الرِّبْحُ وَالْخَسَارَةُ

Wave Image
أَهْــــوَاكَ وَالْــــحُــــبُّ دَاءٌ أَيَّــــمَــــا دَاءِ
يَـــا مُـــسْـــبِـــلًا حَـــوْلَـــهُ أَذْيَـــالَ لَأْلَاءِ
خَــلَــقْــتُ لِــلْــحُــسْــنِ عَـبَّـادًا أُوَاجِـهُـهُ
كَـعَـابِـدِ الـشَّـمْـسِ فِـي صُـبْـحٍ وَإِمْـسَـاءِ
يَــا لَــيْــتَ أَنِّــيَ أَعْــمَــى لَا دَلِــيــلَ لَــهُ
أَوْ لَـيْـتَ مَـا فِـي الْـوَرَى مَا يَفْتِنُ الرَّائِي
عَــيْــنَــيَّ عَــيْــنَــيَّ لَا بُــورِكْــتُـمَـا أَبَـدًا
أَطَــفْــتُــمَـا بِـالْـحَـشَـا أَنْـيَـابَ رَقْـشَـاءِ؟
وَلَــوْ عَــمِـيـتُ إِذَنْ لَاشْـتَـقْـتُ نُـورَكُـمَـا
بِـــقَـــلْـــبِ رَاعٍ وَفِـــيٍّ غَـــيْـــرِ نَــسَّــاءِ
أَهَــبْــتُ وَهْــنًــا بِـذِكْـرَاكُـمْ فَـمَـا عَـبَأَتْ
شَــيْــئًــا بِــصَـبٍّ بِـجُـنْـحِ الـلَّـيْـلِ دَعَّـاءِ
وَسَــلَّــمَــتْــنِــي إِلَــى الْآمَــالِ قَــائِــلَــةً
عَـــنِّـــي إِلَـــى أَمَـــلٍ لِـــلـــرُّوحِ غَـــذَّاءِ:
«مَـــا لِـــي وَلِــلــزَّمَــنِ الْآنِــي وَأَقْــرَبُــهُ
مِــنِّـي إِذَا اسْـتَـثْـبَـتَـتْ عَـيْـنَـايَ كَـالـلَّاءِ
سَـلْـنِـي إِذَا شِـئْـتَ عَـنْ مَـاضِيكَ مُبْتَدِئًا
أُرَوِّ قَــــــلْـــــبَـــــكَ مِـــــنْـــــهُ أَيَّ إِرْوَاءِ
عِــنْــدَ الْأَمَــانِــيِّ مَــا تَــبْــغِـي فَإِنَّ لَـهَـا
عَــيْــنًــا مُــوَكَّــلَــةً بِــالْـمُـقْـبِـلِ الـنَّـائِـي
قَـدِ اسْـتَـوَتْ فَـوْقَ عَرْشِ الْوَهْمِ حَاكِمَةً
مِــثْــلَ الْــمَــقَــادِيـرِ فِـي مَـنْـحٍ وَإِكْـدَاءِ
وَمَــا لَــهَـا دُونَ رَاجِـي عُـرْفِـهَـا حُـجُـبٌ
وَلَا مِــــــطَـــــالٌ وَلَا إِعْـــــرَاضُ أَبَّـــــاءِ
مَـــنْ لَا تُـــكَــلِّــفُــهُ شَــيْــئًــا عَــوَارِفُــهُ
فَــلَــيْــسَ يَــبْــخَــلُ عَــنْ بَـذْلٍ وَإِيـتَـاءِ
وَخَـلَّـفَـتْـنِـي عَـلَـى الْأَجْـدَاثِ أَحْـرُسُـهَـا
كَــالْــكَــلْــبِ يَـحْـرُسُ لَـيْـلًا عِـزَّ أَحْـيَـاءِ
فَـــلَـــيْــسَ يَــذْكُــرُنِــي إِلَّا أَخُــو عَــدَمٍ
قَـدْ صَـارَ مِـنْ ظَـنِّـهِ فِـي جَدْبِ صَحْرَاءِ
وَالْـمَـرْءُ مَـا بَـيْـنَـنَـا حَـيْـرَانُ مُـضْـطَـرِبٌ
مِــنْ لَــهْــوِ وَهْــمٍ إِلَـى أَشْـبَـاحِ جَـوْفَـاءِ
هَــذِي تُــضَــاحِــكُــهُ طَــوْرًا وَتَـخْـدَعُـهُ
وَتِــلْــكَ تَــبْــكِـيـهِ فِـي صُـبْـحٍ وَإِمْـسَـاءِ
قَـدْ أَوْسَـعَـتْـكُـمْ بَـنِـي حَـوَّاءَ عِـيـشَتُكُمْ
وَطُــولُ غَــفْــلَــتِــكُــمْ مِــنْ كُـلِّ إِزْرَاءِ»
أَيْـنَ الْـحَـقِـيـقَـةُ؟ أَلْأَرْمَـاسُ مَـوْطِـنُـهَا؟
فَــذَاكَ قَــلْــبِــيَ رَمْــسٌ بَـيْـنَ أَحْـنَـائِـي
مَــاضِــي حَــيَــاتِــيَ أَحْـلَامٌ وَمُـقْـبِـلُـهَـا
غَــيْــبٌ، وَحَـاضِـرُهَـا فِـي كَـفِّ خَـرْقَـاءِ
كَــمْ حَــدَّثَـتْـنِـيَ نَـفْـسِـي وَهْـيَ بَـاكِـيَـةٌ
عَــنِ الــشَّــبَــابِ وَبَــسَّــامِــيــنَ أَكْــفَـاءِ
وَأَذْكَـــرَتْـــنِـــيَ أَيَّـــامًــا مُــسَــلْــسَــلَــةً
فِـــي ظِـــلِّ وَارِفَـــةِ الْأَظْـــلَالِ لَـــفَّـــاءِ
حَــيْــثُ الــزَّمَــانُ رَبِــيـعٌ وَالْـهَـوَى أُنُـفٌ
وَالْأَرْضُ صَـــادِحَــةٌ بِــالْــعُــودِ وَالــنَّــاءِ
تُــجْــنَــى الْـكُـرُومُ إِذَا آنَـتْ مَـقَـاطِـفُـهَـا
سُــمْــرَ الْـعَـنَـاقِـيـدِ فِـي لَـفَّـاءَ خَـضْـرَاءِ
يَـجْـرِي الـنَّـسِـيـمُ بِأَنْـفَـاسِ الْـوُرُودِ كَـمَا
يَـجْـرِي الـرَّسُـولُ بِـبُـشْرَى الْقُرْبِ لِلنَّائِي
يَــا حَــبَّــذَا عَــرْفُـهَـا وَالـرِّيـحُ سَـاجِـيَـةٌ
وَالـنَّـجْـمُ يَـلْـحَـظُـنَـا لَـحْـظَـاتِ هَـوْجَاءِ
وَالــنِّــيــلُ أَجْــرَاهُ مُــجْــرِيــهِ لِــلَــذَّتِـنَـا
مِــنْ حَـوْلِـنَـا فَـلَـنَـا عَـرْشٌ عَـلَـى الْـمَـاءِ
مُــطَــرَّزٌ بِــنُــجُــومِ الــلَّــيْــلِ قَــاطِــبَـةً
وَمُــزْبِــدٍ فِــي سَــمَــاءِ الــلَّــيْــلِ وَضَّـاءِ
أَطْـــنَـــابُــهُ حُــفُــلُ الْأَثْــمَــارِ يَــانِــعَــةٌ
جَـلَّـتْ عَـنِ الْـوَصْـفِ فِـي حُسْنٍ وَإِغْرَاءِ
خَـمْـرِي الْـحِـسَـانُ وَلَا حُـسْـنٌ كَحُسْنِهِمِ
وَنُــقْــلِـيَ الـلَّـحْـظُ يَـشْـفِـي عِـلَّـةَ الـدَّاءِ
غَــبُــوقُــنَــا بَــيْــنَ أَغْــصَــانٍ مُــهَــدَّلَـةٍ
وَمِــنْ صَــبُــوحِــيَ تَــقْــبِــيـلُ الْأَحِـبَّـاءِ
إِذَا نَــشَــاءُ احْــتَــسَــيْــنَـاهَـا مُـصَـفَّـقَـةً
تُــسْــنَــى لِــشَــارِبِــهَــا مِــنْ كُــلِّ سَـرَّاءِ
أَوْ لَــمْ نَــشَأْ لَــمْ نَــبِـعْ بِـالـسُّـكْـرِ لَـذَّتَـنَـا
فِـي الـصَّـحْـوِ مَـا بَـيْـنَ بَـيْضَاءٍ وَحَمْرَاءِ
فَأَيْــنَ أَيْــنَ لَــيَــالِــيَّ الَّــتِــي سَــلَــفَـتْ
صَــارَتْ حَــدِيـثًـا كَأَخْـبَـارِ ابْـنِ دَيْـحَـاءِ
لَا تُـدْرِكُ الـنَّـفْـسُ مِـنْـهَـا حِـيـنَ تَـطْـلُـبُهَا
إِلَّا الـــتَّـــفَـــجُّـــعَ أَوْ لَــدْغًــا بِأَحْــشَــاءِ
أَضْـحَـتْ حَـيَـاتِـيَ رَبْـعًـا مُـقْـفِـرًا خَـرِبًـا
مِــنْ بَـعْـدِ مَـا عُـمِـرَتْ لِـلْـفَـرْحِ أَفْـنَـائِـي
يَـا سُـوءَ مُـنْـقَـلَـبٍ عَـنْ حُـسْـنِ مُـخْـتَبَرٍ
كَــالــصُّــبْــحِ يَــعْـقُـبُـهُ إِدْجَـانُ ظَـلْـمَـاءِ
بَــقِــيــتَ يَــا كَــوْكَــبَ الْأَيَّـامِ مُـؤْتَـلِـقًـا
يَــزِيــدُكَ الــدَّهْــرُ ضَــوْءًا فَـوْقَ أَضْـوَاءِ
وَيَــا رَبِــيــعَ الْـهَـوَى لَا زِلْـتَ فِـي حُـلَـلٍ
خُـــضْــرٍ تُــبَــاكِــرُهَــا سُــحْــبٌ بِأَنْــدَاءِ
تَــنْــضُــو وَتَــلْــبَــسُ أَفْــوَافًـا مُـحَـبَّـرَةً
مُــسْــتَــبْــدِلًا جُــدُدًا مِــنْ بَـعْـدِ أَنْـضَـاءِ
فَأَنْـــتَ لِـــي وَلِآمَـــالِـــي وَإِنْ بَـــعُــدَتْ
قَــوْسُ الْــغَــمَــائِـمِ فِـي آفَـاقِ غَـمَّـائِـي
اقْــرَأْ كَــلَامِــيَ وَابْــسِــمْ حِـيـنَ تَـقْـرَؤُهُ
وَإِنْ يَــكُــنْ لَــكَ تَــحْـبِـيـرِي وَإِنْـشَـائِـي
وَلَا تُـــرَعْ لِـــدُمُـــوعٍ بِـــتُّ أَنْــظِــمُــهَــا
وَإِنْ تَــكُــنْ عَــنْ ضِـرَامٍ بَـيْـنَ أَحْـنَـائِـي
وَلَـسْـتُ فَـاعْـلَـمْ أُرَجِّـي مِـنْـكَ مَـرْحَـمَةً
يَـنْـدَى لَـهَـا الْـقَـلْـبُ فِـي أَعْقَابِ رَمْضَاءِ
أُحِــبُّــكُــمْ وَلَــوَ انِّــي أَسْــتَــطِــيـعُ إِذَنْ
بَـدَّلْـتُـكُـمْ بِـالْـهَـوَى وَالْـحُـبِّ بَـغْـضَـائِـي
كَــمَــا تُــبَــدِّلُــنِــي مِــنْ صِـحَّـتِـي أَلَـمًـا
مُـــرًّا وَتُـــوسِــعُــنِــي مِــنْ كُــلِّ ضَــرَّاءِ
قَـدْ كُـنْـتُ أَطْـرَبُ لِـلـدُّنْـيَـا وَيُـعْـجِـبُـنِي
فِـي رَوْنَـقِ الْـحُـسْـنِ مَـاءٌ لَـيْـسَ كَـالْمَاءِ
وَكَــانَ يَــفْــتِــنُــنِــي تَــهْــدِيــلُ وَرْقَــاءٍ
تَـسْـمُـو إِلَـى الْـغُـصْـنِ أَوْ تَـهْزِيجُ حَسْنَاءِ
فَـالْآنَ قَـدْ صَـوَّحَ الْـغُصْنُ الَّذِي صَدَحَتْ
عَــلَـيْـهِ أَطْـيَـارُ نَـفْـسِـي يَـوْمَ نَـعْـمَـائِـي
وَصِــرْتُ لَا شَـيْءَ فِـي الـدُّنْـيَـا أُسَـرُّ بِـهِ
وَلَا يُـــــفَـــــزِّعُـــــنِــــي دَهْــــرِي بِأَرْزَاءِ
وَصِــرْتُ أُنْــكِــرُ أَيَّــامِــي وَيُــنْــكِــرُنِـي
صَــفْـوُ الـلَّـذَاذَاتِ مِـنْ قَـصْـفٍ وَإِصْـبَـاءِ
إِذَا سَــمِــعْــتُ لِــرِيــحِ الــلَّـيْـلِ زَمْـزَمَـةً
حَــسِــبْــتُــهَــا نَــادِبًــا أَلْــحَـانَ سَـرَّائِـي
كَــالْــبَــحْـرِ نَـفْـسِـيَ لَا مَأْوَى وَلَا سَـكَـنٌ
وَلَا قَـــرَارٌ لَــهَــا مِــنْ فَــرْطِ ضَــوْضَــاءِ
أَقُـولُ فِـي الـصَّـيْـفِ وَيْـلِي مِنْ سَمَائِمِهِ
وَفِــي الــشِّــتَــاءِ أَلَا بُــعْـدًا لِـمُـشْـتَـائِـي
تَـمْـضِـي الـلَّـيَـالِـي وَلَـكِـنْ لَا أُحِـسُّ لَـهَـا
مَــا كُــنْــتُ أَعْــهَــدُ مِــنْ نُـورٍ وَظَـلْـمَـاءِ
فَــلَا نَــدًى فَــوْقَ خَــدِّ الــزَّهْـرِ يَـلْـثِـمُـهُ
وَلَا يَـــفُـــوحُ لَـــهُ مِـــسْـــكِــيُّ بَــوْغَــاءِ
قَــدْ مَــاتَ مِــثْــلِــيَ إِلَّا صُــورَةً ثَـبَـتَـتْ
نَـفْـسٌ قَـضَـتْ وَهْـيَ فِـي جُثْمَانِ أَحْيَاءِ
خَطَّ اسْمَهَا الدَّهْرُ فِي قَيْدِ الرَّدَى فَغَدَتْ
لَا تَــنْــفَــعُ الــنَّــاسَ إِلَّا يَــوْمَ إِحْــصَــاءِ
كَأَنَّـمَـا الـشَّـجَـرُ الْـمُـخْـضَـرُّ فِـي نَـظَـرِي
إِذَا دَلَـــفْـــتَ لَـــهُ عِـــيــدَانُ قَــصْــبَــاءِ
وَلِــــلـــنُّـــجُـــومِ بَـــرِيـــقٌ لَا أُفَـــرِّقُـــهُ
عَــنْ لَــحْــظِ مِــيـتَـةِ حَـسْـنَـاءٍ وَعَـذْرَاءِ
فِــي أَبْــحُــرٍ مِــنْ زُجَــاجٍ لَا بَــهَــاءَ لَـهَـا
مَــا بَــيْــنَ سَــوْدَاءَ أَوْ خَــضْــرَاءَ زَرْقَـاءِ
حَـتَّـى الـنَّـهَـارُ وَحَـتَّـى الـشَّمْسُ أُنْكِرُهَا
كَأَنَّ فِـــي نُـــورِهَـــا دِيـــدَانَ غَـــبْـــرَاءِ
طُـرِدْتُ فِي الْأَرْضِ مِنْ فِرْدَوْسِ نَعْمَائِي
طَــرْدَ الَّــتِــي غَــرَّرَتْ قِــدْمًــا بِــحَــوَّاءِ
فَــمَــا أُطِــيــقُ نَــعِـيـمًـا إِنْ ظَـفِـرْتُ بِـهِ
بَــعْــدَ الَّــذِي بُــزَّ عَــنِّــي يَــوْمَ إِثْــرَائِـي
أَخَــافُ حُــسْــنَــكَ يَـوْمًـا أَنْ يُـذَكِّـرَنِـي
عَـهْـدًا مَـضَـى فَـيُـهِـيـجُ الـذِّكْرُ سَوْدَائِي
تَـغَـلْـغَـلَ الـسَّـهْـمُ فِـي قَـلْبِي فَإِنْ نَزَعَتْ
كَـفٌّ قَـضَـيْـتُ فَـدَعْ سَـهْـمِـي بِأَحْشَائِي
هَـذِي حَـيَـاتِـي فَـقُـلْ لِـي كَـيْـفَ أَنْـدُبُـهَا
قَــدْ جَــلَّ مَــا بِـيَ عَـنْ سَـلْـوَى وَتَأْسَـاءِ
لِــكُــلِّ شَــيْءٍ سُــكُــونٌ بَــعْــدَ فَــوْرَتِـهِ
وَكُـــلُّ عَــيْــنٍ إِلَــى غَــمْــضٍ وَإِغْــفَــاءِ
أَلَا تَــرَى الْــيَـمَّ تَـطْـغَـى فِـيـهِ مَـوْجَـتُـهُ
تَـــقَــطُّــعَ الْــقَــلْــبِ مِــنْ هَــمٍّ وَبَأْسَــاءِ
حَــتَّـى إِذَا بَـلَـغَـتْ مَـجْـهُـودَهَـا فَـنِـيَـتْ
مِــنْ بَــعْـدِ جَـلْـجَـلَـةٍ مِـنْـهَـا وَضَـوْضَـاءِ
كَـذَاكَ لِـلـنَّـفْـسِ فِـي بَـحْـرِ الـرَّدَى سَكَنٌ
تُــلْــفِــي بِــه رَاحَــةً مِــنْ بَــعْــدِ إِعْـيَـاءِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إبراهيم عبد القادر المازني: شاعرٌ وروائيٌّ وناقدٌ وكاتبٌ مصريٌّ مِن رُوَّادِ النهضةِ الأدبيةِ العربيةِ في العصرِ الحديث. استَطاعَ أن يجدَ لنفسِه مَكانًا مُتميِّزًا بين أقطابِ مُفكِّري عَصرِه، وأسَّسَ معَ كلٍّ مِن عباس العَقَّاد وعبد الرحمن شُكري «مدرسةَ الديوانِ» التي قدَّمتْ مفاهيمَ أدبيةً ونَقديةً جديدة، استوحَتْ رُوحَها مِن المدرسةِ الإنجليزيةِ في الأدَب.

وُلدَ «إبراهيم محمد عبد القادر المازني» في القاهرةِ عامَ ١٨٩٠م، ويَرجعُ أصلُه إلى قريةِ «كوم مازن» بمُحافظةِ المُنوفية. تخرَّجَ مِن مَدرسة المُعلِّمين عامَ ١٩٠٩م، وعملَ بالتدريسِ لكنه ما لبثَ أنْ ترَكَه ليَعملَ بالصحافة، حيثُ عملَ بجريدةِ الأخبار، وجريدةِ السياسةِ الأُسبوعية، وجريدةِ البلاغ، بالإضافةِ إلى صُحفٍ أُخرى، كما انتُخبَ عُضوًا في كلٍّ مِن مجمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةِ والمجمعِ العِلميِّ العربيِّ بدمشق، وساعَدَه دُخولُه إلى عالمِ الصحافةِ على انتشارِ كتاباتِه ومقالاتِه بينَ الناس.

قرَضَ في بدايةِ حياتِه الأدبيةِ العديدَ من دواوينِ الشعرِ ونَظْمِ الكلام، إلا أنه اتَّجهَ بعدَ ذلك إلى الكتابةِ النَّثريةِ واستغرقَ فيها، فقدَّمَ تُراثًا غَزيرًا من المقالاتِ والقصصِ والرِّوايات. عُرِفَ ناقدًا مُتميِّزًا، ومُترجِمًا بارعًا، فترجمَ مِنَ الإنجليزيةِ إلى العربيةِ العديدَ مِن الأعمالِ كالأَشعارِ والرواياتِ والقصص، وقالَ العقادُ عنه: «إنَّني لمْ أَعرفْ فيما عرفتُ مِن ترجماتٍ للنَّظمِ والنثرِ أديبًا واحدًا يفوقُ المازنيَّ في الترجمةِ مِن لغةٍ إلى لغةٍ شِعرًا ونثرًا.»

تميَّزَ أُسلوبُه سواءٌ في الكتابةِ الأدبيةِ أو الشِّعريةِ بالسخريةِ اللاذعةِ والفكاهة، واتَّسمَ بالسلاسةِ والابتعادِ عَنِ التكلُّف، كما تميَّزتْ موضوعاتُه بالعمقِ الذي يدلُّ على سعةِ اطِّلاعِه، ولا ريبَ في ذلك؛ فقد شملَتْ قراءاتُه العديدَ مِن كُتبِ الأدبِ العربيِّ القديم، والأدبِ الإنجليزيِّ أيضًا، هذا بالإضافةِ إلى قراءتِه الواسعةِ في الكُتبِ الفلسفيةِ والاجتماعية. وعمَدَ المازنيُّ في مدرستِه الأدبيةِ إلى وصفِ الحياةِ كما هي، دونَ إقامةِ معاييرَ أخلاقية، فكانَ في بعض كتاباتِهِ خارجًا عن التقاليدِ والأَعرافِ السائدةِ والمُتداوَلة.

وقد رحلَ المازنيُّ عن عالَمِنا في شهرِ أغسطس من عامِ ١٩٤٩م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤