الْعَادَاتُ

Wave Image
كُـــلُّ ابْـــنِ آدَمَ مَـــقْـــهُـــورٌ بِـــعَـــادَاتِ
لَـــهُـــنَّ يَـــنْـــقَـــادُ فِـــي كُـــلِّ الْإِرَادَاتِ
يَــجْــرِي عَـلَـيْـهِـنَّ فِـيـمَـا يَـبْـتَـغِـيـهِ وَلَا
يَــنْــفَــكُّ عَـنْـهُـنَّ حَـتَّـى فِـي الْـمَـلَـذَّاتِ
قَـدْ يَـسْـتَـلِـذُّ الْـفَـتَـى مَا اعْتَادَ مِنْ ضَرَرٍ
حَــتَّــى يَـرَى فِـي تَـعَـاطِـيـهِ الْـمَـسَـرَّاتِ
عَــادَاتُ كُــلِّ امْــرِئٍ تَأْبَــى عَــلَــيْــهِ بِأَنْ
تَـــكُـــونَ حَـــاجَـــاتُـــهُ إِلَّا كَـــثِـــيــرَاتِ
إِنِّـي لَـفِـي أَسْـرِ حَـاجَـاتِـي وَمِـنْ عَـجَبٍ
تَـــعَـــوُّدِي مَـــا بِــهِ تَــزْدَادُ حَــاجَــاتِــي
كُــلُّ الْــحَــيَــاةِ افْــتِــقَــارٌ لَا يُــفَـارِقُـهَـا
حَــتَّــى تَــنَــالَ غِــنَــاهَــا بِــالْــمَــنِـيَّـاتِ
لَــوْ لَــمْ تَــكُــنْ هَــذِهِ الْــعَـادَاتُ قَـاهِـرَةً
لَــمَّــا أُسِــيــغَــتْ بِـحَـالٍ بِـنْـتُ حَـانَـاتِ
وَلَا رَأَيْـــتَ سِـــيـــكَـــارَاتٍ يُــدَخِّــنُــهَــا
قَــوْمٌ بِــوَقْــتِ انْــفِــرَادٍ وَاجْــتِـمَـاعَـاتِ
إِنَّ الـــدُّخَـــانَ لَـــثَــانٍ فِــي الْــبَــلَاءِ إِذَا
مَــا عُـدَّتِ الْـخَـمْـرُ أُولَـى فِـي الْـبَـلِـيَّـاتِ
•••
وَرُبَّ بَـيْـضَـاءَ قِـيـدِ الْأُصْـبُـعِ احْـتَـرَقَـتْ
فِي الْكَفِّ وَهْيَ احْتِرَاقٌ فِي الْحُشَاشَاتِ
إِنْ مَــرَّ بَــيْــنَ شِــفَــاهِ الْـقَـوْمِ أَسْـوَدُهَـا
أَلْـقَـى اصْـفِـرَارًا عَـلَـى بِـيـضِ الـثَّـنِـيَّاتِ
وَلَــيْــتَــهَــا كَــانَ هَــذَا حَــظَّ شَــارِبِــهَـا
بَــلْ قَــدْ تَــفُــتُّ بِــفَــكَّــيْــهِ الْــمَـرَارَاتِ
عَــوَائِــدٌ عَــمَّــتِ الــدُّنْــيَــا مَــصَـائِـبُـهَـا
وَإِنَّــمَــا أَنَــا فِــي تِــلْــكَ الْــمُــصِـيـبَـاتِ
إِنْ كَـلَّـفَـتْـنِـي الـسَّـكَـارَى شُرْبَ خَمْرَتِهِمْ
شَــرِبْـتُ لَـكِـنْ دُخَـانًـا مِـنْ سِـيـكَـارَاتِـي
وَاخْــتَــرْتُ أَهْــوَنَ شَــرٍّ بِــالـدُّخَـانِ وَإِنْ
أَحْــرَقْــتُ ثَــوْبِــيَ مِــنْــهُ بِــالــشَّـرَارَاتِ
وَقُـلْـتُ يَـا قَـوْمِ تَـكْـفِـيـكُـمْ مُـشَـارَكَـتِي
إِيَّـــاكُـــمُ فِــي الْــتِــذَاذٍ بِــالْــمُــضِــرَّاتِ
إِنِّــي لَأَمْــتَــصُّ جَــمْــرًا لُــفَّ فِــي وَرَقٍ
إِذْ تَــشْــرَبُــونَ لَــهِــيــبًــا مِـلْءَ كَـاسَـاتِ
كِــلَاهُــمَــا حُــمُــقٌ يَــفْــتَــرُّ عَــنْ ضَــرَرٍ
يَــسُــمُّ مِــنْ دَمِــنَــا تِــلْــكَ الْــكُــرَيَّــاتِ
حَـسْـبِـي مِـنَ الْـحُـمُـقِ الْـمُـعْـتَـادِ أَهْوَنُهُ
إِنْ كَــانَ لَا بُــدَّ مِــنْ هَــذِي الْـحَـمَـاقَـاتِ
يَـــا مَــنْ يُــدَخِّــنُ مِــثْــلِــي كُــلَّ آوِنَــةٍ
لُــمْــنِــي أَلُــمْـكَ وَلَا تَـرْضَ اعْـتِـذَارَاتِـي
إِنَّ الْــعَــوَائِــدَ كَــالْأَغْــلَالِ تَــجْــمَــعُــنَـا
عَــلَــى قُــلُــوبٍ لَــنَــا مِــنْــهُـنَّ أَشْـتَـاتِ
مُــقَــيَّــدِيــنَ بِــهَـا نَـمْـشِـي عَـلَـى حَـذَرٍ
مِــنَ الْــعُــيُــونِ فَــنَأْتِــي بِــالْــمُــدَاجَـاةِ
قَــدْ نُــنْــكِـرُ الْـفِـعْـلَ لَـمْ تَأْلَـفْـهُ عَـادَتُـنَـا
وَإِنْ عَــلِــمْـنَـاهُ مِـنْ بَـعْـضِ الْـمُـبَـاحَـاتِ
وَرُبَّ شَــنْــعَــاءَ مِـنْ عَـادَاتِـنَـا حَـسُـنَـتْ
فِـي زَعْـمِـهَـا وَهْـيَ مِـنْ أَجْلَى الشَّنَاعَاتِ
عَــنَــاكِــبُ الْـجَـهْـلِ كَـمْ أَلْـقَـتْ بِأَدْمِـغَـةٍ
مِــنَ الْأَنَــامِ نَــسِــيــجًــا مِــنْ خُـرَافَـاتِ
فَــحَــرَّمُــوا وَأَحَــلُّـوا حَـسْـبَ عَـادَتِـهِـمْ
وَشَــوَّهُــوا وَجْــهَ أَحْــكَــامِ الــدِّيَــانَـاتِ
حَــتَّـى تَـرَاهُـمْ يَـرَوْنَ الْـعِـلْـمَ مَـنْـقَـصَـةً
عِــنْــدَ الــنِّــسَــاءِ وَإِنْ كُـنَّ الْـعَـفِـيـفَـاتِ
وَحَــجَّــبُــوهُــنَّ خَـوْفَ الْـعَـارِ، لَـيْـتَـهُـمُ
خَــافُــوا عَــلَـيْـهِـنَّ مِـنْ عَـارِ الْـجَـهَـالَاتِ
لَـمْ تُـحْـصِ سَـيِّـئَـةَ الْـعَـادَاتِ مَـقْـدِرَتِـي
مَــهْــمَـا تَـفَـنَّـنْـتُ مِـنْـهَـا فِـي عِـبَـارَاتِـي
فَــكَــمْ لَـهَـا بِـدَعٌ سُـودٌ قَـدِ اصْـطَـدَمَـتْ
فِـــي الــنَّــاسِ مِــنْــهُــنَّ آفَــاتٌ بِآفَــاتِ
لَـوْ لَـمْ يَـكُ الـدَّهْـرُ سُـوقًـا رَاجَ بَـاطِـلُـهَـا
مَـا رَاجَـتِ الْـخَـمْـرُ فِـي سُوقِ التِّجَارَاتِ
وَلَا اسْــتَــمَــرَّ دُخَــانُ الـتَّـبْـغِ مُـنْـتَـشِـرًا
بَــيْــنَ الْــوَرَى وَهْــوَ مَـطْـلُـوبٌ كَأَقْـوَاتِ
لَـوِ اسْـتَـطَـعْـتُ جَـعَـلْـتُ الـتَّـبْغَ مُحْتَكَرًا
فَــوْقَ احْــتِــقَــارٍ لَــهُ أَضْــعَــافَ مَــرَّاتِ
وَزِدْتُ أَضْــعَــافَ أَضْــعَــافٍ ضَــرِيـبَـتَـهُ
حَــتَّــى يَــبِــيــعُــوهُ قِـيـرَاطًـا بِـبَـدْرَاتِ
فَــيَــسْــتَــرِيـحَ فَـقِـيـرُ الْـقَـوْمِ مِـنْـهُ وَلَا
يُــبْــلَــى بِــهِ غَــيْـرُ مُـثْـرٍ ذِي سَـفَـاهَـاتِ
•••
الْــحُــرُّ مَــنْ خَـرَقَ الْـعَـادَاتِ مُـنْـتَـهِـجًـا
نَــهْـجَ الـصَّـوَابِ وَلَـوْ ضِـدَّ الْـجَـمَـاعَـاتِ
وَمَـنْ إِذَا خَـذَلَ الـنَّـاسُ الْـحَـقِـيـقَـةَ عَـنْ
جَــهْــلٍ أَقَــامَ لَــهَــا فِـي الـنَّـاسِ رَايَـاتِ
وَلَــمْ يَــخَــفْ فِـي اتِّـبَـاعِ الْـحَـقِّ لَائِـمَـةً
وَلَـــوْ أَتَـــتْـــهُ بِــحَــدِّ الْــمَــشْــرَفِــيَّــاتِ
وَعَــامَــلَ الــنَّــاسَ بِـالْإِنْـصَـافِ مُـدَّرِعًـا
ثَــوْبَ الْأُخُــوَّةِ مِــنْ نَــسْــجِ الْـمُـسَـاوَاةِ
أَغْـــبَــى الْــبَــرِيَّــةِ أَرْفَــاهُــمْ لِــعَــادَتِــهِ
وَأَعْـــقَـــلُ الـــنَّـــاسِ خَـــرَّاقٌ لِــعَــادَاتِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤