النِّهَايَةُ

Wave Image
يَـا ظَـلَامَ الـنَّـفْـسِ رِفْـقًـا بِـالْأُلَـى
ظَــلَــمَ الــدَّهْـرُ وَقِـدْمًـا ظَـلَـمُـوا
رَقَــدُوا فِــي سَـاحَـةِ الْـهَـمِّ وَقَـدْ
كَــانَــتِ الــدُّنْــيَـا لَـهُـمْ تَـبْـتَـسِـمُ
قَـدْ طَـوَى الـدَّهْـرُ سَـمَـاءً لَـمَـعَتْ
لَــهُــمُ مِــنْ قَــبْــلُ فِـيـهَـا أَنْـجُـمُ
جَـفَّـتِ الْـخَـمْـرُ فَـفِـي الْكَأْسِ دَمٌ
وَكَـــذَا الـــدُّنْــيَــا خُــمُــورٌ فَــدَمُ
نَـكَّـسُـوا الـطَّرْفَ وَقَدْ لَاحَتْ لَهُمْ
صُــوَرٌ عَــنْ سَــعْــدِهِـمْ تَـزْدَحِـمُ
نَــدِمُــوا عَــمَّــا جَـنَـتْ أَيْـدِيـهِـمُ
حَــيْــثُ لَا يَــنْــفَــعُ يَــوْمًــا نَـدَمُ
فَــهُـمُ كَـالـلَّـيْـثِ يَـبْـكِـي يَـائِـسًـا
وَحَــرَامٌ أَنْ يُــضَــامَ الــضَّــيْـغَـمُ
إِنَّــمَــا الــدَّمْــعُ لِــسَــانٌ نَــاطِــقٌ
يَــتَــوَلَّــى قَــلْــبَ مَـنْ لَا يُـرْحَـمُ
غَــيْــرَ أَنَّ الــدَّهْــرَ سَــيْـفٌ حَـدُّهُ
قَــاطِــعٌ فِـيـهِ الْـقَـضَـاءُ الْـمُـبْـرَمُ
•••
وَقَـفَـتْ فِـي سَـاحَـةِ الْقَصْرِ وَقَدْ
وَقَــفَــتْ فِــيــهِ قَــدِيـمًـا تَـظْـلِـمُ
تُـرْسِـلُ الـدَّمْـعَ عَـلَـى الْـخَـدِّ دَمًـا
وَالْأَسَــى فِــي رَأْسِــهَــا يَـرْتَـطِـمُ
لَا تَـرَى فِـي يَـوْمِـهَـا الـسَّعْدَ وَقَدْ
حَــجَــبَ الــسَّــعْـدَ غَـمَـامٌ مِـرْزَمُ
فَإِذَا الــصُّــبْــحُ أَتَــاهَـا ضَـاحِـكًـا
هَـــالَـــهَــا مِــنْــهُ سَــوَادٌ أَقْــتَــمُ
وَإِذَا الـــزَّهْــرُ رَنَــا مُــبْــتَــسِــمًــا
وَجَـدَتْ فِـي الـزَّهْـرِ نَـارًا تُـضْـرَمُ
تَــسْــمَــعُ الْــجَـيْـشَ يُـلَـبِّـي رَبَّـهُ
لَـيْـسَ فِـي الْـجَـيْـشِ أَصَـمٌّ أَبْكَمُ
كُــلُّ مِــغْــوَارٍ يَـرَى الـرُّوحَ فِـدًى
لِـــبَــلَادٍ فِــي حِــمَــاهَــا يُــكْــرَمُ
وَتَــرَى الْأَعْــدَاءَ هَــبُّـوا لِـلْـوَغَـى
وَعَـلَـى الـنَّـصْـرِ جَـمِـيـعًا أَقْسَمُوا
زُمَــرٌ مَــاجَــتْ كَــبَــحْــرٍ مُــزْبِـدٍ
قَــادَهَــا مَــنْ لِــلــرَّدَى يَـقْـتَـحِـمُ
أَسَــدٌ لَا يَــرْهَــبُ الْــمَـوْتَ وَهَـلْ
يَـرْهَـبُ الْـمَـوْتَ الْـجَرِيءُ الْمُقْدِمُ
فَــــكَأَنَّ الْأَرْضَ مَــــيْــــدَانٌ بِـــهِ
كُـــلُّ حَـــيٍّ ثَـــائِـــرٌ مُـــنْــتَــقِــمُ
خَافَتِ الْعُقْبَى وَمَا الْخَوْفُ سِوَى
صَـــارِمٍ يَـــقْـــطُــرُ مِــنْــهُ الْأَلَــمُ
هِـيَ بَـيْـنَ الـنَّـصْـرِ وَالْأَسْـرِ غَدَتْ
شَــبَــحًـا قَـدْ غَـابَ عَـنْـهُ الْـكَـلِـمُ
أَسْــلَــمَـتْ لِـلـشَّـكِّ قَـلْـبًـا هَـالِـعًـا
فَــهْــوَ مِــنْ أَظْــفَــارِهِ لَا يَـسْـلَـمُ
نَــادَتِ الْــمَــوْتَ وَمَــا هَـابَـتْـهُ إِذْ
كُــلُّ عَــيْــشٍ بِــالـرَّدَى يُـخْـتَـتَـمُ
•••
كَـانَ أَنْـطُـنْـيُـوسُ صَـبًّـا مُـغْـرَمًـا
فَـانْـقَـضَـى الْـحُبُّ وَمَاتَ الْمُغْرَمُ
مَـــاتَ وَالْآلَامُ تَـــسْـــتَـــهْــدِفُــهُ
وَالْأَسَــى يَــلْــهُــو بِــهِ وَالــتُّـهَـمُ
مَـاتَ مَـكْـلُـومَ الْـحَـشَـا مُـنْـتَحِرًا
نَــاقِــمًــا طَــوْرًا وَطَــوْرًا يَــنْـدَمُ
هُــوَ وَالْــخَــنْـجَـرُ فِـي أَحْـشَـائِـهِ
شَــبَــحٌ لِــلْــيَأْسِ يَــعْــلُـوهُ الـدَّمُ
جَــاءَهُ نَــعْــيُ الَّــتِــي فَــارَقَــهَـا
حَــيَّــةً يَــسْــعَــى إِلَـيْـهَـا الْـكَـرَمُ
لَــمْ تَــكُـنْ مَـاتَـتْ وَلَـكِـنْ هَـالَـهَـا
مَــوْتُــهَــا وَالــصَّـبُّ حَـيٌّ يَـنْـعَـمُ
أَيْــنَ مَــنْ ضَـحَّـى لَـهَـا أَوْطَـانَـهُ
لَــمْ يَـعَـضَّ الْـقَـلْـبَ مِـنْـهُ الـنَّـدَمُ
صَـائِـخًـا لِـلْـحُـبِّ لَا يَرْعَى سِوَى
عَــهْــدِهِ ذَاكَ الْأَثِــيــمُ الْــمُـجْـرِمُ
خَــانَ رُومَــا مُــسْــتَـبِـدًّا نَـاسِـيًـا
أَنَّ رُكْـــنَ الْـــحَـــقِّ لَا يَـــنْــهَــدِمُ
•••
كَـيْـفَ تَـحْـيَـا رَبَّـةُ الْـحُـسْنِ وَقَدْ
مَــاتَ مَــنْ كَـانَـتْ بِـهِ تَـعْـتَـصِـمُ
عَــقَّــهَــا الْأَعْـوَانُ فِـي نَـكْـبَـتِـهَـا
مَــثَــلًا لِــلْــغَــدْرِ يَــا وَيْــحَــهُــمُ
لَـيْـسَ فِـي الـنَّـاسِ وَفِـيٌّ صَادِقٌ
فَــهُــمُ إِنْ مَــاتَــتِ الــدُّنْــيَـا هُـمُ
إِيـهِ كِـلْـيُـوبَـطْـرَةَ الْـيَوْمَ انْقَضَتْ
عَــــنْــــكِ آمَـــالٌ وَزَالَـــتْ أُمَـــمُ
أَنْــتِ فِـي الْـقَـصْـرِ خَـيَـالٌ زَائِـلٌ
وَهْـوَ فِـي الْـعَـيْـنِ مُـخِيفٌ مُظْلِمُ
أَنْــتِ وَالْأَرْقَــمُ يَــرْنُــو جَــائِــعًـا
حَـــيَّـــةٌ يَـــرْنُــو إِلَــيْــهَــا أَرْقَــمُ
لَا تَــظُــنِّـي أَنَّ فِـي حُـسْـنِـكِ مَـا
يَـسْـجُـدُ الـلَّـيْـثُ لَـهُ يَـسْـتَـرْحِـمُ
إِنَّ أُوكْــــتَــــافَ جَـــرِيءٌ قَـــادِرٌ
وَلَــهُ الــنِّــيــلُ وَمِــصْــرٌ مَــغْـنَـمُ
وَجَــمَــالُ الْــعَـهْـرِ مَـاضٍ ذَاهِـبٌ
وَجَــمَــالُ الــطُّــهْــرِ لَا يَــنْــعَـدِمُ
وَابْـــتِــدَاءُ الْــحَــيِّ مِــنَّــا عَــدَمٌ
وَخِـــتَـــامُ الْـــحَــيِّ مِــنَّــا عَــدَمُ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: استلهم الشاعر في هذه القصيدة حادثة النهاية المأساوية لكليوباترا؛ إذ وافى خبر انتحار أنطونيوس إلى كليوباترا فأسلمت نفسها للثعبان وماتت قبل أن يأسرها عدوها أوكتافيوس.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الرمل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

محمد تيمور: شاعر وأديب وكاتب من الطراز الرفيع، وهو من مؤسسي الأدب القصصي والمسرحي في مصر، كما أنه الأديب الذي كسر الجمود اللغوي في الكتابة الأدبية؛ فإليه تُعْزَى الريادة في استخدام اللهجة العامية المصرية البسيطة في الكتابة الأدبية بدلًا من اللغة الفصحى التي عُهِدَت بها الكتابة في عصره؛ وهذه الخطوة تعدُّ تمردًا على حيثياتِ عصرٍ ثقافي يعتبر اللغة الفصحى هي لغة الأدب الحقيقي.

ولد في القاهرة عام ١٨٩٢م في رحاب أسرة تجمع بين الثراء والأرستقراطية، وبين العلم والأدب على الطريقة العربية المأثورة؛ فوالده أحمد تيمور باشا الذي كرَّس حياته لخدمة اللغة العربية ومعارفها، وعمته الأديبة عائشة التيمورية، وأخوه الأديب الكبير محمود تيمور؛ وهذا المزيج الخصب أَوْجَد بيئةً خصبةً أنجبت لنا ذلك الشاعر الفذ الذي أضفى على الساحة الأدبية مزيجًا فريدًا من دماء التجديد.

سافر إلى باريس لدراسة القانون؛ ولكنه عاد إلى مصر ثانيةً عَقِبَ اندلاع الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤م، وانصرف منذ ذلك الحين إلى كتابة القصص والمسرحيات، ثم رحل إلى برلين لدراسة الطب؛ ولكنه في حقيقة الأمر لم يكن لديه ميل حقيقي لدراسة الطب أو القانون؛ فقد كان شغوفًا بالأدب، وقد دفعه هذا الشغف للسفر إلى فرنسا؛ ليطلع على الأدب الأوروبي عمومًا والفرنسي خصوصًا، وقد كان لهذه الدراسة أثر فاعِل في كتاباته القصصية. وقد تَقَلَّد عددًا من المناصب ومن أبرزها عمله كمترجم لمحمد علي باشا (الحفيد).

وقد تأثر بالمذهب الواقعي الذي انعكس بدوره على كتاباته القصصية والمسرحية، وقد أثرى الساحة الأدبية والمسرحية باشتراكه في جمعية أنصار التمثيل، وقدَّم لنا مسرحيات تحمل طابع الكوميديا الاجتماعية منها مسرحية «العصفور في القفص» تلك المسرحية التي كانت سببًا في مجد ريادته المسرحية، كما قدَّم لنا مجموعة قصصية حملت اسم «ما تراه العيون»، وقد امتاز أسلوبه المسرحي ببساطة الحوار الذي يتسم بقربه إلى أفهام المتلقين، وقد وافته المنية عام ١٩٢١م، وهو لم يبلغ بعد سن الثلاثين.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤