نَذَرْتُكَ لِلْعُلُومِ

Wave Image
قَضَى مَنْ كُنْتَ تَجْزَعُ أَنْ يَصِيحَا
وَخَـطُّـوا فِـي الـتُّـرَابِ لَهُ ضَرِيحَا
وَأَمْـسَـى لَا يُـجِـيـبُـكَ حِينَ تَدْعُو
وَكُـنْـتَ عَـهِـدْتَـهُ لَـسِـنًـا فَـصِـيحَا
هِـــلَالٌ لَاحَ لِـــلـــدُّنْـــيَـــا ثَــلَاثًــا
وَأَقْــسَــمَ بَــعْــدَهَــا أَلَّا يَــلُــوحَـا
لَـيَـالِـيَ خِـلْـتُـهَـا لَـيْـسَـتْ سِـنِـينًا
وَرَيْــحَــانًـا وَإِنْ قَـصُـرَتْ وَرُوحَـا
سَــقَــى الـلـهُ الـثَّـرَى نَـهْـلًا وَعَـلًّا
وَإِنْ كُــنَّــا وَجَــدْنَــاهُ شَــحِـيـحَـا
لَــقَـدْ عَـرَفَ الـتُّـرَابُ الـسِّـرَّ لَـكِـنْ
سَــيَـبْـخَـلُ إِنْ سَأَلْـنَـا أَنْ يَـبُـوحَـا
غَـرِيـمَ الْـمَـوْتِ إِنْ لَـمْ تَـلْـقَ دَمْعًا
تَـجُـودُ بِـهِ فَـخُـذْ جَـفْـنًـا قَـرِيـحَا
تَـرَى حُـمْـرَ الـدُّمُـوعِ تَـسِـيـلُ مِنْهُ
عَـلَـى نَـحْـرِي فَـتَـحْـسَبُنِي ذَبِيحَا
فَــبِــي هَــمٌّ أَسَــالَ الـرُّوحَ دَمْـعًـا
وَأَضْـنَـى الْـجِسْمَ حَتَّى عَادَ رُوحَا
يُــرَنِّــحُــنِـي الـصَّـبَـاحُ إِذَا تَـبَـدَّى
كَأَنِّـي أحْـتَـسِـي مِـنْـهُ الـصَّـبُـوحَا
وَأَقْـضِـي الـلَّـيْـلَ آيُ الْـحُزْنِ تُتْلَى
عَـلَـيَّ وَمُـعْـجِـزَاتُ الْكَرْبِ تُوحَى
تَـهُـزُّ سَـوَافِـحُ الْـعَـبَـرَاتِ جِـسْمِي
كَأَنِّــي مُــمْـتَـطٍ فَـرَسًـا جَـمُـوحَـا
أُنَــادِي يَــا عَــلِــيُّ وَأَيْــنَ مِــنِّــي
عَــلِــيُّ وَدُونَــهُ جَــلَــدِي نُـزُوحَـا
قَــدِ اتَّــخَـذَ الْـوَسَـائِـدَ مِـنْ رِمَـالٍ
قَـدِ افْـتَـرَشَ الْـجَنَادِلَ وَالصَّفِيحَا
لَـئِـنْ تَـكُ يَـا بُـنَـيَّ قَـضَـيْتَ سُقْمًا
فَإِنَّـكَ لَـمْ تَـعِـشْ يَـوْمًـا صَـحِيحَا
وَلَـمْ تَـبْـسِـمْ عَـلَـى الـدُّنْيَا وَحَتَّى
حَــمَــاكَ الْـهَـمُّ فِـيـهَـا أَنْ تَـنُـوحَـا
نَــذَرْتُــكَ لِــلْـعُـلُـومِ وَكُـنْـتَ أَهْـلًا
لِــنَــيْــلِ الْــعِـلْـمِ لَـوْلَا مَـا أُتِـيـحَـا
جَــبِــيـنٌ لَاحَ نُـورُ الْـفَـضْـلِ فِـيـهِ
وَقَـدْ وَضَحَتْ بِهِ التَّقْوَى وُضُوحَا
وَوَجْـهٌ شِـمْـتُ ضَوْءَ الْجُودِ يَبْدُو
بِــهِ وَشَــمَـمْـتُ لِـلْـعَـلْـيَـاءِ رِيـحَـا
إِذَا شَـاهَـدْتَ ضَـوْءَ الْـفَـجْـرِ يَبْدُو
فَإِنَّ الـشَّـمْـسَ تُـوشِـكُ أَنْ تَـلُوحَا
فَــمَـا لَـكَ كُـنْـتَ ذَا أَجَـلٍ قَـصِـيـرٍ
وَكُـنْـتُ ظَـنَـنْـتُـهُ أَجَـلًا فَـسِـيـحَـا
سَــقَــاكَ الــلــهُ رِضْــوَانًـا وَأَهْـدَى
لِـرُوحِـكَ مِـنْ عَـبِـيـرِ الْخُلْدِ رُوحَا
عَـهِـدْتُكَ لَمْ تَنَمْ فِي الْأَرْضِ سُقْمًا
فَــنَـمْ فِـي دَارِ رَبِّـكَ مُـسْـتَـرِيـحَـا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال الشاعر هذه القصيدة يرثي بها ابنًا له مات صغيرًا.
  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

محمد توفيق علي: شاعِرٌ مِصريٌّ يَنْتَمِي إِلى مَدْرَسةِ الإحْياءِ والبَعْثِ فِي الشِّعرِ العَرَبِي؛ تلكَ المَدْرَسةِ التِي وُصِفتْ بأنَّها أَحْيَتِ الشِّعرَ مِن مَرْقَدِه؛ حيثُ أعادَتْ بِناءَ القَصِيدةِ الشِّعريةِ بِناءً يُجدِّدُ فِي أَغْراضِها الشِّعريةِ ولا يَتَصرَّفُ فِي صُورتِها التَّقلِيديةِ المُتمثِّلةِ فِي وَحْدةِ الوَزنِ والقَافِية.

وُلِدَ محمد توفيق فِي قَرْيةِ «زاوية المصلوب» بمُحافَظةِ بني سويف عامَ ١٨٨١م أثناءَ الثَّوْرةِ العُرَابِية، وكانَ والِدُهُ مِن أَثْرياءِ الفَلَّاحِين، فأَلْحَقَه بِكُتَّابِ القَرْيةِ بِوَصْفِهِ أَوَّلَ بابٍ يُفْضِي إِلى مَدِينةِ العِلْمِ والدِّينِ فِي هَذا الزَّمَان، ثُم أَوفَدَهُ إلَى القاهِرة؛ فانْتَظَمَ بِمَدْرَسةِ «القِرَبِيَّة» حتَّى نالَ الشَّهادةَ الِابتِدَائِية، والْتَحقَ بَعدَها بِمَدرَسةِ الفُنُونِ والصَّنائِعِ فِي بولاق، ودَرَسَ بِها فُنونًا مِنَ الأَدَبِ العَرَبِي.

وكانَ القَدَرُ يَدَّخِرُ مُنْعطفًا آخَرَ فِي حَياةِ الشاعِر؛ إذِ اغْتنَمَ فُرصَةَ الإعْلانِ عَنِ الحَاجَةِ إِلى ضُبَّاطٍ بالمَدرَسةِ الحَرْبِية، فالْتَحَقَ بِها وتَخَرَّجَ ضَابِطًا عامَ ١٨٩٨م، ثُمَّ الْتَحَقَ بالجَيشِ المِصرِيِّ فِي السُّودان، وهُناكَ الْتَقَى بِشاعِرِ النِّيلِ حافظ إبراهيم ونَهَلَ مِن فَيْضِ شِعرِهِ الزَّاخِر، وبَعْدَ انْقِضاءِ مَهَمَّتِهِ فِي السُّودان عادَ إِلى مِصرَ وقرَّرَ أنْ يَهَبَ مَا بَقِيَ مِن عُمُرِهِ لِنَظْمِ الشِّعْر.

وعَلَى الرَّغْمِ ممَّا مُنِيَ بِه شاعِرُنا مِن ضائِقةٍ مالِيةٍ عصَفَتْ بثَرْوةِ أبيهِ وأَحالَتْهُ إِلى الفَقرِ والشَّقاءِ بَعدَ رَغَدٍ مِنَ النَّعِيمِ والثَّرَاء؛ فإنَّ ذلِكَ لَمْ يَمنَعْهُ مِن أنْ يُثرِيَ السَّاحةَ الأَدَبيةَ بالعَدِيدِ مِنَ الذَّخائِرِ الشِّعْرية؛ مِنْها دِيوانُهُ الكَبيرُ الذِي أَخرَجَهُ فِي خمسةِ أَجْزاء؛ هي: «قِفَا نَبْكِ»، و«السَّكَن»، و«الرَّوْضَة الفَيْحَاء»، و«تَسْبِيح الأَطْيَار»، و«تَرْنِيم الأَوْتَار».

وقَدْ وافَتْهُ المَنِيَّةُ عامَ ١٩٣٧م عَن عُمُرٍ ناهَزَ ٥٥ عامًا، ودُفِنَ فِي مَقْبرةِ أُسرَتِهِ الواقِعةِ عَلى مَشارِفِ الصَّحْراءِ شَرْقِيَّ النِّيل.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤