إِلَى الْجَوَاهِرِيِّ
Your browser does not support the audio element.
بِــكَ الـشِّـعْـرُ لَا بِـيَ أَصْـبَـحَ الْـيَـوْمَ زَاهِـرَا
وَقَـدْ كُـنْـتُ قَـبْـلَ الْـيَـوْمِ مِـثْـلَـكَ شَـاعِـرَا
فَأَنْــتَ الَّــذِي أَلْــقَــتْ مَــقَــالِــيـدَ أَمْـرِهَـا
إِلَـــيْـــهِ الْـــقَـــوَافِـــي شُـــرَّدًا وَنَــوَافِــرَا
إِذَا قُــلْــتَ شِــعْــرًا قُــلْــتَــهُ فِــي بَـدَاعَـةٍ
فَــكَــانَ بِــهِ الْــمَــعْــنَــى بَـدِيـعًـا وَبَـاهِـرَا
وَإِنْ أَنْـتَ أَطْـلَـقْـتَ الـنُّـفُـوسَ مِـنَ الْأَسَى
بِإِنْــشَــادِهِ يَــوْمًــا أَسَــرْتَ الْــمَــشَــاعِــرَا
بَــــلَــــغْـــتَ مِـــنَ الْإِبْـــدَاعِ أَرْفَـــعَ ذِرْوَةٍ
هَـوَى الـنَّـجْـمُ عَـنْـهَـا صَـاغِـرًا مُـتَـقَـاصِرَا
وَإِنَّـــكَ أَرْقَــى الــنَّــاطِــقِــيــنَ تَــكَــلُّــمًــا
بِــحَــقٍّ وَأَنْــقَــى الــسَّــاكِـتِـيـنَ ضَـمَـائِـرَا
إِذَا شِــيءَ ظُــلْــمٌ قُــمْـتَ لِـلـظُّـلْـمِ رَادِعًـا
وَإِنْ سِــيءَ حَــقٌّ قُــمْــتَ لِـلْـحَـقِّ نَـاصِـرَا
•••
لَــئِــنْ كُــنْــتَ تُـنْـمَـى لِـلْـجَـوَاهِـرِ نِـسْـبَـةً
لَــقَــدْ كُــنْــتَ تَـحْـلُـو بِـالْـبَـيَـانِ جَـوَاهِـرَا
نَـــمَـــاكَ أَبٌ بِــالْــعِــلْــمِ شَــيَّــدَ مَــجْــدَهُ
وَخَـــلَّـــدَ مِــنْــهُ فِــي الــزَّمَــانِ الْــمَآثِــرَا
وَمَــــدَّ مِــــنَ الْآدَابِ فِــــيـــهِ سُـــرَادِقًـــا
وَأَكْــثَــرَ فِــيــهِ لِــلْــبَــنِــيــنَ الْــمَــفَـاخِـرَا
فَــلَا عَــجَــبٌ أَنْ تَــنْــظِـمَ الـشِّـعْـرَ رَائِـعًـا
أَنِــيــقَ الْــمَــعَـانِـي زَاهِـيَ الـلَّـفْـظِ زَاهِـرَا
وَقَــدْ تُــبْــصِــرُ الْــمَـاءَ الـزُّلَالَ بِـهِ الْـقَـذَى
فَــتُــغْــمِــضُ عَــنْــهُ بِـالْـغَـبَـاءِ الـنَّـوَاظِـرَا
•••
أَلَا إِنَّـــنِـــي رَغْـــمَ انْـــتِــبَــاهِــيَ لَــمْ أَزَلْ
بِأَكْـــثَــرِ مَــا قَــدْ قُــلْــتَــهُ أَنْــتَ حَــائِــرَا
تَـحَـدَّثْـتَ عَـنْ مَـاضٍ حَـدِيـثًـا مُـجَـمْجَمًا
كَأَنَّـــكَ فِـــيـــهِ لَـــمْ تَـــكُـــنْ لِــيَ عَــاذِرَا
وَمَــا كُــنْــتُ مُــخْــتَـارًا كَـمَـا أَنْـتَ قَـائِـلٌ
مِـنَ الْـعَـيْـشِ مَـا لَـوْلَاهُ مَـا كُـنْـتُ شَـاعِـرَا
وَلَا اخْـتَـرْتُ عَـيْـشًـا بَـيْـنَ بَـيْـنَ مُـوَسَّـطًا
وَلَا كُــنْــتُ فِــيــمَــا أَبْــتَــغِــيـهِ مُـشَـاوِرَا
وَلَــكِــنْ هِــيَ الْأَقْــدَارُ تَــجْـرِي بِـغَـيْـرِ مَـا
يُـرِيـدُ الْـفَـتَـى جَـرْيًـا عَـلَـى الْأَمْـرِ قَـاسِرَا
فَــتَــجْــعَـلُ لَـيْـثَ الْـغَـابِ يَـتْـلُـو فُـرَانِـقًـا
وَتَـتْـرُكُ صَـقْـرَ الْـجَـوِّ يَـخْـشَـى الْـقَـنَـابِـرَا
وَكَـمْ أَقْـدَرَتْ مَـنْ كَـانَ فِـي النَّاسِ عَاجِزًا
كَـمَـا أَعْـجَـزَتْ مَـنْ كَـانِ فِـي النَّاسِ قَادِرَا
وَمَــا الْــمَــرْءُ إِلَّا مُــجْــبَــرٌ فِــي حَــيَـاتِـهِ
وَإِنْ ظَـــنَّ فِـــيـــهَـــا أَنَّـــهُ كَــانَ خَــائِــرَا
وُلِــدْنَــا وَعِــشْــنَــا ثُــمَّ مِــتْــنَــا وَكُــلُّ ذَا
عَــلَــى غَــيْــرِ إِذْنٍ جَــاءَ بَــلْ جَـاءَ دَامِـرَا
•••
أَجَـلْ كُـنْـتُ مِـنْ تَـيْـنِ الْـحَـيَـاتَـيْـنِ آخِـذًا
بِــوَاحِــدَةٍ تَأْبَــى الْــقَــسِــيــمَ الْــمُـغَـايِـرَا
وَجَــــادَلَـــنِـــي قَـــوْمٌ بِـــغَـــيْـــرِ دِرَايَـــةٍ
وَلَــسْــتُ أُبَــالِــي ذَا الْــعِــنَــادَ الْـمُـكَـابِـرَا
وَأَسْأَلُ فَــامْــنُــنْ بِــالْــجَــوَابِ تَــفَــضُّـلًا
سُــؤَالًا عَــنِ اسْـتِـعْـتَـابِـيَ الْـخِـلَّ صَـادِرَا
أَأَنْــتَ الَّــذِي فَــضَّــلْــتَ عَـيْـشًـا مُـعَـيَّـنًـا
لِــنَـفْـسِـكَ حَـتَّـى كُـنْـتَ فِـيـهِ الْـمُـشَـاوِرَا
فَـصِـرْتَ بِـهِ فِـي الْـقَـوْمِ شَـاعِـرَ مَـجْدِهِمْ
إِذَا قُـلْـتَ شِـعْـرًا جِـئْـتَ بِـالـشِّـعْـرِ سَاحِرَا
إِذَا كَـــانَ هَـــذَا هَـــكَــذَا مِــنْــكَ وَاقِــعًــا
فَـقَـدْ كُـنْـتَ فِـي حُـسْـنِ اخْـتِـيَارِكَ مَاهِرَا
عَــلَامَ إِذَنْ تَــشْــكُــو وَشَــكْــوَاكَ كُــلُّــهَــا
كَـشَـكْـوَايَ تُـدْمِـي بِـالْـبُـكَـاءِ الْـمَـحَـاجِـرَا
وَمَـنْ ذَا الَّـذِي قَدْ عَاشَ فِي النَّاسِ رَاضِيًا
وَمَنْ ذَا الَّذِي قَدْ عَاشَ فِي النَّاسِ شَاكِرَا؟
وَلَـوْ كَـانَ عَـيْـشُ الـنَّـاسِ وَفْقَ اخْتِيَارِهِمْ
لَــمَــا كُـنْـتَ تَـلْـقَـى شَـاكِـيًـا أَوْ مُـخَـاطِـرَا
•••
لَــحَــى الــلــهُ دُنْــيَــا كُـلُّـنَـا مِـنْ جَـرَائِـهَـا
نَــخُــوضُ الــرَّزَايَــا رَاكِــبِـيـنَ الـضَّـرَائِـرَا
وَنَــحْــنُ مَــدَى الْأَيَّـامِ نَـشْـكُـو بِـعَـيْـشِـنَـا
فَــسَــادَ نِــظَــامٍ يَــجْــعَــلُ الْــكَــدَّ بَــائِـرَا
نَــرَى وَاحِــدًا يَــقْــتَــادُ أَلْــفًــا لِــعَــيْـشِـهِ
وَيَــنْــظُــرُ لِــلْأَلْــفِ الْــمُــسَــخَّـرِ سَـاخِـرَا
وَلَـــوْ وُزِنَـــتْ أَعْـــمَــالُــهُــمْ بِــاقْــتِــدَارِهِ
لَــكَــانَ بِــهَــا كَــيْـنُـونَـةَ الـصِّـفْـرِ شَـاعِـرَا
فَـمَـا عَـاشَ فِـي مَـحْـيَـاهُ عَـيْـشًـا مُـرَفَّـهًا
مِــنَ الــنَّــاسِ إِلَّا مَــنْ تَــحَــيَّــلَ مَــاكِــرَا
شَــقَــاءٌ عَــلَــى كَــرِّ الْــجَــدِيــدَيْــنِ آخِـذٌ
بِأَعْــنَــاقِــنَــا إِلَّا الْــقَــلِــيــلَ الْــمُــمَــاكِـرَا
•••
وَمَـا الـشِّـعْـرُ بِـالْـحَـبْـلِ الَّـذِي قَـدْ ذَكَـرْتُـهُ
وَلَـــــكِـــــنَّــــهُ بَــــرْقٌ تَــــمَــــوَّجَ دَائِــــرَا
فَـــمَـــا الـــشِّــعْــرُ إِلَّا مِــنْ بُــرُوقٍ دَوَائِــرٍ
تَـــدُورُ أَوَالِـــيـــهَــا لِــتَــلْــقَــى الْأَوَاخِــرَا
إِذَا لَـــمَـــعَــتْ فَــوْقَ الــطُّــرُوسِ فَإِنَّــهَــا
تَــرُدُّ إِلَــى الــتِّــبْــرِ الْــمُــذَابِ الْـمَـحَـابِـرَا
وَقَـــدْ بَـــرَّأَ الـــلـــهُ الْـــعَـــوَالِـــمَ كُــلَّــهَــا
دَوَائِـــرُ فِــيــهَــا حَــارَ مَــنْ ظَــلَّ فَــاكِــرَا
نَــرَى كُــلَّ شَــيْءٍ عَــائِــدًا نَــحْــوَ بَــدْئِـهِ
إِذَا نَــحْــنُ حَـكَّـمْـنَـا الـنُّـهَـى وَالْـبَـصَـائِـرَا
•••
إِذَنْ لَـمْ أَكُـنْ فِـي عَـالَـمِ الـشِّـعْـرِ مُـرْغَـمًـا
لِأَوَّلِـــــهِ حَـــــتَّـــــى يُـــــلاَقِــــيَ آخِــــرَا
نَـعَـمْ كُـنْـتُ فِـي تِـلْـكَ الْأَمَـادِيـحِ شَـاتِـمًـا
زَمَــانًــا يُــوَالِــي كُــلَّ مَــنْ كَــانَ جَــائِــرَا
وَكُــنْــتُ بِــذَاكَ الْــمَـدْحِ لِـلْـمَـدْحِ هَـاجِـيًـا
وَكُــنْــتُ بِــذَاكَ الــشِّـعْـرِ لِـلـشِّـعْـرِ حَـاقِـرَا
إِذَا الــدُّرُّ أَمْــسَــى كَــالـسِّـخَـابِ مُـحَـقَّـرًا
شَـــدَدْتُ بِـــهِ لِــلــنَّــابِــحَــاتِ سَــوَاجِــرَا
وَمَـــا الْـــعَــارُ فِــي هَــذَا عَــلَــيَّ وَإِنَّــمَــا
عَـلَـى مَـنْ أَضَـاعُـوا مَـجْـدَهُـمْ وَالْمَفَاخِرَا
عن القصيدة
طريقة النظم:
عمودي
لغة القصيدة:
الفصحى
بحر القصيدة:
الطويل
عصر القصيدة:
الحديث
عن الشاعر
معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.
وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.
بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».
انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.
آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.
ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.
تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.