أَمَانِيُّ كَوَاذِبُ

Wave Image
مُـصَـابُـكَ أَجْـرَى دُمُـوعَ الْـمَـصَائِبْ
وَخَــطْــبُـكَ شَـدَّ وُجُـوهَ الْـمَـذَاهِـبْ
وَرُزْؤُكَ شَــقَّ عَــلَــى الْــعَــالَــمِــيـنَ
وَمَـنْ بَـعْـدَ رُزْئِكَ فِي الْعَيْشِ رَاغِبْ
وَهَـــذَا الــزَّمَــانُ قَــلِــيــلُ الْــجَــدَا
كَــثِـيـرُ الـذُّنُـوبِ عَـدِيـدُ الْـمَـثَـالِـبْ
رَمَـــانَـــا بِأَحْـــدَاثِـــهِ الْـــقَــاتِــلَاتِ
فَــمَــنْ ذَا نُـعَـادِي وَمَـنْ ذَا نُـعَـاتِـبْ
وَلَــوْ عَــلِــمَ الــدَّهْــرُ مَــا نَــالَ مِـنَّـا
رَدَاكَ أَتَـــانَـــا مِــنَ الْــغَــدْرِ تَــائِــبْ
وَلَــــوْ أَنَّ لِـــلْـــحَـــادِثَـــاتِ فُـــؤَادًا
لَأَصْـبَـحَ مِـنْ هَوْلِ ذَا الْخَطْبِ ذَائِبْ
فَــوَيْــلٌ لَــنَــا كَــيْــفَ نَــدْفَــعُ عَـنَّـا
بَــرَاثِــنَ لَــيْـثٍ مِـنَ الْـحَـيْـنِ وَاثِـبْ
وَكَــيْــفَ نَــرُومُ الْـبَـقَـاءَ وَنَـفْـسُ الْـ
ـبَــقَــاءِ لَــنَــا بِــالْــفَــنَــاءِ مُـطَـالِـبْ
وَمَــا دَامَ حَــتْـمًـا عَـلَـيْـنَـا الْـقَـضَـاءُ
فَــكُــلُّ أَمَــانِــي الـنُّـفُـوسِ كَـوَاذِبْ
•••
أَقِـلُّـوا مِـنَ الـدَّمْـعِ عِـنْـدَ الْـمُـصَـابِ
فَــمَــاذَا تَــرُدُّ الــدُّمُـوعُ الـسَّـوَاكِـبْ
فَـمَـا الْـمَـوْتُ إِنْ هَـيَّـجَـتْـهُ الدُّمُوعُ
سِــوَى زَائِــدٍ فِــي الْــعَـدَاءِ وَدَائِـبْ
أَخَـافُ يَـغُـولُ الـنُّـفُـوسَ الْـبَـوَاقِـي
إِذَا مَـا بَـكَـيْـنَـا الْـجُـسُـومَ الذَّوَاهِبْ
لَــوَ انَّ لَــنَــا عَــدَدَ الــرَّمْــلِ جُــنْـدًا
وَمِــلْءَ فَـسِـيـحِ الْـفَـضَـاءِ كَـتَـائِـبْ
وَحَـــالَـــفَـــنَـــا ذَارِيَـــاتُ الــرِّيَــاحِ
وَضَــافَــرَنَـا سَـارِيَـاتُ الـسَّـحَـائِـبْ
وَأَمْـسَـتْ سِـهَـامًـا نُـجُـومُ الـسَّـمَـاءِ
لَــنَــا وَحُــصُـونًـا بُـرُوجُ الْـكَـوَاكِـبْ
وَهَــاجَــمَــنَــا صَـرْفُ هَـذَا الـزَّمَـانِ
وَحِـيـدًا وَنَـحْـنُ هَـجَـمْـنَـا مَـوَاكِـبْ
لَــحَــكَّــمَ فِــيــنَــا سُــيُـوفَ الْـبَـلَاءِ
وَجَــرَّ عَــلَــيْــنَـا ذُيُـولَ الْـمَـصَـائِـبْ
•••
مُـــحَـــمَّـــدُ كُـــنْـــتَ إِمَــامًــا لَــنَــا
وَكُـنْـتَ ضِـيَـاءً لَـنَـا فِـي الْـغَـيَـاهِبْ
عَــظِــيــمَ الــذَّكَــاءِ كَــرِيــمَ الْإِبَــاءِ
عَـفِـيـفَ الـرِّدَاءِ شَـرِيـفَ الْـمَـنَـاقِبْ
وَكُــنْــتَ مِــجَــنًّــا لِــدِيــنِ الْــهُـدَى
تُــقَــارِعُ عَــنْــهُ سِــهَــامَ الْـمَـعَـائِـبْ
وَتَــنْــفِــي الْأَبَــاطِــيــلَ عَــنْـهُ بِـمَـا
حَـــبَــاكَ الْإِلَــهُ بِــهِ مِــنْ مَــوَاهِــبْ
لَــمَــسْـتَ الـشَّـرِيـعَـةَ فِـي شَـيْـبِـهَـا
فَــغَــادَرْتَــهَـا وَهْـيَ عَـذْرَاءُ كَـاعِـبْ
وَمَــا عَــابَ سَـعْـيَـكَ غَـيْـرُ حَـسُـودٍ
وَلَا شَــانَ رَأْيَــكَ غَــيْــرُ مُــشَـاغِـبْ
رَفَــعْــتَ مَــنَــارَ الْـهُـدَى وَالْـقَـضَـاءِ
وَدُورَ الْــعُــلُــومِ لِأَعْــلَـى الْـمَـرَاتِـبْ
وَقَــبْــلَــكَ كُــنَّــا كَــيَـعْـقُـوبَ قَـبْـلُ
تَــؤُوبُ بِــثَـوْبِ الْـعَـزِيـزِ الـرَّكَـائِـبْ
فَــعِــشْــتَ تُــقَــارِبُ أَهْــلَ الْــعَـزَائِـ
ـمِ مِــنَّــا وَأَهْـلَ الْـجُـمُـودِ تُـجَـانِـبْ
وَلِـــــلــــهِ دَاعٍ وَلِــــلــــنَّــــاسِ رَاعٍ
وَفِـي الْـخَـيْـرِ سَاعٍ وَلِلْحَقِّ صَاحِبْ
فَــعَــيْــشُـكَ رَاضٍ وَعَـزْمُـكَ مَـاضٍ
وَرَأْيُـــكَ قَــاضٍ وَفِــكْــرُكَ ثَــاقِــبْ
هَــدَيْـتَ الْـعُـصَـاةَ رَدَعْـتَ الـطُّـغَـاةَ
أَعَـنْـتَ الْـعُـفَـاةَ فَـتَـحْـتَ الْـمَـكَاتِبْ
فَــلَــيْــثُ صِــيَــالٍ وَغَــيْــثُ نَـوَالٍ
وَبَـــدْرُ مَــعَــالٍ وَبَــحْــرُ مَــوَاهِــبْ
وَصَــاحِــبُ رَأْيٍ لَــدَى الْــحَـادِثَـاتِ
تَــذِلُّ لَــدَيْــهِ رِقَــابُ الْــمَــصَـاعِـبْ
يَــرُدُّ الْــوِئَــامَ يَــفُــضُّ الْــخِــصَــامَ
يَـقُـدُّ الْـحُـسَـامَ حَـدِيـدَ الْـمَـضَـارِبْ
فَــيَــا وَيْــحَ لِــلْــمَــجْــدِ مَـدَّ الـرَّدَى
إِلَــيْــهِ بِــسَــهْــمٍ تَــلَـقَّـيْـتَ صَـائِـبْ
وَكَــانَــتْ سِــهَـامُ الْـمَـنَـايَـا قَـدِيـمًـا
تُـصِـيـبُ الْـحَـشَـا وَتُـذِيـبُ التَّرَائِبْ
وَعَــــمَّ مُـــصَـــابُـــكَ كُـــلَّ الْـــوَرَى
فَــــشَــــاكٍ وَبَـــاكٍ وَنَـــاعٍ وَنَـــادِبْ
وَأَضْحَى النَّحِيبُ عَلَى الْعَيْنِ فَرْضًا
وَبَـاتَ الْـوَجِـيبُ عَلَى الْقَلْبِ وَاجِبْ
وَهَــذَا يَــقُــولُ عَـلَـتْـنَـا الْـخُـطُـوبُ
وَذَاكَ يَــقُــولُ دَهَــتْــنَــا الــنَّـوَائِـبْ
فَــيَــا مِــصْــرُ صَــبْـرًا عَـلَـى فَـقْـدِهِ
فَـكُـلُّ اصْـطِـبَـارٍ حَـمِـيـدُ الْـعَـوَاقِبْ
وَيَــا خَــيْــرَ هَــادٍ وَيَـا خَـيْـرَ قَـاضٍ
وَيَـا خَـيْـرَ مُـفْـتٍ وَيَـا خَـيْـرَ كَـاتِـبْ
تَــغَــيَّــرَ بَــعْــدَكَ وَجْــهُ الــسَّــخَـاءِ
وَأَصْــبَــحَ وَجْـهُ الْـمَـكَـارِمِ شَـاحِـبْ
وَزُعْـــزِعَ رُكْـــنُ الْـــمُـــرُوءَةِ بَــعْــدَ
كَ وَانْــهَـارَ وَانْـدَكَّ مِـنْ كُـلِّ جَـانِـبْ
لِأَنَّــكَ كُــنْــتَ كَــفِــيــلَ الْـيَـتَـامَـى
مُـعِـيـنَ الْأَيَـامَـى مُـنِـيـلَ الـرَّغَـائِبْ
فَــمَــنْ بَــعْــدَ يَـوْمِـكَ لِـلْـبَـائِـسِـيـنَ
وَمَــنْ إِنْ أَهَـابَ الـضَّـرِيـرُ يُـجَـاوِبْ
تَــرَحَّــلْ حَــمِـيـدًا عَـلَـيْـكَ الـرِّضَـاءُ
فَــكُــلٌّ سَــيَــرْكَــبُ مَـا بِـتَّ رَاكِـبْ
لَـئِـنْ غَـيَّـبَ الـتُّـرْبُ جِـسْـمَ الدَّفِينِ
فَـمَـا جَوْهَرُ الرُّوحِ فِي التُّرْبِ غَائبْ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: رثاء الشيخ محمد عبده.
  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: المتقارب
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

محمد توفيق علي: شاعِرٌ مِصريٌّ يَنْتَمِي إِلى مَدْرَسةِ الإحْياءِ والبَعْثِ فِي الشِّعرِ العَرَبِي؛ تلكَ المَدْرَسةِ التِي وُصِفتْ بأنَّها أَحْيَتِ الشِّعرَ مِن مَرْقَدِه؛ حيثُ أعادَتْ بِناءَ القَصِيدةِ الشِّعريةِ بِناءً يُجدِّدُ فِي أَغْراضِها الشِّعريةِ ولا يَتَصرَّفُ فِي صُورتِها التَّقلِيديةِ المُتمثِّلةِ فِي وَحْدةِ الوَزنِ والقَافِية.

وُلِدَ محمد توفيق فِي قَرْيةِ «زاوية المصلوب» بمُحافَظةِ بني سويف عامَ ١٨٨١م أثناءَ الثَّوْرةِ العُرَابِية، وكانَ والِدُهُ مِن أَثْرياءِ الفَلَّاحِين، فأَلْحَقَه بِكُتَّابِ القَرْيةِ بِوَصْفِهِ أَوَّلَ بابٍ يُفْضِي إِلى مَدِينةِ العِلْمِ والدِّينِ فِي هَذا الزَّمَان، ثُم أَوفَدَهُ إلَى القاهِرة؛ فانْتَظَمَ بِمَدْرَسةِ «القِرَبِيَّة» حتَّى نالَ الشَّهادةَ الِابتِدَائِية، والْتَحقَ بَعدَها بِمَدرَسةِ الفُنُونِ والصَّنائِعِ فِي بولاق، ودَرَسَ بِها فُنونًا مِنَ الأَدَبِ العَرَبِي.

وكانَ القَدَرُ يَدَّخِرُ مُنْعطفًا آخَرَ فِي حَياةِ الشاعِر؛ إذِ اغْتنَمَ فُرصَةَ الإعْلانِ عَنِ الحَاجَةِ إِلى ضُبَّاطٍ بالمَدرَسةِ الحَرْبِية، فالْتَحَقَ بِها وتَخَرَّجَ ضَابِطًا عامَ ١٨٩٨م، ثُمَّ الْتَحَقَ بالجَيشِ المِصرِيِّ فِي السُّودان، وهُناكَ الْتَقَى بِشاعِرِ النِّيلِ حافظ إبراهيم ونَهَلَ مِن فَيْضِ شِعرِهِ الزَّاخِر، وبَعْدَ انْقِضاءِ مَهَمَّتِهِ فِي السُّودان عادَ إِلى مِصرَ وقرَّرَ أنْ يَهَبَ مَا بَقِيَ مِن عُمُرِهِ لِنَظْمِ الشِّعْر.

وعَلَى الرَّغْمِ ممَّا مُنِيَ بِه شاعِرُنا مِن ضائِقةٍ مالِيةٍ عصَفَتْ بثَرْوةِ أبيهِ وأَحالَتْهُ إِلى الفَقرِ والشَّقاءِ بَعدَ رَغَدٍ مِنَ النَّعِيمِ والثَّرَاء؛ فإنَّ ذلِكَ لَمْ يَمنَعْهُ مِن أنْ يُثرِيَ السَّاحةَ الأَدَبيةَ بالعَدِيدِ مِنَ الذَّخائِرِ الشِّعْرية؛ مِنْها دِيوانُهُ الكَبيرُ الذِي أَخرَجَهُ فِي خمسةِ أَجْزاء؛ هي: «قِفَا نَبْكِ»، و«السَّكَن»، و«الرَّوْضَة الفَيْحَاء»، و«تَسْبِيح الأَطْيَار»، و«تَرْنِيم الأَوْتَار».

وقَدْ وافَتْهُ المَنِيَّةُ عامَ ١٩٣٧م عَن عُمُرٍ ناهَزَ ٥٥ عامًا، ودُفِنَ فِي مَقْبرةِ أُسرَتِهِ الواقِعةِ عَلى مَشارِفِ الصَّحْراءِ شَرْقِيَّ النِّيل.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤