بَيْنَ أَهْلِ الْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ

Wave Image
بَــيْـنَ أَهْـلِ الْـجُـحُـودِ وَالـتَّـكْـذِيـبِ
كُـــلُّ أَمْــرٍ مِــنَ الْأُمُــورِ عَــجِــيــبِ
تَـــرَكُـــوا رِيـــبَــةً بِأَهْــلِ ارْتِــيَــابٍ
وَاسْــتَــرَابُــوا فِــي أَمْـرِ كُـلِّ أَرِيـبِ
كَــثُــرَ الْإِفْــتِــرَاءُ مِــنْــهُــمْ جِــهَـارًا
وَلَــهُــمْ فِــيــهِ غَــايَــةُ الـتَّـشْـبِـيـبِ
وَلَـــــهُ بَــــيْــــنَــــهُــــمْ إِدَارَةُ كَأْسٍ
مَـــزَجَـــتْــهُ حَــلَاوَةُ الــتَّــقْــرِيــبِ
كَـمْ سَـمِـعْـنَـا مِـنْـهُـمْ قَـبِـيحَةَ قَذْفٍ
أَوْصَــلُــوهَــا بِــالْـعَـارِ وَالـتَّـعْـيِـيـبِ
طَــعَــنُــوا بِــالــتَّــوَهُّـمَـاتِ عَـلَـيْـنَـا
فِـــي أُمُــورٍ بَــدَتْ لِــكُــلِّ لَــبِــيــبِ
وَاسْـتَـخَـفُّـوا بِـنَـا عَـلَـى سُـوءِ ظَـنٍّ
ثُــمَّ عَــادُوا بِــالــلَّــوْمِ وَالــتَّأْنِــيـبِ
أَنْــكَــرُوا رُؤْيَــةَ الْــمِــلَاحِ وَأَلْــغَــوْا
بِـالـتَّـسَـاوِي مَـا بَـيْـنَ ظَـبْـيٍ وَذِيبِ
وَأَرَادُوا إِبْــــطَــــالَ رُؤْيَــــةِ فَــــرْقٍ
فِـي الْـوَرَى بَـيْـنَ يَـابِـسٍ وَرَطِـيـبِ
كُـلُّ ذَا مِـنْ كَـثَـافَـةِ الـطَّـبْـعِ فِـيـهِـمْ
وَقُـصُـورِ الْـعَـقْـلِ الْـخَبِيثِ السَّلِيبِ
وَلَــهُــمْ قُــبْــحُ نِــيَّـةٍ فِـي سِـوَاهُـمْ
أَوْصَــلَــتْـهُـمْ غَـدًا إِلَـى الـتَّـعْـذِيـبِ
طَـالَ مَـا أَهْـلَـكَ الْـمُـهَـيْـمِـنُ مِـنْـهُمْ
جَــسَــدًا مِــنْ ضَـلَالِـهِ فِـي لَـهِـيـبِ
وَأَكَــبَّ الْإِلَــهُ فِــي الــنَّــارِ نَــفْــسًـا
نَــشَأَتْ بِــالــنِّــفَــاقِ فِــي تَـقْـلِـيـبِ
وَابْـــتَـــلَاهُـــمْ رَبِّـــي بِــكُــلِّ بَــلَاءٍ
عَــلَّ أَنْ يَــرْجِـعُـوا بِـقَـلْـبٍ مُـنِـيـبِ
وَعَــلَــيْــهِــمْ مِــنَ الــرَّزَايَـا تَـوَالَـتْ
ظُــلُــمَــاتٌ كَـوَابِـلٍ فِـي الـصَّـبِـيـبِ
فَأَصَــرُّوا وَاسْــتَــكْــبَـرُوا بِـنُـفُـوسٍ
لَــمْ تَــخَـفْ مِـنْ رَبٍّ إِلَـيْـهَـا قَـرِيـبِ
لَا اتِّـــعَــاظٌ وَلَا اعْــتِــبَــارٌ بِــشَــيْءٍ
عِــنْــدَهُــمْ فِــي شَـهَـادَةٍ وَمَـغِـيـبِ
وَهُــمُ الْــعُـمْـيُ عَـنْ سَـوَاءِ سَـبِـيـلٍ
لَا يُــبَــالُــونَ بِــالْـبَـصِـيـرِ الـرَّقِـيـبِ
أَهْـمَـلُـوا الـنَّفْسَ ثُمَّ فِي الْغَيْرِ هَمُّوا
بِــكَــثِــيــرِ الـتَّـنْـقِـيـرِ وَالـتَّـنْـقِـيـبِ
كُــلَّـمَـا نُـبِّـهُـوا عَـلَـى الْـحَـقِّ نَـامُـوا
عَــنْــهُ بِــالْإِضْــطِــرَارِ وَالـتَّـغْـلِـيـبِ
بَــعُــدَتْ شُــقَّــةُ الْـكَـمَـالِ عَـلَـيْـهِـمْ
فَــتَــسَــلَّــوْا عَـنْ ذَاكَ بِـالـتَّـكْـذِيـبِ
قُـمْـتُ فِـيـهِـمْ مُـعَلِّمًا حَسْبَ جَهْدِي
نَــاصِــحًــا بَـيْـنَ سَـائِـلٍ وَمُـجِـيـبِ
دَاعِــيًــا لِــلْــهُــدَى بِإِخْـلَاصِ قَـلْـبٍ
وَكَـــلَامٍ فَــصْــلٍ وَصَــدْرٍ رَحِــيــبِ
حَــافِــظًـا مَـعْ كَـبِـيـرِهِـمْ وَصَـغِـيـرٍ
حُــرُمَــاتِ الْــوِدَادِ بِــالــتَّــرْحِــيـبِ
فَــرَأَوْنِــي بِــوَصْــفِــهِــمْ وَرَمَـوْنِـي
بِــالَّــذِي فِــيـهِ هُـمْ مِـنَ الـتَّـرْكِـيـبِ
زَعَــمُــوا أَنَّ حِـذْقَـهُـمْ كَـاشِـفٌ عَـنْ
خُبْثِ أَمْرِي فَاسْتَقْبَحُوا نَفْحَ طِيبِي
قَــلَّــبُــونِــي وَغَــيَّــرُونِــي لَـدَيْـهِـمْ
وَعَـلَـى الـنَّـاسِ أَعْـجَـمُـوا تَـعْـرِيبِي
أَلْـحَـدُوا فِـي صِفَاتِ مَدْحِي وَمَالُوا
عَــنْ صَــوَابِـي وَأَبْـعَـدُوا تَـقْـرِيـبِـي
فَــعَـلُـوا مِـثْـلَ فِـعْـلِ أَهْـلِ اعْـتِـزَالٍ
فِـي كَـلَامِ الْـمُـهَـيْـمِـنِ الْـمُـسْتَجِيبِ
حَـيْـثُ قَـالُـوا فِـيـهِ بِأَغْـرَاضِ نَفْسٍ
يَــتَــقَــالَــوْنَ كُــلَّ رَوْضٍ خَـصِـيـبِ
جَـــعَـــلُـــوهُ مَــذَاهِــبًــا بِــعُــقُــولٍ
دَبَّ فِــيــهَـا الْـوَسْـوَاسُ أَيَّ دَبِـيـبِ
وَأَحَـــالُـــوهُ بَـــاطِـــلًا وَهْـــوَ حَــقٌّ
ظَـاهِـرُ الْـحُـكْـمِ عِـنْـدَ كُـلِّ نَـجِـيـبِ
كُــلُّ هَــذَا وَلَــيْـسَ يَـخْـفَـى أَذَانِـي
بِــالْــهُــدَى بَــيْــنَـهُـمْ وَلَا تَـثْـوِيـبِـي
وَأَنَــا الــشَّــمْــسُ لَا تَـرَانِـي عُـيُـونٌ
عَـمِـيَـتْ عَـنْ جَـمَـالِ وَجْـهِ حَـبِيبِي
فَإِذَا رُمْــتَـنِـي فَـسِـرْ مِـثْـلَ سَـيْـرِي
لَا تُـصَـافِـحْ كَـفِّـي بِـكَـفٍّ خَـضِـيـبِ
كُــنْ مَــعِــي لِـي مُـقَـلِّـدًا أَوْ تَـوَقَّـفْ
دَائِـمًـا لَا تَـخُـضْ مَـعَ الْـمُـسْـتَـغِـيبِ
لَـمْ أُكَـلِّـفْـكَ أَنْ تَـرَى حُـسْـنَ حَـالِـي
فِـي الْـبَـرَايَـا أَوْ أَنْ تَـكُـونَ نَـسِـيبِي
أَوْ عَـلَـى الـنَّـصْـرِ لِـي أَرَاكَ مُـقِـيـمًـا
أَوْ بِــدُنْــيَــاكَ أَنْ تَــزِيــدَ نَـصِـيـبِـي
إِنَّــمَــا الْــجُــودُ مِــنْـكَ جُـودُ ذُبَـابٍ
كُـفَّ جَـهْـدًا مِـنَ الْأَذَى عَـنْ لَـسِـيبِ
يَـا نُـفُـوسًـا يَـسْـتَـنْـبِـطُـونَ الْمَعَانِي
مِــنْ قَــبِــيــحِ الْـكَـلَامِ بِـالـتَّـرْتِـيـبِ
إِنْ تَـكُـونُـوا فِي السُّوءِ أَهْلَ اجْتِهَادٍ
أَهْــلُــهُ بَــيْـنَ مُـخْـطِـئٍ وَمُـصِـيـبِ
وَأَرَاكُــمْ مُــصَــمِّــمِــيــنَ عَــلَـى مَـا
فِــيــهِ أَنْــتُــمْ بِــغَــيْـرِ مَـا تَـثْـرِيـبِ
أَتُـــسَـــاوُونَ كُــلَّ أَبْــيَــضِ عِــرْضٍ
فِــي الْــمَــعَــالِــي بِأَسْـوَدٍ غِـرْبِـيـبِ
هَـبْ عَـلَـيْـكُـمْ تَـلُـوحُ مُـشْـتَـبِـهَـاتٍ
أَنْـفُـسُ الْـقَـوْمِ وَهْـيَ فِـي تَـهْـذِيـبِ
مَـا اسْـتَطَعْتُمْ بِالذَّوْقِ أَنْ تَفْرُقُوا مَا
بَــيْــنَ فَــرْثٍ وَرَائِــقٍ مِــنْ حَـلِـيـبِ
مَـا نُـفُـوسٌ قَـدْ أَسْـلَـمَـتْ كَـنُـفُوسٍ
عَــابِــدَاتٍ مِــنَ الْـهَـوَى لِـلـصَّـلِـيـبِ
رُبَّ نَـــاسٍ لَــهُــمْ جُــسُــومُ رِجَــالٍ
وَنُــفُــوسٍ خَــلَــتْ مِــنَ الــتَّأْدِيـبِ
وَعُــقُــولٍ بِــالْـوَهْـمِ تَـنْـقَـادُ طَـوْعًـا
لِـلْـهَـوَى وَالـضَّـلَالِ قَـوْدَ الْـجَـنِـيـبِ
مَــنْ أَتَــاهُــمْ بِــعِــلْـمِـهِـمْ جَـحَـدُوهُ
كَـيْـفَ مَـنْ جَـاءَهُـمْ بِـعِـلْـمٍ غَـرِيـبِ
بَــادَرُوا بِــالْــوُقُــوعِ فِـي أَهْـلِ بَـدْرٍ
ثُـمَّ أَضْـحَـى وُقُـوعُـهُـمْ فِي الْقَلِيبِ
أَنْـكَـرُوا الْكَشْفَ فِي الطَّرِيقِ وَقَالُوا
كُـــلُّ هَــذَا تَــخَــيُّــلَاتُ الْــمُــرِيــبِ
فَــتَــرَاهُــمْ لِــلــشَّــرِّ فِــي تَــهْـوِيـنٍ
وَتَــرَاهُــمْ لِـلْـخَـيْـرِ فِـي تَـصْـعِـيـبِ
أَنْــطَــقُــوا كُــلَّ بُــومَــةٍ بِــهَــوَاهُـمْ
وَأَرَادُوا الــسُّــكُــوتَ لِــلْـعَـنْـدَلِـيـبِ
حَــاوَلُـوا يُـطْـفِـئُـونَ بِـالـزُّورِ نُـورِي
وَيُــذِلُّــونَ عِــزَّ قَــدْرِي الْــمَــهِــيـبِ
فَــرَأَوْا مِــنْ عِــنَــايَــةِ الـلـهِ بِـي مَـا
أَصْـبَـحُـوا مِـنْـهُ فِـي أَسًـى وَنَحِيبِ
وَإِلَــى الــلــهِ قَـدْ تَـوَسَّـلْـتُ فِـيـهِـمْ
وَعَــلَــيْـهِـمْ رَبُّ الْـعِـبَـادِ حَـسِـيـبِـي

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: العثماني

عن الشاعر

عبد الغني النابلسي الدمشقي: شاعر، وفقيه، ورحَّالة، ومتصوِّف سوري، يرجع نسَبُه إلى «عمر بن الخطاب».

وُلد «عبد الغني النابلسي» في دمشق عام ١٦٤١م في بيتِ عِلم؛ فقد كان جدُّه مدرِّسًا لجامع «درويش باشا» وناظرًا لوَقْفه، وقد تَولى أبوه المهامَّ نفسَها بعد وفاة جدِّه. كان أبوه أولَ معلِّم له؛ فقد حفظ على يدَيه القرآنَ الكريم في سِن الخامسة، وحين بلَغ العاشرة حفظ كثيرًا من المقدِّمات والمنظومات مثل: «ألفية ابن مالك في النحو»، و«الشاطبية في القراءات»، و«الرحبانية في الفرائض»، و«الجَزرية في التجويد»، كما تابَع دروس «نجم الدين الغزي» في الحديث في الجامع الأموي، وحصل على أول إجازة عامة في الحديث.

عمل «النابلسي» مدرسًا في الجامع الأموي وهو في سِن العشرين من عمره، وحين بلغ الخامسةَ والعشرين ارتحل إلى أدرنة بالدولة العثمانية ثم زار إسطنبول، وبعد عودته عُيِّن قاضيًا في حي الميدان جنوب دمشق، لكنه استقال من منصبه ليتفرَّغ للتدريس والتأليف.

تَجاوَزت مُؤلَّفاته ثلاثمائة عمل مُوزَّعة بين الشِّعر وأدب الرحلات والفقه والتصوُّف والحديث والتفسير؛ ومن أبرزها: «إيضاح المقصود من وَحْدة الوجود»، و«الوجود الحق والخطاب الصدق»، و«التعبير في تفسير الأحلام»، و«ديوان الدواوين» وهو مجموعُ شِعره، و«أسرار الشريعة»، و«الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية»، و«ذخائر المواريث في الدلالة على مَواضع الحديث»، وغير ذلك من المصنَّفات الغنية التي تُعَد مصادرَ مهمة في مجالاتها.

اشتهر بالتصوُّف ومُجاهَدة النفس حتى وصل إلى مرتبة العارفين، وكان يَتبنى أفكارَ «محيي الدين بن عربي» ويُدافِع عنه ضدَّ مُنتقِديه، ودخَل في معركة حامية مع علماء وفقهاء عصره حول أفكاره الصوفية والقول بوَحْدة الوجود، وتَعرَّض على إثرها لأزمةٍ نفسية حادة في سن الأربعين، اضطرَّ على إثرها إلى الاعتزال في بيته لمدة سبع سنوات، قضاها في التأليف والتدريس، وأسدَل شَعره في أثنائها، وأرخى لحيتَه، وطلَّق زوجته، لكنه خرج بعدها إلى الناس الذين ازداد احترامُهم له بعدَ أن كانوا قد رمَوه بالحجارة قبل خلوته.

تُوفِّي «النابلسي» عام ١٧٣١م في دمشق، ودُفِن بالقبة التي بناها في بيته، والتي أُقيم عليها جامعٌ بعد ذلك.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤