بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ

Wave Image
أَرَى لِــلــرُّوحِ بِــالْــبَـدَنِ اتِّـصَـالًا
خَــفِــيًّــا لَا تَــبِــيــنُ لَـهُ رُسُـومُ
تُـطِـيـفُ بِـهِ الْهَوَاجِسُ شَاعِرَاتٍ
وَتَـعْـجِـزُ عَـنْ حَـقِـيـقَتِهِ الْفُهُومُ
فَإِنَّ الــرُّوحَ لِــلْــجُــثْــمَـانِ تِـلْـوٌ
بِــهِ مِــنْــهَـا وَمِـنْـهُ بِـهَـا وُسُـومُ
يَـــتِــمُّ كِــلَاهُــمَــا هَــذَا بِــهَــذَا
كَــذَلِــكَ تَــمَّ أَمْـرُهُـمَـا الْـقَـوِيـمُ
فَــلَا جَـسَـدٌ يَـقُـومُ بِـغَـيْـرِ رُوحٍ
وَلَا رُوحٌ بِـــلَا جَـــسَــدٍ تَــقُــومُ
هُــمَــا مُــتَــلَازِمَــانِ فَـمَـا لِـكُـلٍّ
بِــغَــيْــرِ قَــرِيــنِــهِ أَبَــدًا لُــزُومُ
لِـــذَلِــكَ كَــانَــتِ الْأَرْوَاحُ مِــنَّــا
بِـحَـيْثُ تَهِي إِذَا وَهَتِ الْجُسُومُ
وَلَـسْـتُ أَظُـنُّ أَنَّ الـرُّوحَ تَـبْـقَى
إِذَا مُـحِـيَتْ مِنَ الْجَسَدِ الرُّسُومُ
وَرُبَّـــتَــمَــا يَــكُــونُ لَــهَــا دَوَامٌ
وَلَــكِــنْ غَــيْــرَ شَــاعِــرَةٍ تَـدُومُ
وَمَـا هَـبَـطَتْ مِنَ الْخَضْرَاءِ لَكِنْ
مِـنَ الْـغَـبْـرَاءِ أَنْـبَـتَـهَـا الْـحَـكِيمُ
•••
وَأَمَّـــا هَـــذِهِ الْأَجْــسَــامُ مِــنَّــا
فَـتَـبْـنِـيـهَـا الْـمَآكِـلُ وَالـطُّـعُـومُ
وَتُـرْوِيـهَـا الْمَشَارِبُ وَالْمَحَاسِي
وَتُـذْوِيـهَـا الـلَّـوَافِـحُ وَالـسَّـمُومُ
وَيُـوهِـنُـهَـا الـتَّـقَـشُّفُ وَالتَّضَنِّي
وَيُـحْـسِـنُـهَـا الـتَّـتَـرُّفُ وَالـنَّعِيمُ
وَبَـعْـضٌ مِـنْ مَـطَـاعِـمِـنَـا غِـذَاءٌ
تُـحَـاكُ عَـلَـى الْعِظَامِ بِهِ اللُّحُومُ
وَبَـعْـضٌ مِـنْ مَـطَـاعِـمِـنَـا وَقُودٌ
تُـدِيـمُ بِـهِ حَـرَارَتَـهَـا الْـجُـسُـومُ
لَــهُ فِـي جَـوْفِ آكِـلِـهِ احْـتِـرَاقٌ
تَـكُـونُ رَمَـادَهُ فِـيـهَـا الـشُّـحُومُ
•••
وَلِـــلْأَرْوَاحِ كَـــالْأَجْـــسَـــادِ زَادٌ
بِـهِ تَـنْـمُـو الْـمَـشَـاعِـرُ وَالْـحُلُومُ
هُـوَ الـنَّـغَـمُ الـرَّقِيقُ مِنَ الْمَثَانِي
هُـوَ الْأَدَبُ الـرَّفِـيـعُ، هُـوَ الْعُلُومُ
فَإِنَّ الــرُّوحَ تَـغْـذُوهَـا الْأَغَـانِـي
وَيَـجْـلُـو هَـمَّـهَا الصَّوْتُ الرَّخِيمُ
وَيَــصْـقُـلُـهَـا الْـجَـمَـالُ إِذَا رَأَتْـهُ
وَتُـصْـدِئُـهَـا الْـقَـبَـائِـحُ وَالْـهُمُومُ
فَـلَا تَـنْـفِـرْ بِـسَـمْـعِـكَ مِـنْ غِنَاءٍ
بِــهِ غَــنَّــتْــكَ شَــادِيَــةٌ بَــغُـومُ
وَلَا تَــتَــرَفَّــعَـنَّ عَـنِ الْـمَـلَاهِـي
وَلَـوْ شَـهِـدَتْ بِـرِفْـعَـتِكَ النُّجُومُ
وَكُنْ فِي الْمُطْرِبَاتِ فَتًى طَرُوبًا
فَإِنَّ الــنَّـاسَ أَطْـرَبُـهَـا الْـكَـرِيـمُ
وَقِــفْ عِـنْـدَ الْـحُـدُودِ بِـلَا تَـعَـدٍّ
إِلَـى مَـا لَـيْـسَ يَـحْـمَـدُهُ الْحَلِيمُ
وَلَا تَــشْــتَـطَّ فِـي طَـرَبٍ وَلَـهْـوٍ
فَـكُـلُّ مُـقَـارِفٍ شَـطَـطًـا ذَمِـيـمُ
فَإِنْ وَافَـقْـتَـنِـي وَجَرَيْتَ جَرْيِي
وَإِلَّا فَــاتَــكَ الــطَّـبْـعُ الـسَّـلِـيـمُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤