الْعَنْقَاءُ

Wave Image
أَنَــا لَــسْــتُ بِــالْــحَـسْـنَـاءِ أَوَّلَ مُـولَـعِ
هِـيَ مَـطْـمَـعُ الـدُّنْـيَـا كَمَا هِيَ مَطْمَعِي
فَـاقْـصُـصْ عَـلَـيَّ إِذَا عَـرَفْـتَ حَـدِيثَهَا
وَاسْــكُـنْ إِذَا حَـدَّثْـتَ عَـنْـهَـا وَاخْـشَـعِ
أَلَــمَــحْــتَـهَـا فِـي صُـورَةٍ؟ أَشَـهِـدْتَـهَـا
فِــي حَــالَــةٍ؟ أَرَأَيْـتَـهَـا فِـي مَـوْضِـعِ؟
إِنِّـــي لَـــذُو نَـــفْــسٍ تَــهِــيــمُ وَإِنَّــهَــا
لَــجَــمِــيــلَــةٌ فَــوْقَ الْـجَـمَـالِ الْأَبْـدَعِ
وَيَــزِيــدُ فِــي شَــوْقِــي إِلَــيْــهَـا أَنَّـهَـا
كَــالــصَّـوْتِ لَـمْ يُـسْـفِـرْ وَلَـمْ يَـتَـقَـنَّـعِ
فَـتَّـشْـتُ جَـيْـبَ الْـفَـجْرِ عَنْهَا وَالدُّجَى
وَمَــدَدْتُ حَـتَّـى لِلْـكَـوَاكِـبِ إِصْـبَـعِـي
فَــإِذَا هُــمَــا مُــتَــحَــيِّــرَانِ كِــلَاهُــمَـا
فِــي عَــاشِــقٍ مُـتَـحَـيِّـرٍ مُـتَـضَـعْـضِـعِ
وَإِذَا الــنُّــجُــومُ لِــعِـلْـمِـهَـا أَوْ جَـهْـلِـهَـا
مُــتَـرَجْـرِجَـاتٌ فِـي الْـفَـضَـاءِ الْأَوْسَـعِ
رَقَـصَـتْ أَشِـعَّـتُـهَـا عَلَى سَطْحِ الدُّجَى
وَعَــلَــى رَجَــاءٍ فِــيَّ غَـيْـرِ مُـشَـعْـشَـعِ
وَالْـبَـحْـرُ، كَـمْ سَـائَـلْـتُـهُ فَـتَـضَـاحَكَتْ
أَمْــوَاجُــهُ مِــنْ صَــوْتِــيَ الْــمُـتَـقَـطِّـعِ
فَـرَجَـعْـتُ مُـرْتَـعِـشَ الْخَوَاطِرِ وَالْمُنَى
كَــحَــمَــامَــةٍ مَــحْــمُـولَـةٍ فِـي زَعْـزَعِ
وَكَـــأَنَّ أَشْـــبَــاحَ الــدُّهُــورِ تَــأَلَّــبَــتْ
فِـي الـشَّـطِّ تَـضْـحَكُ كُلُّهَا مِنْ مَرْجِعِي
وَلَـكَـمْ دَخَـلْـتُ إِلَـى الْـقُـصُـورِ مُـفَـتِّشًا
عَــنْــهَــا وَعُــجْــتُ بِــدَارِسَـاتِ الْأَرْبُـعِ
إِنْ لَاحَ طَـيْـفٌ قُـلْـتُ: يَـا عَـيْنُ انْظُرِي،
أَوْ رَنَّ صَـوْتٌ قُـلْـتُ: يَـا أُذُنُ اسْـمَـعِـي
فَـإِذَا الَّـذِي فِـي الْـقَـصْـرِ مِـثْـلِـي حَـائِرٌ
وَإِذَا الَّـذِي فِـي الْـقَـفْـرِ مِـثْـلِـي لَا يَعِي
قَـــالُــوا: تَــوَرَّعْ إِنَّــهَــا مَــحْــجُــوبَــةٌ
إِلَّا عَـــنِ الْـــمُـــتَـــزَهِّـــدِ الْـــمُــتَــوَرِّعِ
فَــوَأَدْتُ أَفْــرَاحِـي وَطَـلَّـقْـتُ الْـمُـنَـى
وَنَـسَـخْـتُ آيَـاتِ الْـهَـوَى مِـنْ أَضْـلُعِي
وَحَــطَــمْــتُ أَقْــدَاحِــي وَلَــمَّــا أَرْتَــوِ
وَعَــفَــفْــتُ عَــنْ زَادِي وَلَــمَّــا أَشْــبَـعِ
وَحَــسِــبْــتُـنِـي أَدْنُـو إِلَـيْـهَـا مُـسْـرِعًـا
فَـوَجَـدْتُ أَنِّـي قَـدْ دَنَـوْتُ لِـمَـصْـرَعِي
مَــا كَــانَ أَجْـهَـلَ نُـصَّـحِـي وَأَضَـلَّـنِـي
لَـــمَّـــا أَطَـــعْـــتُـــهُـــمُ وَلَــمْ أَتَــمَــنَّــعِ
إِنِّـي صَـرَفْـتُ عَـنِ الـطَّـمَـاعَـةِ وَالْهَوَى
قَــلْــبِــي، وَلَا ظَــفَـرٌ لِـمَـنْ لَـمْ يَـطْـمَـعِ
فَــكَــأَنَّــنِــي الْــبُـسْـتَـانُ جَـرَّدَ نَـفْـسَـهُ
مِــنْ زَهْــرِهِ الْــمُــتَــنَــوِّعِ الْـمُـتَـضَـوِّعِ
لِــيُــحِــسَّ نُــورَ الـشَّـمْـسِ فِـي ذَرَّاتِـهِ
وَيُــقَــابِــلَ الــنَّــسَــمَـاتِ غَـيْـرَ مُـقَـنَّـعِ
فَـمَـشَـى عَـلَـيْـهِ مِـنَ الْـخَرِيفِ سُرَادِقٌ
كَـاللَّـيْـلِ خَـيَّـمَ فِـي الْـمَـكَـانِ الْـبَـلْـقَـعِ
وَكَــأَنَّــنِـي الْـعُـصْـفُـورُ عَـرَّى جِـسْـمَـهُ
مِــنْ رِيــشِــهِ الْـمُـتَـنَـاسِـقِ الْـمُـتَـلَـمِّـعِ
لِـيَـخِـفَّ مَـحْـمَـلُـهُ، فَـخَـرَّ إِلَـى الـثَّـرَى
وَسَــطَــا عَــلَـيْـهِ الـنَّـمْـلُ غَـيْـرَ مُـرَوَّعِ
وَهَـجَـعْـتُ أَحْـسَـبُ أَنَّـهَـا بِـنْـتُ الرُّؤَى
فَـصَـحَـوْتُ أَسْـخَـرُ بِـالـنِّـيَـامِ الْـهُـجَّـعِ
لَــيْــسَـتْ حُـبُـورًا كُـلُّـهَـا دُنْـيَـا الْـكَـرَى
كَــمْ مُــؤْلِــمٍ فِــيــهَـا بِـجَـانِـبِ مُـفْـزِعِ
تُــخْــفِــي أَمَــانِـيَّ الْـفَـتَـى كَـهُـمُـومِـهِ
عَــنْــهُ وَتَــحْــجُــبُ ذَاتَــهُ فِــي بُـرْقُـعِ
وَلَــرُبَّــمَــا الْــتَـبَـسَـتْ حَـوَادِثُ يَـوْمِـهِ
بِــالْــغَــابِــرِ الْــمَــاضِــي وَبِـالْـمُـتَـوَقَّـعِ
يَــا حَــبَّــذَا شَــطَــطَ الْـخَـيَـالِ وَإِنَّـمَـا
تُــمْــحَــى مَـشَـاهِـدُهُ كَـأَنْ لَـمْ تُـطْـبَـعِ
لَــمَّــا حَــلَــمْــتُ بِـهَـا حَـلَـمْـتُ بِـزَهْـرَةٍ
لَا تُــجْــتَــنَــى، وَبِــنَـجْـمَـةٍ لَـمْ تَـطْـلُـعِ
ثُـمَّ انْـتَـبَـهْـتُ فَـلَـمْ أَجِـدْ فِي مَخْدَعِي
إِلَّا ضَــلَالِــي وَالْــفِــرَاشَ وَمَــخْـدَعِـي
مَـنْ كَـانَ يَـشْـرَبُ مِـنْ جَـدَاوِلِ وَهْـمِهِ
قَــطَــعَ الْــحَــيَــاةَ بِــغُــلَّــةٍ لَـمْ تُـنْـقَـعِ
ذَهَـبَ الـرَّبِيعُ فَلَمْ تَكُنْ فِي الْجَدْوَلِ الـ
ـشَّــادِي وَلَا الــرَّوْضِ الْأَغَــنِّ الْـمُـمْـرَعِ
وَأَتَـى الـشِّـتَـاءُ فَـلَـمْ تَكُنْ فِي غَيْمِهِ الْـ
ـبَــاكِــي، وَلَا فِــي رَعْــدِهِ الْــمُـتَـفَـجِّـعِ
وَلَـمَـحْـتُ وَامِـضَـةَ الْـبُـرُوقِ فَـخِـلْـتُهَا
فِــيـهَـا، فَـلَـمْ تَـكُ فِـي الْـبُـرُوقِ اللُّـمَّـعِ
صَـفِـرَتْ يَـدِي مِـنْهَا وَبِي طَيْشُ الْفَتَى
وَأَضَــلَّــنِــي عَــنْــهَــا ذَكَــاءُ الْأَلْـمَـعِـي
حَــتَّــى إِذَا نَــشَــرَ الْــقُـنُـوطُ ضَـبَـابَـهُ
فَـوْقِـي فَـغَـيَّـبَـنِـي وغَـيَّـبَ مَـوْضِـعِي
وَتَــقَــطَّــعَــتْ أَمْــرَاسُ آمَــالِــي بِــهَـا
وَهْــيَ الَّــتِــي مِـنْ قَـبْـلُ لَـمْ تَـتَـقَـطَّـعِ
عَـصَـرَ الْأَسَـى رُوحِـي فَـسَـالَـتْ أَدْمُعًا
فَـلَـمَـحْـتُـهَـا وَلَـمَـسْـتُـهَـا فِـي أَدْمُـعِـي
وَعَـلِـمْـتُ حِـيـنَ الْعِلْمُ لَا يُجْدِي الْفَتَى
أَنَّ الَّــتِــي ضَــيَّــعْـتُـهَـا كَـانَـتْ مَـعِـي!

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الوصف
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إيليا أبو ماضي: واحد من أبرز شعراء المهجر الذين أثْرَوُا الشعر العربي في أوائل القرن العشرين بقصائدهم ودواوينهم.

ولد إيليا ضاهر أبو ماضي عام ١٨٩٠م في قرية «المحيدثة» إحدى قرى لبنان، في أسرة فقيرة معدمة، عانى معها الاغتراب منذ صغره. وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره، رحلت أسرته إلى مصر، ونزلت الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث مارس فيها إيليا التجارة طلبًا للمال، فاتخذ محلًّا لبيع السجائر والدخان.

وقد كان إيليا منذ صغره محبًّا للعلم والتعلم، شغوفًا بالأدب والشعر، يستغل أوقات فراغه في حفظ الشعر ونظمه، ومطالعة كتب الأدب ودراستها. وقد رآه ذات مرة الأستاذ أنطون الجُميِّل يكتب الشعر أثناء عمله، فأعجب بشعره وحرص على نشره في مجلة الزهور التي كان يصدرها، وكانت تلك الخطوة فاتحة خير عليه، فظل يكتب الشعر وينشره طيلة ثمانية أعوام، ثم جمعه في ديوان أطلق عليه اسم: «تذكار الماضي».

وكان إيليا يتطلع إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فهاجر من مصر إلى هناك وسكن مدينة «سنسناتي»، ثم انتقل بعدها إلى نيويورك ليلتقي بألمع رجال النخبة العربية التي هاجرت إلى هناك، أمثال: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي وغيرهم، ليؤلف معهم ما أطلقوا عليه بعد ذلك: «الرابطة القلمية» التي كانت أبرز علامات الأدب العربي الحديث.

وفي نيويورك عمل إيليا نائبًا لرئيس تحرير جريدة «مرآب الغرب» وتزوج من السيدة دورا نجيب دياب ابنة صاحب الجريدة، وأنجب منها أربعة أولاد، وقد توجت جهوده الأدبية عام ١٩١٩م بإصدار «مجلة السمير» التي كانت تعد في ذلك الوقت أهم مجلة عربية في المهجر، والتي حوَّلها بعد ذلك إلى جريدة تصدر يوميًّا.

توفي إيليا أبو ماضي عام ١٩٥٧م في نيويورك إثر نوبة قلبية، تاركًا إنتاجًا أدبيًّا متميزًا قوامه أربعة دواوين، هي: «تذكار الماضي» و«ديوان إيليا أبي ماضي» و«الجداول» و«الخمائل»، وديوان خامس كان معدًّا للطبع أُطلق عليه: «تبر وتراب».

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤