خَوَاطِرُ الْأَرَقِ

Wave Image
يَــا لَــيْــلُ أَيْــنَ أَلِــيـفُ الْـهَـمِّ وَالـذِّكَـرِ
مُـسَـهَّـدُ الْـقَـلْـبِ عَوْنٌ لِي عَلَى السَّهَرِ؟
وَصَــاحِـبُ الْـهَـمِّ يَـبْـغِـي صِـنْـوَهُ أَبَـدًا
كَـسَـاهِـرِ الـلَّـيْـلِ يَـقْضِي اللَّيْلَ بِالسَّمَرِ
فَــقُــلْ لِأَحْــلَامِــكَ الـلَّاتِـي نُـرَاحُ لَـهَـا
قَـوْلِـي لِـمَـنْ هُـوَ رُوحُ الـضَّوْءِ وَالْبَصَرِ
خَـاضَ الـزَّمَـانُ مِـيَاهَ الْحُبِّ فَاعْتَكَرَتْ
كَـخَـائِـضِ الـنَّـهْـرِ أَبْـدَى كُـدْرَةَ الْـعَـكَـرِ
مَــرَاسِــمٌ لَـكَ دُونَ الْـقَـلْـبِ يَـدْرُسُـهَـا
كَـالـرِّيـحِ تَـمْحُو ظِلَالَ الزَّهْرِ فِي النَّهَرِ
وَعَـنْـكَـبُـوتٌ مِـنَ الـنِّـسْـيَـانِ نَـاسِـجَـةٌ
خَيْطًا عَلَى الْقَلْبِ يُخْفِي أَنْفَسَ الذُّخَرِ
جَـلَّـتْ عَـنِ الْـقَـلْبِ ذِكْرَى مِنْكَ طَارِقَةٌ
كَـمَـنْ يُـزِيـحُ الْـقَـذَى عَنْ شِرْعَةِ الْغَدَرِ
فَـابْـعَـثْ بِـذِكْـرَاكَ فِـي قَـلْـبٍ نَـبَـتَّ بِهِ
كَـالْـجِـذْرِ مُـسْـتَوْثِقًا فِي مَنْبِتِ الشَّجَرِ
فَإِنَّ زَهْـــرَةَ حُــسْــنٍ أَنْــتَ لَابِــسُــهَــا
تَـسْـقِـي دَمِـي مِـثْـلَ رَيِّ الْـمَـاءِ لِـلزَّهَرِ
وَالــذِّكْــرُ كَــالــطَّــرْفِ إِمَّــا نَــابَـهُ أَرَقٌ
يَـا عَـازِبَ الـنَّـوْمِ أَسْدِلْ حَاجِبَ الذِّكَرِ!
خَــوَاطِــرٌ كَـطُـيُـورِ الـرَّوْضِ سَـانِـحَـةٌ
تَـسْـتَـدْرِجُ الْـقَـلْـبَ أَخْـذَ الطَّيْرِ بِالنَّظَرِ
إِنْ غَـــرَّبَـــتْ فَإِلَـــى ذِكْــرَاكَ عَــائِــدَةٌ
عَـوْدَ الـطُّـيُـورِ إِلَى الْأَوْكَارِ فِي الشَّجَرِ
قَـدْ قُـلْـتُ لِـلْحُبِّ لَا تَعْتِبْ عَلَى سَكَنِي
لِــنَــبْــوَةٍ مِــنْــهُ فِــي أَيَّــامِــكِ الْأُخَـرِ
كَـمْ لِـي وَكَـمْ لَـكَ مِـنْ يَـوْمٍ لَـنَـا بَـهِـجٍ
بِـطَـلْـعَـةٍ مِـنْـهُ تَـحْـكِـي طَـلْـعَـةَ الْـقَمَرِ
إِنْ يَــقْـسُ قَـلْـبُـكَ فَـالْأَقْـدَارُ قَـاسِـيَـةٌ
وَأَسْــعَــدُ الــنَّــاسِ مَـنْ يَأَتَـمُّ بِـالْـقَـدَرِ
أَوْ يَــجْــفُ قَــلْـبُـكَ فَـالْأَثْـمَـارُ يَـانِـعَـةٌ
وَدُونَ ذَلِــكَ يُــبْــسٌ مِـنْ نَـوَى الـثَّـمَـرِ
أَوْ كَـانَ قَـوْلُـكَ مُـرَّ الـطَّـعْـمِ لَا عَـجَـبًـا
فَإِنَّ ثَـــغْــرَكَ كَأْسُ الْــعَــابِــسِ الْأَشِــرِ
فَــارْجُـمْ بِـقَـلْـبِـكَ قَـلْـبًـا أَنْـتَ مَـالِـكُـهُ
فَإِنَّ قَـلْـبَـكَ مِـثْـلُ الْـمَـاسِ فِي الْحَجَرِ
وَلَــسْــتَ أَوَّلَ مَـنْ أَصْـمَـى فَـلَا حَـرَجٌ
لِـلـنَّـاسِ رَجْـمٌ كَـرَجْـمِ الْـقِـرْدِ بِـالْـمَـدَرِ
لَـمْ يَـتْـرُكِ الـنَّـاسُ مِـنْ قَـلْـبِـي لَهُ رَمَقًا
حَــتَّــى أَقُــولَ تَــحَــرَّجْ مِـنْ دَمٍ هَـدِرِ
يَــرْمُــونَــنِـي بِـقُـلُـوبٍ فِـي مَـوَدَّتِـهِـمْ
أَقْـسَـى مِـنَ الصَّخْرِ فِعْلُ الرَّاجِمِ الْمَكِرِ
كَأَنَّـهَـا بَـعْـضُ أَحْـجَـارِ الْـجَـحِيمِ رَمَتْ
بِـهَـا شَـيَـاطِـيـنُ تُـبْـدِي صُـورَةَ الْـبَشَرِ
وَالْـحُـبُّ كَـالْـبَـحْـرِ لَا يَـخْشَى بِهِ غَرَقًا
مَـنْ غَـاصَ فِيهِ عَلَى الْأَصْدَافِ وَالدُّرَرِ
وَخَــالِــطٌ فِــي الْـهَـوَى لَـمْ يَـدْرِ لَـذَّتَـهُ
كَـخَـالِـطِ الْـكَأْسِ أَخْـطَـا لَـذَّةَ الـسُّـكُرِ!

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤