رِسَالَةٌ مِنْ مَقْبَرَة

Wave Image
مِنْ قَاعِ قَبْرِي أَصِيحْ
حَتَّى تَئِنَّ الْقُبُورْ
مِنْ رَجْعِ صَوْتِي، وَهْوُ رَمْلٌ وَرِيحْ:
مِنْ عَالَمٍ في حُفْرَتِي يَسْتَرِيحْ
مَرْكُومَةٌ فِي جَانِبَيْهِ الْقُصُورْ
وَفِيهِ مَا فِي سِوَاهْ
إِلَّا دَبِيبَ الْحَيَاهْ
حَتَّى الْأَغَانِي فِيهِ، حَتَّى الزُّهُورْ
والشَّمْسُ، إِلَّا أَنَّها لَا تَدُورْ
وَالدُّودُ نَخَّارٌ بِهَا فِي ضَرِيحْ
مِنْ عَالَمٍ فِي قَاعِ قَبْرِي أَصِيحْ:
«لَا تَيْئَسُوا مِنْ مَوْلِدٍ أَوْ نُشُورْ!»
•••
النُّورُ مِنْ طِينٍ هُنَا أَوْ زُجَاجْ
قُفْلٌ عَلَى بَابِ سُورْ
النُّورُ فِي قَبْرِي دُجًى دُونَ نُورْ
النُّورُ فِي شُبَّاكِ دَارِي زُجَاجْ
كَمْ حَدَّقَتْ بِي خَلْفَهُ مِنْ عُيُونْ
سَوْدَاءَ كَالْعَارِ
يَجْرَحْنَ بِالْأَهْدَابِ أَسْرَارِي
فَالْيَوْمَ دَارِي لَمْ تَعُدْ دَارِي
وَالنُّورُ فِي شُبَّاكِ دَارِي ظُنُونْ
تَمْتَصُّ أَغْوَارِي
وَعِنْدَ بَابِي يَصْرُخُ الْجَائِعُونْ:
«فِي خُبْزِكَ الْيَوْمِيِّ دِفْءُ الدِّمَاءْ»
فَامْلَأْ لَنَا، فِي كُلِّ يَوْمٍ، وِعَاءْ
مِنْ لَحْمِكَ الْحَيِّ الَّذِي نَشْتَهِيهْ
فَنَكْهَةُ الشَّمْسِ فِيهْ
وَفِيهِ طَعْمُ الْهَوَاءْ!
وَعِنْدَ بَابِي يَصْرُخُ الْأَشْقِيَاءْ:
«اعْصُرْ لَنَا مِنْ مُقْلَتَيْكَ الضِّيَاءْ
فَإِنَّنَا مُظْلِمُونْ!»
وَعِنْدَ بَابِي يَصْرُخُ الْمُخْبِرُونْ:
«وَعْرٌ هُوَ الْمَرْقَى إِلَى الْجَلْجَلَهْ
وَالصَّخْرُ، يَا سِيزِيفُ، مَا أَثْقَلَهْ
سِيزِيفُ … إِنَّ الصَّخْرَةَ الْآخَرُونْ!»
•••
لَكِنَّ أَصْوَاتًا كَقَرْعِ الطُّبُولْ
تَنْهَلُّ فِي رَمْسِي
مِنْ عَالَمِ الشَّمْسِ
هَذِي خُطَى الْأَحْيَاءِ بَيْنَ الْحُقُولْ
فِي جَانِبِ الْقَبْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهْ
أَصْدَاؤُهَا الْخَضْرَاءُ
تَنْهَلُّ فِي دَارِي
أَوْرَاقُ أَزْهَارِ
مِنْ عَالَمِ الشَّمْسِ الَّذِي نَشْتَهِيهْ
أَصْدَاؤُهَا الْبَيْضَاءْ
يَصْدَعْنَ مِنْ حَوْلِي جَلِيدَ الْهَوَاءْ
أَصْدَاؤُهَا الْحَمْرَاءُ
تَنْهَلُّ فِي دَارِي
شَلَّالَ أَنْوَارِ
فَالنُّورُ فِي شُبَّاكِ دَارِي دِمَاءْ
يَنْضَحْنَ مِنْ حَيْثُ الْتَقَى، بِالصُّخُورْ
فِي فُوهَةِ الْقَبْرِ الْمُغَطَّاةِ، سُورْ
هَذَا مَخَاضُ الْأَرْضِ لَا تَيْأَسِي
بُشْرَاكِ يَا أَجْدَاثُ، حَانَ النُّشُورْ!
بُشْرَاكِ فِي «وَهْرَانَ» أَصْدَاءَ صُورْ
سِيزِيفُ أَلْقَى عَنْهُ عِبْءَ الدُّهُورْ
وَاسْتَقْبَلَ الشَّمْسَ عَلَى «الْأَطْلَسِ»!
•••
آهٍ لِوَهْرَانَ الَّتِي لَا تَثُورْ!

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قيلت للمقاومة في الجزائر.
  • طريقة النظم: حر
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

بدر شاكر السياب: شاعِرٌ عِراقِي، يُعَدُّ واحِدًا مِن أشْهَرِ الشُّعَراءِ العَربِ فِي العَصرِ الحَدِيث، ساهَمَ بالاشْتِراكِ معَ كِبارِ الشُّعَراءِ مِن أَمْثال: «صلاح عبد الصبور»، و«أمل دنقل»، و«لميعة عباس عمارة»، وغَيرِهِم فِي تَأْسِيسِ مَدْرسةِ «الشِّعْر الحُر».

لهُ العَدِيدُ مِنَ القَصائِدِ والمَجْموعاتِ الشِّعْريةِ الَّتي تَميَّزتْ بالتَّدفُّقِ الشِّعْريِّ والتَّمرُّدِ عَلى الشَّكلِ التَّقلِيديِّ للقَصِيدة، صدَرَ مِنْها: «أَزْهارٌ ذابِلة»، و«أَساطِير»، و«المُومِس العَمْياء»، و«الأَسْلِحة والأَطْفال»، وغَيْرُها. وإِلى جانِبِ أَشْعارِه أَسْهَمَ «السياب» فِي تَرْجَمةِ الكَثِيرِ مِنَ الأَعْمالِ الأَدَبيَّةِ والشِّعْريَّةِ العالَميَّة، وقَدْ أَصْدرَ مَجْموعةَ تَرْجَماتِه عامَ ١٩٥٥م في كِتابٍ سمَّاه: «قَصائِد مُخْتارة مِنَ الشِّعْر العالَمِي الحَدِيث».

فارَقَ «بدر شاكر السياب» الحَياةَ عامَ ١٩٦٤م، إثْرَ إِصابتِهِ بمَرضٍ شَدِيدٍ ظلَّ يُصارِعُه لسَنَواتٍ عَدِيدة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤