الْمَطَرِيَّةُ تَتَكَلَّمُ

Wave Image
يَـا نَـاشِـرَ الْـعِـلْـمِ بِـهَـذِي الْـبِـلَادْ
وُفِّـقْـتَ، نَـشْرُ الْعِلْمِ مِثْلُ الْجِهَادْ
بَـانِـي صُـرُوحِ الْـمَجْدِ أَنْتَ الَّذِي
تَـبْـنِـي بُـيُـوتَ الْعِلْمِ فِي كُلِّ نَادْ
بِـالْـعِلْمِ سَادَ النَّاسُ فِي عَصْرِهِمْ
وَاخْتَرَقُوا السَّبْعَ الطِّبَاقَ الشِّدَادْ
أَيَـطْـلُـبُ الْـمَـجْـدَ وَيَـبْـغِي الْعُلَا
قَـوْمٌ لِـسُـوقِ الْعِلْمِ فِيهِمْ كَسَادْ؟
نَــقَّــادُ أَعْــمَــالِــكَ مُــغْــلٍ لَــهَــا
إِذَا غَــلَا الــدُّرُّ غَــلَا الِانْــتِــقَــادْ
مَـا أَصْـعَـبَ الْـفِـعْـلَ لِـمَـنْ رَامَـهُ
وَأَسْـهَـلَ الْـقَـوْلَ عَـلَـى مَـنْ أَرَادْ
سَـمْـعًـا لِـشَـكْـوَايَ فَإِنْ لَـمْ تَـجِدْ
مِـنْـكَ قَـبُـولًا فَـالـشَّـكَـاوَى تُـعَادْ
عَـدْلًا عَـلَـى مَـا كَانَ مِنْ فَضْلِكُمْ
فَـالْـفَـضْـلُ إِنْ وُزِّعَ بِـالْـعَدْلِ زَادْ
أَسْــمَــعُ أَحْــيَــانًــا وَحِـيـنًـا أَرَى
مَــدْرَسَــةً فِــي كُـلِّ حَـيٍّ تُـشَـادْ
قَــدَّمْــتَ قَـبْـلِـي مُـدُنًـا أَوْ قُـرًى
كُـنْـتُ أَنَـا الـسَّـيْـفَ وَكُنَّ النِّجَادْ
أَنَــا الَّــتِــي كُـنْـتُ سَـرِيـرًا لِـمَـنْ
سَــادَ كَـ «إِدْوَرْدَ» زَمَــانًــا وَشَـادْ
قَـدْ وَحَّـدَ الْـخَـالِـقَ فِـي هَـيْـكَلٍ
مِـنْ قَـبْلِ سُقْرَاطَ وَمِنْ قَبْلِ عَادْ
وَهَــذَّبَ الْــهِــنْــدُ دِيَــانَــاتِــهِــمْ
بِــكُــلِّ خَـافٍ مِـنْ رُمُـوزِي وَبَـادْ
وَمِــنْ تَـلَامِـيـذِيَ مُـوسَـى الَّـذِي
أُوحِــيَ مِــنْ بَــعْــدُ إِلَـيْـهِ فَـهَـادْ
وَأُرْضِـعَ الْـحِـكْـمَةَ عِيسَى الْهُدَى
أَيَّــامَ تُــرْبِــي مَــهْـدُهُ وَالْـوِسَـادْ
مَـدْرَسَـتِـي كَـانَتْ حِيَاضَ النُّهَى
قَــرَارَةَ الْــعِــرْفَــانِ دَارَ الـرَّشَـادْ
مَــشَــايِــخُ الْــيُــونَـانِ يَأْتُـونَـهَـا
يُـلْـقُـونَ فِـي الْـعِـلْـمِ إِلَيْهَا الْقِيَادْ
كُــنَّــا نُــسَــمِّــيـهِـمْ بِـصِـبْـيَـانِـهِ
وَصِـبْـيَـتِي بِالشِّيبِ أَهْلِ السَّدَادْ
•••
ذَلِـــكَ أَمْــسِــي مَــا بِــهِ رِيــبَــةٌ
وَيَـوْمِـيَ «الْـقُـبَّـةُ» ذَاتُ الْـعِـمَادْ
أَصْـبَـحْـتُ كَالْفِرْدَوْسِ فِي ظِلِّهَا
مِـنْ مِـصْـرَ لِلْخَنْكَا لِظِلِّي امْتِدَادْ
لَـوْلَا حُـلَـى زَيْـتُـونِـيَ الـنَّـضْرِ مَا
أَقْـسَـمَ بِـالـزَّيْـتُـونِ رَبُّ الْـعِـبَـادْ
الْــوَاحَـةُ الـزَّهْـرَاءُ ذَاتُ الْـغِـنَـى
تُـرْبِـي الَّـتِـي مَا مِثْلُهَا فِي الْبِلَادْ
تُـرِيـكَ بِـالـصُّـبْـحِ وَجُنْحِ الدُّجَى
بُــدُورَ حُـسْـنٍ وَشُـمُـوسَ اتِّـقَـادْ
•••
بَــنِـيَّ يَـا سَـعْـدُ كَـزُغْـبِ الْـقَـطَـا
لَا نَــقَّــصَ الـلـهُ لَـهُـمْ مِـنْ عِـدَادْ
إِنْ فَــاتَـكَ الـنَّـسْـلُ فَأَكْـرِمْ بِـهِـمْ
وَرُبَّ نَــسْـلٍ بِـالـنَّـدَى يُـسْـتَـفَـادْ
أَخْـشَـى عَـلَـيْـهِـمْ مِـنْ أَذًى رَائِحٍ
يَجْمَعُهُمْ فِي الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ غَادْ
صَــفِــيــرُهُ يَـسْـلُـبُـنِـي رَاحَـتِـي
وَيَـمْـنَـعُ الْـجَـفْـنَ لَـذِيـذَ الـرُّقَـادْ
يَـعْـقُـوبُ مِـنْ ذِئْـبٍ بَكَى مُشْفِقًا
فَـكَـيْـفَ أَنْـيَـابُ الْحَدِيدِ الْحِدَادْ
فَـانْـظُـرْ رَعَـاكَ الـلهُ فِي حَاجِهِمْ
فَــنَــظْــرَةٌ مِـنْـكَ تُـنِـيـلُ الْـمُـرَادْ
قَـدْ بَـسَـطُـوا الْـكَـفَّ عَـلَـى أَنَّهُمْ
فِـي كَـرَمِ الـرَّاحِ كَـصَـوْبِ الْعِهَادْ
إِنْ طُـلِـبَ «الْـقِـسْـطُ» فَمَا مِنْهُمُ
إِلَّا جَــوَادٌ عَــنْ أَبِــيــهِ الْــجَـوَادْ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: أحس الشاعر أحمد شوقي أيام كان يسكن «المطرية» بحاجة هذا البلد إلى مدرسة تهذب أبناءه، فناشد وزير المعارف يومئذٍ «سعد زغلول باشا» على لسان المطرية أن يقوم بإنشاء هذا الأثر الجليل.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤