أَنَا وَالشِّعْرُ

Wave Image
أَرَى الـشِّـعْـرَ أَحْـيَانًا يَجِيشُ بِخَاطِرِي
وَيَـبْـذُلُ مَـا قَـدْ عَـزَّ لِـي مِـنْ مَـصُونِهِ
وَيَــسْــكُـنُ أَحْـيَـانًـا فَأَشْـجَـى وَإِنَّـمَـا
تَـحَـرُّكُ شَـجْـوِي نَـاشِـئٌ مِـنْ سُـكُونِهِ
وَقَـدْ أَتَـوَخَّـى الْـهَـزْلَ مِـنْـهُ مُـجَـارِيًـا
لِــدَهْــرٍ أَرَاهُ مُــوغِــلًا فِــي مُــجُـونِـهِ
وَلَـكِـنَّ نَـفْـسِـي وَهْـيَ نَـفْـسٌ حَـزِينَةٌ
تَـمِـيـلُ إِلَـى الْـمُـشْجِي لَهَا مِنْ حَزِينِهِ
وَقَــدْ عَــلِـمَ الـرَّاوُونَ شِـعْـرِي بِأَنَّـهُـمْ
إِذَا أَنْــشَــدُوهُ أَطْــرَبُــوا بِــلُــحُــونِــهِ
وَإِنِّـي إِذَا اسْـتَـنْـبَـطْـتُـهُ مِنْ قَرِيحَتِي
شَـفَـيْـتُ صَـدَى الـرَّاوِي بِـبَـرْدِ مَـعِينِهِ
وَإِنِّــي عَـلَـى عِـلْـمٍ طَـوَيْـتُ سُـهُـولَـهُ
وَلَــمْ أَتَــحَــيَّـرْ خَـابِـطًـا فِـي حُـزُونِـهِ
وَإِنِّــي لَــمَــحَّــاصٌ لَــهُ بِــسَــلِــيــقَـةٍ
أَبَـتْ غَـثَّـهُ وَاسْـتَـوْثَـقَـتْ مِـنْ سَمِينِهِ
وَهَـلْ يَـخْطِرُ الشِّعْرُ الرَّكِيكُ بِخَاطِرِي
إِذَا كَـانَ فِـي طَـوْعِي اخْتِشَابُ مَتِينِهِ
أَلَا لَا اهْـتَـدَتْ لِـلشِّعْرِ يَوْمًا هَوَاجِسِي
إِذَا هِــيَ لَـمْ تَـنْـزِعْ إِلَـى مُـسْـتَـبِـيـنِـهِ
وَلَا غُـصْتُ فِي بَحْرِ الْقَرِيضِ مُخَاطِرًا
إِذَا لَـــمْ أَفُـــزْ مِـــنْ دُرِّهِ بِــثَــمِــيــنِــهِ
إِذَا انْـتَـظَـمَـتْ أَبْـيَـاتُـهُ فِـي قَـصَائِدِي
نُــزُوعًــا إِلَــى أَبْــكَــارِهِ دُونَ عَــوْنِــهِ
عَـلَـى أَنَّ لِـي طَـبْـعًـا لَـبِـيـقًـا بِـوَشْـيِهِ
تَــرَى كُــلَّ بَــيْـتٍ مُـمْـسِـكًـا بِـقَـرِيـنِـهِ
وَمَـا كَـانَ دَوْحُ الـشِّـعْـرِ يَوْمًا لِنَجْتَنِي
بِـغَـيْـرِ الْـيَـدِ الـطُّـولَـى ثِـمَـارَ غُصُونِهِ
وَلَــمْ يَــسْــتَــقِــدْ إِلَّا لِــذِي أَلْــمَـعِـيَّـةٍ
يَـكُـونُ كَـرَأْيِ الْـعَـيْـنِ رَجْـمُ ظُـنُـونِـهِ
وَإِنِّـــيَ قَــدْ مَــارَسْــتُــهُ بِــفَــطَــانَــةٍ
يَــلُــوحُ سَــنَــاهَـا غُـرَّةً فِـي جَـبِـيـنِـهِ
•••
لَـعَـمْـرُكَ إِنَّ الـشِّـعْـرَ صَـمْـصَامُ حِكْمَةٍ
وَإِنَّ الــنُّــهَــى مَـعْـدُودَةٌ مِـنْ قُـيُـونِـهِ
إِذَا جَــنَّـنِـي لَـيْـلُ الـشُّـكُـوكِ سَـلَـلْـتُـهُ
عَــلَــيْــهِ فَــفَــرَّاهُ بِــفَــجْــرِ يَــقِـيـنِـهِ
وَمَـا الـشِّعْرُ إِلَّا مُؤْنِسِي عِنْدَ وَحْشَتِي
وَمُـسْـلِـي فُـؤَادِي عِـنْـدَ وَرْيِ شُجُونِهِ
تَــقُــومُ مَــقَــامَ الـدَّمْـعِ لِـي نَـفَـثَـاتُـهُ
إِذَا الــدَّهْــرُ أَبْـكَـانِـي بِـرَيْـبِ مَـنُـونِـهِ
وَأَجْــعَــلُــهُ لِــلْــكَــوْنِ مِــرْآةَ عِــبْــرَةٍ
فَـيَـظْـهَـرُ لِـي فِـيـهَـا خَـيَـالُ شُـئُـونِـهِ
فَأُبْـصِـرُ أَسْـرَارَ الـزَّمَـانِ الَّـتِي انْطَوَتْ
بِـمَـا دَارَ فِـي الْأَحْـقَـابِ مِـنْ مَنْجَنُونِهِ
وَلِـلـشِّـعْـرِ عَـيْـنٌ لَـوْ نَـظَـرْتَ بِـنُـورِهَـا
إِلَى الْغَيْبِ لَاسْتَشْفَفْتَ مَا فِي بُطُونِهِ
وَأُذْنٌ لَـوِ اسْـتَـصْـغَـيْـتَـهَـا نَـحْـوَ كَاتِمٍ
سَــمِـعْـتَ بِـهَـا مِـنْـهُ حَـدِيـثَ قَـرُونِـهِ
•••
وَلَـيْـلٍ إِلَـى شِـعْـرَاهُ أَرْسَـلْـتُ فِـكْرَتِي
رَسُــولًا بِــشِــعْــرِي حَـامِـلًا لِـرَقِـيـنِـهِ
سَــلِ الـلَّـيْـلَ عَـنِّـي نَـسْـرَهُ وَسِـمَـاكَـهُ
وَنَــجْــمَ سُــهَــاهُ وْالْــجُـدَيِّ خَـدِيـنِـهِ
فَـكَـمْ بِتُّ فِي نَهْرِ الْمَجَرَّةِ فِي الدُّجَى
مِـنَ الـشِّـعْـرِ أُجْـرِي مُـنْـشَئَاتِ سَفِينِهِ
هُـوَ الـشِّـعْـرُ لَا أَعْـتَـاضُ عَـنْـهُ بِـغَـيْرِهِ
وَلَا عَــنْ قَــوَافِــيــهِ وَلَا عَـنْ فُـنُـونِـهِ
وَلَـوْ سَـلَـبَـتْـنِـيـهِ الْـحَـوَادِثُ فِي الدُّنَا
لَـمَـا عِـشْـتُ أَوْ مَـا رُمْتُ عَيْشًا بِدُونِهِ
إِذَا كَـانَ مِـنْ مَـعْـنَى الشُّعُورِ اشْتِقَاقُهُ
فَــمَــا بَــعْــدَهُ لِـلْـمَـرْءِ غَـيْـرُ جُـنُـونِـهِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤