرْشُــقْــنَــهُ بِــالــزَّهْــرِ إِذْ وُدِّعَــا
مِـنْ كُـلِّ بَـيْـضَـاءِ الـطُّـلَـى طَـفْـلَـةٍ
أَسْـطَـعَ مِـنْ بَـدْرِ الـدُّجَـى مَـطْـلَـعَا
تَــكُــفُّ غَــرْبَ الــدَّمْــعِ أَنْ يُــرْتَأَى
وتَــحْـبِـسُ الـزَّفْـرَاتِ أَنْ تُـسْـمَـعَـا
لَــــجَّ بِــــهِ الْـــمَـــوْتُ فَأَوْدَى بِـــهِ
وَحَــزَّ مِــنْــهُ الــلِّــيـتَ وَالْأَخْـدَعَـا
مَـــاتَ فَـــلَا قَـــبْـــرٌ لَـــهُ مَـــاثِــلٌ
وَلَا بَــكَــى الْــبَــاكِــي وَلَا شَــيَّـعَـا
•••
سَــلْ «لِــيــجَ» مَـا حَـلَّ بِأَرْجَـائِـهَـا
فَــقَــدْ غَــدَتْ أَرْجَــاؤُهَــا بَــلْـقَـعَـا
وَاسْأَلْ «نَـمُـورًا» مَـا دَهَـى أَهْـلَـهَـا
فَـقَـدْ نَـعَـاهَـا الْـبَـرْقُ فِـيـمَـا نَـعَـى
وَسَـــائِـــلِ الــرَّوْضَ ذَوَى نَــبْــتُــهُ
وَسَـــائِـــلِ الْأَطْـــلَالَ وَالْأَرْبُـــعَـــا
•••
بَــارِيـسُ! وَالْـعُـسْـرَى إِلَـى يَـسْـرَةٍ
وَغَــايَــةُ الْــعَــارِضِ أَنْ يُــقْــشِـعَـا
أَعَـــزَّكِ الْـــخَـــطْـــبُ بِأَوْجَــالِــهِ؟
وَكُــنْــتِ عُــشَّ الـنَّـسْـرِ أَوْ أَمْـنَـعَـا
كُــنْــتِ لِــطُــلَّابِ الْـهُـدَى مَـعْـهَـدًا
وَكُــنْــتِ رَوْضًــا لِـلْـهَـوَى مُـمْـرِعَـا
مَـا أَحْـسَـنَ «الـسِّـيـنَ» وَجِـيـرَانَـهُ
وأَحْـسَـنَ الْـمُـصْـطَـافَ وَالْـمَـرْبَـعَـا
أَرِيـعَـتِ الْـحَـسْـنَـاءُ فِـي خِـدْرِهَا؟
نَــعَــمْ، دَعَـاهَـا الـذُّعْـرُ أَنْ تَـهْـلَـعَـا!
عَـهْـدِي بِـهَـا كَـانَـتْ نَؤُومَ الضُّحَى
مَـــلُـــولَـــةً نَـــاعِـــمَـــةً رَعْـــرَعَــا
مَــا خَـطْـبُـهَـا وَالـنَّـارُ مِـنْ حَـوْلِـهَـا
وَالْـمَـوْتُ لَـمْ يَـتْـرُكْ لَـهَـا مَـفْـزَعَا؟
•••
ضَــرَاغِــمَ الْــمَــاءِ، ثِــبُــوا وَثْــبَــةً
آنَ لِــهَــذَا الْــغِــيــلِ أَنْ يُــمْــنَــعَـا!
دَعَــاكُــمُ الْــجَــارُ فَــكُــنْــتُـمْ إِلَـى
دُعَـــائِـــهِ مِــنْ صَــوْتِــهِ أَسْــرَعَــا
وَسِــرْتُــمُ لِــلْـمَـوْتِ فِـي جَـحْـفَـلٍ
مَـــا ضَـــمَّ رِعْـــدِيـــدًا وَلَا إمَّــعَــا
مِـنْ كُـلِّ شَـعْـشَاعٍ خَفِيفِ الْخُطَى
ذِي مِــــرَّةٍ مُــــنْــــجَــــرِدٍ أَرْوَعَـــا
لَــوْ مَــادَتِ الْأَجْــبَـالُ مِـنْ تَـحْـتِـهِ
أَوْ خَـــرَّتِ الْأَفْـــلَاكُ مَــا زُعْــزِعَــا
سَـلُـوا بِـحَـارَ الْأَرْضِ عَـنْ مَـجْدِكُمْ
إِنَّ بِـــهَـــا سِـــرًّا لَـــكُــمْ مُــودَعَــا
كَــانَــتْ وَلَا زَالَــتْ لَــكُــمْ سَـاحَـةً
تَــبْـنُـونَ فِـيـهَـا الـشَّـرَفَ الْأَفْـرَعَـا
تَــهْــوَى طُــيُـورُ الْـمَـاءِ أَعْـلَامَـكُـمْ
فَــتَــقْــتَــفِــيــهَــا حُــوَّمًــا وُقَّــعَـا
قَدْ طَافَ «نِلْسُنْ» حَوْلَ أُسْطُولِكُمْ
مُـسْـتَـصْـرِخًـا غَـضْـبَـانَ مُسْتَفْزِعَا
يُــغْــضِــبُــهُ يَــا خَــيْــرَ أَشْــبَــالِـهِ
أَنْ يَــبْــلُـغَ الْـقِـرْنُ بِـكُـمْ مَـطْـمَـعَـا
•••
يَــا خَـالِـقَ الـنَّـاسِ طَـغَـى شَـرُّهُـمْ
فَـاهْـدِ الْـحَـيَـارَى وَاكْشِفِ الْمَهْيَعَا!
لَـمْ يُـشْـبِـهُـوا الْإِنْـسَـانَ فِـي خَـلَّـةٍ
وَأَشْــبَــهُــوا الْـحَـيَّـاتِ وَالْأَسْـبُـعَـا
قَــدْ رُفِــعَ الْإِحْـسَـانُ مِـنْ بَـيْـنِـهِـمْ
وَأَوْشَـــكَ الْإِيـــمَــانُ أَنْ يُــرْفَــعَــا
لَــوْلَا سَـنَـا هَـدْيِـكَ فِـي بَـعْـضِـهِـمْ
لَـــدُكَّــتِ الْأَرْضُ بِــهِــمْ أَجْــمَــعَــا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: حينما شبت الحرب العالمية الأولى، وشاعت الأخبار بوصف ويلاتها وأرزائها، واقترب الألمان من باريس، ثارت شاعرية الشاعر، واشتدت آلامه لما يصيب الإنسانية في سبيل أطماعها، فأنشأ هذه القصيدة في سنة ١٩١٤م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤