تُفَدِّيكَ النُّفُوسُ وَلَا تُفَادَى

Wave Image
تُــفَــدِّيـكَ الـنُّـفُـوسُ وَلَا تُـفَـادَى
فَأَدْنِ الْــقُــرْبَ أَوْ أَطِـلِ الْـبِـعَـادَا
أَرَانَـــا يَـــا عَــلِــيُّ وَإِنْ أَقَــمْــنَــا
نُـشَـاطِـرُكَ الـصَّـبَـابَـةَ وَالـسُّـهَادَا
وَلَـــوْلَا أَنْ يُـــظَـــنَّ بِــنَــا غُــلُــوٌّ
لَـزِدْنَـا فِـي الْـمَـقَـالِ مَنِ اسْتَزَادَا
وَقِــيــلَ أَفَــادَ بِــالْأَسْــفَــارِ مَـالًا
فَــقُــلْــنَــا هَــلْ أَفَـادَ بِـهَـا فُـؤَادَا
وَهَــلْ هَــانَــتْ عَـزَائِـمُـهُ وَلَانَـتْ
فَــقَــدْ كَـانَـتْ عَـرَائِـكُـهَـا شِـدَادَا
إِذَا سَـارَتْـكَ شُـهْـبُ الـلَّـيْلِ قَالَتْ
أَعَـــانَ الـــلـــهُ أَبْــعَــدَنَــا مُــرَادَا
وَإِنْ جَـارَتْـكَ هُـوجُ الـرِّيحِ كَانَتْ
أَكَــــلَّ رَكَــــائِــــبًـــا وَأَقَـــلَّ زَادَا
إِذَا جَـلَّـى لَـيَـالِـي الـشَّـهْـرِ سَـيْـرٌ
عَـلَـيْـكَ أَخَـذْتَ أَسْـبَـغَـهَـا حِدَادَا
تَـخَـيَّـرُ سُـودَهَـا وَتَـقُـولُ أَحْـلَـى
عُـيُـونِ الْـخَـلْـقِ أَكْـثَـرُهَـا سَوَادَا
تَـضَـيَّـفُـكَ الْخَوَامِعُ فِي الْمَوَامِي
فَــتَــقْـرِيـهِـنَّ مَـثْـنَـى أَوْ فُـرَادَى
وَيَــبْــكِــي رِقَّــةً لَــكَ كُــلُّ نَــوْءٍ
فَــتَــمْـلَأُ مِـنْ مَـدَامِـعِـهِ الْـمَـزَادَا
إِذَا صَــاحَ ابْـنُ دَأْيَـةَ بِـالـتَّـدَانِـي
جَــعَــلْـنَـا خِـطْـرَ لِـمَّـتِـهِ جِـسَـادَا
نُــضَـمِّـخُ بِـالْـعَـبِـيـرِ لَـهُ جَـنَـاحًـا
أَحَـــمَّ كَأَنَّـــهُ طُـــلِــيَ الْــمِــدَادَا
سَـنَـلْـثَـمُ مِـنْ نَـجَـائِـبِكَ الْهَوَادِي
وَنَـرْشُـفُ غِـمْـدَ سَيْفِكَ وَالنِّجَادَا
وَنَـسْـتَـشْـفِـي بِـسُؤْرِ جَوَادِ خَيْلٍ
قَـدِمْـتَ عَـلَـيْـهِ إِنْ خِفْنَا الْجُوَادَا
كَأَنَّــكَ مِــنْــهُ فَــوْقَ سَــمَـاءِ عِـزٍّ
وَقَــدْ جُــعِـلَـتْ قَـوَائِـمُـهُ عِـمَـادَا
إِذَا هَـــــادَى أَخٌ مِــــنَّــــا أَخَــــاهُ
تُــرَابَـكَ كَـانَ أَلْـطَـفَ مَـا يُـهَـادَى
كَأَنَّ بَـنِـي سَـبِـيـكَـةَ فَـوْقَ طَـيْـرٍ
يَــجُــوبُـونَ الْـغَـوَائِـرَ وَالـنِّـجَـادَا
أَبِـالْإِسْـكَـنْـدَرِ الْـمَـلِـكِ اقْـتَـدَيْتُمْ
فَـمَـا تَـضَـعُـونَ فِـي بَـلَـدٍ وِسَـادَا
لَــعَــلَّـكَ يَـا جَـلِـيـدَ الْـقَـلْـبِ ثَـانٍ
لِأَوَّلِ مَــاسِــحٍ مَــسَــحَ الْــبَــلَادَا
بِـعِـيـسٍ مِـثْـلِ أَطْـرَافِ الْـمَدَارِي
يَـخُـضْـنَ مِنَ الدُّجَى لِمَمًا جِعَادَا
عَـلَامَ هَجَرْتَ شَرْقَ الْأَرْضِ حَتَّى
أَتَـيْـتَ الْـغَـرْبَ تَـخْـتَـبِـرُ الْـعِـبَادَا
وَكَـانَـتْ مِـصْرُ ذَاتُ النِّيلِ عَصْرًا
تُـنَـافِـسُ فِـيـكَ دِجْـلَـةَ وَالسَّوَادَا
وَإِنَّ مِــنَ الـصَّـرَاةِ إِلَـى مَـجَـرِّ الْـ
ـفُــرَاتِ إِلَــى قُــوَيْـقٍ مُـسْـتَـرَادَا
مِـيَـاهٌ لَـوْ طَـرَحْـتَ بِـهَـا لُـجَـيْـنًـا
وَمُــشْــبِــهَـهَـا لَـمُـيِّـزَتِ انْـتِـقَـادَا
فَإِنْ تَــجَــدِ الــدِّيَـارَ كَـمَـا أَرَادَ الْـ
ـغَـرِيـبُ فَـمَـا الـصَّدِيقُ كَمَا أَرَادَا
إِذَا الـشِّـعْـرَى الْـيَمَانِيَةُ اسْتَنَارَتْ
فَـــجَــدِّدْ لِــلــشَّآمِــيَــةِ الْــوِدَادَا
فَــلِــلــشَّــامِ الْــوَفَـاءُ وَإِنْ سِـوَاهُ
تَـوَافَـى مَـنْـطِـقًـا غَـدَرَ اعْـتِـقَـادَا
ظَـعَـنْـتَ لِـتَـسْـتَـفِـيـدَ أَخًـا وَفِـيًّا
وَضَـيَّـعْـتَ الْـقَـدِيـمَ الْـمُـسْـتَفَادَا
وَسِـرْتَ لِـتَـذْعَـرَ الْـحِـيـتَـانَ لَـمَّـا
ذَعَـرْتَ الْـوَحْـشَ وَالْأُسُدَ الْوِرَادَا
وَلَــيْـلٍ خَـافَ قَـوْلَ الـنَّـاسِ لَـمَّـا
تَــوَلَّــى سَــارَ مُــنْــهَـزِمًـا فَـعَـادَا
دَجَــا فَــتَــلَــهَّـبَ الْـمِـرِّيـخُ فِـيـهِ
وَأَلْـبَـسَ جَـمْـرَةَ الـشَّمْسِ الرَّمَادَا
كَأَنَّــكَ مِــنْ كَــوَاكِــبِــهِ سُــهَـيْـلٌ
إِذَا طَـــلَــعَ اعْــتِــزَالًا وَانْــفِــرَادَا
جَـعَـلْـتَ الـنَّـاجِـيَـاتِ عَـلَيْهِ عَوْنًا
فَـلَـمْ تَـطْـعَـمْ وَلَا طَـعِـمَـتْ رُقَادَا
تَــوَهَّــمُ أَنَّ ضَــوْءَ الْــفَـجْـرِ دَانٍ
فَــلَــمْ تَــقْــدَحْ بِــظِـنَّـتِـهَـا زِنَـادَا
وَمَــا لَاحَ الــصَّــبَـاحُ لَـهَـا وَلَـكِـنْ
رَأَتْ مِــنْ نَــارِ عَــزْمَـتِـكَ اتِّـقَـادَا
قَـطَـعْـتَ بِـحَـارَهَـا وَالْـبَـرَّ حَـتَّى
تَـعَـالَـلْـتَ الـسَّـفَـائِـنَ وَالْـجِـيَـادَا
فَــلَــمْ تَــتْــرُكْ لِـجَـارِيَـةٍ شِـرَاعًـا
وَلَـــمْ تَـــتْــرُكْ لِــعَــادِيَــةٍ بَــدَادَا
بَأَرْضٍ لَا يَـصُـوبُ الْـغَـيْـثُ فِـيهَا
وَلَا تَـرْعَـى الْـبُـدَاةُ بِـهَـا الـنِّـقَـادَا
وَأُخْــرَى رُومُــهَـا عَـرَبٌ عَـلَـيْـهَـا
وَإِنْ لَــمْ يَــرْكَـبُـوا فِـيـهَـا جَـوَادَا
سِـوَى أَنَّ الـسَّـفِـيـنَ تُـخَـالُ فِيهَا
بُـيُـوتَ الـشَّـعْـرِ شَـكْلًا وَاسْوِدَادَا
دِيَــارُهُـمُ بِـهِـمْ تَـسْـرِي وَتَـجْـرِي
إِذَا شَـــاءُوا مُـــغَـــارًا أَوْ طِــرَادَا
تَـصَـيَّـدُ سَـفْـرُهَـا فِـي كُـلِّ وَجْـهٍ
وَغَــايَـةُ مَـنْ تَـصَـيَّـدَ أَنْ يُـصَـادَا
تَــكَــادُ تَـكُـونُ فِـي لَـوْنٍ وَفِـعْـلٍ
نَــوَاظِــرُهَــا أَسِــنَّـتَـهَـا الْـحِـدَادَا
أَقِـمْ فِـي الْأَقْـرَبِـيـنَ فَـكُـلُّ حَـيٍّ
يُـرَاوَحُ بِـالْـمَـعِـيـشَـةِ أَوْ يُـغَـادَى
وَلَـيْـسَ يُـزَادُ فِـي رِزْقٍ حَـرِيـصٌ
وَلَـوْ رَكِـبَ الْـعَـوَاصِـفَ كَيْ يُزَادَا
وَكَـيْـفَ تَـسِـيـرُ مُـبْـتَـغِـيًا طَرِيقًا
وَقَــدْ وَهَــبَـتْ أَنَـامِـلُـكَ الـتِّـلَادَا
فَــمَــا يَــنْــفَــكُّ ذَا مَــالٍ عَـتِـيـدٍ
فَـتًـى جَـعَـلَ الْـقُـنُـوعَ لَـهُ عَـتَادَا
وَلَـوْ أَنَّ الـسَّـحَـابَ هَـمَـى بِـعَـقْلٍ
لَــمَـا أَرْوَى مَـعَ الـنَّـخْـلِ الْـقَـتَـادَا
وَلَـوْ أَعْـطَـى عَـلَـى قَـدْرِ الْمَعَالِي
سَقَى الْهَضَبَاتِ وَاجْتَنَبَ الْوِهَادَا
وَمَـا زِلْـتَ الـرَّشِـيـدَ نُهًى وَحَاشَا
لِــفَــضْــلِــكَ أَنْ أُذَكِّـرَهُ الـرَّشَـادَا
وَمِــثْـلُـكَ لِـلْأَصَـادِقِ مُـسْـتَـقِـيـدٌ
وَشَــرُّ الْـخَـيْـلِ أَصْـعَـبُـهَـا قِـيَـادَا
وَرُبَّ مُــبَــالِــغٍ فِــي كَــيْــدِ أَمْــرٍ
تَــقُــولُ لَــهُ أَحِــبَّـتُـهُ اقْـتِـصَـادَا
وَذِي أَمَــلٍ تَــبَــصَّــرَ كُــنْــهَ أَمْــرٍ
فَــقَــصَّـرَ بَـعْـدَمَـا أَشْـفَـى وَكَـادَا
نُـرَاسِـلُـكَ الـتَّـنَصُّحَ فِي الْقَوَافِي
وَغَــيْــرُكَ مَـنْ نُـعَـلِّـمُـهُ الـسَّـدَادَا
فَإِنْ تَــقْــبَــلْ فَـذَاكَ هَـوَى أُنَـاسٍ
وَإِنْ تَــرْدُدْ فَــلَــمْ نَأْلُ اجْــتِـهَـادَا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: يخاطب خاله عليًّا، وكان قد سافر إلى المغرب.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤