بَنِي الْحَسَبِ الْوَضَّاحِ وَالشَّرَفِ الْجَمِّ

Wave Image
بَـنِـي الْـحَـسَبِ الْوَضَّاحِ وَالشَّرَفِ الْجَمِّ
لِـسَـانِـيَ إِنْ لَـمْ أَرْثِ وَالِـدَكُـمْ خَـصْـمِي
شَــكَــوْتُ مِــنَ الْأَيَّــامِ تَــبْــدِيــلَ غَـادِرٍ
بِــوَافٍ وَنَــقْــلًا مِــنْ سُــرُورٍ إِلَــى هَــمِّ
وَحَــالًا كَــرِيــشِ الــنَّـسْـرِ بَـيْـنَـا رَأَيْـتُـهُ
جَـنَـاحًـا لِـشَـهْـمٍ آضَ رِيـشًـا عَلَى سَهْمِ
وَلَا مِــثْــلَ فُــقْـدَانِ الـشَّـرِيـفِ مُـحَـمَّـدٍ
رَزِيَّــةَ خَــطْــبٍ أَوْ جِــنَــايَــةَ ذِي جُـرْمِ
فَــيَــا دَافِــنِــيـهِ فِـي الـثَّـرَى إِنَّ لَـحْـدَهُ
مَــقَــرُّ الــثُّــرَيَّـا فَـادْفِـنُـوهُ عَـلَـى عِـلْـمِ
وَيَــا حَــامِــلِــي أَعْــوَادِهِ إِنَّ فَــوْقَــهَــا
سَــمَـاوِيَّ سِـرٍّ فَـاتَّـقُـوا كَـوْكَـبَ الـرَّجْـمِ
وَمَــا نَــعْــشُــهُ إِلَّا كَــنَــعْــشٍ وَجَــدْتُـهُ
أَبًــا لِــبَــنَــاتٍ لَا يَــخَــفْــنَ مِـنَ الْـيُـتْـمِ
فَــوَيْــحَ الْــمَــنَـايَـا لَـمْ يُـبَـقِّـيـنَ غَـايَـةً
طَـلَـعْـنَ الـثَّـنَـايَـا وَاطَّـلَـعْنَ عَلَى النَّجْمِ
أَعَــاذِلَ إِنْ صَــمَّ الْــقَــنَــا عَــنْ نَــعِــيِّـهِ
فَــوَا حَــسَـدَا مِـنْ بَـعْـدِهِ لِلْـقَـنَـا الـصُّـمِّ
بَـكَـى السَّيْفُ حَتَّى أَخْضَلَ الدَّمْعُ جَفْنَهُ
عَـلَـى فَـارِسٍ يُـرْوِيـهِ مِنْ فَارِسِ الدُّهْمِ
تَــلَــذُّ الْــعَـوَالِـي وَالـظُّـبَـى فِـي بَـنَـانِـهِ
لِـقَـاءَ الـرَّزَايَـا مِـنْ فُـلُـولٍ وَمِـنْ حَـطْـمِ
وَبِـــاللـــهِ رَبِّـــي مَــا تَــقَــلَّــدَ صَــارِمًــا
لَــهُ مُــشْـبِـهٌ فِـي يَـوْمِ حَـرْبٍ وَلَا سِـلْـمِ
وَلَا صَـاحَ بِـالْـخَيْلِ اقْدُمِي فِي عَجَاجَةٍ
إِذَا قِـيـلَ حِـيـدِي قَـالَ فِي ضَنْكِهَا أُمِّي
وَلَا صَــرَّفَ الْــخَــطِّــيَّ مِــثْـلَ يَـمِـيـنِـهِ
يَــمِــيــنٌ وَإِنْ كَــانَـتْ مُـعَـاوَدَةَ الـنُّـعْـمِ
وَلَا أَمْــسَــكَــتْ يُــسْـرَى عِـنَـانًـا لِـغَـارَةٍ
كَـيُـسْـرَاهُ وَالْـفُـرْسَـانُ طَـائِـشَـةُ الْـعَـزْمِ
فَــيَـا قَـلْـبُ لَا تُـلْـحِـقْ بِـثُـكْـلِ مُـحَـمَّـدٍ
سِــوَاهُ لِــيَــبْــقَـى ثُـكْـلُـهُ بَـيِّـنَ الْـوَسْـمِ
فَــإِنِّـي رَأَيْـتُ الْـحُـزْنَ لِلْـحُـزْنِ مَـاحِـيًـا
كَمَا خُطَّ فِي الْقِرْطَاسِ رَسْمٌ عَلَى رَسْمِ
كَـرِيـمٌ حَـلِـيـمُ الْـجَـفْـنِ وَالنَّفْسِ لَا يَرَى
إِذَا هُـوَ أَغْـفَى مَا يَرَى النَّاسُ فِي الْحُلْمِ
فَــتًــى عَــشِــقَــتْــهُ الْـبَـابِـلِـيَّـةُ حِـقْـبَـةً
فَــلَــمْ يَـشْـفِـهَـا مِـنْـهُ بِـرَشْـفٍ وَلَا لَـثْـمِ
كَــأَنَّ حَــبَــابَ الْـكَـأْسِ وَهْـيَ حَـبِـيـبَـةٌ
إِلَـى الـشَّرْبِ مَا يَنْفِي الْحُبَابُ مِنَ السُّمِّ
تَـــسُـــورُ إِلَـــيْـــهِ الــرَّاحُ ثُــمَّ تَــهَــابُــهُ
كَـأَنَّ الْـحُـمَـيَّـا لَـوْعَـةٌ فِـي ابْـنَـةِ الْـكَرْمِ
دَعَــا حَــلَـبًـا أُخْـتَ الْـغَـرِيَّـيْـنِ مَـصْـرَعٌ
بِــسِــيــفِ قُــوَيْــقٍ لِلْـمَـكَـارِمِ وَالْـحَـزْمِ
أَبِـي الـسَّـبْـعَـةِ الـشُّـهْـبِ الَّـتِي قِيلَ إِنَّهَا
مُـنَـفِّـذَةُ الْأَقْـدَارِ فِـي الْـعُـرْبِ وَالْـعُـجْمِ
فَــإِنْ كُــنْــتُ مَـا سَـمَّـيْـتُـهُـمْ فَـنَـبَـاهَـةٌ
كَــفَــتْـنِـيَ فِـيـهِـمْ أَنْ أُعَـرِّفَـهُـمْ بِـاسْـمِ
فَـيَـا مَـعْـشَـرَ الْـبِـيـضِ الْـيَـمَانِيَةِ اسْأَلِي
بَـنِـيـهِ طَـعَـامًـا إِنْ سَـغِـبْـتِ إِلَـى اللَّحْمِ
فَـــكُـــلُّ وَلِـــيـــدٍ مِــنْــهُــمُ وَمُــجَــرَّبٍ
لَــنَـا خَـلَـفٌ مِـنْ ذَلِـكَ الـسَّـيِّـدِ الـصَّـتْـمِ
مَــغَــافِــرُهُــمْ تِــيــجَـانُـهُـمْ وَحُـبَـاهُـمُ
حَـمَـائِـلُـهُـمْ وَالْـفَـرْعُ يُـنْـمَى إَلَى الْجِذْمِ
مَــنَــاجِــيــدُ لَــبَّــاسُــونَ كُـلَّ مُـفَـاضَـةٍ
كَـأَنَّ غَـدِيـرًا فَـاضَ مِـنْـهَـا عَلَى الْجِسْمِ
كَـــأَنَّـــهُـــمُ فِـــيـــهَــا أُسُــودُ خَــفِــيَّــةٍ
وَلَــكِــنْ عَــلَــى أَكْـتَـادِهَـا حُـلَلُ الـرُّقْـمِ
كُـــمَـــاةٌ إِذَا الْأَعْــرَافُ كَــانَــتْ أَعِــنَّــةً
فَـمُـغْـنِـيـهِـمُ حُـسْـنُ الـثَّبَاتِ عَنِ الْحَزْمِ
يُــطِــيــلُــونَ أَرْوَاقَ الْـجِـيَـادِ وَطَـالَـمَـا
ثَــنَــوْهُــنَّ عُــضْـبًـا غَـيْـرَ رُوقٍ وَلَا جُـمِّ
إِذَا مَـــلَأَتْـــهُـــنَّ الْـــقَـــنَـــا جَـــبَــرِيَّــةً
وَغَـيْـظًـا فَـأَوْقَـعْـنَ الْـحَـفِـيـظَةَ بِاللُّجْمِ
وَرَفَّــتْــنَ مَــجْــدُولَ الـشَّـكِـيـمِ كَـأَنَّـمَـا
أَشَــرْنَــا إِلَــى ذَاوٍ مِــنَ الــنَّـبْـتِ بِـالْأَزْمِ
فَـوَارِسُ حَـرْبٍ يُـصْـبِـحُ الْـمِسْكُ مَازِجًا
بِـهِ الـرَّكْـضُ نَـقْـعًـا فِـي أُنُـوفِـهِـمُ الشُّمِّ
فَــهَــذَا وَقَــدْ كَــانَ الــشَّـرِيـفُ أَبُـوهُـمُ
أَمِـيـرَ الْـمَـعَـانِـي فَـارِسَ الـنَّـثْرِ وَالنَّظْمِ
إِذَا قِــيــلَ نُــسْــكٌ فَــالْـخَـلِـيـلُ بْـنُ آزَرٍ
وَإِنْ قِـيـلَ فَـهْـمٌ فَـالْـخَـلِـيلُ أَخُو الْفَهْمِ
أَقَـامَـتْ بُـيُـوتُ الـشِّـعْـرِ تُـحْـكِـمُ بَـعْدَهُ
بِـنَـاءَ الْـمَـرَاثِـي وَهْـيِ صُـورٌ إِلَـى الْهَدْمِ
نَــعَــيْــنَــاهُ حَــتَّـى لِلْـغَـزَالَـةِ وَالـسُّـهَـى
فَــكُــلٌّ تَــمَــنَّـى لَـوْ فَـدَاهُ مِـنَ الْـحَـتْـمِ
وَمَــا كُــلْــفَــةُ الْـبَـدْرِ الْـمُـنِـيـرِ قَـدِيـمَـةً
وَلَـــكِـــنَّــهَــا فِــي وَجْــهِــهِ أَثَــرُ اللَّــدْمِ
فَـيَـا مُـزْمِـعَ الـتَّـوْدِيـعِ إِنْ تُـمْـسِ نَـائِـيًا
فَــإِنَّــكَ دَانٍ فِــي الــتَّــخَـيُّـلِ وَالْـوَهْـمِ
كَــأَنَّــكَ لَــمْ تُــجْــرِرْ قَــنَــاةً وَلَـمْ تُـجِـرْ
فَـتَـاةً وَلَـمْ تُـجْـبِـرْ أَمِـيـرًا عَـلَـى حُـكْـمِ
وَوَجْــهَــكَ لَــمْ يُـسْـفِـرْ وَنَـارَكَ لَـمْ تُـنِـرْ
وَرُمْــحَــكَ لَـمْ يَـعْـتِـرْ وَكَـفَّـكَ لَـمْ تَـهْـمِ
تَــقَــرَّبَ جِــبْــرِيــلٌ بِــرُوحِـكَ صَـاعِـدًا
إِلَــى الْــعَــرْشِ يُـهْـدِيـهَـا لِـجَـدِّكَ وَالْأُمِّ
فَــدُونَــكَ مَــخْــتُـومُ الـرَّحِـيـقِ فَـإِنَّـمَـا
لِـتَـشْـرَبَ مِـنْـهُ كَـانَ يُـحْـفَـظُ بِـالْـخَـتْمِ
وَلَا تَـنْسَنِي فِي الْحَشْرِ وَالْحَوْضِ حَوْلَهُ
عَــصَــائِـبُ شَـتَّـى بَـيْـنَ غُـرٍّ إِلَـى بُـهْـمِ
لَــعَــلَّــكَ فِــي يَــوْمِ الْــقِـيَـامَـةِ ذَاكِـرِي
فَــتَـسْـأَلُ رَبِّـي أَنْ يُـخَـفِّـفَ مِـنْ إِثْـمِـي

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤