لَيْسَ الْبُكَاءُ وَإِنْ أُطِيلَ بِمُقْنِعِي

Wave Image
لَـيْـسَ الْـبُـكَـاءُ وَإِنْ أُطِـيـلَ بِمُقْنِعِي
الْـخَـطْـبُ أَعْـظَـمُ قِـيمَةً مِنْ أَدْمُعِي
أَوَكُــلَّــمَــا أَوْدَى الـزَّمَـانُ بِـمُـنْـفِـسٍ
مِـنِّـي جَـعَـلْـتُ إِلَى الْمَدَامِعِ مَفْزَعِي
هَـلَّا شَـجَـانِـي أَنَّ نَـفْـسِـيَ لَـمْ تَفِظْ
أَسَــفًــا وَأَنَّ حَــشَــايَ لَـمْ تَـتَـقَـطَّـعِ
مَـا كَـانَ هَـذَا الْـقَـلْـبُ أَوَّلَ صَـخْـرَةٍ
مَــلْـمُـومَـةٍ قُـرِعَـتْ فَـلَـمْ تَـتَـصَـدَّعِ
أَلْــقَــى الــسَّـلَامَ عَـلَـى أَبَـرَّ مُـؤَمَّـلٍ
وَحَـثَـا الـتُّـرَابَ عَـلَـى أَغَـرَّ سَـمَيْدَعِ
يَـا لَـلـرِّجَـالِ لِـنَـازِلٍ لَـمْ يُـحْـتَـسَـبْ
وَلِــحَــادِثٍ مَــا كَــانَ بِــالْــمُـتَـوَقَّـعِ
مَـا خِـلْـتُـنِـي أَلْـجَـا إِلَـى صَـبْـرٍ عَلَى
زَمَــنٍ بِــتَــفْــرِيــقِ الْأَحِــبَّــةِ مُـولَـعِ
تَـالـلـهِ مَـا جَـارَ الـزَّمَـانُ وَلَا اعْـتَدَى
بِأَشَــدَّ مِـنْ هَـذَا الْـمُـصَـابِ وَأَوْجَـعِ
خَـطْـبٌ يُـبَـرِّحُ بِـالْـخُـطُـوبِ وَفَادِحٌ
مَـنْ لَـمْ يَـمُـتْ جَـزَعًـا لَـهُ لَـمْ يَجْزَعِ
لَا أَسْـمَـعَ الـنَّـاعِـي فَأَيْـسَـرُ مَا جَنَى
صَـدْعُ الْـفُـؤَادِ بِـهِ وَوَقْـرُ الْـمَـسْـمَـعِ
يَــا قُــولُ قَـوْلَـةَ مُـكْـمَـدٍ مُـسْـتَـنْـزِرٍ
مَــاءَ الــشُّــئُــونِ لَــهُ وَنَـارَ الْأَضْـلُـعِ
شَــاكِــي الــنَّــهَــارِ إِذَا تَأَوَّبَ لَــيْـلُـهُ
هَـجَـعَ الـسَّـلِـيـمُ وَطَـرْفُـهُ لَمْ يَهْجَعِ
مَــلْآنَ مِــنْ حُـزْنٍ فَـلَـيْـسَ لِـتَـرْحَـةٍ
أَوْ فَــرْحَــةٍ بِــفُــؤَادِهِ مِــنْ مَـوْضِـعِ
يَـبْـكِـي لَهُ مَنْ لَيْسَ يَبْكِي مِنْ أَسًى
وَجْـدًا وَيُـصْدَعُ قَلْبُ مَنْ لَمْ يُصْدَعِ
أَشْــكُــو إِلَـى الْأَيَّـامِ فِـيـكَ رَزِيَّـتِـي
لَــوْ تَـسْـمَـعُ الْأَيَّـامُ شَـكْـوَى مُـوجَـعِ
وَأَبِــيــتُ مَــمْــنُـوعَ الْـقَـرَارِ كَأَنَّـنِـي
مَــا رَاعَــنِـي الْـحَـدَثَـانُ قَـطُّ بِأَرْوَعِ
وَرَنِـيـنِ مَـفْـجُـوعٍ لَـدَيْـكَ وَصَـلْـتُـهُ
بِــحَــنِــيـنِ بَـاكِـيَـةٍ عَـلَـيْـكَ مُـرَجَّـعِ
غَـلَـبَ الْأَسَـى فِـيكَ الْأُسَاةَ فَلَا أَرَى
مَـنْ لَا يُـكَـاثِـرُ عَـبْـرَتِـي وَتَـفَـجُّـعِـي
فَإِذَا صَـبَـرْتُ فَـقَـدْتُ مِـثْـلِيَ صَابِرًا
وَإِذَا بَـكَـيْتُ وَجَدْتُ مَنْ يَبْكِي مَعِي
قَدْ غَضَّ يَوْمُكَ نَاظِرِي بَلْ فَضَّ فَقْـ
ـدُكَ أَضْلُعِي وَأَقَضَّ بُعْدُكَ مَضْجَعِي
أَخْـضَـعْـتَـنِـي لِـلـنَّائِبَاتِ وَمَنْ يُصَبْ
يَـوْمًـا بِـمِـثْـلِـكَ يُـسْـتَـذَلَّ وَيَـخْضَعِ
وَأَهَـانَ خَـطْـبُكَ مَا بِقَلْبِي مِنْ جَوًى
كَـالـسَّـيْـلِ طَـمَّ عَـلَى الْغَدِيرِ الْمُتْرَعِ
يَــا قُــولُ مَــا خَــانَ الْـبَـقَـاءُ وَإِنَّـمَـا
صُـرِعَ الـزَّمَـانُ غَـدَاةَ ذَاكَ الْـمَـصْرَعِ
مَـا كُـنْـتُ خَـائِـفَـهَـا عَـلَـيْـكَ جِـنَايَةً
لَـوْ كَـانَ هَـذَا الـدَّهْـرُ يَـعْقِلُ أَوْ يَعِي
صُـلْ بَـعْدَهَا يَا دَهْرُ أَوْ فَاكْفُفْ وَخُذْ
مَـنْ شِـئْـتَ يَـا صَـرْفَ الْمَنِيَّةِ أَوْ دَعِ
قَـدْ بَـانَ بِـالْـمَـعْـرُوفِ أَشْـجَـى بَائِنٍ
وَنَـعَـى إِلَـيْـنَـا الْجُودُ أَعْلَى مَنْ نُعِي
غَــاضَ الْــحِــمَـامُ بِـزَاخِـرٍ مُـتَـدَفِّـقٍ
وَهَــوَى الْـحُـسَـامُ بِـبَـاذِخٍ مُـتَـمَـنِّـعِ
مِـنْ دَوْحَـةِ الْـحَسَبِ الْعَلِيِّ الْمُنْتَمَى
وَسُــلَالَــةِ الْـكَـرَمِ الْـغَـزِيـرِ الْـمَـنْـبَـعِ
إِنْ أَظْـلَـمَـتْ تِـلْـكَ الـسَّمَاءُ فَقَدْ خَلَا
مِـنْ بَـدْرِهَـا الْأَبْـهَـى مَـكَـانُ الْـمَطْلَعِ
أَوْ أَجْـدَبَـتْ تِـلْـكَ الـرِّبَـاعُ فَـبَـعْـدَمَا
وَدَّعْــتَ تَــوْدِيــعَ الْـغَـمَـامِ الْـمُـقْـلِـعِ
أَعْــزِزْ عَـلَـيَّ بِـمِـثْـلِ فَـقْـدِكَ هَـالِـكًـا
خَــلَــعَ الـشَّـبَـابَ وَبُـرْدَهُ لَـمْ يَـخْـلَـعِ
لَـوْ أُمْـهِـلَـتْ تِـلْـكَ الـشَّـمَـائِلُ لَمْ تَفُزْ
يَــوْمًــا بِأَغْــرَبَ مِــنْ عُـلَاكَ وَأَبْـدَعِ
قُـلْ لِـي لِأَيِّ فَـضِـيـلَـةٍ لَـمْ تُـبْـكِـنِـي
إِنْ كَـانَ قَـلْـبِـي مَـا بَـكَـاكَ وَمَدْمَعِي
لِـجَـمَـالِـكَ الْـمَـشْـهُـورِ أَمْ لِكَمَالِكَ الْـ
ـمَــذْكُــورِ أَمْ لِــنَــوَالِــكَ الْــمُـتَـبَـرِّعِ
مَـا خَـالَـفَ الْإِجْـمَـاعَ فِـيـكَ مَقَالَتِي
فَأُقِــيــمَ بَــيِّــنَــةً عَــلَــى مَـا أَدَّعِـي
أَيُــضَــيِّــعُ الْــفِــتْــيَـانُ عَـهْـدَكَ إِنَّـهُ
مَـا كَـانَ عِـنْـدَكَ عَـهْـدُهُـمْ بِـمُـضَـيَّعِ
قَـدْ كُـنْـتَ أَمْـرَعَـهُـمْ لِـمُـرْتَـادِ النَّدَى
كَـفًّـا وَأَسْـرَعَـهُـمْ إِلَـى الْـمُـسْـتَـفْـزِعِ
حَـلِـيَـتْ مَـجَـالِـسُـهُمْ بِذِكْرِكَ وَحْدَهُ
وَعَــطَــلْــنَ مِــنْ ذَاكَ الْأَبِــيِّ الْأَرْوَعِ
وَالـدَّهْـرُ يَـقْـطَـعُ بَـعْدَ طُولِ تَوَاصُلٍ
وَيُــشِــتُّ بَــعْــدَ تَــلَاؤُمٍ وَتَــجَــمُّــعِ
قُــبْــحًــا لِــعَــادِيَــةٍ رَمَــتْـكَ فَإِنَّـهَـا
عَــدَتِ الــذَّلِـيـلَ إِلَـى الْأَعَـزِّ الْأَمْـنَـعِ
مَـا كُـنْـتُ أَحْـسِـبُ أَنَّ ضَيْمًا وَاصِلٌ
بِـيَـدِ الـدَّنِـيِّ إِلَـى الـشَّـرِيـفِ الْأَرْفَـعِ
قَـــدَرٌ تَـــرَفَّــعَ يَــوْمَ رُزْئِــكَ هَــمُّــهُ
فَـرَمَـى إِلَـى الْـغَـرَضِ الْبَعِيدِ الْمَنْزَعِ
كَـيْـفَ الْغِلَابُ وَكَيْفَ بَطْشُكَ وَاحِدًا
فَـرْدًا وَأَنْـتَ مِـنَ الْـعِـدَى فِي مَجْمَعِ
عَـزَّ الـدِّفَـاعُ وَمَـا عَـدِمْـتَ مُـدَافِـعًـا
لَــوْلَا مَــقَــادِرُ مَــا لَــهَـا مِـنْ مَـدْفَـعِ
وَلَـقَـدْ لَـقِـيـتَ الْـمَـوْتَ يَـوْمَ لَـقِـيتَهُ
كَــرَمًــا بِأَنْــجَـدَ مِـنْـهُ ثَـمَّ وَأَشْـجَـعِ
عِــفْــتَ الــدَّنِـيَّـةَ وَالْـمَـنِـيَّـةُ دُونَـهَـا
فَـشَـرَعْـتَ فِـي حَـدِّ الـرِّمَاحِ الشُّرَّعِ
وَلَـوَ انَّـكَ اخْـتَـرْتَ الْأَمَـانَ وَجَـدْتَـهُ
أَنَّــى وَخَــدُّ الـلَّـيْـثِ لَـيْـسَ بِأَضْـرَعِ
مَـنْ كَـانَ مِـثْـلَـكَ لَـمْ يَـمُـتْ إِلَّا لَقًى
بَـيْـنَ الـصَّـوَارِمِ وَالْـقَـنَـا الْـمُـتَـقَـطِّعِ
جَـادَتْـكَ وَاكِـفَـةُ الـدُّمُـوعِ وَلَـمْ تَكُنْ
لَــوْلَاكَ مُــخْـجِـلَـةَ الْـغُـيُـومِ الْـهُـمَّـعِ
وَبَــكَــاكَ مُــنْــهَــلُّ الْــغَــمَــامِ فَإِنَّــهُ
مَـا كَـانَ مِـنْـكَ إِلَـى الـسَّمَاحِ بِأَسْرَعِ
وَتَــعَــهَّـدَتْ مَـغْـنَـاكَ سَـارِيَـةٌ مَـتَـى
تَـذْهَـبْ تَـعُـدْ وَمَـتَـى تُـفَـارِقْ تَرْجِعِ
تَــغْــشَــاكَ تَــائِـقَـةً تَـزُورُ وَتَـنْـثَـنِـي
بِــمُــسَــلِّــمٍ مِــنْ مُــزْنِــهَــا وَمُـوَدِّعِ
تَــحْـبُـوكَ مَـوْشِـيَّ الـرِّيَـاضِ وَإِنَّـمَـا
تُـهْـدِي الـرَّبِـيـعَ إِلَـى الـرَّبِـيعِ الْمُمْرِعِ
لَا يُــطْــمِــعِ الْأَعْــدَاءَ يَــوْمٌ سَـرَّهُـمْ
إِنَّ الــرَّدَى فِـي طَـيِّ ذَاكَ الْـمَـطْـمَـعِ
الــثَّأْرُ مَــضْــمُــونٌ وَفِــي أَيْــمَـانِـنَـا
بِــيـضٌ كَـخَـاطِـفَـةِ الْـبُـرُوقِ الـلُّـمَّـعِ
وَذَوَابِــلٌ تَــهْــوِي إِلَـى ثُـغَـرِ الْـعِـدَى
تَـوْقَ الْـعِـطَـاشِ إِلَـى صَفَاءِ الْمَشْرَعِ
قَــدْ آنَ لِــلــدَّهْـرِ الْـمُـضِـلِّ سَـبِـيـلَـهُ
أَنْ يَـسْـتَـقِـيـمَ عَـلَى الطَّرِيقِ الْمَهْيَعِ
مُـسْـتَـدْرِكًـا غَـلَـطَ الـلَّـيَـالِـي فِـيكُمُ
مُـتَـنَـصِّـلًا مِـنْ جُـرْمِـهَـا الْـمُسْتَفْظَعِ
أَفَـــغَـــرَّكُــمْ أَنَّ الــزَّمَــانَ أَجَــرَّكُــمْ
طِــوَلًا بِــغَـيِّـكُـمُ الْـوَخِـيـمِ الْـمَـرْتَـعِ
هَـلَّا وَمَـجْـدُ الـدِّينِ قَدْ عَصَفَتْ بِكُمْ
عَـزَمَـاتُـهُ بِـالْـغَـوْرِ عَـصْـفَ الـزَّعْـزَعِ
وَغَــدَاةَ عَــلْــعَــالَ الَّــتِــي رَوَّتْــكُـمُ
بِـالْـبِـيـضِ مِـنْ سُـمِّ الضِّرَابِ الْمُنْقَعِ
لَا تَأْمَــنُــنَّ صَــرِيــمَــةً عَــضْــبِــيَّــةً
مِـنْ أَنْ تُـقِـيـمَ الْـحَـقَّ عِـنْـدَ الْمَقْطَعِ
بِــقَــنًــا لِــغَـيْـرِ رَدَاكُـمُ لَـمْ تُـعْـتَـقَـلْ
وَظُــبًـى لِـغَـيْـرِ بَـوَارِكُـمْ لَـمْ تُـطْـبَـعِ
يَـا خَـيْـرَ مَنْ سُمِّي وَأَكْرَمَ مَنْ رُجِي
وَأَبَـرَّ مَـنْ نُـودِي وَأَشْـرَفَ مَـنْ دُعِي
إِنَّـا وَإِنْ عَـظُـمَ الْـمُصَابُ فَلَا الْأَسَى
فِــيـهِ الْـعَـصِـيُّ وَلَا الـسُّـلُـوُّ بِـطَـيِّـعِ
لَــنَــرَى بَــقَـاءَكَ نِـعْـمَـةً مَـحْـقُـوقَـةً
بِـالـشُّـكْـرِ مَـا سُـقِيَ الْأَنَامُ وَمَا رُعِي
وَلَــقَـدْ عَـلِـمْـتَ وَلَـمْ تَـكُـنْ بِـمُـعَـلَّـمٍ
أَنَّ الْأَسَـى وَالْـوَجْـدَ لَـيْـسَ بِـمُـنْجِعِ
هَـيْـهَـاتَ غَـيْـرُكَ مَنْ يَضِيقُ بِحَادِثٍ
وَسِـوَاكَ مَـنْ يَـعْـيَـى بِحَمْلِ الْمُضْلِعِ
دَانَـتْ لَـكَ الـدُّنْـيَـا كَأَحْـسَـنِ رَوْضَةٍ
شُـعِـفَ الـنَّـسِـيـمُ بِنَشْرِهَا الْمُتَضَوِّعِ
لَا زَالَ رَبْــعُ عُــلَاكَ غَــيْــرَ مُــعَـطَّـلٍ
أَبَــدًا وَسِــرْبُ حِــمَـاكَ غَـيْـرَ مُـرَوَّعِ
مَـا تَـاقَ ذُو شَـجَـنٍ إِلَـى سَـكَـنٍ وَمَا
وَجَــدَ الْــمُـقِـيـمُ عَـلَاقَـةً بِـالْـمُـزْمِـعِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال ابن الخياط هذه القصيدة يرثي بها السلار قول بن الأمير عثمان، وكان قُتل في البقاع سنة ٥٠١ﻫ ويعزي الأمير عضب الدولة.
  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

هو أحمد بن محمد بن علي بن يحيى التغلبي، يُعَد أحد رُواد الأدب العربي، وأشهر شعراء الشام الذين ساهموا في النهضة الشعرية التي شهدها العصر العباسي الثاني، اتسم شِعره بحُسن البيان، وجزالة العبارة، وعُمق المعنى.

وُلد في دمشق سنة ٤٥٠ﻫ/ ١٠٥٨م، حين كانت تحت سيطرة الدولة الفاطمية، ونشأ وترعرع بها؛ فدرس علوم اللغة، والكتابة، ونَظَم فيها أُولى قصائده. وظل بها حتى سيطر عليها السلاجقة فهاجر منها إلى حماة، وكان عُمره آنذاك ثمانية عشر عامًا، ومكث في حماة مدةً قاربت اثنتَي عشرة سنة، واتصل بأميرها «محمد بن مانك» وعمل عنده كاتبًا، ثم انتقل إلى شينيز ومدح أميرها «علي بن مقلد بن منقذ»، ومنها إلى حلب السورية، وهناك التقى ﺑ «ابن حيُّوس» أشهر شعراء زمانه، ولازَمه مدةً حتى صار امتدادًا لشِعره، ثم اتجه غربًا إلى طرابلس الليبية التي أقام فيها مدةً قاربت عشر سنوات، وفيها ذاع صِيتُه، ووصلت شُهرته الآفاق، ونَظَم أبدع قصائده وأشهرها، وتَقرَّب من حاكمها «جلال الدين بن عمار»، ثم عاد ثانيةً إلى دمشق وحط فيها رِحاله، وصاحَب وزيرها السلجوقي «هبة الله بن بديع الأصفهاني».

سُمي ﺑ «ابن الخياط» لاشتغال أبيه بحرفة الخياطة، وسُمي بالكاتب لاشتغاله بالكتابة؛ حيث عمل كاتبًا لدى أمراء الدولة العباسية، كما نَظَم الشعر بأغراضه المتنوعة، كالهِجاء، والرِّثاء، والغزَل، ولكنَّ النصيب الأوفر من قصائده كان في المديح، حتى اشتُهر بذلك؛ فذكَرَته كُتُب المؤرخين المعاصرين بأنه من الشعراء المُجيدين، امتَدح الناس، وطاف البلاد، ودخل بلاد العجم وامتَدح أهلها. وصل إلينا ديوانه الذي حوى أبهى قصائد الشعر العربي، وأعذب العبارات، وأبلغ المعاني.

تُوفِّي «ابن الخياط» بدمشق في ١١ رمضان ٥١٧ﻫ/١ نوفمبر ١١٢٣م، عن عُمرٍ يُناهز سبعًا وستين سنة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤