ضَجِيجُ الْحَجِيجِ

Wave Image
ضَـجَّ الْـحِـجَـازُ وَضَـجَّ الْـبَيْتُ وَالْحَرَمُ
وَاسْـتَـصْـرَخَـتْ رَبَّـهَـا فِـي مَكَّةَ الْأُمَمُ
قَـدْ مَـسَّـهَا فِي حِمَاكَ الضُّرُّ فَاقْضِ لَهَا
خَـلِـيـفَـةَ الـلـهِ أَنْـتَ الـسَّـيِّـدُ الْـحَـكَـمُ
لَـكَ الـرُّبُـوعُ الَّـتِـي رِيـعَ الْـحَـجِيجُ بِهَا
أَلِــلــشَّـرِيـفِ عَـلَـيْـهَـا أَمْ لَـكَ الْـعَـلَـمُ؟
أُهِـيـنَ فِـيـهَـا ضُيُوفُ اللهِ وَاضْطُهِدُوا
إِنْ أَنْـتَ لَـمْ تَـنْـتَـقِـمْ فَـالـلـهُ مُـنْـتَـقِـمُ
أَفِـي الـضُّـحَـى وَعُـيُـونُ الْجُنْدِ نَاظِرَةٌ
تُـسْـبَى النِّسَاءُ وَيُؤْذَى الْأَهْلُ وَالْحَشَمُ
وَيُــسْــفَـكُ الـدَّمُ فِـي أَرْضٍ مُـقَـدَّسَـةٍ
وَتُــسْــتَـبَـاحُ بِـهَـا الْأَعْـرَاضُ وَالْـحُـرَمُ
يَـدُ الـشَّـرِيـفِ عَـلَى أَيْدِي الْوُلَاةِ عَلَتْ
وَنَــعْــلُـهُ دُونَ رُكْـنِ الْـبَـيْـتِ تُـسْـتَـلَـمُ
«نِيرُونُ» إِنْ قِيسَ فِي بَابِ الطُّغَاةِ بِهِ
مُــبَــالَــغٌ فِـيـهِ وَ«الْـحَـجَّـاجُ» مُـتَّـهَـمُ
أَدِّبْــهُ أَدِّبْ، أَمِــيـرَ الْـمُـؤْمِـنِـيـنَ، فَـمَـا
فِـي الْـعَـفْـوِ عَـنْ فَاسِقٍ فَضْلٌ وَلَا كَرَمُ
لَا تَــرْجُ فِــيــهِ وَقَــارًا لِـلـرَّسُـولِ فَـمَـا
بَـيْـنَ الْـبُـغَـاةِ وَبَـيْـنَ الْـمُصْطَفَى رَحِمُ
ابْــنُ الــرَّسُـولِ فَـتًـى فِـيـهِ شَـمَـائِـلُـهُ
وَفِــيــهِ نَــخْـوَتُـهُ وَالْـعَـهْـدُ وَالـشَّـمَـمُ
مَـا كَـانَ طَـهَ لِـرَهْـطِ الْـفَـاسِـقِـيـنَ أَبًـا
آلُ الــنَّــبِــيِّ بِأَعْــلَامِ الْـهُـدَى خُـتِـمُـوا
خَـلِـيـفَـةَ الـلـهِ شَكْوَى الْمُسْلِمِينَ رَقَتْ
لِـسُـدَّةِ الـلـهِ هَـلْ تَـرْقَـى لَـكَ «الْـكَلِمُ»
الْــحَــجُّ رُكْــنٌ مِــنَ الْإِسْــلَامِ تُـكْـبِـرُهُ
وَالْـيَـوْمَ يُـوشِـكُ هَـذَا الـرُّكْـنُ يَـنْـهَدِمُ
مِـنَ الـشَّـرِيـفِ وَمِـنْ أَعْـوَانِـهِ فَـعَـلَـتْ
نُـعْـمَـى الـزِّيَـادَةِ مَـا لَا تَـفْـعَـلُ الـنِّـقَـمُ
عَــزَّ الــسَّــبِــيــلُ إِلَــى طَــهَ وَتُـرْبَـتِـهِ
فَــمَــنْ أَرَادَ سَــبِــيــلًا فَـالـطَّـرِيـقُ دَمُ
مُـحَـمَّـدٌ رُوِّعَـتْ فِـي الْـقَـبْـرِ أَعْـظُـمُـهُ
وَبَـاتَ مُـسْـتَأْمَـنًـا فِـي قَـوْمِـهِ الـصَّنَمُ
وَخَـانَ «عَـوْنُ الـرَّفِيقِ» الْعَهْدَ فِي بَلَدٍ
مِـنْـهُ الْـعُـهُـودُ أَتَـتْ لِـلـنَّـاسِ وَالـذِّمَـمُ
قَـدْ سَـالَ بِـالـدَّمِ مِـنْ ذِبْـحٍ وَمِـنْ بَـشَرٍ
وَاحْـمَـرَّ فِـيـهِ الْـحِمَى وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ
وَفُـزِّعَـتْ فِـي الْـخُـدُورِ الـسَّاعِيَاتُ لَهُ
الــدَّاعِــيَــاتُ وَقُــرْبُ الــلــهِ مُـغْـتَـنَـمُ
آبَـتْ ثَـكَـالَـى أَيَـامَـى بَـعْـدَمَـا أُخِـذَتْ
مِـنْ حَـوْلِـهِـنَّ الـنَّـوَى وَالْأَيْـنُـقُ الرُّسُمُ
حُـرِمْـنَ أَنْـوَارَ خَـيْـرِ الْـخَـلْقِ مِنْ كَثَبٍ
فَـدَمْـعُـهُـنَّ مِـنَ الْـحِـرْمَـانِ مُـنْـسَـجِمُ
أَيُّ الــصَّـغَـائِـرِ فِـي الْإِسْـلَامِ فَـاشِـيَـةٌ
تُــودَى بِأَيْــسَــرِهَـا الـدُّولَاتُ وَالْأُمَـمُ؟
يَـجِـيـشُ صَـدْرِي وَلَا يَجْرِي بِهَا قَلَمِي
وَلَـوْ جَـرَى لَـبَـكَـى وَاسْـتَـضْحَكَ الْقَلَمُ
أَغْـضَـيْـتُ ضَـنًّـا بِـعِـرْضِـي أَنْ أُلِـمَّ بِـهِ
وَقَـدْ يَـرُوقُ الْـعَـمَـى لِـلْـحُـرِّ وَالـصَّـمَمُ
مَـوِّهْ عَـلَـى الـنَّـاسِ أَوْ غَـالِـطْـهُمُ عَبَثًا
فَـلَـيْـسَ تَـكْـتُـمُـهُـمْ مَـا لَـيْـسَ يَـنْكَتِمُ
مِـنَ الـزِّيَـادَةِ فِـي الْـبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ
أَنْ يَـعْـلَـمَ الـشَّـامِـتُونَ الْيَوْمَ مَا عَلِمُوا
كُــلُّ الْــجِــرَاحِ بِآلَامٍ فَــمَــا لَــمَــسَـتْ
يَــدُ الْــعَــدُوِّ فَــثَــمَّ الْــجُــرْحُ وَالْأَلَــمُ
وَالْــمَـوْتُ أَهْـوَنُ مِـنْـهَـا وَهْـيَ دَامِـيَـةٌ
إِذَا أَسَـــاهَــا لِــسَــانٌ لِــلْــعِــدَى وَفَــمُ
•••
رَبَّ الْــجَـزِيـرَةِ أَدْرِكْـهَـا فَـقَـدْ عَـبَـثَـتْ
بِــهَــا الـذِّئَـابُ وَضَـلَّ الـرَّاعِـيَ الْـغَـنَـمُ
إِنَّ الَّــذِيــنَ تَــوَلَّــوْا أَمْــرَهَــا ظَـلَـمُـوا
وَالـظُّـلْـمُ تَـصْـحَـبُـهُ الْأَهْـوَالُ وَالـظُّلَمُ
فِــي كُــلِّ يَــوْمٍ قِــتَــالٌ تَــقْـشَـعِـرُّ لَـهُ
وَفِــتْــنَــةٌ فِـي رُبُـوعِ الـلـهِ تَـضْـطَـرِمُ
أَزْرَى الـشَّـرِيـفُ وَأَحْـزَابُ الشَّرِيفِ بِهَا
وَقَـسَّـمُـوهَـا كَإِرْثِ الْـمَـيْـتِ وَانْقَسَمُوا
لَا تَـجْـزِهِـمْ مِـنْـكَ حِلْمًا وَاجْزِهِمْ عَنَتًا
فِـي الْـحِـلْـمِ مَا يَسِمُ الْأَفْعَالَ أَوْ يَصِمُ
كَـفَـى الْـجَـزِيـرَةَ مَـا جَـرُّوا لَـهَـا سَـفَهًا
وَمَـا يُـحَـاوِلُ مِـنْ أَطْـرَافِـهَـا الْـعَـجَـمُ
تِـلْـكَ الـثُّـغُـورُ عَـلَـيْـهَـا وَهْـيَ زِيـنَـتُـهَا
مَـنَـاهِـلٌ عَـذُبَـتْ لِـلْـقَـوْمِ فَـازْدَحَـمُـوا
فِــي كُــلِّ لُــجٍّ حَـوَالَـيْـهَـا لَـهُـمْ سُـفُـنٌ
وَفَـــوْقَ كُـــلِّ مَــكَــانٍ يَــابِــسٍ قَــدَمُ
وَالَاهُـــمُ أُمَــرَاءُ الــسُّــوءِ وَاتَّــفَــقُــوا
مَــعَ الْــعُــدَاةِ عَــلَـيْـهَـا فَـالْـعُـدَاةُ هُـمُ
فَـجَـرِّدِ الـسَّـيْـفَ فِـي وَقْـتٍ يُـفِـيدُ بِهِ
فَإِنَّ لِــلــسَّــيْــفِ يَــوْمًـا ثُـمَّ يَـنْـصَـرِمُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤