الدَّهْرُ وَالْحَقِيقَةُ

Wave Image
أَرَى الـدَّهْـرَ لَا يَأْلُـو بِـسَـتْـرِ الْـحَـقَـائِـقِ
إِذَا افْــتَــرَّ عَــنْ صُـبْـحٍ تَـلَاهُ بِـغَـاسِـقِ
يَـجُـرُّ ذُيُـولَ الْـخَـطْـبِ فَـوْقَ طَـرِيقِهَا
لِــيَــعْــفُــوَ مِــنْــهُ مَـا بِـهِ مِـنْ سَـلَائِـقِ
وَلَــوْ لَــمْ يَــجِــئْــنَـا كُـلَّ يَـوْمٍ مُـوَارِبًـا
لَــمَــا كَـانَ فَـجْـرٌ كَـاذِبٌ قَـبْـلَ صَـادِقِ
كَأَنَّ لَـيَـالِـي الـدَّهْرِ غَضْبَى عَلَى الْوَرَى
فَــتَـنْـظُـرُ شَـزْرًا بِـالـنُّـجُـومِ الـشَّـوَارِقِ
وَمَـا طَـلَـعَـتْ كَـيْ تَهْدِيَ الْقَوْمَ شَمْسُهُ
وَلَـكِـنْ لِـتُـصْـلِـيـهِـمْ جَـحِـيـمَ الْـوَدَائِقِ
وَقَـدْ تُـنْـطِـقُ الْأَيَّـامُ بِـالْـحَـقِّ أَعْـجَـمًـا
وَتُــسْــكِــتُ عَـنْ تِـبْـيَـانِـهِ كُـلَّ نَـاطِـقِ
وَكَــمْ مُــدَّعٍ فَــضْــلَ الــتَّـمَـدُّنِ مَـا لَـهُ
مِــنَ الْــفَــضْــلِ إِلَّا أَكْــلُـهُ بِـالْـمَـلَاعِـقِ
وَكَـمْ عَـاقِـلٍ قَـدْ عَـدَّهُ الـنَّـاسُ أَحْـمَـقًا
وَمَـا هُـوَ لَـوْ يُـبْـلَـى سِـوَى مُـتَـحَـامِـقِ
وَرُبَّ ذَكِـــيٍّ لَــمْ يَــكُــنْ مِــنْ ذَكَــائِــهِ
سِــوَى مَــا رَوَوْهُ مِــنْ ذَكَـاءِ الـلَّـقَـالِـقِ
وَقَـدْ تُـعْرِضُ الْأَسْمَاعُ عَنْ ذِي فَصَاحَةٍ
وَتُـصْـغِـي إِلَـى ذِي الـلُّـكْـنَةِ الْمُتَشَادِقِ
وَمِــنْ شِـيَـمِ الْأَيَّـامِ فِـي الـنَّـاسِ أَنَّـهَـا
تَـجُـورُ عَـلَـيْـهِـمْ بِـاقْـتِـطَـاعِ الْـعَـلَائِـقِ
وَأَلْــطَــفُ جَـوْرِ الـدَّهْـرِ جَـوْرٌ نَـرَى بِـهِ
تَـــدَلُّـــلَ مَــعْــشُــوقٍ وَذِلَّــةَ عَــاشِــقِ
وَمَـا كَانَ كِذْبُ الْقَوْمِ فِي الْقَوْلِ وَحْدَهُ
وَلَــكِــنَّــهُ فِــي كُــتْــبِــهِـمْ وَالْـمَـهَـارِقِ
وَأَقْــبَــحُ مَــيْـنٍ فِـي الـزَّمَـانِ خُـرَافَـةٌ
تَــحُــطُّ بِــهَــا طِــرْسًــا يَـرَاعَـةُ نَـامِـقِ
ضَـلَالٌ عَـلَـى مَـرِّ الْـجَـدِيـدَيْـنِ لَمْ تَزَلْ
مَــغَــارِبُــنَــا مِــنْ أَمْــرِهِ كَــالْـمَـشَـارِقِ
فَــعَــدِّ عَــنِ الْأَيَّــامِ إِذْ لَــمْ تَــجِـدْ بِـهَـا
سِـوَى لَـغَـطٍ يُـزْرِي بِـفَـضْـلِ الْـمَـنَاطِقِ
نَــفَــضْــتُ مِــنَ الــدُّنْـيَـا يَـدَيَّ لِأَنَّـنِـي
تَــعَـرَّفْـتُ مِـنْـهَـا مَـا بِـهَـا مِـنْ خَـلَائِـقِ
فَــمَــا أَنَــا وَقَّــافٌ بِــهَــا عِــنْـدَ مَـنْـزِلٍ
وَلَا أَنَــا بَــاكٍ مِــنْ حَــبِــيــبٍ مُــفَـارِقِ
وَلَا عَـذَّبَـتْـنِـي فِـي الْـعُـذَيْـبِ صَـبَـابَـةٌ
وَلَا شَـــاقَــنِــي بَــرْقٌ لِــرَبْــعٍ بِــبَــارِقِ
تَـعَـشَّـقْـتُ فِـيـهَـا حُـسْـنَ كُـلِّ حَـقِيقَةٍ
وَأَعْـرَضْتُ عَنْ حُسْنِ الْحِسَانِ الْغَرَانِقِ
وَلِــي عِـنْـدَ إِخْـوَانِ الـصَّـفَـا أَرْيَـحِـيَّـةٌ
إِلَــى كُــلِّ خِــلٍّ فِــي الـزَّمَـانِ مُـوَافِـقِ
إِذَا مَـا عَـقَـدْنَـا مَـجْـلِسَ الْأُنْسِ بِالطِّلَا
فَـبَـيْـنِـي وَبَـيْـنَ الـسُّـكْرِ خَمْسُ دَقَائِقِ
أَقُـومُ إِلَـى كُـبْـرَى الـزُّجَـاجَـاتِ مُدْهِقًا
بِـمُـسْـتَـقْـطَـرٍ مِـنْ خَـالِـصِ التَّمْرِ رَائِقِ
فَأَقْــرَعُ بِــالْــكَأْسِ الــرَّوِيَّـةِ جَـبْـهَـتِـي
بِــشُـرْبٍ كَـمَـا عَـبَّ الْـقَـطَـا مُـتَـلَاحِـقِ
أُسَـابِـقُ نَـدْمَـانِـي إِلَـى الـسُّـكْـرِ طَـائِرًا
بِـجِـنْـحٍ مِـنَ الْأُنْـسِ الْـمُضَاعَفِ خَافِقِ
فَــمَــا هِــيَ إِلَّا بَـعْـدَ شُـرْبِـي سُـوَيْـعَـةٌ
وَقَـدْ دَبَّ مِنْ رَأْسِي الطِّلَا فِي الْمَفَارِقِ
فَـنَـادَمْـتُ أَصْـحَـابِي عَلَى غَيْرِ حِشْمَةٍ
وَقُــلْـتُ لَـهُـمْ مَـا قُـلْـتُ غَـيْـرَ مُـنَـافِـقِ
وَأَغْـنَـيْـتُـهُـمْ عَـنْ نُـقْـلِـهِمْ فِي شَرَابِهِمْ
بِــمُــزٍّ طَــرِيٍّ مِــنْ نُــقُــولِ الْـحَـقَـائِـقِ
وَلَـمْ يَـبْـدُ فِـيَّ الـسُّـكْـرُ عِـنْـدَ اشْتِدَادِهِ
سِوَى شُكْرِ خِلِّي أَوْ سِوَى حَمْدِ خَالِقِي
تَـعَـوَّدْتُ سَـبْـقِـي فِـي الْـفَخَارِ فَلَمْ أُرِدْ
مِـنَ الـسُّـكْـرِ أَنْ أَحْـظَـى بِهِ غَيْرَ سَابِقِ
كَـمَـا اعْـتَـادَ سَـبْقًا فِي الْمَكَارِمِ خَزْعَلٌ
بِــلَا سَــابِــقٍ فِــيــهَــا عَــلَـيْـهِ وَلَاحِـقِ
أَمِــيــرٌ نَــمَــتْــهُ لِــلْــمَــكَــارِمِ وَالْــعُـلَا
جَـحَـاجِـحُ مِـنْ كَـعْـبٍ كِـرَامُ الْـمَـعَارِقِ
كَـذَلِـكَ أَعْـلَـى الـلـهُ فِـي الـنَّـاسِ كَعْبَهُ
بِــحَــظٍّ مِــنَ الْـمَـجْـدِ الْـمُـؤَثَّـلِ فَـائِـقِ
إِذَا سَـارَ سَـارَ الْـمَـجْـدُ فِـي طَـيِّ بُـرْدِهِ
يُـــرَافِـــقُــهُ أَكْــرِمْ بِــهِ مِــنْ مُــرَافِــقِ
فَــيَـرْحَـلُ مِـنْ أَنْـسَـابِـهِ فِـي مَـوَاكِـبٍ
وَيَــنْــزِلُ مِــنْ أَحْـسَـابِـهِ فِـي سُـرَادِقِ
وَإِنْ جَــاءَ أَغْــضَــى مَــنْ رَآهُ تَــهَـيُّـبًـا
سِـوَى نَـظَـرٍ مِـنْـهُـمْ بِـعَـيْـنَـيْ مُـسَارِقِ
•••
أَبَـا الْأُمَـرَاءِ الـصِّـيـدِ جِـئْـتُـكَ شَـاكِـيًـا
إِلَــيْــكَ جِــنَــايَـاتِ الـزَّمَـانِ الْـمُـمَـاذِقِ
أَجِــرْنِــي رَعَــاكَ الــلــهُ مِــنْـهَـا فَإِنَّـهَـا
رَمَــتْ كُــلَّ عَـظْـمٍ فِـيَّ مِـنْـهَـا بِـعَـارِقِ
أَتَــرْضَــى وَإِنِّــي صَـقْـرُ بَـغْـدَادَ أَنَّـنِـي
تَــقَــدَّمَـنِـي فِـيـهَـا فِـرَاخُ الْـعَـقَـاعِـقِ؟
لَــئِـنْ أَنْـكَـرُوا حَـقِّـي فَـسَـوْفَ تُـحِـقُّـهُ
شَـــوَاهِــدُ أَقْــلَامٍ بِــكَــفِّــي، نَــوَامِــقِ
أَصُــوغُ بِــهَــا حُــرَّ الْــكَــلَامِ لِـخَـزْعَـلٍ
مَـدِيـحًـا كَـعِـقْـدِ الـلُّـؤْلُـؤِ الْـمُـتَـنَـاسِـقِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤