إِسْمَاعِيلُ الْعَظِيمُ

Wave Image
حُــسَــامٌ لَــهُ مَــجْــدُ الْـخُـلُـودِ قِـرَابُ
يُــحَــوِّمُ شِــعْــرِي حَــوْلَــهُ فَــيَــهَـابُ
وَطَــوْدٌ مِــنَ الْــعِــزِّ الْأَشَـمِّ عَـنَـتْ لَـهُ
وُجُـــوهٌ، وَدَانَـــتْ بِـــالْـــوَلَاءِ رِقَـــابُ
وَسِــرٌّ سَــمَـاوِيٌّ ثَـوَى فِـي ضَـرِيـحِـهِ
لَــهُ مِــنْ جَـنَـاحَـيْ جَـبْـرَئِـيـلَ قِـبَـابُ
وَقَــبْــرٌ كَــمِــحْـرَابِ الـصَّـلَاةِ مُـطَـهَّـرٌ
عَـــلَـــيْـــهِ نَـــعِـــيـــمٌ وَارِفٌ وَثَــوَابُ
وَكَــنْــزٌ بِــهِ مِــنْ جَــنَّــةِ الْــخُـلْـدِ دُرَّةٌ
تَــرُدُّ ثَــمِــيــنَ الــدُّرِّ وَهْــيَ سِــخَـابُ
وَزَهْـــرٌ مِـــنَ الْآمَـــالِ رَفَّ بِــرَوْضَــةٍ
بِـهَـا الْأَرْضُ مِـسْـكٌ، وَالـنَّـسِـيمُ مَلَابُ
إِذَا جَــاوَزَتْــهَــا لِــلــرَّبَــابِ غَــمَــامَــةٌ
سَــقَــاهَــا مِــنَ الْـحَـبِّ الـنَّـدِيِّ رَبَـابُ
قُـلُـوبُ بَـنِـي مِـصْـرٍ خَـوَافِـقُ حَـوْلَـهَا
لَــهَــا كُــلَّ حِــيــنٍ جَــيْــئَــةٌ وَذَهَـابُ
إِذَا غَـابَ شَـخْـصُ الْـعَـبْـقَـرِيِّ بِـرَمْسِهِ
فَــلَـيْـسَ لِـفَـضْـلِ الْـعَـبْـقَـرِيِّ غِـيَـابُ!
وَإِنْ حَـجَـبَـتْ بِـيـضَ الْأَيَـادِي مَـنِـيَّـةٌ
فَــلَــيْــسَ عَــلَــى آثَــارِهِـنَّ حِـجَـابُ!
وَكَـمْ مِـنْ فَـتًـى جَـازَ الْـحَـيَـاةَ وَذِكْرُهُ
لَــــــهُ كُــــــلَّ يَـــــوْمٍ زَوْرَةٌ وَإِيَـــــابُ
وَمَــا مَــاتَ مَــنْ رَدَّ الْــحَــيَــاةَ لِأُمَّــةٍ
وَأَحْــيَــا بِــهَــا الْآمَــالَ وَهْــيَ يَـبَـابُ
إِذَا الْـمَـرْءُ لَـمْ يُـخْـلِـدْهُ فَـضْـلُ جِهَادِهِ
«فَــكُــلُّ الَّـذِي فَـوْقَ الـتُّـرَابِ تُـرَابُ»
وَهَلْ مِثْلُ إِسْمَاعِيلَ فِي النَّاسِ عَاهِلٌ
لَــهُ فَــوْقَ أَحْــدَاثِ الــزَّمَــانِ وِثَـابُ؟
طَــمُــوحٌ لَـهُ فِـي ذِرْوَةِ الـدَّهْـرِ مَأْرَبٌ
وَفَــوْقَ مَــنَــاطِ الْــفَـرْقَـدَيْـنِ طِـلَابُ
إِذَا صَـحَّ عَـزْمُ الْمَرْءِ فَالْبَحْرُ ضَحْضَحٌ
وَإِنْ خَـارَ فَـالـنَّـضْـحُ الْـيَـسِـيـرُ عُـبَابُ
وَلَــيْــسَــتْ شِــبَـاكُ الْـعِـزِّ إِلَّا عَـزِيـمَـةً
وَمَــا الْــمَــجْــدُ إِلَّا صَــوْلَــةٌ وَغِـلَابُ!
تَــمُــدُّ الــلَّــيَـالِـي لِـلْـجَـرِيءِ زِمَـامَـهَـا
وَتَــعْــنُــو لَــهُ الْأَيَّــامُ وَهْــيَ صِـعَـابُ
وَمَـا كُـلُّ مَـنْ أَرْخَـى الْـعِـنَانَيْنِ فَارِسٌ
وَلَا كُــلُّ دَاعٍ لِــلــنُّــهُــوضِ مُــجَــابُ!
إِذَا مَــا عَــدَدْنَــا مَأْثُــرَاتِ يَــمِــيــنِــهِ
عَـلَـى مِـصْـرَ لَـمْ يَـنْـفَـدْ لَـهُـنَّ حِـسَابُ
دَعَـاهَـا فَـسَـارَتْ خَلْفَهُ تُسْرِعُ الْخُطَى
وَهِــمَّــتُــهَــا لِــلْــمُــعْــضِــلَاتِ رِكَـابُ
فَـمَا الشَّوْكُ فِي أَقْدَامِهَا حِينَ صَمَّمَتْ
بِــشَـوْكٍ، وَلَا صُـمُّ الْـهِـضَـابِ هِـضَـابُ
إِذَا وَهَــنَــتْ أَذْكَــى لَــظَـى رَغَـبَـاتِـهَـا
هُــمَــامٌ لَــهُ عِــنْــدَ الــنُّــجُـومِ رِغَـابُ
وَإِنْ أَظْـلَـمَـتْ طُـرْقُ الْـمَـعَـالِي أَنَارَهَا
مِــنَ الــرَّأْيِ مِــنْــهُ وَالــذَّكَـاءِ شِـهَـابُ
رَأَتْ مِــصْــرُ فِــيــهِ عَــاهِــلًا عَـزَّ نِـدُّهُ
وَمِـنْ أَيْـنَ لِـلْـبَـدْرِ الْـمُـنِـيـرِ صِـحَابُ؟
حَـبَـاهَـا أَبُـو الْأَشْـبَـالِ جُـرْأَةَ ضَـيْـغَـمٍ
لَــهُ ظُــفُــرٌ يَــفْـرِي الْـخُـطُـوبَ وَنَـابُ
وَأَزْلَــفَــهَــا مِــلْءَ الــنَّــوَاظِــرِ جَــنَّــةً
تَــمِــيـدُ بِـهَـا الْأَغْـصَـانُ وَهْـيَ رِطَـابُ
وَأَلْـبَـسَـهَـا مِـنْ نَـهْـضَـةِ الْـغَـرْبِ حُـلَّـةً
وَكَــمْ زَانَــتِ الْـغِـيـدَ الْـمِـلَاحَ ثِـيَـابُ!
فَــفِــي كُــلِّ حَــيٍّ لِــلْــعُــلُـومِ مَـنَـابِـرٌ
وَفِــي كُــلِّ رُكْــنٍ لِــلْــفُــنُـونِ رِحَـابُ!
وَأَيْـنَ رَمَـيْـتَ الـطَّـرْفَ تَـلْـقَـى مَعَالِمًا
سَـوَامِـقُـهَـا فَـوْقَ الـسَّـحَـابِ سَـحَابُ
عَـجَـائِـبُ صُـنْـعٍ يَـصْـغُـرُ الدَّهْرُ دُونَهَا
وَكُــلُّ فِــعَــالِ الْــخَــالِـدِيـنَ عُـجَـابُ!
وَجُــهْــدٌ مِــنَ الْــفُـولَاذِ مَـا كَـلَّ زَنْـدُهُ
وَصَــادِقُ عَــزْمٍ لَــيْــسَ فِــيـهِ كِـذَابُ
وَلِـلْـجُـهْـدِ فِـي الـدُّنْـيَا نِصَابٌ وَطَاقَةٌ
وَلَــيْــسَ لِــجُـهْـدِ الْـعَـبْـقَـرِيِّ نِـصَـابُ!
•••
أَبَـا مِـصْـرَ، هَـلْ تُـصْغِي وَلِلشِّعْرِ دَمْعَةٌ
بِـهَـا الْـحُـبُّ صَـفْـوٌ، وَالْـوَفَـاءُ مُذَابُ؟
أَتَــذْكُـرُ يَـوْمًـا بِـالْـقَـنَـاةِ وَقَـدْ سَـعَـتْ
شُـعُـوبٌ، وَسَـالَـتْ بِـالْـمُـلُـوكِ شِعَابُ؟
وَأَنْــتَ تَـؤُمُّ الْـحَـشْـدَ جَـذْلَانَ هَـانِـئًـا
وَنَـجْـمُـكَ لَـمْ يَـحْـجِـبْ سَـنَاهُ ضَبَابُ
وَمِـصْـرُ بِـمُـحْـيِـيـهَـا تَـتِـيـهُ وَتَـنْـثَـنِي
كَــمَــا لَــعِـبَـتْ بِـالْـعَـاشِـقِـيـنَ كَـعَـابُ
مَـــوَائِــدُ لَــوْ مَــرَّتْ بِأَوْهَــامِ حَــاتِــمٍ
رَأَى أَنَّ مَــدْحَ الْــمَــادِحِــيــنَ سِـبَـابُ
وَمَــوْكِـبُ عِـزٍّ مَـا رَأَى الـنِّـيـلُ مِـثْـلَـهُ
وَلَا خَــطَّــهُ فِــي الـسَّـابِـقِـيـنَ كِـتَـابُ
تَــمَــنَّـتْ نُـجُـومُ الْأُفْـقِ رَوْعَـةَ زَهْـوِهِ
وَسَــالَ لِــشَــمْــسٍ أَبْــصَــرَتْـهُ لُـعَـابُ
•••
تَـفَـيَّأْتَ ظِـلَّ الـلـهِ خَـمْـسِـيـنَ حِـجَّـةً
وَجَــنَّــاتُــهُ لِــلْــعَــامِــلِــيــنَ مَــثَــابُ
وَأَدْرَكَ مِــصْــرًا مِــنْ بَــنِـيـكَ صَـوَارِمٌ
مَــوَاضٍ إِذَا اشْــتَــدَّ الــزَّمَـانُ صِـلَابُ
كِــرَامٌ إِذَا نُــودُوا أَجَــابُــوا، وَإِنْ هُــمُ
رَمَـوْا جَـبْـهَـةَ الـرَّأْيِ الْـبَـعِـيـدِ أَصَابُوا
وَهَــلْ كَــفُــؤَادٍ فِــي الْـبَـرِيَّـةِ مَـالِـكٌ؟
وَهَــلْ كَـلُـبَـابِ الْـمَـجْـدِ فِـيـهِ لُـبَـابُ؟
لَــــهُ عَـــزْمَـــةٌ وَثَّـــابَـــةٌ عَـــلَـــوِيَّـــةٌ
تَــرُدُّ صُــرُوفَ الــدَّهْــرِ وَهْـيَ حِـرَابُ
إِذَا مَـا امْـتَـرَى فِـي الْـمُعْجِزَاتِ مُكَابِرٌ
فَــسِــيــرَتُــهُ لِــلْــمُــمْــتَـرِيـنَ جَـوَابُ
وَمَــنْ مِــثْـلُ فَـارُوقٍ وَلِـلْـعَـرْشِ عِـزَّةٌ
وَلِـلْـمُـلْـكِ وَالْـمَـجْـدِ الْأَثِـيـلِ مَـهَـابُ؟
مَـــضَــاءٌ وَإِقْــدَامٌ وَجُــودٌ وَصَــوْلَــةٌ
وَآمَــــالُ حُـــرٍّ طَـــامِـــحٍ وَشَـــبَـــابُ
سَـعَـى لِـرَسُـولِ الـلـهِ يَـحْـدُوهُ شَوْقُهُ
وَلِـلـشَّـوْقِ وَالْـحُـبِّ الـصَّـمِـيمِ جِذَابُ
يُـنَـاجِـيـهِ فَـيَّـاضُ الْـمَـدَامِـعِ خَـاشِـعًا
صَـمُـوتًـا، وَصَـمْتُ الْخَاشِعِينَ خِطَابُ
رَأَى فِـيـهِ رَضْـوَى مِـثْـلَـهُ فِـي ثَـبَـاتِـهِ
وَحَــيَّـاهُ مِـنْ رَحْـبِ الْـبَـقِـيـعِ جَـنَـابُ
حَـصِـيـفٌ لَـهُ فِي مَوْقِفِ الْحَقِّ صَوْلَةٌ
وَرَأْيٌ إِذَا غُــــمَّ الـــصَّـــوَابُ صَـــوَابُ
يُـجَـمِّـعُ شَـمْـلَ الْعُرْبِ فِي ظِلِّ وَحْدَةٍ
كَــمَــا جَـمَـعَ الْأُسْـدَ الـضَّـرَاغِـمَ غَـابُ
إِذَا ابْــتَــسَــمُـوا فَـالْـبَـاتِـرَاتُ بَـوَاسِـمٌ
وَإِنْ غَــضِــبُــوا فَـالْـبَـاتِـرَاتُ غِـضَـابُ
وَفِــي كُــلِّ يَــوْمٍ مِــنَّــةٌ بَــعْــدَ مِــنَّـةٍ
إِذَا مَــا انْــقَــضَــى بَـابٌ تَـفَـتَّـحَ بَـابُ
وَكُــلُّ أَيَــادِي غَــيْــرِهِ حُــلْــمُ حَــالِـمٍ
وَكُــــلُّ نَـــوَالٍ مِـــنْ سِـــوَاهُ سَـــرَابُ
عَـتَـبْـنَـا عَـلَـى الـدُّنْيَا فَمُذْ أَشْرَقَتْ بِهِ
تَــقَــضَّــى خِــصَــامٌ بَـيْـنَـنَـا وَعِـتَـابُ
وَصُـغْـنَـا لَـهُ مِـنْ كُـلِّ مَـا تُـبْدِعُ النُّهَى
رَوَائِـــعَ، لَـــمْ يُـــبْــذَلْ لَــهُــنَّ نِــقَــابُ
فَــلَا زَالَ مَــوْفُــورَ الْــجَـلَالِ مُـسَـدَّدًا
يُــجِــيـبُ إِذَا تَـدْعُـو الْـعُـلَا وَيُـجَـابُ!

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: نُشرت هذه القصيدة عندما احتفلت مصر في عام ١٩٤٥م بمرور خمسين سنة على وفاة الخديو إسماعيل.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤